الشارع المصري

إدمان القمار الإلكتروني والجريمة

الثراء السريع حلم يراود الكثير من الشباب اليوم من خلال الأدوات الإلكترونية الحديثة، وما يُساعد على رواج مثل هذه الأفكارالنماذج المنتشرة على وسائل التواصل الإجتماعي والتي استطاعت تحقيق ثروات طائلة من خلال تلك الأدوات من صناعة المحتوى أو استغلال الشائعات والتريندات لتحقيق عدد مشاهدات ومتابعات كبيرة وهو ما يمكنهم من الحصول على مقابل مالي كبير، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد وإنما يقوم هؤلاء الأشخاص بالترويج لذلك من خلال الإعلان عن الممتلكات باهظة الثمن التي استطاعوا إمتلاكها في فترات زمنية بسيطة.


وهو ما يدفع الكثير من الشباب المصري نحو البحث عن الربح من وسائل التواصل الإجتماعي دون النظر إلى طبيعة ما يُقدمه أو القيمة المضافة من خلاله للمجتمع، وهو ما يُهدد مجتمعنا المصري بشكلٍ كبير مستقبلاً ويجعل من الجيل الجديد الذي سيكون المكون الأساسي لهذا المجتمع خلال بضع سنوات بنيان هش لا أساس له ولا أسس غير محمل بهويته الوطنية ولا بالسعي نحوالأهداف والانجازات العظيمة وإنما سيُزيد من الفردية وإتباع الأدوات التي تحقق الأرباح الآنية دون النظر إلى المستقبل أو القيمة.


ومن أخطر تلك الأدوات هي منصات القمار الإلكتروني التي تستدرج الشباب من خلال الإعلانات الترويجية التي تخاطبهم باللغة المناسبة لهم أو إستخدام الوسطاء المعتمدين “الوكلاء” وكذلك ترشيحات الأصدقاء، ولا يقتصر الخطر من إستخدامها على تعزيز رغبات الثراء السريع والبُعد عن القيم، وإنما يصل الأمر إلى الإدمان وممارسة الجرائم مثل القتل والإنتحار والإحتيال، بالإضافة إلى الإستيلاء على البيانات الشخصية للمستخدمين وتعرضهم للمخاطرة الشديدة نتيجة ذلك.


واستطاعت تلك المنصات الغير خاضعة للرقابة أو حتى الملاحظة الأسرية والإجتماعية أن تجعل من ممارسة القمار أمراً بالغ السهولة؛ فمن الممكن أن يُمارس الشاب القمار الإلكتروني وهو جالس وسط اسرته أو في أي مكان من خلال هاتفه دون أن يلحظه أحد، حتى يصل إلى مرحلة الإدمان ومنها إلى الجريمة أو الإنتحار في كثير من الأحيان.


وعلى الرغم من تجريم القانون المصري لممارسة القمار بالنسبة للمصريين فإن تلك المنصات الإلكترونية يقف القانون أمامها عاجزاً ولا يستطيع التصدي لها لإختلاف طبيعتها عن طبيعة المنشآت السياحية والعامة التي يمكن مراقبتها والسيطرة عليها.


وهو ما يجعل مواجهة هذه الظاهرة أمر حتمي يستلزم تضافر الجهود لكافة مكونات المجتمع بداية من الأسرة وكذلك أجهزة الدولة التشريعية والرقابية والتنفيذية من أجل حماية المجتمع المصري من مثل تلك الممارسات التي تُهدد استقراره وتشوه مكوناته وتُضعف بنيانه.

 

 


وهو ما يُعرف بــ “اضطراب المقامرة” وهو إستمرارية الرغبة في المقامرة مع فقد السيطرة على النفس على الرغم من تأثيراتها السلبية الملحوظة وهو من صور الإدمان؛ فالمقامرة يمكن أن تحفز جهاز المكافأة في الدماغ مثل المخدرات، وهي حالة مرضية خطيرة تستنزف المدخرات وقد تصل بالبعض إلى السرقة أو الإحتيال للحصول على الأموال.


ومن أشهر أعراض إدمان المقامرة؛ الإنشغال والتخطيط الدائم لأنشطة المقامرة وكيفية الحصول على المزيد من الأموال، الحاجة إلى المقامرة بمبالغ متزايدة للشعور بالإثارة، محاولة التحكم في المقامرة أو الحد منها أو إيقافها من دون جدوى، الشعور بالقلق أو العصبية عند محاولة الحد منها، المقامرة للهرب من المشكلات أو تخفيف الشعور بالعجز أو الذنب أو القلق أو الإكتئاب، محاولة استعادة المال الذي خسرته عن طريق المزيد من المقامرة فيما يُعرف بـ “ملاحقة الخسائر” ، الكذب على أفراد العائلة أو الآخرين لإخفاء حجم الأموال التي تنفقها على المقامرة، المخاطرة بالعلاقات المهمة أو الوظيفة أو الدراسة أو فرص العمل أو فقدها بسبب المقامرة، طلب المال من الآخرين لتخرج من الضوائق المالية بسبب خسارتك لمالك فيها.


بالإضافة إلى بعض المشكلات الخاصة بالصحة العقلية؛ حيث غالباً ما يواجه مدمني القمار مشكلات أخرى مثل إدمان المخدرات أو أضطرابات الشخصية أو الإكتئاب أو القلق أو الاضطراب ثنائي القطب أو إضطراب الوسواس القهري أو إضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.


وهو ما ينتج عنه بعض المضاعفات مثل مشكلات في القدرة الجنسية، ومشاكل مالية قد تصل إلى الإفلاس، والعديد من المشكلات القانونية مثل السجن وما شابه ذلك، وسوء الأداء في العمل أو فقد الوظيفة، وتدهور الحالة الصحية بشكل عام، والإنتحار ومحاولات الانتحار أو تكرار الأفكار الإنتحارية، وبالتالي لا يستطيع الشخص الإلتزام بالواجبات العائلية والإجتماعية والمهنية، ويلجأ دائماً إلى الأكاذيب والإنسحاب من الأنشطة المفيدة التي كان يفضلها قبل وصوله لمرحلة الإدمان، مع التقلبات المزاجية ونوبات الغضب المفاجئة.


ومن الممكن تقسيم مراحل تطور إدمان المقامرة إلى ثلاثة مراحل:


1- المرحلة المبكرة


وهي المرحلة التي تتحقق بها بعض المكاسب الأولية وهو ما ينقل للشخص الممارس صورة إيجابية عن المقامرة، ويتكون لديه الإعتقاد أنه يحقق تلك المكاسب نتيجة لموهبته الشخصية وليس عن طريق الصدفة.


2- مرحلة التعود الحرجة


وفيها يتجه الممارس نحو زيادة مبالغ المراهنات المالية، ومن هنا تبدأ ظهور الخسائر خاصة في المراهنات الإلكترونية ومن ثم ينتقل الشخص إلى “مطاردة الخسائر” من خلال زيادة مبالغ المراهنات بقصد تعويض الخسائر وهو ما يُكبده المزيد من الخسائر، حتى وإن توقف عن المقامرة لبعض الوقت هذا لا ينفي أنه في تلك المرحلة الوسطى الحرجة والتي تسبق وصوله إلى مرحلة الإدمان مباشرة.


3- مرحلة الإدمان


وهي مرحلة فقد السيطرة بالكامل على أوقات اللعب والأموال المراهن بها من قبل الممارسون، ويزداد بها لجوئهم إلى الكذب والخوف وكذلك الشعور بالذنب، مع بداية تراكم الديون وظهور المشكلات الخاصة بالقدرة الجنسية وصعوبات إتمام الأعمال اليومية والمهام الوظيفية المعتادة، وخلال هذه المرحلة يصبح الممارسون عُرضه للإكتئاب والأفكار الإنتحارية، مع بعض التطورات الخاصة بسلوك الإدمان والمتمثلة في إدمان أشياء أخرى من الكحول.


ومن أشهر تلك الحالات التي حدثت في مصر كانت إنتحار شاب لخسارة مبلغ 50 ألف جنيه بسبب لعبة مراهنات إلكترونية عام 2020 وكان عمره 28 عام حين ألقى بنفسه من مسكنه بالطابق الرابع وتوفي تاركاً رسالة أنه من قام بالإنتحار، وذكر والده أن السبب وراء ذلك هو خسارة ابنه المبلغ المذكور من خلال إحدى منصات المراهنات الإلكترونية والتي تُسمى “أوليمبيك ترند” وهو ما أدى إلى مروره بأزمة نفسية واكتئاب خلال أخر فترة في حياته.

 


لا تقتصر الآثار المترتبة على إدمان القمار والاضطرابات النفسية المصاحبة له على جرائم إيذاء النفس وإنما تتطور في بعض الحالات لجرائم قتل بشعة تختفي معها مبادئ الإنسانية والحدود الدنيا من الرحمة وتتنافي تماماً مع الفطرة السليمة.


قتل الأب ابنته ثم اختلق رواية اختطافها؛ فقد عاني الأب من تراكم الديون نتيجة الخسائر الفادحة التي تكبدها من ممارسة القمارالإلكتروني وهو ما دفعه للتخلص من ابنته بالقتل والصاق التهمة بشخص آخر، وبالنظر إلى الأمر فنجد عدة الأمور هامة منها إدمان الأب للقمار ومعاناته من اضطراب المقامرة الذي دفعه إلى ملاحقة الخسارة وهو ما أدى إلى تراكم الديون عليه، ثم التصرف مع المشكلة من منطلق يؤكد عدم استقراره النفسي وهو خطف ابنته، ولم يكتفي بذلك بل تطور الأمر إلى جريمة تتنافي مع المنطق والفطرة السليمة وهي قتل ابنته، فنتيجة ممارسة القمار الإلكتروني هنا لم تقتصر على الخسارة المادية الكبيرة وإنما تحول من خلالها هذا الشخص إلى مدمن مضطرب مختل مشوه الفطرة، وهو ما يُنذر بمدى خطورة ممارسة هذه الألعاب.


وقتل مدرس أحد طلابه في محافظة الدقهلية بعد اختطافه من أجل طلب فدية من الأهل، وقد قام بجريمته نتيجة خسارته مبلغاً كبيراً في إحدى تطبيقات المراهنات، وأكد المتهم أنه لم يكن يريد قتل الطالب وإنما خلال تصوير فيديو المساومة من أجل إرساله إلى أهل الضحية تم قتله عن طريق الخطأ، ثم استعان بأحد أقاربه من أجل تقطيع الجثة ونثرها في عدة أماكن لإخفاء الجريمة لكن تم اكتشاف الجريمة وإثبات وجود الطالب مع القاتل قبل اختفاؤه مباشرة، وقد أعترف القاتل بإدمانه للقمار الإلكتروني، وقد أكدت زوجته أنه يعمل في مجال الدروس الخصوصية ولديه عائد شهري معقول يصل إلى عشرون ألف جنيهاً، وهذا ما يؤكد أن الرغبة في الثراء السريع من أهم الدوافع وراء ممارسة القمار الإلكتروني.

 

 

 


ظهرت منصة SGO في مصر وخسر آلاف المصريين مدخراتهم من خلالها ثم اختفت، وفي حوار مع أحد الشباب من محافظة القليوبية قال أنه بدأ في استخدام هذه المنصة من خلال رابط دعوة أرسله له أحد الأصدقاء طمعاً في تغيير حياته للأفضل من خلال ربح مبالغ كبيرة من خلال عمليات المراهنات، ثم قام بإيداع كل ما يملكه وهو مبلغ 25 ألف جنيه، بخلاف أن جزء كبير من هذا المبلغ كان قد قام بإقتراضه من أحد الأصدقاء، ثم فوجئ بخبر إغلاق المنصة دون التمكن من استرداد امواله، وأصبح مدين بمبلغ كبير ومطالب بسداده.


“منصة SGO” منصة تداول رقمية ترتكز على فكرة المراهنات الكروية؛ ظهرت المنصة التي كانت تروج لنفسها أنها موجودة في السوق الهندي منذ ديسمبر 2022 وظهرت لأول مرة في مصر في يونيو 2023 وبعد العمل بضعة أشهر استطاعت المنصة فيها جمع مئات الملايين من آلاف المصريين على شكل إيداعات ورهانات بلغت نحو نصف مليار جنيه فوجئ الجميع باختفاء المنصة.


فتاة أخرى من محافظة الإسكندرية أيضاً بدأت باستخدام المنصة من خلال إحدى صديقاتها، ربحت في البداية بعض المبالغ البسيطة حيث كانت تضع مبالغ صغيرة للتأكد من جدية الأمر، وبمجرد إيداعها مبلغ كبير طالبتها المنصة بدفع الضرائب ورغم أنها استجابت للطلب إلا أنه تكرر أكثر من مرة وحتى الحصول على أموالها اضطرت إلى الدفع مجدداً حتى بلغ إجمالي ما دفعته 48 ألف جنيه وكما حدث مع غيرها اختفت المنصة.


وقال محامي ضحايا عملية النصب خالد عبد العزيز أن عدد الضحايا 80 ألف شخص وإجمالي المبالغ المنهوبة تجاوزت 500 مليون جنيه، ومن خلال تواصله مع مختصين في مجال البرمجة تبين أنه لا يشترط إجراء ترخيص قبل البدء في إنشاء منصة إلكترونية وأن هناك عدد كبير من المنصات تعمل بدون تراخيص أو أوراق ثبوتية.

 

 


وفي تصريحات المهندس أحمد طارق خبير أمن المعلومات “معظم منصات المراهنات وكذلك مواقع التداول الرقمي العاملة في منطقتنا العربية عبارة عن عمليات للنصب ولا يدري أحد ما المقصود من ورائها، وأن موقع 1xbet الشهير للمراهنة على نتائج المباريات٬ ولا يتم تحميله على الهواتف من خلال المتجر المعتمد للأندرويد “أو آبل” وهو أمر اعتبره كارثي لأن بيانات الهاتف ستكون في خطر وبمجرد حصول التطبيق على إذن التثبيت تتم عملية اختراق مباشرة ومراقبة واستهداف كامل البيانات المتاحة، وأن هذه المنصات لها هدف رئيسي وهو (الهندسة الاجتماعية) وهو فن اختراق عقول البشر وهي استراتيجية تتبعها معظم منصات المراهنات الشهيرة فبمجرد تثبيت التطبيق يتم منح المشترك مقابلاً مادياً ليبدأ اللعب عن طريق مضاعفة الشحنة الأولى ومع بداية الممارسة يدخل الشخص في دوامة لا يمكن الخروج منها وما يحفز ذلك؛ الفيديوهات التي يشاهدها الآخرين الذين يروجون للمنصات والادعاء بأنهم حققوا ربحاً وفيراً من خلالها، يتم استقطاب المشاركين من خلال مروجين “وكلاء”، ويتم استهداف شريحة الشباب بين 18 و40 عامًا ويمثلون نسبة كبيرة لأن جزء كبير من هذه الشريحة يحب تجريب الأشياء الجديدة المختلفة فضلاً عن السعي إلى تحقيق الربح السريع وهو ما يعتقد أنه سيجده في منصات المراهنات”.


ويقول مستشار الأمن السيبراني والتحول الرقمي رولاند أبي نجم “كل منصات الاحتيال تعمل بنفس المبدأ وهو تقديم وعود براقة بتحقيق أرباح كبيرة وإمكانية الاستثمار وأنت في بلدك مع التأكيد على أرباح تصل إلى 30 و 40%، وتعتمد على عدة عوامل إما الاستثمار بالعملات المشفرة أو من خلال التسويق الهرمي حيث تقوم بجمع الأموال من الناس مقابل دفع أرباح رمزية يتم تجميعها من المشتركين أنفسهم، وبمجرد إيداع المشتركين مبالغ كبيرة تختفي”.


ومن أشهر النماذج عن المنصات التي كانت ذات ثقة ثم تم اتهامها في قضايا احتيال وغسيل اموال منصة FTX٬ التي حكم على مؤسسها سام بانكمان فريد بالسجن لمدة 25 عامًا، ومنصة (باينانس) التي اضطرت الى دفع مبلغ 4.3 مليار دولار بعد أن وافق القاضي على صفقة الإقرار بالذنب في تهم مكافحة غسيل الأموال والعقوبات لحل تحقيق طويل الأمد أجراه المدعون العامون والمنظمون.


كما لدينا حادثتين في صعيد مصر حول هذا الأمر، ويوجد بينهما تشابه كبير؛ حيث يقوم الأهالي بجمع الأموال وإيداعها لدى أحد الأشخاص بغرض إستثمارها لهم من خلال منصات المراهنة الالكترونية، ثم يتم تبديد الأموال من قبل الشخص هذا أو خسارتها بالفعل من خلال عملية المقامرة التي يقوم بها، ويكون الدافع وراء الأشخاص راغبي الاستثمار وكذلك الشخص المفوض عنهم هو تحقيق الثراء السريع، حيث يتوجه إليه هؤلاء المواطنون بغرض الحصول على نسب الأرباح التي يقدم بها وعود والتي تبدو مرتفعة كثيراً مقارنة بالنسب التي تحققها القنوات الإستثمارية القانونية من خلال البنوك والعقارات والطرق العديدة الأخرى المتعارف عليها، وكذلك المحرك الأساسي لهذا الشخص يكون الرغبة ذاتها في تحقيق مكاسب كبيرة وفي أوقات قصيرة؛ إما من خلال الإستيلاء على تلك الأموال بغرض النصب وتحت ستار الإستثمار أو المراهنة بالفعل بتلك الأموال رغبة منه في زيادة قيمة الرهان من أجل الحصول على مكاسب كبيرة.

 

 

نص قانون العقوبات المصري في مادته رقم 352 على أن “كل من أعد مكاناً لألعاب القمار وهيأه لدخول الناس فيه يُعاقب هو وصيارف المحل المذكور بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه وتُضبط جميع النقود والأمتعة في المحلات الجاري فيها الألعاب المذكورة ويحكم بمصادرتها”.


كما عرف قانون العقوبات ألعاب القمار بأنها “الألعاب ذات الخطر على مصالح الجمهور لأن الربح فيها يكون موكولاً للحظ أكثر منه للمهارة”٬ وهو ما ينطبق على تطبيقات المراهنات الإلكترونية المنتشرة بين الشباب في مصر اليوم وتعتبر مادة القانون هذه من الأسباب الواضحة والقوية لحظر تلك المنصات من العمل داخل مصر وفرض القيود اللازمة لتقييد نشاطها.


ولكن لا توجد تشريعات حتى الآن تستطيع تقييد هذا النوع الحديث من القمار بشكل فعال نظراً لما لهذه التطبيقات من طبيعة خاصة تختلف عن أشكال القمار التقليدية المنصوص عليها في القانون المصري.
وما يحدث الآن في مصر هو أن الجهات التنفيذية تتعامل مع الجرائم الناتجة عن إدمان القمار في صورتها الإعتيادية سواء كانت قتل أو احتيال أو سرقة دون اتخاذ خطوات تجاه الأسباب الرئيسية وهي تلك المنصات التي انتشرت في المجتمع المصري.

 

 

تنتشر المراهنات الإلكترونية والترويج لها في مصر نتيجة عدم قدرة التشريع المصري على مواجهة الظاهرة بالفاعلية الكافية حتى الآن؛ ولكن للمشكلة أبعاد عديدة بخلاف التشريعات، فالبُعد الإجتماعي والرقابة الأسرية لها دور كبير في الحد من هذه الظاهرة، فلابد من متابعة الشباب وعدم ترك مجال الحرية لهم في استخدام الوسائل التكنولوجية وأساليب الدفع الإلكتروني والحسابات البنكية دون رقابة، مع ملاحظة مستوى الاستقرار النفسي الذي يتمتع به هؤلاء الشباب؛ فكما ذكرنا هناك العديد من الاضطرابات النفسية واضطرابات الشخصية المرتبطة بمثل تلك الممارسات وحين ظهور أي من هذه الأعراض لابد من أخذ الأمر على محمل الجدية والتعامل معه من خلال مختصين للحد من تفاقم المشكلة.


هناك دور للمؤثرين ممن لديهم متابعات بأعداد كبيرة من الشباب؛ يجب عليهم توعية المجتمع بمثل تلك الممارسات والمخاطر المحيطة بها، وفضح حقيقة تلك المنصات التي تعمل على نهب ثروات الأفراد المشاركين بها وإيصالهم إلى الاستدانة وبعضهم إلى الجريمة أو الإنتحار، يجب عدم تجاهل الأمر وأن يكون أولوية مجتمعية وإبراز قصص الضحايا من خلال وسائل التواصل الإجتماعي من أجل توعية الناس بمدى خطورة تلك المنصات.


وعلى المستوى الرسمي يجب طرح القضية للحوار المجتمعي من أجل الخروج بحزمة تشريعات وإجراءات تنفيذية قادرة على تقليص تلك الممارسات إلى أقصى حد ممكن؛ من خلال فرض قيود على وسائل الدفع الإلكتروني المختلفة، وحجب جميع المنصات التي تمارس هذه الأنشطة، وكذلك منع استخدام البطاقات الائتمانية للدفع خلال هذه المنصات للحد من تراكم الديون على من يمارس هذه المراهنات، منع جميع الأندية الرياضية واتحادات الألعاب المختلفة من التعاقد مع مثل تلك المواقع وتغليظ العقوبات لمن يتجاوز القانون.


ولابد من الوصول إلى آلية عمل مشتركة نتمكن من خلالها من حصر عدد المشاركين في تلك المنصات وهو ما سيمكننا من تحديد حجم المشكلة وكذلك أفضل الطرق للتعامل معها؛ تبدأ من الأسرة التي لابد وأن تعترف أن العالم اليوم مختلف والشباب في حاجة إلى تعلم المهارات الحديثة الخاصة بالبرمجة وأدوات الذكاء الاصطناعي ومجالات الأمن السيبراني وكذلك صناعة المحتوى على الأسس السليمة من أجل إيجاد مكان وسط المجتمع في المستقبل وإتاحة الفرصة أمامهم لتحقيق الذات وصناعة الثروات بالطرق المشروعة والتي ستكون من أفضل طرق الوقاية الفعالة التي تمنعهم من الإنسياق إلى الطرق منعدمة القيمة أو الغير شرعية لتحقيق المكاسب السريعة.

 

اقرأ أيضًا:

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية