اللاجئين السودانيين.. الحكومة تفتح ذراعيها والمواطن يتحمل التكلفة
اقتصاد سوداني بلا عوائد للمصريين
في ظل الصراع المسلح الممتد والمتمدد في ربوع السودان منذ منتصف أبريل 2023، أضحى توافد الأشقاء السودانيين لمصر وانخراطهم في النسق الاجتماعي والاقتصادي للحياة المصرية أكثر تأثيرا وأكبر نفوذا من ذي قبل.
سارعت الحكومة المصرية بتقنين أوضاع اللاجئين بإطلاق حملة «سارع بتصحيح أوضاعك بمصر» التي تنتهي نهاية يونيو الجاري، والهادفة لحصر أعداد اللاجئين وحصولهم على كارت الإقامة الذكي الذي بموجبه تستمر الدولة في توفير الخدمات الصحية والتعليمية.
مصر تساوي بين مواطنيها والمهاجرين واللاجئين بل وطالبي اللجوء في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وفقا لتقرير المنظمة الدولية للهجرة الصادر في أغسطس 2023، متحملة تكلفة باهظة الثمن.
يبشر المتفائلون بالاستثمارات السودانية في مصر والتي يمكن أن تحقق طفرة في أداء الاقتصاد بينما المتشائمون يقللون من الدور الاقتصادي لهم مقارنة بالسوريين ويحذرون من تحديات اجتماعية أخرى لن تعوضها المكاسب المادية إن وجدت.
لا تخطىء عينك المحلات السودانية المتركزة في أحياء عين شمس والجراج والعرب وفيصل وغيرهم كما ستراهم سائقين للميكروباصات وبائعين في السوبر ماركت ومقدمي خدمة في المطاعم الشعبية وغيرها إلا أن النشاط الاقتصادي للاجئين السودانيين في مصر يتجاوز هذه الأنشطة بعد أن بدء في مرحلة التكيف للتعايش لفترة لن تنتهي إلا بعودة الهدوء لبلادهم.
يوضح مصطفى إبراهيم عامل بمنطقة أرض اللواء أن الوافدين حلوا مكان كبيرًا من العمالة المصرية اليومية في قيادة التكاتك وعمال المقاهي والمطاعم وغيرها بسبب انخفاض المقابل المادي من جهة وقدرتهم على أداء أكثر من عمل يدوي على مدار اليوم.
ويؤكد أن توافد السودانيين على المنطقة تسبب في مضاعفة الإيجار عليه فبعد أن كان إيجار الشقة مساحة 60 متر ألف أصبح ألفين جنيه، أما الشقة مساحة 100 متر فأصبحت بـ4000 جنيه بدل من 1500 جنيه في السابق، ويستكمل قائلًا أن المشاجرات تنشأ بيننا وبينهم لأسباب مختلفة فمنها ما ينشأ نتيجة تعرض المصريات أو السودانيات للتحرش من رجال الجانب الآخر، ومنها ما يتفاقم نتيجة عادات الأخوة من تناول الكحوليات والسير في الشوارع، والخلاف على أجرة التوكتوك سبب آخر ونزاعات الأطفال لا تتوقف على مدار اليوم.
حسين محمود سمسار عقارات يقول إن الإيجار ارتفع داخل منطقة النعام بحي عين شمس إلى 5000 جنيه مقارنة بنحو 1700 جنيه بعد توافد السودانيين للمنطقة بغزارة خلال عامين الماضيين، موضحًا أن المؤجر يفضلهم عن المصريين بسبب المقبل المادي بالتأكيد، كما لا يهتم بعدد الساكنين لأن في نهاية مدة الإيجار تحتسب جميع التلفيات من قيمة مبلغ التأمين المدفوع مقدمًا ولا يكون الاتفاق أسهل من التعامل مع المصريين.
وتواجه منطقة فيصل أيضًا ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الإيجار ويتراوح إيجار الشقة مساحة 100 أو 115 مترا ما بين 5 إلى 6 آلاف جنيه، ما دفع بعض أصحاب الوحدات لتأجيرها مقابل الانتقال إلى مناطق أقل سعرًا وأكثر شعبية للاستفادة من المقابل المادي لمواجهة الضغوط الاقتصادية الحالية بحسب تأكيد إنجي ناصر المقيمة بالحي.
“اللاجئين أسسوا مجتمع سوداني اقتصادي كامل” بهذه العبارة تصف إنجي ناصر باحثة أنثروبولوجيا بكلية الدراسات الإفريقية وقاطنة بمنطقة فيصل، افتتحوا عددا من المحلات لبيع مستحضرات التجميل والخبز والبهارات واللحوم وغيرها إلا أن المصريين لا يشترون منها بدافع اختلاف ثقافة الطعام السوداني عن ثقافتنا المصرية ولا هم يتعاملون مع المحلات المصرية التي لها بديل سوداني.
أضف أن وسائل المواصلات الداخلية “التكاتك” تحبذ التعامل مع الوافدين عن المصريين بسبب المقابل المادي المرتفع مقارنة بما ندفعه كمصريين مدركين لقيمة المسافة المقطوعة، بالتالي أصبحنا مضطرين لدفع نفس القيمة وإلا لن نذهب إلى أعمالنا كل صباح.
الدكتور طارق حامد رئيس مجلس أمناء مؤسسة جانج السودانية للتدريب يقول إنه مقيم في مصر منذ وباء كورونا في 2020، وأنشىء أكاديمية خاصة بجهوده الذاتية لتنمية وتطوير قدرات ومهارات اللاجئين السودانيين لمساعدتهم على التكيف مع الحياة الجديدة في مصر، موضحًا أنه أسس مع مواطنين مصريين مؤسسة أهلية للتمكن من العمل بشكلٍ شرعي ورسميّ للاستفادة من المزايا والتسهيلات التي توفرها الدولة للمؤسسات، ليقدم من خلالها الدعم بصورة أكبر للعائلات السودانية وتوفير دخل مادي لهم.
وعَدد حامد أهم الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها اللاجئين في مصر ما بين محلات الطعام أو بيع مستحضرات سودانية ومحلات لبيع اللحوم وغيرها من الأعمال التجارية، مضيفا أن المؤسسة وقعت بروتوكول مع اتحاد الغرف التجارية لتدريب الشباب كعمالة في المصانع وتشغيلهم بعقود عمل قانونية موثقة، ولم تتوقف المشروعات السودانية في مصر عند هذا الحد بل شرع رجال الأعمال السودانيين في مصر توجيه استثمارات كبيرة في الزراعة بنطاق محافظة الوادي الجديد للاستفادة من خبرة اللاجئين في الأعمال الزراعية بما يشكل إضافة للاقتصاد المصري.
مشيرًا إلى أن المؤسسة عملت على تنمية المرأة السودانية في مصر من خلال دعم الأعمال اليدوية الخاصة بها ومنها سعف النخيل والكروشيه والكريستال وغيرها، مضيفًا “نظمنا معارض خاصة لتسويقها وتباع أغلبها خلال بما يوفر دخل يعيننا على مواجهة الحياة”.
ويؤكد أن الإجراءات الحكومية لتقنين الأنشطة الاقتصادية للاجئين ليست معقدة ولا تفريق بيننا وبين المواطنين المصريين إلا في إجراءات الإقامة القانونية ويمكن إنهاءها من خلال محامي متخصص، متابعا “التقنين للمشروعات متاح عبر الهيئة العامة للاسثمار وتختص بالقطاعات الكبيرة الخاصة برجال الأعمال والتي يسري عليها قوانين الاستثمار المصرية، أما المشروعات الصغيرة من محلات لا تتطلب سوى إصدار ترخيص من الحي التابع له مقابل مبلغ مالي، وفي حالة محلات الطعام فالشهادات الصحية تكون واحدة من ضمن الاشتراطات”.
ويكشف أن الجمعيات الأهلية المصرية نفذت عددا من المشروعات الصغيرة للاجئين وقننت الإجراءات من خلالها مستفيدة من التسهيلات التي يوفرها القانون لها.
وأشار أن منظمة اللاجئين تدعم الوافدين بطرق مختلفة ليس من بينها الدعم النقدي المباشر، إلا أنها توفر لهم سلال غذاء نهاية كل شهر وتوفر فرص عمل بشكل محدود بالتعاون مع بعض الجهات الخاصة داخل مصر، كما تُنفذ برامج تعليمية للأطفال وتدعم كذلك المشروعات ذات التكلفة المنخفضة من خلال التعاون مع الجمعيات الأهلية المصرية أو ما نسميهم شركاء المنظمة، مع العلم أن في حالة فشل المشروع لا تقوم المنظمة بإعادة دعمه مرة أخرى.
تركز اللاجئين في مناطق معينة داخل البلاد مقصود ولكنه غير مخطط من جهة أو مؤسسة، لأن من الطبيعي أن الوافدين أغراب عن البلاد ولا يطمئنون إلا بوجود أقاربهم على مقربة منهم لذا تجد كل عائلة تفد إلى مصر حريصة على الإقامة بمناطق تجمعهم وهذا ما يفسر تواجدهم في مناطق بعينها، ولا ننسى أن الطبيعة القبلية للسودان تفرض عليهم العيش سويًا متجاورين.
لا تعد مضايقات منظمة ولا نستطيع أن نعدها ممنهجة أو منظمة في ظل ندرة حدوثها مقارنة بعدد اللاجئين السودانيين في مصر بهذه العبارة علق الدكتور جمال على مدى تعرض السودانيين للمضايقات من المصريين.
وعلى الرغم من سهولة الإجراءات كما يوضح الدكتور حامد إلا أن كثيرا من العاملين امتنعوا عن الحديث لعدم امتلاكهم تصاريح عمل أو إقامة قانونية داخل البلاد، وتخوفهم من التعرض لمضايقات لأنهم لم يجددوا الإقامة أو لا يمتلكونها من الأساس.
وتوضح س.ج صاحبة محل لبيع مستحضرات تجميل سودانية بمنطقة حلمية الزيتون أن المتعاملين معها أغلبهم من السودان مع قليل من النساء المصريات اللاتي يدخلن لها بدافع الفضول، مؤكدة أنه لا يوجد مضايقات إلا من الشباب الصغير والتي تنتهي سريعًا على أيدي كبار المنطقة، إلا أنها رفضت إعطاء مزيد من التفاصيل لأن “الزول الكبير” كما أسمته شَدد عليهم عدم الاختلاط أو التعامل مع أحد إلا من خلاله.
ينفى الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادي التأثير السلبي للاجئين السودانيين على الاقتصاد المصري مشيرًا أن اتهامهم برفع الأسعار باطل لأن التاجر والمؤجر وغيرهم مصريين استغلوا جهلهم بقيمة الخدمات لتحقيق ربح أعلى وفقًا لمبدأ العرض والطلب في السوق الحر.
وتابع أن الدولة عليها الاستفادة من الطاقة البشرية السودانية الخبيرة في قطاع الزراعة وتربية الماشية، علمًا بأن مصر تُعاني من نقص في الأيدي العاملة في الأعمال الزراعية، لافتا النظر أن الدولة تهدف إلى زراعة 4 ملايين فدان خلال العامين المقبلين بما يعاني حاجة مصر إلى 4 عمال زراعيين على الأقل للفدان الواحد بإجمالي 16 مليون مُزارع نستطيع توفيرهم من خلال الأخوة السودانيين.
ورفض النحاس التناغم مع الأصوات المطالبة بالترحيل والحد من الخدمات منبهًا أن المصريين المنتشريين في أنحاء العالم والخليج خصوصا مهددين بالتعرض لمثل هذه الضغوط إلا أن دول الاستضافة استطاعت الاستفادة منهم عبر التخطيط العلمي الدقيق والذي ننتظر تحقيقه مع السودانيين لتكرار التجربة السورية الناجحة في مصر.
وعلى جانب آخر ناشد الإعلامي المصري أحمد سالم الحكومة المصرية عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لإصدارعدة إجراءات لاحتواء الوضع اجتماعيًا تجاه الأشقاء السودانيين في ظل استمرار توافدهم للبلاد والضغط على المرافق بما يسبب تدهورًا للخدمات المقدمة للمواطنين، واشتملت على خمس نقاط أبرزها:
1- منع التحاق أبناء غير المصريين بالمدارس والجامعات ذات الكثافة العالية.
2- قصرعلاج غير المصريين علي مستشفيات محددة عامة أو خاصة بعيدًا عن المناطق ذات التكدس السكاني.
3- طرح شقق الإسكان الاجتماعي بالمدن الجديدة التي لم تحظي بفرص تسويقية حتي الآن أمام الوافدين للايجار لمدة محددة تنتهي بعودتهم إلى بلادهم.
4- إلزام المشروعات المملوكة لغير المصريين بتشغيل نسبة ١٠ % فقط من الأجانب بحيث تصل نسبة العمالة المصرية إلى ٩٠ % من إجمالي العاملين وفقًا لقانون العمل.
5- تجريم الإقامة بمصر بدون تصريح رسمي مصحوب بسداد رسوم محددة وترحيل جميع المخالفين فور ضبطهم.