بدأ الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، طرح ومناقشة أهمية استغلال المباني التاريخية في منطقة وسط البلد بهدف تحقيق أقصى استفادة منها، مشيرًا إلى إمكانية تحويل هذه المنشآت إلى فنادق أثرية وتاريخية، كما هو الحال في بعض الدول، مع الحفاظ الكامل على قيمتها الأثرية.
وفي هذا الإطار، وجّه رئيس الوزراء بعقد اجتماع مع مجموعة من الخبراء المحليين المتخصصين في دراسات إعادة استخدام المباني التاريخية، لدراسة هذه الفكرة بشكل أكثر تفصيلًا.
كما تم الاتفاق على التعاون مع مكتب استشاري عالمي لدراسة أفضل السبل لاستغلال المنطقة بصورة فعّالة، بما يساهم في تعزيز القيمة التاريخية والسياحية لهذه المباني والمناطق المحيطة بها.
من جانبها، أشادت النائبة نورا علي عبد السميع، رئيسة لجنة السياحة بمجلس النواب، بهذه الخطوة ووصفتها بأنها إيجابية للغاية. وأوضحت أن المشروع سيحقق فوائد مزدوجة؛ أولها إعادة إحياء قيمة المباني التاريخية والأثرية، وتحسين الهوية البصرية للميادين العامة، إلى جانب تطوير المناطق المحيطة. أما الفائدة الثانية، فتتعلق بدعم استراتيجية الدولة لاستقبال 30 مليون سائح سنويًا، خصوصًا مع عدم كفاية الفنادق والغرف الفندقية الحالية لاستيعاب هذا العدد.
وأضافت النائبة في تصريحات لمنصة “MENA“، أن هذه الفكرة تمثل توجهًا مبتكرًا وذا قيمة كبيرة، من شأنه أن يكون واجهة جذب سياحي وتعزيزًا للحركة السياحية خلال الفترات المقبلة.
يرى عبد العظيم فهمي مدير مبادرة سيرة القاهرة أن هناك جوانب غائبة عن عملية إعادة إحياء التراث، مشددًا على أهمية وجود خبراء وممثلين من مؤسسات أو مبادرات مجتمعية، بالإضافة إلى خبراء معروفين بالنزاهة وحسن السمعة في أي خطوة تتعلق بإعادة إحياء التراث والمباني الأثرية. وأكد أن إشراك هؤلاء الخبراء ضرورة ملحّة، خاصة إذا كنا نتحدث عن إحياء تراث القاهرة بمبانيها وتطورها العمراني، مع تعزيز فكرة أن الناس جزء لا يتجزأ من النسيج العمراني للمناطق المستهدفة للترميم.
وأشار عبد العظيم في تصريح لمنصة “MENA“، إلى أن هناك أحيانًا شكوكًا تثار حول بعض العمليات السابقة، إذ شهدت القاهرة أحداثًا تضمنت هدم مقابر وعمليات إحياء غير مكتملة، وذلك بسبب عدم إشراك الناس في المحيط العمراني الخاص بهم.
وأضاف أن غياب الخبراء والمبادرات المجتمعية يزيد من هذه المخاوف، موضحًا أن الهدف الأساسي هو الحفاظ على هذا التراث الذي يتجاوز عمره الألف عام، وهو أمر يستوجب مشاركة كافة الأطراف المعنية.
كما أضاف أن الترميم الناجح لأي مبنى أثري يجب أن يكون جزءًا من مشاريع متكاملة تشمل المحيط العمراني كله، مشيرًا إلى أن غياب هذه التكاملية يؤدي إلى عدم اكتمال المشروعات. وأعرب عن مخاوفه من أن تكون بعض هذه الجهود مجرد دعايا وإعلانات رسمية تنتهي دون تحقيق النتائج المرجوة، مما قد يؤدي إلى فقدان أجزاء مهمة من التراث.
وأوضح عبد العظيم أن دور جمعيته اقتصر في السابق على تنظيف الأماكن وإزالة التشوهات البصرية، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعية للسكان القريبين من هذه المواقع والجمهور عمومًا، بهدف إبراز أهمية هذه الأماكن. وأشار إلى استعداد الجمعية للتعاون مع الجهات الرسمية في عمليات التوعية بشكل مجاني وتطوعي، مع التأكيد على أن دورهم ليس ترميم الآثار، حيث أن مصر تضم خبراء ترميم متخصصين قادرين على القيام بهذا الدور.
واختتم بالحديث عن مشروع جمعيته الخاص بإحياء الدروب والمناطق التاريخية، والذي يتضمن إطلاق برامج وأفلام وثائقية، وتنظيم زيارات ميدانية للأماكن الأثرية، بالإضافة إلى تصميم ألعاب تفاعلية للأطفال لتعريفهم بتاريخ هذه المواقع وتعزيز شعورهم بالانتماء لها.
في السياق ذاته، أوضح الصحفي المختص في الشأن السياحي، محمد إبراهيم، لمنصة “MENA“، أن صندوق التنمية الحضري، الذي كان يُعرف سابقًا بصندوق تطوير العشوائيات، يعمل على تطوير مباني منطقة وسط البلد لتحويلها إلى صرح ثقافي مفتوح. وأشار إلى أن هذه المشروعات تستهدف تنشيط السياحة، مستندة إلى العبق الثقافي والتاريخي الذي تتمتع به هذه المباني.
وفي تعليق آخر، صرّح مينا صلاح، الباحث في الآثار، بأن توفير الغرف الفندقية سواء في محيط المتحف المصري الكبير أو المناطق السياحية الأخرى يُعد جزءًا من خطة وزارة السياحة لزيادة عدد الغرف بحلول نهاية عام 2024 وبداية عام 2025.
وأضاف مينا في تصريحه لمنصة “MENA“، أن وجود فندق بجوار المتحف المصري الكبير سيسهل على الزوار الإقامة بالقرب من المتحف، مما يوفر الوقت ويقلل من التنقلات، خاصةً في ظل برامج الرحلات السياحية المتنوعة والمحدودة الوقت. وأشار إلى أن الحملات الترويجية التي أطلقتها وزارة السياحة مؤخراً أثمرت عن زيادة الإقبال السياحي، مما دفع الوزير إلى التنسيق مع وزارة الطيران لاستمرار هذه الحملات ومبادرات الطيران لفترات أطول. وأوضح أن السياحة في عام 2024 شهدت إقبالاً كبيرًا يشابه ما حدث في عام الذروة 2010، حيث استقبلت مصر 7 ملايين سائح، وحققت إيرادات تجاوزت 6 مليارات دولار، مع زيادة عدد الليالي السياحية بمقدار 4.5 مليون ليلة مقارنة بعام 2010.
أما الصحفي مصطفى عبد الله، فأشار إلى أن الفندق المزمع بناؤه في منطقة المعز، بناءً على تصريح محافظ القاهرة، سيُطلق عليه اسم “بوتيك أوتيل الشوربجي”. وأوضح أن الفندق سيكون بمثابة متحف مفتوح، مع تطوير شامل لمنطقة المعز ودرب اللبانة والقاهرة التاريخية، مع الحفاظ على النسيج العمراني الحالي دون إزالة أي مبانٍ.
وفيما يتعلق بمشاركة القطاع الخاص في هذه الخطة، رأى مصطفى في تصريح لمنصة “MENA“، أن هناك العديد من الأحاديث حول تحويل مجمع التحرير وماسبيرو إلى استثمارات خاصة، لكن لم يُعلن شيء رسمي حتى الآن. وأكد أن بعض الشركات الخاصة بدأت بالفعل العمل في مشروعات تطوير القاهرة التاريخية، مما يتيح لها مساحة للاستثمار، إلا أن القرارات النهائية لم تُصدر بعد.
وتابع مصطفى قائلاً إن هناك توجهًا جديدًا للاستثمار في التراث والحرف التقليدية، وهو أمر لم يكن موجودًا قبل ثورة يناير. وأضاف أن جزءًا من خطة 2030 يهدف إلى تعزيز الهوية الثقافية، وزيادة وعي الناس بتراثهم، وفتح المجال لمشروعات مرتبطة بالحرف التراثية وغيرها.
واختتم بالحديث عن تصريحات محافظ القاهرة الأخيرة، التي أكدت عدم إزالة أي مبنى في القاهرة التاريخية، مع وصف الشائعات حول ذلك بأنها غير صحيحة. وأوضح أن الجهود تركز على تطوير حوالي 500 عقار تاريخي في القاهرة، وتحويل هذه المناطق إلى متاحف مفتوحة. كما أشار إلى وجود خطة لتجديد منطقة السيدة زينب وتحويلها إلى متحف مفتوح مشابه لمنطقة المعز.
اقرأ أيضًا:
مشروع مبنى القبة التاريخي لقناة السويس.. ما وراء التطوير؟
انسحاب مستثمرين من مشروع تطوير أرض مصرية.. من الخاسر؟
للقضاء على عشوائيات “الهجانة”.. خطة حكومية لتطوير مدينة الأمل الجديدة
مع تخوفات من مصير فريال والمريلاند.. ما الجديد عن حدائق المنتزه بعد إعلان “تطويرها”؟