اقتصاد

الأسباب والحلول.. رحلة مصر من تصدير الغاز لأزمة الاستيراد

كان لتوقف مصر عن تصدير الغاز في مايو الماضي صداه في أوساط خبراء الطاقة، ولكن بعد أقل من 4 أشهر على وقف التصدير، تحولت مصر إلى دولة مستوردة لتغطية احتياجاتها من الغاز خلال فصل الشتاء، ورغم انخفاض الاستهلاك تعاقدت مصر على شراء 21 شحنة غاز بعائد 1.9 دولار فوق سعر الغاز القياسي، في منصة تداول عقود الغاز “تي.تي.إف” الهولندية.

فكيف تحولت مصر من الاستيراد إلى التصدير؟، ولماذا اشترت مصر الغاز بأسعار أعلى من السوق العالمية، وما أثر ذلك على إمداد الغاز لأوروبا؟

 

 

تنتج مصر نحو 5 مليارات قدم مكعب يومياً، وكانت تستورد من إسرائيل نحو مليار قدم مكعب يومياً، في حين يتراوح الاستهلاك اليومي بين 6.7 إلى 6.8 مليار قدم مكعب يومياً، بعجز 800 مليون قدم مكعب يومياً.

 

لكن الأزمة التي أدت إلى استيراد مصر 20 شحنة من الغاز جاءت بعد انخفاض الإنتاج من حقل ظُهر بمقدار الثلث تقريباً ليصل إلى 1.9 مليار قدم مكعب يومياً، إضافة إلى تراجع الإنتاج من حقول أخرى، بالإضافة إلى توقف إسرائيل عن تزويد مصر بالغاز بعد السابع من أكتوبر.

 

 

 

بدأت أزمة الغاز المصرية عندما رفعت الحكومة الصادرات من 350 مليون دولار شهرياً، إلى 600 مليون دولار شهرياً، استغلالاً لحاجة أوروبا للغاز؛ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم الإنفاق على استخراج الغاز وتسييله بما يتناسب مع كمية الغاز المستخرجة، بحسب أحد خبراء الطاقة.

 

وقال المصدر لـمنصة “MENA” إن مصر خلال السنوات الماضية تحولت من دولة مصدرة للغاز إلى أوروبا لتكون دولة مستوردة؛ بسبب استنزاف حقول الغاز الرئيسية لمصر، وكان أبرزها حقل ظُهر الذي استنزفت موارده.

 

وأضاف المصدر أن مصر كانت سبّاقة للسوق الأوروبية بعد ارتفاع السعر العالمي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي وقعت في مارس عام 2022، إذ استفادت من حاجة أوروبا للغاز وارتفاع الأسعار العالمية لتغطية عجزها الدولاري في ذلك التوقيت.

 

وأشار المصدر إلى أن مصر صدرت إلى أوروبا 8 ملايين طن من الغاز المسال، وهو ما أضاف 8.4 مليار دولار لخزينة الدولة، مؤكدًا أن مصر استنزفت كمية كبيرة من احتياجاتها خلال عشر أشهر من التصدير، وهو ما حول مصر من دولة مصدرة للغاز إلى دولة مستوردة.

 

كانت مصر والأردن تستوردان الغاز الإسرائيلي الفائض عن حاجتها والمقدر بـ 15%، إذ كانت مصر وقتها تسيل الغاز وتصدره إلى أوروبا “لتعمل كوسيط لنقل الغاز وليس مستهلكاً”، حتى توقفت إسرائيل عن تصدير الغاز لمصر منذ أكتوبر 2023 بعد توقف حقل تمار عن العمل لمدة 5 أسابيع، وبعد عودته للعمل لم تعد إسرائيل إلى سابق عهدها في تصدير الغاز لمصر.

 

الدكتور حسام عرفات، أستاذ البترول والتعدين بكلية الهندسة جامعة القاهرة ورئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية السابق

 

وقال الدكتور حسام عرفات، أستاذ البترول والتعدين بكلية الهندسة جامعة القاهرة ورئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية السابق، إن مصر كانت تعمل وسيطًا لنقل الغاز إلى أوروبا من خلال إسالته وضغطه ونقله عبر الأنابيب والسفن إلى أوروبا.

 

وأضاف رئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية السابق، في تصريح خاص لـ“MENA“، أن أوروبا لم تتأثر بتوقف مصر عن تصدير الغاز لها، لأن أوروبا بحثت عن بدائل أخرى منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، ولم تكن مصر هي البديل الوحيد، مؤكداً أن دول أوروبا تمتلك الآن احتياطيًا كبيرًا من الغاز.

 

وأشار الأكاديمي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وبحر الشمال ساعدا دول أوروبا في إيجاد حل لأزمة الغاز وتوفير احتياطي لها مع اقتراب فصل الشتاء.

 

 

 

 

ونوه عرفات بأن أوروبا بدأت باستخدام الفحم الحجري المحرم دولًيً بسبب البعد البيئي، والذي حذرت منه قمة المناخ، التي انعقدت في شرم الشيخ، مشيرًا إلى أن هناك العديد من المخاطر الناتجة عن استخدام الفحم الحجري، لكن أوروبا لديها قواعد حاكمة لتنظيم الاستخدامات البيئية والإشراف عليها لتقليل الضرر من استخدامه.

 

وأثبتت الدراسات أن مولدات الكهرباء التي تستخدم الفحم تبعث حوالي 2000 رطل من ثاني أكسيد الكربون، لتوليد كل ميجاوات في الساعة، وهو حوالي ضعف ما يبعثه الغاز الطبيعي لتوليد ذات الطاقة المقدر بـ 1100 رطل.

 

ويستخرج الفحم الحجري إما من الأرض أو من المناجم العمودية، أو المناجم السطحية أو المفتوحة، وتحتل الصين رأس قائمة منتجي الفحم منذ عام 1983.

 

 

ولفت عرفات، إلى أن الصيف لم ينته في مصر، إذ أننا ما زلنا نستخدم التكييفات والمراوح حتى الآن، موضحًا أن الموضوع أكبر من فصل الصيف وفصل الشتاء، لأن هناك استخدامات أخرى للغاز الذي استوردته مصر، مثل مصانع الأسمدة، إذ قلت كميات الإنتاج بسبب نقص الوقود اللازم.

 

وأكد أستاذ البترول والتعدين، أن هناك احتياجات تستدعي استيراد الغاز لسد العجز، مثل استخدام الغاز في مصانع الحديد والأسمنت، مشيرًا إلى أن الحكومة أعلنت خطة جديدة لتخفيف الأحمال بسبب العجز في توفير الغاز، ومؤكداً أن الشحنات القادمة ستغطي هذا الاحتياج لتعود الكهرباء إلى طبيعتها.

 

وتابع الرئيس السابق لشعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية، أن الاحتياج الأكبر للكهرباء مع بداية شهر أكتوبر سيكون بسبب بدء العام الدراسي الجديد، ما يعني أن استخدام الكهرباء سيرتفع، بسبب الدروس والمذاكرة والمدارس والاستيقاظ مبكراً، وأن كل حركة مع بدء العام الدراسي ستحتاج إلى كهرباء.

 

وأكد أن قطع الكهرباء من الممكن أن يؤدي إلى انهيار العملية التعليمية بسبب عدم تحمل الطلاب والمعلمين لانقطاع الكهرباء، خاصة وأن فصل الصيف لا يزال مستمراً لأيام قادمة.

 

 

عقدت الحكومة المصرية عام 2005 اتفاقاً يقضي بموجبه بتصدير الغاز لإسرائيل، وسط حالة من الرفض التي سادت الشارع المصري، معتبرين أن مثل هذه الاتفاقية تتنافى مع موقف مصر الشعبي الداعم لدولة فلسطين.

 

الدكتور مدحت نافع، مساعد وزير التموين والتجارة المصري سابقاً

 

 

وأثار شراء مصر الغاز بعلاوة وصلت إلى 1.9 دولار بأسعار أعلى من أسعار السوق العديد من التساؤلات حول اضطرار مصر للشراء بهذا السعر المرتفع.

 

وأوضح الدكتور مدحت نافع، مساعد وزير التموين والتجارة المصري سابقاً، وأستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، لمنصة “MENA” أن سبب ارتفاع سعر علاوة العائد على الشحنات جاء نتيجة ارتفاع الطلب من قبل أوروبا، بسبب دخول فصل الشتاء، مشيراً إلى أن حاجة مصر للغاز في هذا التوقيت اصطدمت بالشتاء الأوروبي لذلك ارتفع سعر الشحنات.

 

لكنّ مصدراً داخل وزارة البترول قال لـ “MENA” إن سبب شراء مصر الغاز بهذا السعر يرجع في الأساس إلى طريقة سداد المبلغ الذي ستشتري به مصر الغاز، إذ تسدد مصر المبلغ على 3 دفعات.

 

وأشار المصدر إلى أن هذه الأموال من الممكن أن تدفع من خلال الاستثمارات السعودية التي ضخت في مصر، إذ أصدر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قرارًا لصندوق الاستثمارات العامة السعودي لضخ استثمارات في مصر بإجمالي 5 مليارات دولار كمرحلة أولى.

 

 

وقال الدكتور نافع، إن مصر من خلال شراء العشرين شاحنة تعيد بناء الاحتياطي المناسب لها في ظل تراجع الإنتاج نسبياً، مشيرًا إلى أن هذا التراجع ناتج عن ضعف الاستثمارات الأجنبية في مصر في هذا القطاع، نتيجة تأخر مستحقات الأجانب.

 

وتوقع نافع أن يكون السبب في ارتفاع سعر الشحنات الأخيرة هو الشراء بالآجل كما حدث مسبقاً في العديد من الصفقات وهو ما حدث في مناقصات سابقة على الأقل، مشيرًا إلى أن الطلب زاد في وقت قل فيه الإنتاج، بالإضافة إلى الزيادة غير الطبيعية في السكان الناتجة عن 10 ملايين وافد التي ذكرتهم الحكومة، وهو ما أدى إلى اختلال العرض والطلب.

 

 

وعبر مساعد وزير التموين والتجارة السابق عن استيائه مما أسماه “مشكلة التخطيط للطاقة” من قبل حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، متسائلاً: كيف يتم تصدير الغاز بهذه الكميات وأنت على علم باحتياج المحطات إليه مع اقتراب فصل الصيف؟

 

وحذر من التعامل مع ملف الطاقة بهذه الحيثية، مطالباً الحكومة بأن تعي جيداً أهمية بناء الاحتياطي والتخطيط لعملية الاستهلاك واستخدامها بالشكل المناسب، وعدم الإفراط في التصدير أو الاستهلاك في أوقات معينة، والنظر إلى هذه المسألة في سياقها المتصل بالطاقة.

 

 

 

وأوضح نافع أن السبيل للخروج من أزمة الغاز الحالية، هو عدم تصدير مصر للمنتجات الأولية مثل الغاز الطبيعي، مؤكداً أن مصر ستشهد فائضًا في الإنتاج بعد انتهاء فصل الصيف.

 

واقترح أستاذ الاقتصاد أن تصدر المنتجات بقيمة مضافة، ففي حال أرادت مصر تصدير الكهرباء، لا تصدرها بشكل مباشر وإنما تدخلا في صناعة مثل الألمونيوم أو الحديد، ومن ثم تقوم بتصدير الألمونيوم، ولا تقوم بتصدير الغاز، وإنما تدخله في صناعة الأسمدة ومن ثم تقوم بتصدير الأسمدة.

 

اقرأ أيضًا:

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية