في شهر مايو/ آيار 2024الماضي، افتتح الرئيس السيسي مسجد السيدة زينب بعد ترميمه وتجديده بشكل كامل، بمشاركة سلطان طائفة البهرة بالهند مفضل سيف الدين، وهي الطائفة التي تولت منذ عقود ترميم مراقد آل البيت، والمساجد الفاطمية في مصر.
ووجه السيسي، الشكر إلى سلطان طائفة البهرة والوفد المرافق له على دعم تطوير هذا المسجد ومساجد تاريخية أخرى قائلا إن كل الدعم موجود لإنجاح أي مشاريع أخرى في هذا المجال.
وقال الرئيس السيسي، إن مساهمة سلطان البهرة مقدرة ولها دلالة كبيرة على حب آل البيت، وأن مصر لديها خطة لتطوير مساجد آل البيت والصحابة الذين قدموا إليها والصالحين، مضيفًا أنَّه منذ أيام قليلة تمّ استعراض خطة تطوير مساجد الرفاعي، والسلطان حسن والمواردي ومساجد أخرى كثيرة.
وتحاول مصر إحياء السياحة الدينية الإسلامية بتطوير العديد من مساجد آل البيت المنتشرة على امتداد منطقة القاهرة الفاطمية، في الوقت الذي تحاول فيه طائفة البهرة أحياء التراث الفاطمي في مصر الذي طمس أغلبه بعد إنهاء صلاح الدين الأيوبي حكم الدولة الفاطمية في مصر.
والبهرة هم طائفة شيعية مستعلية نسبة إلى الإمام أحمد المستعلي ابن الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، حيث نشب خلاف على ابنائه أحمد المستعلي ونزار المصطفى لدين الله، وانتصرت البهرة للإمام المستعلي، بناء على وصية المستنصر بالله نفسه، ومع سقوط الدولة الفاطمية على يد مؤسس الدولة الايوبية في مصر، تم طرد البهرة ضمن الفاطميين الذين طردوا من مصر، وانتقلوا لليمن ومنها إلى الهند، واستقروا هناك، وعملوا بالتجارة، فأطلق عليهم أهل الهند لفظ البهرة وتعنى تاجر.
وبحسب قول الباحث في التاريخ وسيم عفيفي على مدار عقود لم يكن للبهرة تواجد في مصر، وحرمت دار الإفتاء في فتوى التعامل معهم قبل أن يتم حذف الفتوى من موقع دار الإفتاء، باعتبارهم طائفة خارجة عن الاسلام، قبل أن يسمح لهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر بالتواجد في مصر، وممارسة شعائرهم، ليهاجر وفد منهم للإقامة في القاهرة، وفي سبعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس المصري محمد أنور السادات سُمح لهم بترميم مسجد الحاكم بأمر الله الذي له مكانة خاصة لدى البهرة، حيث يجتمعون فيه، وتمت دعوة الرئيس السادات لافتتاحه والصلاة فيه، لتعود الصلوات تقام في المسجد بعد عقود من التردي.
وأضاف عفيفي توطدت علاقة البهرة في مصر في عهد الرئيس محمد أنور السادات، حيث زار سلطان البهرة مصر للمرة الأولى، وكذلك في عهد الرئيس محمد حسني مبارك الذي التقى سلطان البهرة 3 مرات.
وبحسب عفيفي فأن البهرة يرغبون في إحياء التراث الفاطمي في مصر، الذي عاني من الطمس والتهميش خلال فترات الحكم الأيوبي وما بعدها.
وتولى البهرة تجديد وترميم عدة مساجد مثل مسجد الأقمر والجيوشي، وضريح السيدة نفيسة والسيدة زينب، وضريح ومسجد الحسين، بالإضافة إلى العديد من المشاركات الخيرية كان منها التبرع لصندوق تحيا مصر بـ 16 مليون جنيه مصري في 2016.
من جانبه قال أسامة العبد وكيل لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب المصري٬ أن ترميم المساجد الاثرية ومراقد آل البيت يفتح الباب للسياحة الدينية التي تطمح مصر تحقيق استفادة كبرى منه، سواء بإحياء مسار العائلة المقدسة في مصر، ووضعه على خريطة الحج المسيحي٬ أو تجديد وترميم مراقد آل البيت التي تجذب قطاع كبير من السياحة الدينية خاصة لدول شرق آسيا التي تعتبر مراقد آل البيت ذات مكانة خاصة بالنسبة لها، بالإضافة إلى السياحة الإيرانية التي سُمح لها بزيارة مصر مؤخراً، رغم تقييد زيارتهم حتى الآن بمدينة شرم الشيخ فقط، إلا أن متوقع السماح لهم بزيارة المراقد قريباً.
وكانت الحكومة المصرية قد سمحت للمرة الاولى لشركات السياحة في مارس /آذار 2023 بتسهيلات استصدار التأشيرة الإلكترونية الاضطرارية مدتها 30 يوم للسياح الايرانيين بمطار شرم الشيخ.
من جانبها قالت إيمان سامي عضو غرفة شركة السياحة باتحاد الغرف التجارية بالقاهرة، أن الشركات العاملة في السياحة الدينية في مصر لا يزيد نشاطها عن العمل في تنظيم رحلات الحج والعمرة فقط، ولكن مع تجديد المراقد، وإحياء مسار آل البيت أو بقيع مصر، فأن مصر تستهدف نسبة كبيرة من السياحة الدينية الاسلامية في العالم، خاصة وأن دول خليجية مثل البحرين والكويت تفضل زيارة أضرحة آل البيت في مصر، عن زيارتها في إيران أو العراق.
وأضافت إيمان أن مصر لسنوات طويلة اعتمدت على السياحة الاثرية الفرعونية، والسياحة الترفيهية فقط، لم تولي اهتمام لثروتها من المزارات الدينية، سواء الاسلامية أو المسيحية أو اليهودية، مثل إحياء مسار العائلة المقدسة في مصر أثناء رحلة هروبهم من الرومان أثناء طفولة المسيح، وضمه لمسار الحج المسيحي الذي ينتهي بالقدس، ومشروع التجلي الأعظم بسانت كاترين بجنوب سيناء حيث تجلى الله لنبيه موسى، وكذلك مسار آل البيت الذي افتتح في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وكانت الحكومة المصرية قد افتتحت مسار للزيارة بشارع الاشراف في مصر، ليربط مراقد آل البيت أو بقيع مصر ببعضها البعض، في يناير الماضي.
ويمتد المسار من مسجد السيدة نفيسة مروراً بمجموعة متنوعة من المساجد والآثار الإسلامية حتى الوصول إلى مسجد ابن طولون وينتهي بمسجد السيدة زينب في الحي الشهير الذي يحمل اسمها.
والاسم الاصلي لشارع الاشراف هو الأشرف لوجود قبة الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون في بدايته، إلا أنه يضم العديد من المراقد الخاصة بآل البيت من بينها ضريح ومسجد السيدة رقية بنت علي بن ابي طالب التي يعتقد أنها جاءت إلى مصر بعد معركة كربلاء التي قتل فيها سيدنا الحسين، وكذلك محمد الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي، ومسجد السيدة سكينة بنت الإمام الحسين بن علي، لذلك تغير اسمه إلى شارع الأشراف.
قد تكون رغبة البهرة لعقود هو إحياء التراث الفاطمي في مصر فقط، ولكن خلال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي التقت هذه الرغبة مع إرادة الدولة لتطوير السياحة الدينية المصرية، والاستفادة من إمكانيات مصر في هذا الإطار.