شباب كثر يرتدون جلاليب قاتمة الألوان، لهم لهجة مميزة وكلمات بسيطة، تعرف من وسط كلامهم أنهم انحدروا من الصعيد بحثاً عن حياة أفضل.
بملامح سمراء تشبه المصري الأصيل كما ذكرته كتب التاريخ، وكلمة “أبوعمو”، والتي تضيف مزيداً من الود إلى كلامهم ستعرفهم ببساطتهم.
على إحدى مقاهي حي دار السلام المجاور لحي المعادي في محافظة القاهرة،
التقينا عدداً من المواطنين بمحافظات الصعيد، إلى جانب عدة لقاءات مع مواطنين من محافظات أخرى بصعيد مصر.
تحدث العديد من المواطنين من محافظات الصعيد المختلفة عن آمالهم وتطلعاتهم للحكومة الجديدة
التي شكلها الدكتور مصطفى مدبولي بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية.
رجب 28 عاماً جاء من محافظة سوهاج تاركاً خلفه زوجته وطفلين لم يتجاوز عمر أكبرهما 4 سنوات
من أجل البحث عن لقمة العيش، وحياة أفضل له من أجل توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة.
يقول رجب أنه ترك محافظة سوهاج، وجاء إلى القاهرة من أجل العمل، مشيراً إلى أنه استأجر شقة سكنية بالمنطقة
هو و7 من زملائه من نفس البلد، والذين يعملون في مهن مختلفة، سواء كان في المعمار أو محلات عصير القصب أو في محلات البقالة والعطارة.
وتابع رجب أنه يعمل يومياً لمدة 12 ساعة مقابل يومية 150 جنيهاً في محل لبيع الغلال والعطارة بالمنطقة
مضيفاً إلى أن هذا المبلغ يكفيه هو وأسرته بشكل جيد رغم ارتفاع الأسعار.
وعن سؤاله، لماذا لا يعود إلى قريته في محافظة سوهاج، قال الشاب، إنه حاول العمل أكثر من مرة بالمحافظة
ولكن الأجور كانت متدنية للغاية، مضيفاً، “اسأل أي حد كده، هيقول لك الصعيد نص أجرة مصر” يعني محافظة القاهرة.
وعن مطالبه للحكومة الجديدة قال رجب، “كل ما أطلبه من الحكومة هو توفير فرص عمل في الصعيد
فأنا لا أرى زوجتي وأبنائي غير مرتين في العام، وكأني في إيطاليا”، مختتماً حديثه،
بأنه يريد لم شمل أسرته فقط، وأن مجيئهم إلى القاهرة يعني دفع أجرة كاملاً، وهو ما لا يتحمله.
وفي يناير الماضي، وقع اللواء، شريف أحمد صالح رئيس هيئة تنمية الصعيد بروتوكول تعاون مع مركز تحديث الصناعة
بهدف الارتقاء بالمستوى الفني والمهني للمجمعات الصناعية والحرفية والمشروعات المستهدفة في محافظات الصعيد.
عم أحمد بائع عرقسوس بمحافظة الشرقية، يأتي مع مطلع شهر مايو من كل عام إلى مركز فاقوس بالمحافظة، ليعود إلى أسيوط مرة أخرى مع نهاية شهر أكتوبر.
التقينا عم أحمد، والذي أعرب عن تفاؤله بالحكومة الجديدة، “إن شاء الله اللي جاي أحسن، وهيبقى خير على مصر،
معرباً عن رضاه عن وضعه المالي في حال كان المال من أجل الطعام والشراب،
ولكن “جهاز البنت الكبيرة قطم ظهري أكتر من مبرد العرقسوس”، هكذا أضاف.
وأشار بائع العرقسوس إلى أنه يحاول تخفيف العبء عن كاهل أسرته، ويحاول زيادة دخله في فصل الصيف،
مؤكداً أن قطعة الأرض التي يملكها تكفي لطلبات البيت، وأنه لا يمكن بيع أي محصول منها،
مشيراً إلى أنها “10 قراريط فقط”، وهي تكفي أسرته بالكاد طوال العام.
وعن مراعاة قطعة الأرض أثناء سفره للعمل في محافظة الشرقية، أشار إلى أن هذه المهمة تقوم بها زوجته وأبناؤه
في حال غيابه خلال فصل الصيف، أما باقي العام فهو يرعى قطعة الأرض، مطالباً الحكومة الجديدة
بتوفير فرص عمل في محافظته “بدل المرمطة” في السفر، هكذا ختم حديثه.
أشرف القاضي، رئيس المصرف المتحد، قال إن محافظات الصعيد تتصدر 50% من مؤشرات النمو لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وفقاً لتقرير الأداء الاقتصادي والاجتماعي 2022- 2023.
في محافظة قنا تواصلنا مع حسن رجل أربعيني يعمل موظفاً بالمحافظة، كان الرجل مبتسماً طوال الوقت،
وبسؤاله عن مطالبه للحكومة الجديدة، قال الرجل، “كل أملنا في الدنيا هو عيالنا،
عايزينهم يعيشوا عيشة أحسن من اللي عيشنها، مطالباً الحكومة الجديدة بتطوير المدارس”.
وتابع “حسن”، “ما هو ميرضيش ربنا الواد يمشي على رجله كل يوم ساعة رايح وساعة راجع للمدرسة،
المفروض في كل منطقة يكون في مدرسة، تقرب المسافات شوية من بعضها”.
وأضاف الموظف بهيئة السكة الحديد، أن المدرسة التي يتواجد بها نجله تشهد حالة من التكدس الكبير
“سبعين وتمانين عيل في الفصل، “متسائلاً”، “هات لي مدرس يعرف يشرح لكمية العيال دي؟، ولا هيفهموا إزاي؟”.
وطالب حسن الحكومة الجديدة بتطوير مناهج التعليم إضافة إلى تطوير المدرسة،
مشيراً إلى أن الحكومة الجديدة سيكون على عاتقها الكثير من المشكلات في العديد من المجالات وعلى رأسها مجال التعليم.
وشهدت محافظات الصعيد على مدار السنوات الماضية العديد من المؤتمرات التي ناقشت مشكلات التعليم الأساسية
في المحافظة من أجل وضعها أمام متخذ القرار للبحث عن حلول لها، وكان من أبرز المشكلات، ضعف التمويل،
وندرة المعلمين الأكفاء في مختلف المراحل التعليمية، وتردي أحوال المباني التعليمية، إضافة إلى الاكتظاظ الطلابي.
أم جمال، سيدة قاربت على الـ60 عاماً، تعيش في محافظة أسوان، أعربت عن أمالها وتطلعاتها للحكومة الجديدة،
التي شكلها الدكتور مصطفى مدبولي، وطالبت الحكومة بتحقيق مطالبها في توفير مستودعات كافية لأنابيب البوتاجاز.
وقالت السيدة إنه بعد ظهور الغاز الطبيعي في المنازل، شعرت بالأمل في أن يتم إيصال الغاز لمنزلها،
لتنتهي أزمة أنابيب البوتاجاز، ويكون الاحتياج للأنابيب في وقت الزراعة فقط، لكن بعد وصول فنيين إلى منزلها
أخبروها أنه لا يمكن إيصال الغاز إلى منزلها بسبب أنه قديم للغاية وأنه بلا أعمدة أو قواعد وأنه بني بالأساس من الطين.
وتابعت السيدة، “هأقولك على حاجة ما هتصدقها، أنا باركب قطر الدرجة التالتة من أسوان وباروح مستودع أنابيب
في منشية ناصر أجيب أنبوبتين وارجع تاني، وتشير هذه السيدة إلى أنها تستمر في هذه الرحلة
“لو ربنا مسهلها” 3 أيام بلياليهم، مضيفة إلى أنها لم تعد تتحمل هذا المجهود مع تقدمها في العمر.
وفي شهر يناير الماضي ضرب أزمة البوتاجاز عدة محافظات في الصعيد، حيث تقدم النائب محمد الجبلاوى
عضو مجلس النواب عن محافظة قنا، بطلبى إحاطة لمجلس النواب، ضد وزير التموين ووكيل وزارة التموين بالمحافظة؛
لمعرفة أسباب الأزمة وارتفاع سعر أسطوانة البوتاجاز لـ150 و200 جنيهاً في بعض المناطق، متهماً من وصفهم
بـ”المستفيدين من مسئولى التموين” بحدوث هذه الأزمة.
اقرأ أيضاً:
مهرجان جمعية الفيلم والسينما المصرية ودعم القضية الفلسطينية
لُغز اختفاء الأدوية في مصر ونية حكومية لرفع الأسعار
الفرق الغنائية المصرية بين الماضي والحاضر
خطة الحكومة المصرية لتعزيز انخراط الشباب في العمل السياسي
مشكلة من نوع آخر واجهتها سيدة من الصعيد، وتعمل طبيبة بأحد المستوصفات، قالت إن هناك دوراً على هذه الحكومة،
وخاصة وزارة الأوقاف في توعية الناس بأحكام الدين.
وأشارت السيدة إلى أن أكبر مشكلة تعاني منها المرأة في محافظات الصعيد هي التهميش وأكل الميراث بدون وجه حق،
كما طالبت السيدة بوجود آليات قانونية تعطي المرأة حقها الذي كفله لها الشرع في الميراث.
وتابعت الطبيبة بأنها تم الاستيلاء على ميراثها من أشقائها، ولا يوجد أي رادع لهم، مشيرة إلى أن هذا الأمر منتشر
بشكلٍ كبير في محافظات الصعيد وخاصة “الصعيد الجواني”، وأن المرأة هناك لا حق لها في الميراث.
واختتمت السيدة حديثها بطلب من الحكومة الجديدة، وخاصة وزير العدل ووزير الأوقاف، “أنا عايزة ورثي”،
وإخوتي يرفضون إعطاءه لي، متسائلة، ما هي الوسائل القانونية التي يكفلها القانون لها؟.
وأشارت الطبيبة إلى أن المرأة في الصعيد ما زالت تواجه العديد من المشكلات التي لم تتمكن الحكومات المتعاقبة على حلها،
مثل الزواج المبكر، والختان، مشددة على أن هذه المشكلة تدمر الفتيات في الصعيد، على حد وصفها.
تحدثت عدة تقارير عن توقف العديد من المشروعات، والتي من الممكن أن تحل العديد من الأزمات في الصعيد،
سواء كانت عن طريق توفير الخدمات أو فرص العمل أو غيرها من الأمور التي ستغير شكل حياة المواطن الصعيدي.
أحد المستثمرين في محافظة سوهاج طالب الحكومة الجديدة بسرعة إصدار التراخيص الخاصة بالتشغيل،
مؤكدا ضرورة تفكير الحكومة الجديدة خارج الصندوق وبطرق مختلفة لتحقيق التنمية الشاملة في الصعيد.
وأضاف المستثمر، إن الصعيد يحتاج إلى الاهتمام بالمورد البشري من حيث تنميته وتطوير مهاراته وتطوير مهارات الشباب
لاستيعاب قدراتهم وتحويلها إلى إنتاج وتنمية لأنه بدون هذا التطوير في المورد البشرى لا يوجد تنمية على الإطلاق في جميع المجالات.
وكان مجلس تنمية الصعيد بالاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين قد حدد 15 مشكلة تعرقل التنمية الشاملة بمحافظات الصعيد.
وكان على رأس هذه المشكلات هي “تأخر إصدار رخص التشغيل والأمن الصناعي، وعقد تمليك الأراضي والمصانع والشركات،
وقانون الاستثمار الجديد، وعدم توافر التمويل للشركات والمصانع، ومشكلة الضرائب العقارية،
كما أشار المجلس إلى عدم وجود حوافز للاستثمار بالصعيد، وعدم استكمال المرافق بالمناطق الصناعية بهذه المحافظات.
وتضمنت المشكلات التي تواجهها محافظات الصعيد أيضاً عدم وجود جهة واحدة للولاية على الأراضي الصناعية
مما يعوق تخصيص الأراضي الصناعية للمستثمرين وعدم توافر مراكز تدريب مؤهلة لتدريب العمالة وتوفيرها لسوق العمل.
وتضمنت المشكلات أيضاً عدم دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة بالصعيد، إضافة إلى عدم وجود حلول حقيقية
لمشاكل المصانع المتعثرة بالإضافة إلى تأخر توصيل الغاز الطبيعي للمصانع.
وطالبت عدة جهات رسمية وشعبية في الصعيد الحكومة الجديدة بتوفير التمويل اللازم لتشغيل المشروعات
المتوقفة والمتعثرة بالصعيد، عن طريق البنك المركزي والبنوك الوطنية.