تحليلات

“الدول النامية” تعيد العاصمة الإدارية للجدل من جديد | تحقيق

سياسيون: تقارب في مواقف القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران ومصر

 

اقتصاديون: الأمن الغذائي والتعاون الاقتصادي والعدالة المناخية ملفات استحوذت على القمة

 

وائل النحاس: مقولة “مكلّفناش الدولة” خاطئة.. ونحتاج إلى عاصمة صناعية

 

أثارت قمة الدول الثماني النامية في “العاصمة الإدارية” تساؤلات كثيرة على جميع الأصعدة الخارجية والداخلية، إذ تناولت التعاون الاقتصادي والتركيز على قطاعات الزراعة والأمن الغذائي وبناء اقتصادات بين الدول الأعضاء، علاوة على رفض العقوبات الاقتصادية الغربية وبناء تكتلات إقليمية قادرة على رفض الهيمنة الغربية التي تنفرد وحدها تقريبا بالسيطرة على السياسة العالمية.

 

على الصعيد الداخلي، أثار ظهور القصر الرئاسي في العاصمة الإدارية الجديدة حفيظة المواطنين على صفحات التواصل الاجتماعي و”اللجان الإلكترونية”، مع حجم الإنفاق في بلد يعاني من الفقر. فيما برّر ذلك مسؤولون بأن العاصمة الإدارية الجديدة لم تكلّف ميزانية الدولة “مليمًا”.

 

ويرى سياسيون ناقشتهم منصة “MENA“، أن القمة جاءت في توقيت هام وسط الصراعات الدولية والحروب الإقليمية والعدوان على غزة، وذكروا أن الطابع الاقتصادي وقضايا الأمن الغذائي وتغير المناخ غلب على القمة. لكن جرى تنسيق الرؤى الدولية بين أطراف إقليمية ذات صلة بالصراعات، وشرحوا أن تنامي مثل هذه التكتلات كـ”البريكس” و”مجموعة العشرين” خطوة لتوازن القوى الدولية ورفض الهيمنة الغربية التي عجزت عن تحقيق العدالة.

 

جدير بالذكر أن مصر ترأست النسخة الحادية عشرة لقمة “الثماني النامية” للتعاون الاقتصادي، بعد أن تولت رئاسة المجموعة في مايو الماضي حتى نهاية العام المقبل، حسب هيئة الاستعلامات المصرية. وقد شارك في القمة قادة تركيا وإيران ونيجيريا وباكستان وبنغلاديش وإندونيسيا وماليزيا، والهند، علاوة على حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن القمة، بدعوة مصرية.

 

 

تباحث القوى الإقليمية

 

تقول السفيرة “منى عمر”، مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية سابقًا، لمنصة”MENA“:

 

“أي قمة لها مكاسب سياسية، وخاصة قمة دول الثمانية التي كانت هامة جدًا، لأنها تجمع بين قادة اقتصادات دول متشابهة، وبالتالي يمكن أن يجدوا صيغًا ملائمة يمكن من خلالها مساعدة الدول على تخطي الأزمات الاقتصادية التي تضرب العالم كله والتحول للتنمية، علاوة على صياغة مواقف جمعية لها تأثير قوي بخلاف المواقف الفردية والأحادية”.

 

مناهضة القوى العظمى

 

وتواصل عمر: “هنا يكون التباحث وتنسيق المواقف والوصول إلى صيغ مشتركة، كما جرت الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا، وهذا في منطقة القرن الإفريقي الأكثر حيوية لمصر. وفي القمة أكد رؤساء الدول عجز النظام العالمي عن تنفيذ بنود قرارات الأمم المتحدة في مواجهة قلة قليلة من الدول المعتدية، والتي لم يتم ضدها تفعيل القرارات، ما يعكس ازدواجية وعجز النظام العالمي إزاء تسلط بعض القوى الكبرى والعظمى وانتهاكاتها لحقوق الإنسان رغم ادعاءاتها العكسية”.

 

وتختتم،: أخيرًا، كان ضروريا تجمع الدول الثمانية، بالإضافة إلى تجمعات مثل “البريكس” و”مجموعة دول العشرين” التي ستستضيفها دولة “جنوب إفريقيا”، والتي أعلنت مصر دعمها الفني الكامل، ما يعزز موقف الدول النامية في مواجهة القوى العظمى المتعجرفة.

 

 

سمات البيان الختامي

 

وفي هذا السياق، يشرح الدكتور “رمضان قرني”، أستاذ العلاقات الدولية والسياسية، أن البنود الخمسين التي تم صياغتها في البيان الختامي لقمة الثمانية ركزت على البعد الاقتصادي والتنموي للقمة، بدءًا من عنوانها “الاستثمار في الشباب ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة”، مرورًا بكافة بنوده التي تناولت تعزيز الشراكات في مجالات الزراعة، الأمن الغذائي، الطاقة، والصناعة. كما تم التطرق تفصيليًا إلى اتفاقية التجارة التفضيلية بين الدول الأعضاء، وإنشاء مجلس لشباب الدول ذاتها، علاوة على قضايا التنمية المستدامة، السياحة، ومواجهة تأثيرات التغيرات المناخية.

 

ويضيف “قرني” لمنصة “MENA“: “رغم هيمنة الطابع الاقتصادي على القمة، إلا أن هناك مدلولًا سياسيًا يتعلق بمشاركة العديد من الشركاء الإقليميين وخلق توازنات جديدة في العلاقات البينية بين الأعضاء، خاصة العلاقات المصرية التركية والإيرانية، إضافة إلى العلاقات مع نيجيريا وباكستان. كما تعمل هذه القمة على توحيد رؤية المجموعة للنظام السياسي العالمي، ما يعزز بناء تكتل سياسي واقتصادي منافس للتكتلات العالمية كـ”البريكس” و”شنغهاي” وغيرها، ويعكس رغبة الدول الأعضاء في إدارة جماعية للعلاقات الدولية ورفض الهيمنة الغربية”.

 

يواصل “قرني” حديثه لمنصة “MENA“: “يأتي البعد الثاني في قضايا المناخ ودعم دول الجنوب العالمي. دعم دول الثمانية لموقف مصر خلال COP27 في شرم الشيخ، والمطالبة بإقرار صندوق الخسائر والأضرار، والذي كان محوريًا. وقد تأكد هذا الطرح في COP29 وCOP30 المنعقدين في دبي وباكو على التوالي. ومع ذلك، الكرة الآن في ملعب القوى الدولية لتحقيق العدالة المناخية ورفض العقوبات الأحادية مثل ما حدث مع إيران وباكستان”.

 

ويتابع “قرني”:  “رغم غياب التركيز على القضايا السياسية بشكل صريح، إلا أن هناك تصاعدًا لدور تركيا وإيران في صراعات إقليمية مثل سوريا، لبنان، غزة، والقرن الإفريقي، وليبيا. ويجب التمييز بين الأدوار؛ فالدور الإيراني مثير للقلق بتحريضه قوى سياسية معينة، مما يجعل النظرة الإقليمية للدور الإيراني سلبية. كما أن هناك مواجهة حقيقية بين الدول الغربية وإيران في الشرق الأوسط، وخاصة في غزة واليمن وسوريا ولبنان”.

 

أما الدور التركي، فهو مختلف إذ يلعب دور الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وأيضًا بين الصومال وإثيوبيا. ولكنه يختلف في سوريا حيث يدعم فصائل معينة لصالحه، إلا أن المشهد السوري يظل ضبابيًا بسبب تعدد الفصائل المسلحة. ومع سقوط نظام بشار الأسد، انخفض التأثير الإيراني في سوريا.

 

جدل المجمع الرئاسي

 

لم تخلُ القمة من الجدل حول تفاصيل التحضيرات التي جرت في القصر الرئاسي، مما أثار حفيظة المصريين على منصات التواصل الاجتماعي. تشير المعلومات إلى أن شركة العاصمة الإدارية الجديدة ليست شركة خاصة بالمعنى الحرفي، بل هي مملوكة للدولة من خلال شراكة بين هيئة المجتمعات العمرانية التي تمتلك 51٪ من الشركة، وجهة سيادية أخرى تملك 49٪ من الشركة.

 

وتفيد المعلومات المتاحة بأن الشركة حصلت على أول أصولها، وهي أراضي العاصمة، عبر قرار جمهوري عام 2016، بتخصيص 16 ألف فدان من أراضي الدولة لإحدى الجهات السيادية. وفي عام 2022، صدر قرار رئاسي جديد بنقل 45 ألف فدان إضافية، ليرتفع إجمالي الأراضي المملوكة للشركة إلى 215 ألف فدان دون دفع أية مبالغ لخزينة الدولة.

 

وبحسب المصادر، اشترت هيئة المجتمعات العمرانية ما لا يقل عن 3100 فدان من أراضي العاصمة لبناء المنطقة التجارية المركزية، ومنطقة النهر الأخضر، ومنطقتين سكنيتين من أصل ثماني مناطق. وبلغت تكلفة المنطقة التجارية المركزية وحدها 44.1 مليار جنيه، أي ما يعادل 2.75 مليار دولار وقتها.

 

ويذكر أن تكاليف العاصمة على الهيئة لم تتوقف عند الاستثمارات المباشرة فقط، بل امتدت إلى تكاليف تزويد العاصمة الجديدة بالمياه، والتي وصلت إلى 10 مليارات جنيه لتركيب 93 ميلاً من خطوط المياه، تقريباً 150 كيلومتراً، لنقل المياه من النيل للعاصمة. بالإضافة إلى مليار جنيه آخر لنقل المياه من محطات القاهرة الجديدة والعاشر من رمضان، ما يجعل إجمالي التكلفة حتى الآن يقارب 11 مليار جنيه (ما يعادل تقريباً 700 مليون دولار)، لتصل التكلفة الإجمالية إلى حوالي 14.5 مليار دولار.

 

 

في السياق ذاته، يقول أستاذ الاقتصاد، الدكتور وائل النحاس: شركة العاصمة الإدارية شراكة ما بين هيئة المجتمعات العمرانية وإحدى مؤسسات الدولة، وكل شريك استثمر 10 مليارات جنيه بعد تخصيص أراضٍ من الدولة، ثم قاموا بطرحها وبدأوا الاستثمار بأثمان عمليات البيع للأراضي بغية عمل هذه الإنشاءات، وفق التصريحات الصادرة عنهما لعدم وجود بيانات واضحة ودقيقة.

 

ويضيف “النحاس” لمنصة “MENA“: مقولة “مكلنفاش ميزانية الدولة جنيه” غير صحيحة، خاصة أن الأراضي التي جرى تخصيصها ملك للدولة، علاوة على أن إنشاءات التنمية التي قامت بها “هيئة المجتمعات العمرانية” كانت عن طريق قروض من البنك المركزي. ويُقصد بعدم التكلفة أنهم لم يأخذوا شيئاً من موارد الدولة، وهذا غير صحيح. ما جرى من عمليات شراء الوزارات بمليارات الجنيهات كان من ضمن موارد البنك المركزي، وليس له دخل بالموازنة. ما يمثل مخالفة صريحة للدستور في المادة رقم 27، التي تنص على أنه لا يجوز عمل أي مشروعات خارج الموازنة العامة للدولة إلا بعد العرض على البرلمان.

 

ويواصل “النحاس”: الحديث عن إنشاءات ضخمة في ميزانية تواجه ديوناً تصل إلى 152.7 مليار دولار يمثل إشكالية تؤثر على الشارع والمواطن المصري، خاصة أنني أعتقد أن حجم تكلفة إنشاءات العاصمة الإدارية هو أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية الحالية. فلو تم توفير كافة الموارد الخاصة بالأراضي ضمن الموازنة العامة للدولة، لكان المسار الاقتصادي مختلفاً، ولما وصلنا إلى هذا الحجم من المديونية أو الأعباء المالية الضخمة لخدمة الدين. كان يمكن تخصيص الأراضي وبيعها لشركات ومطورين عقاريين، كما حدث في الأنظمة السابقة التي باعت الأراضي وأُنشئت مدن جديدة مثل “مدينتي” و”الرحاب”. ومن ثم، الاستفادة من العائد والموارد لضخها في ميزانية الدولة، مما يمكننا من سد عجز الموازنة العامة والدين والتركيز على قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، لبناء أمة قوية ذات عقل وصحة سليمين، والتوسع في بناء صروح تعليمية وصحية.

 

 

الجدل الإلكتروني

 

بدوره، يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي، عبد الحميد زيد: ما ظهر من ردود أفعال حول العاصمة الإدارية الجديدة هو مجموعة من “اللجان الإلكترونية” التي تنشر خطابات معينة، على حد تعبيره، وهنا يجب معرفة من يشعر بالغضب، وآلية جمع بياناتهم، وما النسب، وهل هذه المعلومات واضحة أم لا؟، خاصة أننا لن نستطيع التحقق من مصداقيتها.

 

يضيف “زيد” لمنصة “MENA“: هذه الصفحات الإلكترونية غير معلوم أصحابها أو توجهاتها، إذا كانت لها أغراض أم لا. وبالتالي، نحن أمام جدل في السوشيال ميديا والفضاء الإلكتروني، ولا يمكن اعتبارها ظاهرة يمكن البحث في أسبابها. علمياً، لا يمكننا الحكم دون بيانات واضحة. هناك فارق كبير بين أن تكون هناك صفحات بعينها تفتعل جدلاً، وبين أن يكون هناك جدل فعلي في المجتمع، خاصة أن نحو 70% من المجتمع غير مرتبط بالسوشيال ميديا.

 

عاصمة صناعية

 

فيما يستطرد وائل النحاس، عن العاصمة الإدارية الجديدة، قائلا: “العاصمة الإدارية تقع خارج القاهرة في طريق السويس، بمخالفة دستورية تنص على أن الحكم في “القاهرة”. ما يدفعنا إلى تعديل دستوري، ناهيك عن حالة “العوز” وتنامي معدلات التضخم. فكيف نتحدث عن إنجازات العاصمة وفي ذات الوقت لا نستطيع توفير ميزانية لسد عجز المعلمين في فصول المدارس، أو التحكم في أسعار الصرف، أو علاج المرضى؟ بدلاً من العاصمة الإدارية، كان يمكن إنشاء عاصمة صناعية جديدة تحتوي على آلاف المصانع لتشغيل الشباب والخريجين، مما يحقق مردوداً اقتصادياً كبيراً. لسنا بحاجة إلى قصور أو مجمع وزارات، بل نحتاج إلى الصيانة والاهتمام ورفع الكفاءة والتطوير بتكلفة أقل بكثير. خاصة أن “العاصمة الإدارية” وضعتنا في “وسط البحر” حيث لا نستطيع إكمال المشروع أو العودة للشاطئ، وكلا الخيارين خسائر. علينا حساب حجم الخسائر واختيار المسار الأقل تكلفة.

 

 

استثمار طويل الأجل

 

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي: يمكننا القول إن القمة بداية موفقة لتعزيز التعاون بين مجموعة من الدول الإسلامية ذات الاقتصاديات الضخمة، مثل تركيا وماليزيا، ونيجيريا التي تعد من الاقتصاديات الهامة في إفريقيا. وبالتالي، فكرة التحرك نحو التكامل الاقتصادي والتجاري، وملفات مثل الأمن الغذائي، التكنولوجيا، والطاقة الجديدة والمتجددة، والمطالبات بدعم الدول النامية، هي خطوات محورية.

 

ويواصل “الإدريسي” في حديثه لمنصة “MENA“: الدعم هنا ليس مالياً فقط، بل يتعلق بملفات مثل الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي، وتبادل الخبرات في القطاعات التي تمثل تحديات للدول النامية. رغم التفاوت الاقتصادي بين الدول الأعضاء، فإن هذه القمة يمكن أن تكون بداية لتنسيق الجهود والخبرات، مثل خبرات تركيا في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا، ومصر في البنية التحتية، وإيران في ملف الطاقة.

 

أما العاصمة الإدارية، فيرى “الإدريسي” أنها استثمار طويل الأجل، والحكم عليها في الأجل القصير قد يكون غير ملائم. البعض من المسؤولين الحكوميين يخطئ عندما يصدر للشارع المصري أن تكلفة العاصمة الإدارية ضمن الاستثمارات قصيرة الأجل، بل هي طويلة الأجل، والخلاف يكمن في توقيتها وتأثيرها على الاقتصاد.

 

اقرأ أيضًا:

 

رؤية الدولة المصرية في انشاء مدن جديدة مثل العاصمة الادارية والعلمين والجلالة

 

صفقات الاستثمار الإماراتية في مصر.. من المستفيد؟

 

حزب العرجاني الجديد.. حصان طروادة البرلمان المصري 2025

 

هل صفقة الاستحواذ على “رأس الحكمة” تجعلها إمارة خليجية؟

 

وسام حمدي
وسام حمدي صحفي تحقيقات استقصائية، يهتم بالصحافة البيئية والصحية وحقوق الإنسان، وحاصل على جوائز صحفية

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية