ترجمات

الشرق الأوسط ومصر في بؤرة الصراع: الحرب الروسية الأوكرانية تعيد تشكيل التحالفات العالمية

الاضطرابات الاقتصادية في مصر، وانسحاب القوات الروسية من سوريا، والتحالفات المتغيرة في ليبيا، كلها عوامل تعكس تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية بعيدة المدى على المنطقة.

 

“ذكر تقرير منسوب لصحيفة The Media Line أنه لا تزال الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا تُحدث تداعيات مدوية تتجاوز أوروبا، لتطال بوجه خاص منطقة الشرق الأوسط. وبينما تركّز الحوار العالمي بشكل كبير على حلف الناتو وأمن الطاقة والاقتصاد الأوروبي، تبقى الآثار المترتبة على دول مثل مصر وسوريا وليبيا لا تحظى بالتغطية الكافية.

 

هذه الدول، التي تربطها كل منها ارتباطات تاريخية مع روسيا، وتعتمد بدرجات متفاوتة على الواردات من أوكرانيا وروسيا (خاصةً القمح والسلاح)، تواجه اليوم اختباراً وجودياً جرّاء استمرار الصراع، حيث تتصاعد تداعياته الاقتصادية من أزمة عملة في مصر إلى تفاقم النزاعات في ليبيا، بينما تُعيد موسكو حساباتها العسكرية في سوريا.”

 

أزمة القمح تُصعّد التحديات الاقتصادية في مصر

 

وأوضح تقرير The Media Line، أنه في قلب العاصفة الجيوسياسية التي أشعلتها الحرب الأوكرانية، تتصاعد المخاطر المزدوجة على مصر، أزمة قمح تمسّ الأمن الغذائي لـ100 مليون نسمة، ومأزق دبلوماسي يختبر توازناتها الدولية. فقبل الصراع، كانت القاهرة تستورد 80% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، لكن شحنات الحبوب توقفت فجأة، مما دفع أسعار الخبز إلى ذروتها وأطلق موجة تضخم قادت الحكومة إلى فرض إجراءات اقتصادية طارئة.

 

وكمحاولة يائسة، تحوّلت مصر إلى صفقات استيراد مرتفعة التكلفة مع فرنسا والهند، لكنها تدفع الآن فواتير باهظة في سوقٍ عالمي مُشتعَل، وفي الوقت نفسه، تُوازن القاهرة بحذرٍ على حبل سياسي مشدود، وهو الحفاظ على علاقاتها مع موسكو وكييف، دون خسارة دعم الغرب.

 

 

هذا الوضع الهشّ يطرح أسئلة مصيرية: هل يمكن لمصر أن تظل جزيرة استقرار في منطقة مضطربة، بينما تُهَدِّد أزماتها الداخلية بزلزال اجتماعي؟ وكيف تُدار معادلةٌ يعتمد فيها رغيف الخبز على دبلوماسية الحرب والسلام؟”

 

الخبز أولاً.. ثم السياسة!

 

وفي حديث خاص لصحيفة The Media Line، حلَّل البروفيسور وليد كزيلة (الخبير السياسي وأستاذ العلوم السياسية السابق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة) المعادلةَ المصريةَ الصعبة في ظل الأزمة الأوكرانية:

 

«بالنسبة لمصر، كان ملف القمح الأوكراني مسألة حياة أو موت، لأنه ببساطة يرتبط برغيف الخبز اليومي للمصريين. كان لابد من تأمينه بأي ثمن».

 

لكن كزيلة أشار إلى أن القاهرة لا تستطيع التخلي عن روسيا أيضًا، التي تربطها بها شراكات اقتصادية استراتيجية (مثل مفاعل الضبعة النووي)، بالإضافة إلى تدفق السياح الروس الذين يُشكلون عصب قطاع السياحة المصري.

 

وأضاف المتحدث للصحيفة: « أن قدرة مصر على اللعب على الحبلين مع موسكو وكييف ليست خياراً سياسياً فحسب، بل هي رهنٌ بتقلبات السوق الدولي وقدرتها على تحمل الفاتورة المالية الباهظة».

 

“لا يزال الرأي العام المصري منصرفاً إلى حد كبير عن تبعات الحرب الروسية-الأوكرانية، التي يُنظر إليها كـ أزمة أوروبية لا تُمثِّل تهديداً مباشراً، في ظل تركيز المجتمع على حرب غزة الملتهبة منذ أشهر”، كما يوضح الخبير السياسي وليد كزيلة.

 

لكنّ التباين الصارخ في السياسة الأمريكية بين الضغط على أوكرانيا لتسوية الصراع، وتقديم دعم عسكري غير مشروط لإسرائيل لا تمر مرور الكرام في القاهرة، التي تُدرك جيداً أن المعايير المزدوجة للقوى العظمى قد تُهدد أمنها القومي ذات يوم.”

 

 

سوريا بين تغيير جذري في أولويات روسيا ومصيرٍ مجهول على خريطة الصراعات

 

وذكرت The Media Line، أن الحرب الأوكرانية أعادت تشكيل خريطة التحالفات في سوريا، حيث فرضت تغييراً جذرياً في أولويات موسكو العسكرية، فبعد سحب قوات كبيرة لدعم جبهة أوكرانيا، بات نظام الأسد مكشوف الظهر أمام تحديات وجودية، في وقتٍ يتراجع النفوذ الروسي — الحليف التاريخي لدمشق — لصالح تصاعد المطامع التوسعية التركية شمالاً.

 

والنتيجة مشهدٌ هشّ تتصارع فيه الأجندات الدولية فوق ركام سوريا، فبينما تحاول أنقرة تعزيز مناطق نفوذها عبر دعم الفصائل الموالية، تزداد الضغوط على دمشق للدخول في مفاوضات مع تركيا، خاصة مع تنامي الوجود الكردي المدعوم أمريكياً.

 

السؤال الآن: هل تتحول سوريا إلى رهان خاسر في حسابات الكرملين؟ أم أن انشغال روسيا بمعارك أوكرانيا سيفتح الباب لـ «حرب بالوكالة» جديدة تُعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط؟”.

وقال أنس الكردي، رئيس قسم الشؤون السياسية والجيوسياسية في شركة”Baseline” للاستشارات الاستخباراتية بدمشق، لصحيفة The Media Line إن “الحرب في أوكرانيا أضعفت الوجود الروسي داخل سوريا، ما دفع الأسد إلى البحث عن قنوات دعم جديدة”.

 

وأضاف الكردي أن حاجة روسيا لنقل قواتها إلى جبهات أخرى منح جماعات المعارضة في إدلب، مثل هيئة تحرير الشام (HTS)، مساحة أوسع للتحرك، مشيرًا إلى أن هذه الجماعات تلقت دعمًا سريًا من أوكرانيا.

 

و رغم الاستياء الشعبي في سوريا من دعم روسيا لنظام الأسد، إلا أن الاهتمام بالحرب في أوكرانيا لا يحمل طابعًا عاطفيًا قويًا. وأوضح أنس الكردي، رئيس قسم الشؤون السياسية والجيوسياسية في شركة Baseline للاستشارات الاستخباراتية بدمشق، أن “السوريين يريدون إضعاف روسيا بسبب علاقتها السابقة بالأسد، لكنهم لا يدركون تمامًا تعقيدات الحرب الأوكرانية، لذلك لا يتخذون موقفًا حاسمًا تجاهها”.

 

ومع ذلك، تزداد المخاوف من أن أي تقارب أمريكي مع بوتين قد يمنح موسكو فرصة لاستعادة قبضتها الاستراتيجية على سوريا، وأضاف الكردي: “إذا تم التوصل إلى اتفاق بين ترامب وبوتين بشأن أوكرانيا، فستتمكن روسيا من استعادة بعض نفوذها في سوريا، قد لا يكون كما كان في السابق، لكننا لا نزال نشعر بالقلق حيال ذلك”.

 

دور مصر وتركيا وفرنسا في الأزمة الليبية.. من يرسم مستقبل طرابلس؟

 

ليبيا.. صراع نفوذ تَصْعِيدُه الحرب

 

المشهد الجيوسياسي في ليبيا متشابكٌ أصلاً مع التدخلات الأجنبية، إلا أن الحرب الروسية-الأوكرانية فاقمت هذه التعقيدات، فروسيا ما زالت تحتفظ بوجود عسكري في شرق ليبيا لدعم الجنرال خليفة حفتر، بينما تدعم تركيا فصائل الغرب، وبينما شغلت الحرب في أوكرانيا موسكو مؤقتاً، مما قلل نفوذها في ليبيا، يُحذر الخبراء من أن المعادلة قد تنقلب.

 

أوضح مصباح عمر، الخبير في الشأن الليبي بمعهد التحولات المتكاملة، لصحيفة The Media Line ثلاثة سيناريوهات محتملة: “اتفاق بين روسيا وتركيا، أو ترتيب بين الولايات المتحدة وروسيا، أو استمرار حالة التشرذم، وإذا تحقق الخيار الأخير، فقد نشهد تقديم ليبيا وسوريا كأوراق مساومة في مقابل أوكرانيا.”

 

“لا يُخفي الرأي العام الليبي تذمراً متصاعداً من تداعيات الصراعات الدولية، في ظل انشغال الغالبية بـالأزمات الداخلية التي أنهكت البلاد. وكما يوضح الخبير السياسي: «الليبيون غارقون حتى الأذنين في أزماتهم المحلية، لدرجة تجعل اتخاذ موقف واضح من روسيا أو أوكرانيا أمراً ثانوياً».

 

لكن قلاقل أخرى تلوح في الأفق، خاصة مع تحولات السياسة الأمريكية الغامضة. فبحسب المصدر ذاته: «اجتماع ترامب السابق مع زيلينسكي كان جرس إنذار.. التحالفات الأميركية لم تعد تُبنى إلا على مبدأ “الغنيمة والغانم”، ما يستدعي كل حليفٍ أن يُحصّن ظهره من اليوم، قبل فوات الأوان».

 

أشار عمر أيضًا إلى الجهود الأمريكية الأخيرة لتوحيد الفصائل المسلحة الليبية، في الوقت الذي تحتفظ فيه كل من تركيا وروسيا بوجود عسكري في البلاد، وقال في تصريح لـ”The Media Line”: “في الوقت الحالي، هناك تحركات من المملكة المتحدة والولايات المتحدة لمحاولة توحيد الفصائل المسلحة الليبية، بل إنهما بدأتا تدريبات عسكرية في سرت”، وأضاف: “هذا يشير إلى اهتمام غربي متزايد بمواجهة النفوذ الروسي في ليبيا”.

 

ولكن مع استمرار الحرب، كشف الاجتماع الأخير بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض عن تحوّلٍ خطير في سياسة واشنطن الخارجية، فقد أظهر الموقف المتشدد لترامب تجاه زيلينسكي، والذي وصف فيه استمرار المقاومة الأوكرانية بأنه «مضيعة للوقت»، انقلاباً في الأولويات، مما أثار مخاوف الحلفاء من تآكل التزام أمريكا بشركائها الاستراتيجيين.

 

ووصف محللون هذا التصريح بأنه «صفعة دبلوماسية» تعكس انكفاء أميركا عن دورها التقليدي كحامٍ للديمقراطيات الصغرى، في حين تُركّز واشنطن على «صفقات الربح السريع» بدلاً من المبادئ.

 

وإذا كان ترامب يسعى إلى المصالحة مع بوتين، فقد تتمكن روسيا من العودة إلى سوريا بدعم أمريكي.

ألمح أنس الكردي في تصريحاته مع The Media Line، إلى أن خطاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يشير إلى احتمال وجود صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا. وقال: “إذا كان ترامب يريد المصالحة مع بوتين، فقد تتمكن روسيا من العودة إلى سوريا بدعم أمريكي بطريقة ما”.

 

وأعرب عمر عن مخاوف مماثلة، مضيفًا: “النهج المتشدد لترامب تجاه أوكرانيا، في مقابل تشديده للدعم الإسرائيلي، يجعل تحالفات أمريكا تبدو مشروطة”.

 

 

الشرق الأوسط.. منطقة في مهب التحولات الجيوسياسية

 

وبينما تُخيم الحرب الروسية-الأوكرانية بظلالها الثقيلة على العالم، تتصاعد تداعياتها في الشرق الأوسط لترسم مشهداً مُقلقاً، مصر تصارع أزمات اقتصادية طاحنة جرّاء ارتفاع فاتورة القمح، وسوريا تُجابه مستقبلاً غامضاً مع تراجع النفوذ الروسي، فيما تظل ليبيا رهينةً في لعبة القوى العظمى بين موسكو وأنقرة.

 

لكن الأخطر من ذلك كله هو الانزياح الاستراتيجي لواشنطن، الذي كشفت عنه قمة البيت الأبيض الأخيرة بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني. فتصريحات ترامب المُرتَجلة — التي قللت من شأن التضحيات الأوكرانية — لم تكن سوى جرس إنذار لإعادة النظر في ثوابت التحالفات الدولية، خاصةً مع صعود سياسة «المصالح فوق المبادئ» في واشنطن.

 

هكذا، يبدو الشرق الأوسط كـ ساحة اختبار لإعادة تشكيل النظام العالمي.. فهل تُصبح المنطقة ضحيةً جديدة لصراعٍ لا ناقة لها فيه ولا جمل؟

 

مصر.. سوريا.. ليبيا: ثلاثية الأزمات في ظل الحرب الأوكرانية

 

في قلب العاصفة الجيوسياسية التي أطلقتها الحرب الأوكرانية، تتباين أولويات دول الشرق الأوسط:

 

مصر تُوازن بين تأمين إمدادات قمح مستقرة (قضية حياة أو موت لـ100 مليون نسمة) والحفاظ على الحياد السياسي في لعبة دولية محفوفة بالمخاطر.

سوريا تراقب بقلق تصاعد الدعم الأمريكي لسياسات ترامب، الذي قد يُعيد النفوذ الروسي بقوة إلى دمشق، مُعيداً إحياء تحالف الأسد-بوتين.

ليبيا تُدفع إلى دوامة جديدة من التعقيدات، حيث تُهدد الحرب بتقويض الجهود الهشة لإحلال السلام في بلدٍ مزقته أجندات القوى الدولية.

 

وفي تعليق لاذع، لخّص الخبير الكوردي المعادلةَ بكلماتٍ صادمة:

«العالم يحتاج إلى نهاية هذه الحرب، لكن النصر يجب أن يكون من نصيب أوكرانيا.. لا أن يكون ثمناً لاسترضاء بوتين».

وأيضًا أضاف عمر: إذا بدأت واشنطن في إعطاء الأولوية للصفقات على حساب المبادئ، فقد يشهد الشرق الأوسط موجة جديدة من الاضطرابات وعدم الاستقرار في المستقبل.”

 

وأشارت The Media Line إلى أن التناقضات الواضحة في السياسة الأمريكية لم تمر دون ملاحظة، فالفرق الشاسع بين كيفية تعامل الولايات المتحدة مع أوكرانيا مقارنةً بإسرائيل يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة التحالفات الأمريكية ومدى مصداقيتها.

 

ومن مصر، علق على هذا المشهد قائلاً: “التناقضات في نهج السياسة الخارجية الأمريكية باتت جلية، فنحن نرى كيف تتعامل واشنطن مع الأزمة الأوكرانية بمنطق مختلف تمامًا عن تعاملها مع إسرائيل، وهذا يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مدى ثبات ومصداقية تحالفاتها الدولية.”

 

وفي ظل استمرار التنافس العالمي على النفوذ، هناك حقيقة واحدة لا تقبل الجدل: الشرق الأوسط، الذي لطالما كان ساحة للحروب بالوكالة والتدخلات الأجنبية، لن يكون بمنأى عن التداعيات المتزايدة للصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا.

 

المصدر:

 

Middle East Caught in the Crossfire as Russia-Ukraine War Shifts Global Power Dynamics

 

اقرأ أيضًا:

 

محاولة أوكرانية للإيقاع بين مصر وروسيا

 

استيراد أكبر كمية قمح في تاريخ مصر.. خيار أم ضرورة؟

 

الاكتفاء الذاتي من القمح.. حلم 100 مليون مصري

 

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية