ألقت السلطات المصرية، في مطلع مارس الجاري، القبض على خلف الزناتي، نقيب المعلمين المصري ورئيس اتحاد المعلمين العرب، وماهر أبو طالب، صاحب شركة نيو هارت لإدارة المستشفيات، على خلفية اتهامات تتعلق بالرشوة، حيث قررت النيابة حبسهما احتياطيًا على ذمة التحقيقات.
تعود القضية إلى اتهام نقيب المعلمين بتلقي رشوة تمثلت في وحدة سكنية فاخرة بمنطقة المهندسين بمحافظة الجيزة، مقابل تسهيل حصول شركة نيو هارت على حق إدارة وتشغيل مستشفى المعلمين. القضية، التي حملت الرقم 834 لسنة 2025 جنايات قصر النيل والمقيدة برقم 1595 لسنة 2025 جنايات أمن الدولة العليا، تخضع للتحقيق تحت إشراف المستشار خالد ضياء الدين، المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا.
ووجهت النيابة إلى خلف الزناتي، بصفته رئيس هيئة مكتب لجنة تسيير أعمال النقابة العامة للمهن التعليمية، تهمة طلب وقبول رشوة، حيث حصل من المتهم الثاني، ماهر أبو طالب، على وحدة سكنية فاخرة رقم 7، الدور الثاني، 20 شارع الفلاح، المهندسين، تقدر قيمتها بنحو 1.2 مليون جنيه، مقابل تسهيل إجراءات ترسية مزايدة تشغيل مستشفى المعلمين لصالح شركته.
أثارت القضية موجة من الجدل حول تفشي قضايا الفساد والرشوة داخل مؤسسات القطاع العام، رغم تبني الدولة المصرية استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، ما يطرح تساؤلات حول مدى فاعلية جهود الإصلاح الإداري والرقابة المؤسسية.
شهدت مصر خلال العقد الماضي العديد من وقائع الفساد والرشاوى التي شملت مسؤولين حكوميين وشخصيات عامة. في سبتمبر 2015، أُلقي القبض على وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، صلاح هلال، بعد استقالته، بتهمة تلقي رشاوي لتسهيل استيلاء رجال أعمال على أراضٍ مملوكة للدولة.
وفي عام 2016، استقال وزير التموين، خالد حنفي، على خلفية اتهامات بإهدار المال العام فيما عُرف بـ “فضيحة فساد القمح”، حيث تم الكشف عن تلاعب في كميات القمح الموردة للدولة، مما أدى إلى خسائر مالية كبيرة.
وفي أواخر عام 2016، تم القبض على المستشار وائل شلبي، أمين عام مجلس الدولة، بتهمة تلقي رشاوي. لاحقًا، وُجد شلبي متوفيًا في محبسه في يناير 2017، وقُيّد الحادث انتحارا.
في ديسمبر 2021، ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على عبيد صالح، رئيس جامعة دمنهور، بتهمة تقاضي رشوة قدرها 4 ملايين جنيه مصري، مقابل تسهيل توريدات للجامعة من بعض الموردين.
وفي فبراير 2024، ضبطت السلطات المصرية أكبر شبكة فساد لمسؤولين بوزارة الري، وألقت السلطات القبض على مسؤولين بالوزارة حصلوا على ملايين الجنيهات وفيلا كرشوة، مقابل إنهاء أعمال ومستحقات مالية لأصحاب شركات تعمل في تأهيل الترع والمصارف المائية.
ومطلع العام الجاري، أحالت النيابة المصرية 17 متهمًا من بينهم مدير عام الأسواق الحرة قطاع جمارك القاهرة ووكيل فرع بإحدى شركات الاستيراد والتصدير البارزة، ومدير فرع، ومراجع، وأخصائية شؤون مالية و7 من مأموري الجمارك، وصاحب مؤسسة النفادي للمقاولات وآخرين للمحاكمة، لاستيلائهم على مبلغ 10 ملايين و791 ألفًا و700 جنيه على سبيل الرشوة مقابل إعطاء بضائع خمور وسجائر دون سداد ضريبتها ليستولوا عليها لصالحهم.
احتلت مصر المرتبة 130 من بين 180 دولة وفقًا لمؤشر الفساد، الصادر في 2024، والمعني بإصدار ترتيب للدول والمناطق بناءً على تصورات مدى فساد القطاع العام فيها، حيث حصلت على 30 درجة فقط من أصل 100 في التقييم السنوي، مما وضعها في مستوى مماثل لجيبوتي وموريتانيا.
وتعكس هذه النتيجة، وفق مراقبين، معدل فساد يفوق جميع الدول العربية، باستثناء تلك التي تشهد نزاعات أهلية أو تفتقر إلى الاستقرار، مثل العراق وسوريا وليبيا والصومال والسودان ولبنان.
وقد سجل التقرير تزايدًا ملحوظًا في معدلات الفساد منذ عام 2016، إذ تراجعت مصر ثلاث مراتب في المؤشر عام 2022 مقارنة بالعام السابق، وخسرت أكثر من 20 مرتبة خلال العقد الأخير.
وكانت مصر قد احتفظت بموقع يتراوح بين المركزين 97 و114 منذ بدء إصدار المؤشر في عام 1995 وحتى 2012، حيث اعتُبر الفساد في تلك الفترة أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت أغلبية المواطنين إلى تأييد ثورة 25 يناير 2011.
وأطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي الاستراتيجية الوطنية الثانية لمكافحة الفساد 2019-2022 خلال ختام فعاليات منتدى إفريقيا 2018 الذي عُقد في شرم الشيخ. جاءت هذه الاستراتيجية استكمالًا للاستراتيجية الأولى التي أطلقها عام 2014، وذلك في إطار جهود الدولة لتعزيز النزاهة والشفافية. وتزامن الإعلان عن الاستراتيجية مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي يُوافق 9 ديسمبر من كل عام.
وفي 15 ديسمبر 2022، شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إطلاق المرحلة الثالثة من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، مما يعكس استمرار الدولة في تنفيذ خططها لمواجهة الفساد وتعزيز آليات المساءلة والرقابة في مختلف المؤسسات.
وعلى المستوى الإقليمي، أصبحت مصر طرفًا في الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد منذ 18 يونيو 2014، ما يعكس التزامها بتطبيق معايير مكافحة الفساد على المستويين المحلي والدولي. كما أن عددًا من الجهات الرقابية المصرية تعد أعضاء رسميين في الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، ومن بينها هيئة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزي للمحاسبات، ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ووزارة الداخلية – الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، وهيئة النيابة الإدارية، ووزارة العدل، مما يعزز دور مصر في الجهود الإقليمية لمكافحة الفساد.
يقول فريدي البياضي، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، لمنصة “MENA”، إن ظاهرة الفساد والرشاوى في بعض مؤسسات القطاع العام تحدث نتيجة لمجموعة من العوامل التي تسهم في انتشارها واستمرارها، حيث يؤدي ضعف الرقابة والمحاسبة إلى فتح المجال أمام بعض الموظفين لاستغلال مناصبهم دون الخوف من المساءلة، كما أن تعقيد الإجراءات الإدارية والبيروقراطية يدفع بعض الأفراد للبحث عن طرق مختصرة، مما يجعل بعض الموظفين يستغلون مناصبهم مقابل تسريع المعاملات.
وإلى جانب ذلك، فإن انخفاض الأجور في بعض القطاعات قد يدفع بعض الموظفين إلى البحث عن مصادر دخل غير قانونية، مثل تلقي الرشاوى لتعويض نقص الدخل، بينما يساهم ضعف سيادة القانون وغياب العقوبات الصارمة في تشجيع الفاسدين على التمادي في تجاوزاتهم دون رادع، وفق البياضي.
ويضيف: في المجتمعات التي تنتشر فيها ثقافة الفساد والواسطة، يصبح الفساد سلوكًا مألوفًا داخل المؤسسات، خاصة مع غياب الشفافية والإفصاح عن المصالح المالية للمسؤولين، مما يسهل عمليات الفساد دون رقابة حقيقية.
تتفق معه تسنيم عمار، باحثة ماجستير في الحوكمة ومكافحة الفساد نائب مدير المشروعات بالمنظمة العالمية لخريجي الأزهر، حول الأسباب، وتقول لمنصة “MENA”، إن الفساد والرشاوي من أبرز المشكلات التي تواجه مؤسسات القطاع العام في العديد من الدول، مما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني ويضعف من ثقة المواطنين بالحكومة.
وقد أشارت تقارير مؤشر مدركات الفساد العالمي وتقارير البنك الدولي إلى أن ارتفاع مستويات الفساد يؤدي إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتقلص الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى التأثير السلبي على الجودة والكفاءة في تقديم الخدمات العامة، بحسب عمار.
وتوضح أن أسباب زيادة الفساد والرشاوي في مؤسسات القطاع العام، متعددة، أبرزها ضعف الأنظمة والمؤسسات الرقابية، حيث تعاني العديد من الدول من قصور في الأنظمة الرقابية والآليات التي تكشف المخالفات، ويعود ذلك إلى عدم الاستقلالية والمصداقية الكاملة للهيئات الرقابية.
كذلك يعد نقص الشفافية والمساءلة من أبرز أسباب تفشي الظاهرة إذ يؤدي عدم وضوح الإجراءات وغياب آليات المساءلة إلى خلق بيئة ملائمة لممارسة الفساد، حيث يُمكن للعاملين في القطاع العام استخدام مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية دون الخوف من العقوبات المستقبلية.
السبب الثالث بحسب عمار يتمثل في ضغوط الحوكمة السيئة، وتشمل هذه الأسباب عدم الفعالية في التخطيط الاستراتيجي لتوزيع الموارد، مما يؤدي إلى تراكم السلطات في أيدي عدد قليل من المسؤولين الذين قد يستغلون موقعهم لتحقيق مصالح شخصية.
إلى جانب ذلك تُظهر الدراسات، بحسب عمار، أن وجود ثغرات قانونية وعدم تفعيل القوانين بشكل كامل يساهم في انتشار الفساد، إذ يتم التهرب من العقوبات القانونية بسهولة في ظل غياب الرقابة التنفيذية الفعالة. خامسًا: ضغوط اقتصادية واجتماعية، فكثيرًا ما يؤدي التوتر الاقتصادي والظروف الاجتماعية المعيشية المتردية إلى انصياع بعض العاملين للضغط المادي، مما يجعلهم عرضة لتقديم الرشاوي أو قبولها مقابل تسهيل الإجراءات.
وفي السياق ذاته، يقول شادي طلعت، المحامي والخبير القانوني، لمنصة “MENA”، إن مكافحة الفساد في مصر تتطلب تشديد العقوبات على الموظفين العموميين المتورطين في قضايا الرشوة والاختلاس، مشددًا على أن مجرد رد الأموال المسروقة أو دفع الغرامات لا يجب أن يكون سببًا للإفلات من العقوبة.
ويشير طلعت إلى أن القوانين في بعض الدول مثل الولايات المتحدة وأوروبا تتعامل بحزم مع قضايا الفساد، حيث يتم مصادرة جميع أموال الشخص المدان حتى لو لم تكن مرتبطة مباشرة بالجريمة، وتشمل المصادرة أيضًا أموال الزوجة والأبناء.
وينتقد طلعت النهج الحالي في مصر، حيث يحصل بعض المتهمين بالفساد على البراءة أو عقوبات مخففة بمجرد رد جزء من الأموال، معتبرًا أن ذلك يشجع على استمرار الفساد ويعطي انطباعًا بإمكانية الإفلات من العقاب.
ويشدد طلعت على ضرورة إنهاء أي استثناءات في قضايا الفساد، بحيث لا يكون رد الأموال المسروقة مبررًا لتخفيف العقوبة، مؤكدًا أن التشدد في تطبيق القانون سيؤدي إلى تقليص الفساد وتعزيز النزاهة في مؤسسات الدولة.
تقول تسنيم عمار: ليس فقط الجانب الأخلاقي والمجتمعي هو ما يتضرر من الفساد، بل يمتد تأثيره بشكل كبير إلى الاقتصاد الوطني، حيث يظهر في عدة جوانب: أولها، تراجع النمو الاقتصادي؛ يُعوق الفساد عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية الصحيحة ويؤخر تنفيذ المشاريع الحيوية، مما يؤدي إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتثبيط الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
ثانيًا، زيادة تكاليف المشاريع؛ يؤدي وجود مستويات عالية من الرشاوى إلى تضخيم تكاليف المشاريع الحكومية بسبب إضافة مبالغ غير شرعية إلى الميزانيات المقررة.
ثالثًا، فقدان الثقة في النظام الاقتصادي، حيث يؤدي انتشار الفساد إلى تآكل ثقة المستثمرين والمواطنين في نزاهة النظام المالي والاقتصادي، مما يؤثر سلبًا على القدرة التنافسية للدولة في الأسواق العالمية.
رابعًا، تراجع معدلات التنمية البشرية؛ فعندما تُصرف الموارد العامة على مكافحة وآثار الفساد، تقل الأموال المخصصة للقطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة، مما يؤدي إلى انخفاض مؤشرات التنمية البشرية.
وخامسًا، التوزيع غير العادل للثروة؛ يُساهم الفساد في خلق فوارق اجتماعية حادة بين فئات المجتمع، حيث يتم تحويل الثروة إلى نخب محدودة، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل.
من جهته، يرى النائب فريدي البياضي أن الفساد يؤدي إلى تداعيات خطيرة تؤثر على العلاقة بين الحكومة والمواطنين، حيث يؤدي انتشاره إلى فقدان الثقة في الدولة، إذ يشعر المواطنون بأن المؤسسات الحكومية غير عادلة، مما ينعكس سلبًا على تفاعلهم مع الجهات الرسمية.
ويضيف: كما يؤثر الفساد على الاقتصاد والاستثمار، حيث يخشى المستثمرون من العمل في بيئة تعاني من الفساد، مما يقلل من حجم الاستثمارات الأجنبية والمحلية. ومن الناحية الاجتماعية، يؤدي الفساد إلى تزايد الفجوة بين فئات المجتمع، حيث يتم توزيع الثروات والخدمات بشكل غير عادل، مما يفاقم التفاوت الاجتماعي.
ويتابع: يدفع الفساد المواطنين إلى اللجوء للرشاوى والواسطة لإنجاز معاملاتهم، مما يخلق حالة من الإحباط ويؤدي إلى تراجع ثقتهم بالقوانين والمؤسسات. وعلى المستوى السياسي، يؤدي انتشار الفساد إلى تراجع المشاركة السياسية، حيث يفقد المواطنون الأمل في جدوى الانتخابات أو المطالبة بالإصلاح، مما يضعف النظام الديمقراطي.
وحول تأثير الفساد على ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية، أوضح شادي طلعت أن الوقائع المتكررة لقضايا الفساد تضعف ثقة المواطن في الدولة، حيث يواجه العديد من المواطنين معاملات بيروقراطية معقدة ويضطرون لدفع إكراميات لإنجاز معاملاتهم، مما يرسّخ ثقافة الرشوة.
أضاف أن انتشار الفساد في الجهاز الإداري للدولة يؤثر سلبًا على سمعة مصر دوليًا، خاصة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث يتجنب المستثمرون ضخ أموالهم في بيئة غير شفافة تفتقر إلى الحوكمة الرشيدة.
وأكد على ضرورة فرض عقوبات رادعة دون استثناءات، مشيرًا إلى أن الدول التي اتبعت هذا النهج تمكنت من الحد من الفساد واستعادة ثقة المواطنين والمستثمرين في مؤسساتها.
يقول فريدي البياضي إنه لمواجهة هذه الظاهرة، تعمل الحكومات على تعزيز الأجهزة الرقابية مثل هيئة الرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات، حيث تساهم هذه الجهات في كشف التجاوزات واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المتورطين. كما أن ميكنة الخدمات الحكومية تلعب دورًا هامًا في تقليل التدخل البشري في العمليات الإدارية، مما يقلل من فرص الفساد والمحسوبية.
إلى جانب ذلك، يجب تشديد العقوبات القانونية عبر قوانين مكافحة الفساد وقوانين تضارب المصالح لضمان الردع الفعال، مع تعزيز حماية المبلغين عن الفساد لتشجيعهم على الإبلاغ دون خوف من الانتقام.
ومن أجل بناء ثقافة النزاهة، يتم التركيز على التوعية والتثقيف من خلال الإعلام والمناهج التعليمية، إضافة إلى تعزيز الشفافية في العقود والمشتريات الحكومية عبر نشر تفاصيل المناقصات والمزايدات لضمان نزاهة العمليات المالية والإدارية.
أما البرلمان، وفق البياضي، فيلعب دورًا محوريًا في مواجهة الفساد الإداري من خلال ممارسة دوره الرقابي على الحكومة عبر الاستجوابات واللجان البرلمانية، إضافة إلى إقرار قوانين جديدة لمكافحة الفساد وسد الثغرات القانونية، بحسب البياضي. كما يقوم البرلمان بمراجعة تقارير الأجهزة الرقابية واتخاذ الإجراءات المناسبة بناءً عليها، إلى جانب التحقيق في شبهات الفساد داخل المؤسسات الحكومية والمطالبة بعزل المسؤولين الفاسدين، فضلاً عن دوره في تعزيز الشفافية في الموازنة العامة لضمان عدم التلاعب بالأموال العامة.
ويضيف البياضي: لتحسين الوضع، يجب تعزيز الشفافية والمساءلة على جميع المستويات الحكومية لضمان رقابة فعالة، مع تفعيل الشراكة مع المجتمع المدني لمراقبة الأداء الحكومي وكشف المخالفات.
كما ينبغي تعزيز دور الصحافة والإعلام في كشف الفساد دون خوف من الترهيب أو العقوبات، إضافة إلى إصلاح التشريعات لضمان تنفيذ العقوبات بصرامة على المسؤولين الفاسدين. إن تطبيق هذه الحلول من شأنه أن يقلل من الفساد ويعزز ثقة المواطنين في المؤسسات العامة، مما ينعكس إيجابيًا على التنمية والاستقرار.
من جهتها ترى تسنيم عمار أن مكافحة الفساد تتطلب تفعيل دور الجهات الرقابية وتبني آليات فعالة لضمان الشفافية والمساءلة في مؤسسات القطاع العام. ومن أبرز الآليات المقترحة: تعزيز استقلالية المؤسسات الرقابية، فيجب ضمان استقلال الهيئات الرقابية عن التداخل السياسي من خلال سن قوانين تحمي استقلاليتها وإعطائها صلاحيات واسعة للتحقيق والمحاسبة.
وتضيف: يجب تطبيق تكنولوجيا المعلومات، من خلال الاستثمار في أنظمة الشفافية الإلكترونية واستخدام قواعد البيانات المتكاملة لتوثيق العمليات والمعاملات الحكومية، ما يتيح متابعة آنية ويقلل من فرص التلاعب، بالإضافة إلى تفعيل آليات المساءلة والمتابعة الداخلية، عن طريق إنشاء وحدات داخلية مستقلة في كل مؤسسة عامة تقوم بمراجعة العمليات المالية والإدارية بشكل دوري، والتبليغ عن أي مخالفات.
وتقول في حديثها مع “MENA” إنه من الضروري أيضًا إعداد برامج تدريبية وتأهيلية للمسؤولين، من خلال الاستثمار في تدريب الكوادر الحكومية على مبادئ الشفافية والنزاهة، وتشجيع ثقافة المسؤولية الاجتماعية داخل المؤسسات. وأخيرًا؛ تشجيع الشراكة مع المجتمع المدني، حيث يمكن للمجتمع المدني ووسائل الإعلام أن يكونا شريكًا فعالًا في مكافحة الفساد من خلال رصد المخالفات والكشف عن التجاوزات، إذ تتوفر لديهم مصادر معلومات واعية ومستقلة.
وتضيف: يعتمد قياس نجاح الإجراءات المتبعة في مكافحة الفساد على مجموعة من المؤشرات التي تساعد في مراقبة الأداء وتحقيق التحسين المستمر، ومن أهم هذه المؤشرات: معدل الشفافية في المعاملات الحكومية؛ يُقاس بنسبة العمليات التي يتم توثيقها إلكترونيًا والمعلنة للعامة، مما يحد من فرص التلاعب والتجاوز.
ذلك بالإضافة إلى عدد القضايا المحالة إلى الجهات القضائية؛ يعد هذا المؤشر مؤشراً على قدرة الجهات الرقابية على كشف التجاوزات والتمييز في تطبيق العقوبات على مختلف مستويات المسؤولين.
وتتابع: مؤشر رضا المواطنين يمكن قياسه من خلال استطلاعات رأي دورية لقياس مدى ثقة الجمهور بالمؤسسات العامة، وهو ما يعكس فعالية السياسات الرقابية.
معدل الشكاوى المقدمة ضد المخالفات الإدارية؛ ارتفاع معدل الشكاوى من ضمن المراقبة البيئية يدل على تمتع المواطنين بوسائل سهلة للإبلاغ عن المخالفات.
التغير في تصنيف مؤشر مدركات الفساد العالمي؛ يُعتبر تحسن التصنيف وارتفاع ترتيب الدولة في هذا المؤشر مؤشراً على فعالية الإجراءات المتبعة وإصلاح النظام الإداري.
وتشدد: يُستحسن الاعتماد على هذه المؤشرات في الدراسات الدورية، وتحديثها بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية لضمان استدامة الرقابة والشفافية. ويجب أن تُعتبر مكافحة الفساد عملية ديناميكية تتطلب تحديثًا مستمرًا للآليات والإجراءات، مع التنسيق المستمر بين الجهات الرقابية والحكومية والمجتمع المدني، لضمان نزاهة واستقرار المؤسسات العامة وتأسيس بيئة اقتصادية واجتماعية مستقرة وآمنة.
اقرأ أيضًا:
عودة بطرس غالي للمشهد الاقتصادي.. من المستفيد؟
بيزنس الجامعات الخاصة.. ما الهدف من السياسة التعليمية الحالية؟