سياسة

اللاجئون إلى مصر.. جهود دولية وشراكات أممية رغم الأعباء الاقتصادية

تُعتبر مصر من الدول المحورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيما يتعلق باستقبال اللاجئين والمهاجرين، فعلى مدار العقود الماضية، أصبحت مصر وجهة رئيسية لملايين الأفراد الذين فروا من بلادهم نتيجة الصراعات المسلحة، الأزمات الاقتصادية، أو الاضطهاد.

 

ويشمل ملف الهجرة واللجوء في مصر تعقيدات متعددة، بدءًا من التعامل الحكومي مع اللاجئين، مرورًا بالدور الذي تلعبه المنظمات الدولية والمحلية، وصولًا إلى التحديات والفرص التي تترتب على هذه الظاهرة.

 

 

تُعد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) المؤسسة الرئيسية المسؤولة عن رعاية اللاجئين في مصر، إذ تعمل على تسجيل اللاجئين وطالبي اللجوء وتوفير الدعم اللازم لهم، سواء من خلال تقديم المساعدات المادية أو الدعم القانوني، بالتعاون مع الحكومة المصرية، عبر خدمات تشمل الصحة والتعليم، بالإضافة إلى توفير الحماية القانونية اللازمة للفئات الأكثر ضعفًا.

 

 

وتؤكد كريستين بشاي، المسؤول الإعلامي باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة، أن المفوضية تولي أهمية كبيرة لتعزيز التعاون مع شركائها الوطنيين والدوليين لتقديم الحماية الدولية والخدمات الضرورية للأشخاص الذين أجبروا على الفرار من بلدانهم، قائلةً: “تعمل المفوضية بشكل وثيق مع الجمعيات غير الحكومية المحلية والدولية المسجلة لدى وزارة التضامن الاجتماعي، بهدف تقديم الدعم للاجئين وتحسين حياتهم في مصر.”

 

وتضيف بشاي في تصريح خاص لمنصة “MENA” أن المفوضية تقدم، بالتعاون مع شركائها التنفيذيين، منحًا تعليمية لأسر اللاجئين الذين لديهم أطفال مسجلين في المدارس الحكومية. وأشار إلى أن الطلاب من الجنسيات السورية، السودانية، الجنوب سودانية، واليمنية يحق لهم الالتحاق بالمدارس المصرية ويتمتعون بنفس معاملة الطلاب المصريين.

 

وتلعب المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، إلى جانب UNHCR دورًا محوريًا في دعم المهاجرين في مصر، تقدم IOM مجموعة واسعة من الخدمات للمهاجرين، من ضمنها تقديم المساعدات الإنسانية، وإدارة برامج إعادة التوطين، ودعم جهود الحكومة في مكافحة الهجرة غير الشرعية. تعمل المنظمة أيضًا على تعزيز فرص التوظيف للمهاجرين وتوفير التدريب المهني للشباب، مما يساعد في تقليل الضغوط الاقتصادية التي تواجههم.

 

علاوة على ذلك، تساهم العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية في دعم اللاجئين والمهاجرين. من هذه المنظمات الهلال الأحمر المصري الذي يلعب دورًا هامًا في تقديم المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية، بالإضافة إلى المنظمات الأخرى التي تقدم الدعم التعليمي والاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئات. تتعاون هذه المنظمات بشكل وثيق مع الوزارات المصرية المختلفة مثل وزارة التضامن الاجتماعي لضمان تقديم الدعم اللازم.

 


وفقًا لأحدث البيانات المتاحة، تستضيف مصر حوالي 9 ملايين مهاجر دولي، يشكلون نحو 8.7% من إجمالي عدد السكان في البلاد، هؤلاء المهاجرون يأتون من أكثر من 133 دولة، وتتوزع الغالبية العظمى منهم بين السودان (حوالي 4 ملايين)، سوريا (1.5 مليون)، ليبيا واليمن (حوالي مليون لكل منهما).

 

بالنسبة للاجئين المسجلين لدى UNHCR، يتجاوز عددهم 300,000 لاجئ وطالب لجوء، معظمهم من سوريا والسودان وإثيوبيا وإريتريا.

 

وكشفت المسؤول الإعلامي باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة أن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لدى المفوضية حتى أغسطس 2024 بلغ 760,581 شخصًا من 62 جنسية مختلفة، مؤكدةً أن المفوضية مستمرة في تقديم الدعم المباشر لهذه الفئة بالتعاون مع شركائها.

 


تبذل الدولة المصرية جهودًا كبيرة لدعم اللاجئين والمهاجرين من خلال دمجهم في النظام الوطني للرعاية الصحية والتعليم. يتمتع اللاجئون والمهاجرون بحقوق الوصول إلى هذه الخدمات على قدم المساواة مع المواطنين المصريين، مما يتيح لهم الحصول على التعليم والرعاية الصحية الأساسية، إلى جانب هذا، تعتمد مصر على دعم المجتمع الدولي لتلبية احتياجات اللاجئين والمهاجرين. تشمل هذه المساعدات تقديم تمويل دولي، خدمات قانونية، ودعم لوجستي من المنظمات الدولية مثل UNHCR وIOM.

 

وتوضح بشاي أن المفوضية قامت، بالتعاون مع الحكومة المصرية، بتوقيع مذكرتي تفاهم مع وزارة الصحة، أسفرت عن تبرع المفوضية بأكثر من 2 مليون دولار على شكل معدات طبية حديثة، من ضمنها أجهزة للكشف المبكر عن أورام الثدي، 70 سريرًا، ووحدات عناية مركزة، وأجهزة تنفسية. وأكد أن هذه المعدات سُلمت لعدد من المرافق الصحية في مختلف المحافظات، لينتفع منها كل من المواطنين المصريين واللاجئين على حد سواء.

 

تحظى مصر بتقدير دولي على التزامها باستضافة اللاجئين والمهاجرين، إلا أن الضغط الكبير على البنية التحتية والموارد المحدودة يشكل تحديًا مستمرًا. يعتمد استمرار هذا الدعم بشكل كبير على التعاون مع المنظمات الدولية والمانحين الأجانب لضمان استمرارية تقديم الخدمات الأساسية لهؤلاء الأفراد.

 


توجد في مصر، العديد من الجمعيات التي تمثل الجاليات الأجنبية المختلفة، من بينها الجمعيات جمعية الجالية السودانية، رابطة السوريين في مصر، بالإضافة إلى جمعيات تمثل جاليات من دول مثل إثيوبيا وإريتريا، وتعمل هذه الجمعيات على تقديم الدعم الاجتماعي والقانوني للاجئين والمهاجرين، وتوفير خدمات تعليمية وتدريبية وصحية، كما تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التماسك الاجتماعي والاندماج بين الجاليات المختلفة والمجتمع المصري.

 

 


من حيث السياسات الرسمية، لا تفرض مصر حدودًا صارمة على أعداد اللاجئين الذين يمكنها استقبالهم. تعتمد سياسة البلاد على التعاون الدولي والدعم الخارجي لتلبية احتياجات اللاجئين. ولكن مع الأعداد المتزايدة للاجئين والمهاجرين والضغوط الاقتصادية الداخلية، قد يكون هناك حاجة لإعادة تقييم هذه السياسات لضمان تقديم الخدمات اللازمة بشكل مستدام.

 


إن الأعداد الكبيرة من اللاجئين والمهاجرين تشكل تحديات كبيرة لمصر، منها الضغط على البنية التحتية، ارتفاع الطلب على الخدمات الصحية والتعليمية، والتنافس على فرص العمل. كما تشكل هذه الظاهرة تحديًا اجتماعيًا واقتصاديًا، حيث يتعين على الدولة التعامل مع احتياجات متعددة وضمان عدم تفاقم المشاكل الاقتصادية القائمة.

 

وتشير بشاي إلى أن الموارد المتاحة للحكومة المصرية ومنظمات الأمم المتحدة والشركاء الاستراتيجيين لتوفير الخدمات الأساسية قد تضاءلت بشكل نسبي نظرًا لزيادة أعداد اللاجئين خلال العام الماضين لافتةً إلى أن الحكومة المصرية تنظم بالتعاون مع المفوضية ورشة عمل مشتركة رفيعة المستوى لإطلاق خطة الاستجابة للاجئين في مصر لعام 2024.

 

وتنوه بأن هذه الخطة تُعد فرصة لتعزيز الشراكة بين الحكومة المصرية والمجتمع الدولي، بهدف تلبية احتياجات اللاجئين والمجتمع المضيف.

 

ومع ذلك، تُعتبر هذه التحديات فرصًا لتعزيز التعاون الدولي وتطوير استراتيجيات مبتكرة لدعم اللاجئين والمهاجرين. تتيح الشراكات الدولية لمصر الفرصة لتحسين قدراتها في إدارة ملف اللاجئين، سواء من خلال الدعم المالي أو من خلال نقل المعرفة والتكنولوجيا. كما يمكن لهذه التحديات أن تعزز من تطوير سياسات وطنية أكثر شمولًا واستدامة، تهدف إلى تحسين أوضاع اللاجئين والمهاجرين، وتعزيز اندماجهم في المجتمع المصري.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية