المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.. مؤشر الخطر وهامش التطور
أكد الرئيس الصيني شي جين بينج خلال زيارته لمصر في عام 2016، أهمية تعزيز الشراكة الشاملة بين البلدين، مشددًا في مؤتمر صحفي عقب اجتماعه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على التعاون في مجالات مثل مشروع طريق الحرير ومحور قناة السويس، بالإضافة إلى مجالات الطاقة والبنية التحتية.
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس
وأشار الرئيس الصيني إلى إنجاز المرحلة الأولى للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بمشاركة 32 شركة باستثمارات بلغت 426 مليون دولار، ما وفر 2000 فرصة عمل. كما أُعلن إطلاق المرحلة الثانية بمشاركة 100 شركة، باستثمارات تبلغ 2.5 مليار دولار.
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5.7 مليار دولار خلال أول خمسة أشهر من عام 2024، مقارنة بـ 5.5 مليار دولار لنفس الفترة من عام 2023.
وسجلت الصادرات المصرية 212.1 مليون دولار خلال أول خمسة أشهر من عام 2024، مقارنة بـ 445.7 مليون دولار في الفترة نفسها من 2023، بينما بلغت الواردات 5.237 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العامين.
الشراكة الشاملة
أكدت نورهان الشيخ، أستاذة العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن الشراكة المصرية الصينية قديمة جدًا، لكنها أُعيدت صياغتها بشكل مختلف في عام 2016 خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج للقاهرة، وهي الزيارة الأولى من نوعها لمصر، وللشرق الأوسط بشكل عام.
وشددت الشيخ في تصريحات خاصة لمنصة MENA، على أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حرص خلال زيارته إلى الصين في عام 2014 على تعزيز مستوى الشراكة مع الصين في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها، موضحةً أنه عقب تلك الزيارة، واصل الرئيس السيسي ورئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي العمل على تعميق هذه الشراكة، خاصة في مجالي الاستثمار والتعليم.
وبينت أستاذة العلاقات الدولية أن الصين تعتبر مصر ذات أهمية كبرى ضمن مشروعها العملاق “الحزام والطريق”، وحرصت على التواجد بقوة في الاقتصاد المصري من خلال مشروعات تنمية قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، كما تفاعلت مع مجال التعليم من خلال الاتفاق على تدريس اللغة الصينية في المدارس المصرية وإنشاء الجامعة الصينية.
نموذج محفوف بالمخاطر
حذر الخبير الاقتصادي وائل النحاس من المخاطر التي قد تطرأ على الاقتصاد المصري نتيجة المنطقة الصينية، مشيرًا إلى وجود علامات استفهام عديدة حول هذه المنطقة، خصوصًا في ظل الوضع الاقتصادي الراهن الذي تشهده مصر والدول الأخرى. موضحًا أن النموذج البرازيلي في الشراكة مع الصين يُعتبر من أفضل النماذج الاقتصادية التي كان ينبغي على مصر اتباعها.
وأشار النحاس في تصريحات خاصة لمنصة MENA، إلى أن النموذج البرازيلي الصيني سمح بإنشاء منتجات ذات منشأ برازيلي، مما جعلها قادرة على التعامل كمصنع للمنتجات دون التأثر بالعقوبات الاقتصادية التي قد تُفرض على الصين، لافتًا إلى أن المنطقة الصينية في مصر قد تتعرض لأية تداعيات سلبية نتيجة أي عقوبات مفروضة على الصين، خاصة مع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة.
ولفت النحاس إلى أن مصر لا تملك قرارها في الوقت الحالي، وأن سياستها الاقتصادية تخضع لقيود صندوق النقد الدولي، ما يجعل أي عقوبة قد تُفرض على الاقتصاد الصيني — الذي قد يواجه انكماشًا — مؤشرًا خطرًا على أهمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وأوضح أن صياغة المنطقة بحاجة إلى تعديل، من خلال وضع نموذج يجعل من مصر دولة المنشأ، والترويج لمنتجات “صنع في مصر” على غرار ما حققته البرازيل في استثمارها في حالة الصين لصالحها، مشددًا على أن النموذج الاقتصادي المصري يهيمن عليه طابع المانشيت الصحفي والدعاية، خصوصًا فيما يتعلق بالترويج لمجموعة البريكس، التي لم تستفد مصر منها حتى الآن.
كما أكد النحاس عدم قدرة الحكومة على تجاوز حواجز التصدير وفهم أسس التعامل مع هذا الملف، مشددًا على ضرورة أن تعيد الدولة قراءة المشهد السياسي والاقتصادي بطريقة تضمن عدم الاكتفاء أو المحسوبية على أي طرف في الصراعات السياسية الكبرى، خصوصًا في ظل التوترات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا.
المنطقة الصينية الجديدة
تُعد منطقة “تيدا الصينية” الصناعية في العين السخنة بخليج السويس واحدة من الاستثمارات الصينية البارزة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث تُعتبر من الكيانات الصناعية المتميزة وأكبر مطور صناعي خدمي.
تبلغ المساحة الإجمالية لمنطقة تيدا نحو 7.34 كيلومتر مربع، مقسمة إلى جزأين: المنطقة الأولية ومنطقة التوسعات. تغطي المساحة الأولية 1.34 كيلومتر مربع، واكتملت مرحلة التطوير والبناء فيها. تشمل هذه المنطقة أربع صناعات رئيسية: صناعة مواد البناء الجديدة، وصناعة معدات الجهد العالي والمنخفض، وصناعة المعدات البترولية، وأخيرًا صناعة الآلات.
أما بالنسبة لتوسعات المنطقة الصينية الجديدة، فتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 6 كيلومترات، حيث تصل القيمة الإجمالية لتكلفة المنطقة التوسعية إلى 230 مليون دولار أمريكي. تستهدف توسعات المنطقة جذب ما يقرب من 152 إلى 180 مشروعًا صغيرًا، وتسعى لجذب استثمارات قيمتها 2 مليار دولار أمريكي، بينما تتراوح حجم المبيعات المستهدفة من مشروعات المنطقة التوسعية بين 8 إلى 10 مليارات دولار أمريكي، مع توفير أكثر من 40 ألف فرصة عمل محلية.
تأتي منطقة تيدا الصينية في مصر في إطار مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام 2013، وهي جزء من استراتيجيتها المستقبلية لربط الدولة بالعالم. وتعتبر مصر مركزًا محوريًا في هذه المبادرة نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز الذي يربط بين القارات الثلاث: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا.
حتى عام 2022، نجحت “تيدا” الصينية في اجتذاب 1.1 مليار دولار من الاستثمارات خلال تطوير المرحلة الابتدائية من المساحة المخصصة للمنطقة، والتي بلغت 1.34 كيلومتر مربع. واستمرارًا في هذا النجاح الذي تقوده الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، تم توقيع اتفاقات لاستثمارات جديدة بقيمة 5 مليارات دولار مستهدف جذبها لمساحة 2 كيلومتر، تم تسليمها لشركة “تيدا” من قبل الهيئة الاقتصادية. وتُعد هذه المساحة أولى المراحل في المرحلة التوسعية لأراضي المنطقة الصينية، والتي تصل إلى 6 كيلومترات.
اقرأ أيضًا:
الصناعة في مصر: مشكلات تمويلية وحلول بيروقراطية
نقل تبعية “الصندوق السيادي”.. ما القصة؟
الهيئات الاقتصادية والصناديق الخاصة.. هل حان وقت الشفافية والمحاسبة؟