اقتصاد

النصر للسيارات.. حلم يراود المصريين من جديد

منذ تأسيس شركة “النصر للسيارات” في ستينيات القرن الماضي، ظل الحلم المصري قائما لرؤية صناعة وطنية تسد احتياجات السوق المحلية وتنافس في الأسواق الخارجية. ولكن هذا الحلم واجه تحديات كبيرة منذ البداية، إذ بدأت أولى أزماتها في عام 1985 مع تضاعف مديونياتها بالعملة الأجنبية، نتيجة تطبيق سياسات “السوق الحرة” حينذاك. وفي ظل التحول نحو “الخصخصة”، تم تقسيم الشركة في عام 2000 إلى شركتين، إحداهما لتصنيع الجرارات والأتوبيسات، والأخرى لتجميع السيارات الصغيرة وتصنيع أجزاء الجرارات ومكونات النقل الجماعي.

 

هذه السياسات فشلت في تحقيق أهدافها، إذ أُعلنت الشركة في عام 2009 “شركة خاسرة”، ووضعت تحت التصفية، ما أدى إلى توقف إنتاجها وعرض أصولها للبيع، وتقليص العمالة من 2500 إلى 300 موظف فقط. السبب الأساسي لذلك كان عدم مطابقة 90% من قطع الغيار للمواصفات الحديثة، مما أدى إلى تعثر الشركة في تنفيذ الطلبات المتزايدة.

 

محاولات الإنقاذ بعد ثورة يناير

 

مع اندلاع ثورة يناير 2011، توقفت خطط التصفية، وبدأ الحديث عن إعادة تطوير الشركة بين عامي 2011 و2016. وفي عام 2017، أعلنت مناقصة للشركات العالمية والمحلية بهدف “تصنيع وتجميع السيارات”، إلا أن هذه الخطوة توقفت أيضًا بسبب عدم جدوى العروض المقدمة اقتصاديًا.

 

 

اتفاقيات دولية لم تكتمل

 

في عام 2020، أعلن مدحت نافع، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية حينها، رؤية جديدة لإدارة “النصر” عبر التعاون مع شركاء دوليين لإنتاج سيارات تحمل علامات تجارية عالمية، بهدف جعل مصر مركزًا للتصدير. وأبدت خمس شركات عالمية اهتمامها بالمشروع، مع خطط لإنتاج ما بين 100 إلى 150 ألف سيارة سنويًا للتصدير.

 

كما تضمنت الخطط اتفاقيات مع شركات دولية، مثل اتفاقية مع شركة ماليزية لإنتاج مكونات محلية بنسبة تزيد عن 45%، واتفاقية أخرى مع رجل الأعمال رؤوف غبور لتعزيز التعاون. إلا أن هذه المشروعات تعثرت ولم تصل إلى مرحلة التنفيذ. وفي تحول مفاجئ، استقال مدحت نافع، مشيرًا إلى عدم قدرة “النصر” على تلبية المواصفات الفنية للأسواق العالمية، مما أثار تساؤلات حول تناقض تصريحاته السابقة.

 

 

خطوات جديدة

 

في عام 2021، أعلنت الحكومة بدء إنتاج السيارة الكهربائية “نصر E70” بالتعاون مع شركة “دونج فينج” الصينية بطاقة إنتاجية تصل إلى 25 ألف سيارة سنويًا، بالتعاون مع شركتي “أوبر” و”حسن علام”. لكن المشروع لم ينجح في إنعاش الشركة أو ضمان استمرارية الإنتاج.

 

وفي مايو 2024، وقّعت “النصر” اتفاقية مع شركة “سكانيا” لتصنيع حافلات النقل الجماعي بالعاصمة الإدارية الجديدة. وقد نجحت الشركة في تسليم أول حافلة صديقة للبيئة، تمهيدًا لتوريد منظومة النقل الداخلي للعاصمة. كما أعلنت الشركة استهداف تحويل “النصر” إلى مركز لصناعة السيارات خلال 3 إلى 5 سنوات، مع توقع تحقيق أرباح بعد توقيع اتفاقية مع هيئة النقل العام بقيمة مليار جنيه.

 

التحديات

 

تمتلك الشركة القابضة للصناعات المعدنية 15 شركة تعمل في مجالات متنوعة، ورغم تحقيق بعضها أرباحًا جيدة، إلا أن “النصر” ما زالت تعاني من تحديات، أبرزها تقادم الآلات، ضعف السياسات التسويقية، غياب المواد الخام، وقلة الصادرات. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الشركة عقبات إدارية وروتينًا يؤثر على الأداء.

 

للنهوض بالشركة، تحتاج “النصر” إلى قيادة جديدة قادرة على إحداث تغيير جذري في الأفراد والسياسات، مع وضع استراتيجية واضحة للتصدير، وتنسيق أفضل بين الشركات الشقيقة لتحقيق التكامل، والالتزام بالجداول الزمنية لتنفيذ المشروعات. هذه الخطوات تمثل الأمل في إحياء حلم طالما سعى إليه المصريون.

 

إعادة النظر في مستقبل النصر للسيارات

 

عاد الدكتور مدحت نافع، الرئيس الأسبق للشركة القابضة للصناعات المعدنية، ليطرح رؤيته حول الأنباء المتعلقة بإحياء شركة “النصر للسيارات”، مشككًا في جدوى الخطط الحالية وموضحًا الأسباب الحقيقية لاستقالته من منصبه.

 

وأكد نافع أن خطوته الإصلاحية الأولى كانت فصل شركة النصر عن الشركة الهندسية وضمها إلى الشركة القابضة للنقل، بهدف إنتاج سيارات لصالح علامات تجارية عالمية بدلاً من إنتاج سيارات تحمل علامة “النصر” الوطنية. وبرر هذا التوجه بتجنّب تحمل خسائر الشركة الهندسية التي بلغت 250 مليون جنيه سنويًا.

 

اتفاقيات لم ترَ النور

 

في فترة توليه المسؤولية، وقّعت “النصر” اتفاقيات مبدئية مع شركتي بروتون وغبور لتصنيع سيارات احتراق داخلي، وأحرزت تقدمًا في التعاون مع شركة “دونج فنج” الصينية لإنتاج سيارة كهربائية. إلا أن الأخيرة اشترطت إعادة تأهيل مصانع “النصر” بتكاليف باهظة واستثمارات غير متوفرة، ما أدى إلى فشل المشروع منذ البداية. وأوضح نافع أن الإعلان عن عودة إنتاج السيارات في “النصر” يعني دمجها مجددًا مع “الهندسية”، مما يعيد عبء ديون الأخيرة على الشركة.

 

رؤية مختلفة للتصنيع

 

انتقد نافع السياسة التصنيعية المتبعة، مشيرًا إلى التجربة المغربية التي تركز على تصنيع السيارات داخل مصانعها بعلامات تجارية عالمية مثل “رينو” و”بيجو”، بدلاً من علامة تجارية وطنية. وأوضح أن إنتاج السيارات يختلف جذريًا عن إنتاج الأتوبيسات، حيث يتطلب استثمارات ضخمة، أسواق تصريف واسعة، وإرادة سياسية قوية، بالإضافة إلى منافسة شرسة مع منتجين عالميين ذوي كفاءة عالية واقتصاديات حجم تُخفض تكلفة الوحدة.

 

ضعف السوق المحلية

 

وأشار نافع إلى أن السوق المصرية تعاني ضعفًا كبيرًا في الطلب على السيارات، وهو ضعف لا يرتبط بعدد السكان. وأضاف أن أسواق إفريقيا يهيمن عليها المنتجون الصينيون والسيارات الأوروبية المستعملة، بينما الأسواق الأوروبية تضع معايير صارمة لا تستطيع “النصر” مجاراتها، وأي حديث عن أسواق آسيا أو أمريكا بعيد عن الواقع.

 

 

احتمالات الفشل

 

وحذر نافع من أن عدم وجود عقود حقيقية لتصدير السيارات أو بنية صناعية متكاملة بالمواصفات الأوروبية سيؤدي إلى فصل جديد من الفشل والخسائر في هذه الصناعة. وخلص إلى أن نجاح “النصر” يتطلب خططًا مدروسة بعناية واستثمارات قوية تضمن قدرة الشركة على منافسة الأسواق العالمية.

 

اقرأ أيضًا:

 

استثمارات مهددة بالضياع بعد وقف استيراد السيارات الكهربائية

 

إنقاذ الصناعة المصرية.. مبادرة جديدة لإنهاء تعثر ١٢ ألف مصنع متوقف

 

الفريق كامل الوزير.. ما بين مسؤولية حقيبتي الصناعة والنقل

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية