اقتصاد
نادية شحاتة
الهيئات الاقتصادية والصناديق الخاصة.. هل حان وقت الشفافية والمحاسبة؟
أثار تداول مقطع فيديو للنائبة أميرة بهاء الدين أبو شقة جدلًا واسعًا حول الصناديق الخاصة، بعدما انتقدت فيه تحميل مبلغ 55 مليون جنيه لمشروعات غير معلومة للبرلمان تحت مظلة الصناديق التي وصفتها بالصناديق السوداء.
جاء هذا الانتقاد في سياق مناقشة البيان الختامي للموازنة العامة في مايو الماضي، والذي لم يسفر عن أي تغيير في وضع الصناديق الخاصة، التي يبلغ عددها 6700 وفقًا لتصريحات حكومية سابقة.
ورغم مرور عقود على إنشائها، تستمر الصناديق الخاصة في إثارة الشكوك والتساؤلات حول مدى شفافيتها وتأثيرها على المالية العامة للدولة، وسط مطالب متزايدة بضرورة ضمها إلى الموازنة العامة لتحقيق قدر أكبر من الرقابة والمحاسبة المالية.
الصناديق الخاصة: النشأة والتطور
نشأت الصناديق الخاصة في مصر في خمسينيات القرن الماضي لتمويل مشروعات قومية. لم تكن هذه الصناديق مقننة حتى عهد الرئيس محمد أنور السادات الذي بدأ بتقنينها عبر قانون الموازنة العامة لعام 1973.
سمح السادات لرئيس الجمهورية بتخصيص موارد معينة لصناديق خاصة لاستخدامات محددة، وتوسع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في استخدام الصناديق بشكل كبير، ما جعلها موضع جدل واسع بعد ثورة يناير 2011 بسبب اتهامات بالفساد وإهدار المال العام.
الهيئات الاقتصادية والموازنة العامة
ظلّت الهيئات الاقتصادية جزءًا من الموازنة العامة للدولة حتى صدر القانون رقم 11 لسنة 1979، الذي فصل موازنات هذه الهيئات عن الموازنة العامة، مع تحويل الفائض فقط إلى الخزانة العامة.
ورغم أن المادة 124 من الدستور تنص على أن تشمل الموازنة العامة جميع الإيرادات والمصروفات، إلا أن قانون المالية الموحد لعام 2022 تضمن أن تشمل الموازنة العامة المخصصات المالية للبرامج التي يقوم بها كل من الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية، دون المخصصات المالية للهيئات الاقتصادية. تقتصر العلاقة بين موازنات هذه الهيئات والصناديق وبين الموازنة العامة للدولة على الفائض الذي يؤول إلى الخزانة العامة، وما يتقرر لهذه الموازنات من قروض ومساهمات.
شهدت مصر قبل إصدار قانون المالية الموحد وجود موازنتين منفصلتين: الموازنة العامة للدولة وموازنة الهيئات الاقتصادية التي تشمل مؤسسات مثل هيئة المرافق العمرانية وهيئة قناة السويس، ويبلغ عدد الهيئات نحو 59 هيئة لها ميزانية مستقلة.
اتسمت هذه الهيئات بميزانيات مستقلة، ولم تساهم إيراداتها في الموازنة العامة للدولة، رغم أن الدولة قدّمت دعمًا للهيئات التي عانت من عجز في إيراداتها. ومع التصديق على قانون المالية الموحد، أُلغي هذا النظام المزدوج، لكن الصناديق الخاصة بقيت محتفظة بميزانياتها المستقلة.
تعددت مصادر تمويل الصناديق الخاصة، حيث اعتمدت على أرباح المشروعات التي تديرها، والرسوم المفروضة على المواطنين، والتي شهدت زيادات كبيرة في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الهبات والمساعدات الحكومية والتبرعات من رجال الأعمال.
تأثيرات وضغوط دولية
صرّح وزير المالية السابق محمد معيط في فبراير الماضي بعدم وجود نية لضم الصناديق الخاصة أو الهيئات الاقتصادية إلى الموازنة العامة للدولة.
ومع ذلك، شهدت البلاد بعد شهرين فقط من هذا التصريح ضم الهيئات الاقتصادية إلى الموازنة، وهو ما أثار تكهنات حول ضغوط محتملة من صندوق النقد الدولي على مصر للحصول على حزمة تمويلات جديدة.
وركّز تقرير صندوق النقد الأخير حول الاقتصاد المصري بشكل خاص على عدد من الهيئات الحكومية الرئيسية، مثل الهيئة العامة للبترول، هيئة السلع التموينية، هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والهيئة القومية لسكك حديد مصر، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى مثل بنك الاستثمار القومي والبنك المركزي المصري، وشركات كبرى مثل شركة الكهرباء القابضة ومصر للطيران.
ثار الحديث حول ضرورة ضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة عقب ثورة يناير 2011، بسبب الاعتقاد بأنها تمثل أحد مظاهر الفساد في النظام السابق، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد في تلك الفترة.
تزايدت هذه المطالبات على مدار السنوات سواء من الجهات المانحة أو أعضاء البرلمان، إذ أشار مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني ووزير المالية الأسبق أحمد جلال، في تصريحات صحفية، إلى أن ضم الصناديق الخاصة والهيئات الاقتصادية للموازنة العامة يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الدين العام بشكل ملحوظ.
ورغم الاستقلالية المالية التي تتمتع بها الصناديق الخاصة، لم يمنع هذا الحكومة من الحصول على جزء من إيراداتها. بدأت الحكومة منذ عام 2016 بإصدار قرارات سنوية تقضي بتوريد نسب تتراوح بين 1-15% من إيرادات الصناديق الخاصة إلى وزارة المالية في نهاية كل عام مالي، باستثناء بعض الصناديق من هذه القرارات، وعلى رأسها صندوق الإسكان الاجتماعي.
وجهة نظر الباحثين الاقتصاديين
أكد الباحث الاقتصادي وائل النحاس أن ضم الصناديق الخاصة والهيئات الاقتصادية إلى الموازنة العامة، فيما يُعرف بتوحيد الموازنة، يُعد خطوة صحية ومفيدة للسيطرة على النفقات.
وأوضح النحاس في تصريحات خاصة لمنصة “MEAN” أن عدم وجود رقابة كافية على هذه الصناديق خلال فترة حكم مبارك جعلها بوابة خلفية للفساد والتربح.
وأشار إلى أن ضم هذه الصناديق لن يكون الحل السحري للسيطرة على الدين العام، لأن الموازنة العامة ستتحمل نفقات هذه الهيئات إلى جانب إيراداتها، ما قد يقلل من الأثر الإيجابي المتوقع لهذه الخطوة.
واعتبر النحاس أن توحيد الموازنة يُعد خطوة ضمن خطوات عديدة لإعادة هيكلة الاقتصاد وإصلاح الوضع المالي الحالي.
ولفت النحاس إلى أن الحكومة تعترض على ضم الصناديق الخاصة بسبب العمالة الكبيرة المرتبطة بها، إذ تضم هذه الصناديق نحو ربع مليون موظف بعقود مؤقتة.
وأكد أن ضم الصناديق للموازنة العامة يعني إما تسريح هؤلاء الموظفين أو ضمهم للجهاز الإداري للدولة بعقود دائمة، وهو ما قد يشكل عبئًا إضافيًا لا ترغب الدولة في تحمله في الوقت الحالي.
اقرأ أيضًا:
أهداف تنموية وأمنية.. لماذا تنشئ الحكومة مدينة رفح الجديدة؟
نقل تبعية “الصندوق السيادي”.. ما القصة؟
مدبولي يوضح نحن لا نبيع الدولة لكن نعظم الأصول
طلب إحاطة لعجز الحكومة عن توفير مصادر الطاقة
عمرو بدر: خالد البلشي أعاد الحياة إلى نقابة الصحفيين.. وأستعد لخوض الانتخابات المقبلة إلا إذا تحاور منصة “MENA” الكاتب الصحفي عمرو بدر،
بسنت عادل
“الناصريون” يشيعون حسن نصر الله انتشرت في أواخر سبتمبر الماضي، أنباء عن اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، حتى
محمود فهمي
عمال مصر بين شقي الرحى.. الاستغلال أو الحبس شهدت مصر في السنوات الأخيرة العديد من الإضرابات العمالية، بلغ عددها 213 إضراباً خلال عامين
حيدر قنديل
جميع الحقوق محفوظه ©2024