سياسة
نادية شحاتة
“الوراق” تعود للواجهة من جديد.. ما مصير الجزيرة النيلية؟
احتشد المئات من أهالي جزيرة الوراق في تجمعات كبيرة خلال الفترة الماضية، مرددين هتافات مثل “مش هنمشي” و”الجزيرة مش للبيع”، في محاولة لفك الحصار المفروض عليهم منذ سنوات بهدف تهجير المتبقين من الجزيرة، على حد تعبيرهم.
وتهدف الحكومة لتحويل الجزيرة إلى مشروع سياحي عالمي مشابه لمنطقة رأس الحكمة.
وقال أحد سكان الجزيرة، الذي رفض ذكر اسمه: “الموضوع زاد عن حده، الدولة تسعى لاستكمال مخططها لتهجير أهالي الجزيرة بكل الطرق”، مشيرًا إلى حادثة القبض على سيد عبد الشكور، أحد سكان الجزيرة، في إطار محاولات استفزازية تقوم بها الأجهزة الأمنية بين الحين والآخر، على حد قوله.
وأضاف في حديث خاص لمنصة “MENA“: “بعد تجمهر الأهالي، اضطرت السلطات للإفراج عنه، ولا أحد يعلم سبب القبض عليه أو الإفراج عنه”، مؤكدًا أن الحياة على الجزيرة تخضع لحصار مستمر منذ سنوات، إذ لا يُسمح للسكان بالحركة سوى عبر المعدية التي تديرها الشرطة من كل الجهات.
وتابع: “يمكن القبض على أي شخص أثناء عبوره المعدية، كما يُمنع الصحفيون والمتضامنون من دخول الجزيرة”، مشيرًا إلى أن السلطات هدمت مكتب البريد وأغلقت المستشفى الوحيد على الجزيرة، إلى جانب اقتحامها المتكرر للمنازل بحجة هدم الأبنية المُقامة في حرم النهر، بالإضافة إلى التهديدات المستمرة للسكان، وآخرها تسريب نُشر على صفحة “الوراق مباشر”، يظهر فيه اللواء أشرف أبو الخير موجهًا تهديدات لأهالي الجزيرة خلال اجتماع مع القيادات الأمنية.
وأكد مصدر آخر في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” إلى أن السلطات سمحت للجنة مساحية بالقيام برفع مساحات المنازل في الجهة القبلية تمهيدًا لهدمها، وأن هذه العمليات تُجرى ليلًا بعد الساعة الثامنة، حيث يكون معظم سكان الجزيرة داخل منازلهم بسبب قلة وسائل النقل.
وأوضح المصدر أن السلطات رفعت في منتصف أغسطس الماضي مساحات منطقة حوض القلمية، المتاخمة لمنطقة الأبراج التي تبنيها الدولة، وهو نفس السيناريو الذي حدث قبل نزع ملكية أراضي المنطقة، ما أدى إلى اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن، وانتهت بالقبض على عدد من سكان الجزيرة قبل الإفراج عنهم لاحقًا.
مخطط تطوير جزيرة الوراق
وأضاف المصدر أن الحكومة تستخدم سياسة “العصا والجزرة”، إذ تستمر في اعتقال المدافعين عن الجزيرة بتهم مثل إطلاق النار على قوات الأمن أو الاعتداء على موظفي الدولة أثناء تنفيذهم لقرارات الهدم، وفي الوقت نفسه، تقدم الحكومة عروض تعويض مغرية للأهالي الذين ضاقوا ذرعًا بحالة الجمود في الجزيرة، في محاولة لاستمالة بعض السكان لبيع أراضيهم.
ونوه المصدر أن أهالي الجزيرة اتفقوا على إضراب عام داخل الجزيرة، وإعاقة عمل لجان البيع التي تحاول شراء الأراضي من السكان تحت حراسة قوات الأمن، ومنع التعامل مع موظفي جهاز مدينة الوراق بسبب محاولات الأمن في تفريق المواطنين، وكان آخرها استمارات الموافقة على البيع، التي دفع بها الجهاز لجمع توقيعات عليها، وحين رفض الأهالي، قام الجهاز بجمع الاستمارات عبر دفع ألف جنيه للوسيط عن الاستمارة الواحدة، يحصل المواطن منها على مبلغ 300 جنيه، وهو ما أغرى بعض السكان الذين لا يملكون أي أراضٍ أو وحدات سكنية للتوقيع.
وشدد المصدر على أن قوات الأمن وموظفي الجهاز حاولوا في أغسطس الماضي تبوير الأراضي الواقعة في منطقة الـ30 مترًا حرم النيل، لولا تدخل الأهالي ومنعهم من ذلك، مؤكدًا أن أهالي الجزيرة لا يرفضون التطوير، بل يرغبون في تحسين الأوضاع، لكنهم يرون أن ما يجري ليس لصالحهم، بل لصالح مستثمرين يرغبون في الاستثمار في الجزيرة وطبيعتها الخلابة على حساب سكانها الفقراء، وأن التعويضات المعروضة لا تناسبهم، سواء للبيوت أو للأراضي الزراعية.
جزيرة الوراق
تُعد جزيرة الوراق إحدى الجزر الواقعة في قلب نهر النيل، وتربط بين ثلاث محافظات تشكل إقليم القاهرة الكبرى: القليوبية، الجيزة، والقاهرة، وتبلغ مساحة الجزيرة نحو 1295 فدانًا، ويقطنها حوالي 130 ألف نسمة. بدأ استقرار السكان فيها منذ أواخر القرن التاسع عشر، لكن الجزيرة شهدت نزاعات طويلة حول ملكيتها واستغلالها.
بدأت أزمة الوراق منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أطلق خطة لتحويل الجزيرة إلى منتجع سياحي تحت اسم “جزيرة حورس”، لكن الأهالي تصدوا للمشروع بمساعدة القضاء الإداري، الذي حكم بإيقافه نظرًا لاعتبار الجزيرة محمية طبيعية، وقد عبرت الدراما المصرية عن هذه الأزمة من خلال مسلسل “هيما”، الذي روى قصة شاب من أهالي الجزيرة خلال محاولات الدولة لنزع ملكيتها.
في عام 2017، عادت خطة تطوير الجزيرة إلى الواجهة مع قرار استبعاد 17 جزيرة من تصنيف المحميات الطبيعية، بينها جزيرة الوراق، في أعقاب ذلك، اقتحمت قوات الأمن الجزيرة بدعوى تنفيذ قرار إزالة 700 منزل بزعم بنائها على أراضي الدولة، إلا أن الأهالي رفضوا هذه الإجراءات، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين الطرفين أسفرت عن مقتل أحد سكان الجزيرة واعتقال عدد من الأهالي، حكم على 35 منهم بالسجن.
منذ ذلك الحين، يعيش أهالي الجزيرة تحت حصار مشدد، فلا يُسمح للمعديات بالعمل سوى لمعدية شبرا الخيمة، التي تخضع لإجراءات أمنية صارمة.
993 فدانًا تحت سيطرة الدولة
من جهة أخرى، عقد رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، اجتماعًا لمتابعة الموقف التنفيذي لتطوير التجمع العمراني الجديد في جزيرة الوراق، بحضور عدد من المسؤولين الحكوميين والأمنيين.
ووفقًا لتصريحات وزير الإسكان خلال الاجتماع، فقد نجحت الدولة في السيطرة على نحو 993 فدانًا من إجمالي 1295 فدانًا، وهو ما يمثل 76% من مساحة الجزيرة.
كما أوضح أن المرحلة العاجلة من مشروع التطوير تشمل بناء 50 برجًا سكنيًا بإجمالي 2184 وحدة، من أصل 94 برجًا مستهدفًا، بالإضافة إلى إنشاء مجموعة من الخدمات المتكاملة تشمل مركز شباب، مركزًا تجاريًا، منشآت تعليمية، وخدمات متنوعة أخرى.
هذه الوحدات مخصصة لأهالي الجزيرة الذين اختاروا التعاون مع الحكومة، بينما شدد رئيس الوزراء على ضرورة الإسراع في صرف التعويضات المستحقة للسكان الذين وافقوا على بيع أراضيهم.
وقال كرم صابر، مدير مركز الأرض الحقوقي، إن التعويضات التي تقدمها الدولة لأهالي جزيرة الوراق هزيلة وغير عادلة، موضحًا أن الوحدات السكنية التي أنشأتها الدولة على الجزيرة ليست مجانية كما يُروج، إذ تصل أسعارها إلى ما يقارب 2 مليون جنيه للوحدة، وفي الوقت نفسه، تُقدّر الدولة سعر الفدان بـ 6 ملايين جنيه، ما يجعل تعويض أي منزل لا يتجاوز نصف مليون جنيه، وهو مبلغ غير كافٍ لشراء وحدة سكنية في ظل ارتفاع معدلات التضخم.
وأضاف صابر في تصريح خاص لـ “MENA” أن الدولة اقترحت على أصحاب الأراضي الزراعية تعويضًا بنحو 10 أفدنة في مدينة السادات مقابل كل فدان في الوراق، إلا أن أهالي الجزيرة رفضوا هذا العرض، كون الأراضي في السادات غير منتجة وتحتاج إلى وقت وجهد لتصبح صالحة للزراعة، بينما تُعد أراضي الوراق من أكثر الأراضي خصوبة في مصر.
وأكد صابر أن التعامل الأمني مع أهالي الجزيرة يتعارض مع التصريحات الحكومية بشأن عدم الإخلاء القسري، مشيرًا إلى أن الدولة تمارس ضغوطًا متزايدة على الأهالي من خلال الحصار المفروض والاشتباكات المتكررة خلال العامين الماضيين.
كما أوضح أن الدولة تسعى للإسراع في تنفيذ مشروع تطوير الجزيرة، وتشعر بأن الصراع مع السكان طال أكثر من اللازم، لافتًا إلى أن الدولة تمكنت من شراء مئات الأفدنة في الجزيرة، بما في ذلك 800 فدان كانت مملوكة لأفراد من خارج الجزيرة، وهي أراضٍ كانت مزروعة بالموز. وقد تم إزالة هذه المزارع بعد شرائها، فيما اضطر بعض السكان إلى بيع أراضيهم هربًا من الحصار والتضييق الأمني.
في سياق آخر، شهدت القاهرة في يوليو الماضي توقيع عقد شراكة استراتيجية بين شركة KSH للاستثمار وشركة SKG القابضة المصرية، التي يملكها رجل الأعمال المصري صفوت القليوبي.
ومن المتوقع أن تقوم الشركتان بتطوير مشروع ضخم في منطقة طناش المطلة على جزيرة الوراق، على مساحة 20 ألف متر مربع. تبلغ قيمة المشروع 24 مليار جنيه مصري (500 مليون دولار)، ويشمل بناء ثلاثة أبراج سكنية وتجارية شاهقة الارتفاع وفندق خمس نجوم، مع توقعات بإتمام التنفيذ خلال أربع سنوات.
اقرأ أيضًا:
مع تخوفات من مصير فريال والمريلاند.. ما الجديد عن حدائق المنتزه بعد إعلان “تطويرها”؟
سياسات الحكومة المصرية لحل أزمة الدولار
رأس البر..ساحل شمالي آخر أم صفقة جديدة؟
إثيوبيا ومسلسل سد النهضة.. هل لمصر خيارات قانونية تنقذ حصتها من المياه؟
عمرو بدر: خالد البلشي أعاد الحياة إلى نقابة الصحفيين.. وأستعد لخوض الانتخابات المقبلة إلا إذا تحاور منصة “MENA” الكاتب الصحفي عمرو بدر،
بسنت عادل
“الناصريون” يشيعون حسن نصر الله انتشرت في أواخر سبتمبر الماضي، أنباء عن اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، حتى
محمود فهمي
عمال مصر بين شقي الرحى.. الاستغلال أو الحبس شهدت مصر في السنوات الأخيرة العديد من الإضرابات العمالية، بلغ عددها 213 إضراباً خلال عامين
حيدر قنديل
جميع الحقوق محفوظه ©2024