سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، من اليوم الأول لوصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى تقليل الإنفاق على الكثير من المنظمات التي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أبرز الأسماء الداعمة لها، ولعل أبرز هذه القرارات إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والانسحاب من منظمة الصحة العالمية.
ففي شهر فبراير من العام الجاري، أعلن الملياردير الأمريكي وأحد المقربين من ترمب “إيلون ماسك”، عن موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وقبلها بشهر، أعلن ترمب نفسه انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة الصحة العالمية، متهماً إياها بالتعامل بشكل سيئ وقت جائحة كورونا التي اجتاحت العالم منذ سنوات.
هي وكالة حكومية مستقلة، شكّلت إحدى أدوات التأثير الناعمة للولايات المتحدة حول العالم، إذ تبعت في عملها توجيهات وزارة الخارجية، وأدت دورًا فاعلًا في خدمة أهداف السياسة الخارجية الأميركية.
أدارت الوكالة الأميركية للتنمية، منذ تأسيسها عام 1961، معظم الإنفاق الرسمي الأميركي على المساعدات الخارجية، بميزانية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنويًا، وقوة عمل وصلت إلى نحو 10 آلاف موظف حول العالم.
وفي يناير الماضي، استهدف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الوكالة، حيث أخضعها لإشراف مباشر من قبل وزارة الخارجية، كما قرر تجميد مساعداتها الخارجية مؤقتًا، في إطار إعادة تقييم عملها.
واتهم ترمب الوكالة بإهدار المال، وإدارة مشاريع لا تتماشى مع المصالح الأميركية، كما أنها تتعارض مع القيم الأميركية، وقال إنها تعمل على زعزعة استقرار السلام العالمي.
أخذت الوكالة وضعًا أكثر أهمية في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، حيث منح مدير الوكالة مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن القومي الأميركي.
وتهدف الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من خلال أنشطتها الإنمائية إلى تحقيق هدفين رئيسين هما: تحسين ظروف الحياة في المجتمعات النامية، وتعزيز المصالح الأميركية في العالم.
ويستفيد من المساعدات التي تقدمها الوكالة ما يزيد على 100 دولة حول العالم سنويًا، وتستهدف بشكل خاص الدول التي تشكل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة، وعلى رأسها أوكرانيا، تلتها إثيوبيا، ثم الأردن، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والصومال، واليمن، وأفغانستان، ونيجيريا، وجنوب السودان، وسوريا.
ومن أبرز أعمال الوكالة تعزيز النظم الصحية في المجتمعات الضعيفة، وتوفير الأدوية الأساسية فيها، وتعزيز أنظمة التعليم الشاملة في البلدان النامية، وتحسين فرص الحصول على التعليم، كما تقدم الوكالة برامج مساعدات إنمائية في قطاعات، مثل: الزراعة والتنمية الريفية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تقدم الوكالة مبادرات تهدف إلى حماية البيئة، وتعزيز الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، كما أن لها دورًا حيويًا في تقديم المساعدات الإنسانية وتوفير الإغاثة العاجلة في الدول التي ضربتها الكوارث الطبيعية أو مزقتها النزاعات.
من أكثر الدول التي ستتأثر بإغلاق الوكالة في الشرق الأوسط، هي “اليمن، سوريا، العراق، الأردن”.
ويعد اليمن من أكثر الدول التي ستتأثر بوقف مساعدات الوكالة الأميركية، إذ يعتمد أكثر من 80% من سكان اليمن على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الوكالة، حيث أنفقت الوكالة 704 ملايين دولار على المساعدات الإنسانية لليمن خلال عام 2024.
وتقدم الوكالة خدماتها في مجال الغذاء والدواء والرعاية الصحية للمرأة، وإقامة المأوى للنازحين، حيث وصل الدعم لليمن إلى 6 مليارات دولار.
كما تعتبر سوريا المتضرر الثاني بعد اليمن، والتي تواجه تحديات أمنية داخلية، من خلال الجماعات المسلحة، إضافة إلى تهديدات الاحتلال الإسرائيلي والذي بدأ في التوغل داخل العمق السوري، واضعًا النظام الجديد في مأزق.
وبحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية فإن المسؤولين الأكراد، من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة منذ عام 2014، أرسلوا تحذيرات حول قدرة “داعش” على العودة واكتساب القوة والنفوذ، إذا تم تطبيق تخفيضات المساعدات الخارجية الأميركية، ما يعرض الأمن الهش والظروف الإنسانية المتراجعة في شرق سوريا للخطر.
وبحسب محللين، فإن العراق الذي لم يتعافَ بعد من أثر الحرب الأمريكية، هو من أكبر المتأثرين بقرار إغلاق الوكالة الأميركية.
حيث قدمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية العديد من المشروعات لتعزيز البنية الأساسية والنمو الاقتصادي والزراعي لتلبية احتياجات الشعب العراقي.
ففي عام 2024 فقط، تم تخصيص 135 مليون دولار للعراق، منها 35.23 مليون دولار لمشروعات السلام والأمن، و33 مليون دولار للتنمية الاقتصادية، و24.7 مليون دولار للديمقراطية وحقوق الإنسان، إضافة إلى دعم برامج المساعدات الإنسانية.
أما الأردن، فتحصل على مساعدات من الوكالة قدرها 1.7 مليار دولار سنويًا، ومن المتوقع أن تتأثر الأردن جراء وقف المساعدات في مشاريع الرعاية الصحية وإقامة المدارس التي يتم تمويلها من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
ومن أشهر المؤسسات التي يتم تمويلها من قبل الوكالة، فهي مستشفى الأميرة منى الحسين، الذي تكلف إنشاؤه 10 ملايين دولار في مركز الملك حسين الطبي في العاصمة الأردنية عمّان.
تحتل مصر المرتبة الخامسة في الدول المستفيدة من الوكالة الأمريكية، حيث تحصل على 1.4 مليار دولار سنويًا، وتأتي خلف الأردن التي تحتل المرتبة الرابعة.
وتتنوع مشاريع الوكالة الأمريكية في مصر لمشروعات صحية ومشروعات لتنقية المياه، والزراعة، والتعليم، والنقل، وتحديث الصناعات، وتشجيع التصدير.
وفي العام الماضي، تم تخصيص مبلغ 214.5 مليون دولار لستة قطاعات في مصر، غالبيتها في مجال التعليم والخدمات الاجتماعية، تليها التنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية مثل الصحة وحقوق الإنسان.
ومن المتوقع أن يتأثر عدد من طلاب الجامعات من توقف المنح الدراسية التي كانت تتولاها الوكالة الأمريكية.
تموّل الوكالة الأميركية برنامجين رئيسيين للمنح الدراسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة في تخصصات أكاديمية متميزة، بالشراكة مع 13 جامعة حكومية وخاصة.
وقالت دنيا خالد، طالبة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، في لقاءٍ مع منصة “Mena“، إنها دخلت إلى الجامعة الأمريكية من خلال منحة دراسية كاملة منذ عامين. وأضافت دنيا أنها تخشى أن يتم وقف الدعم عنها، مؤكدة أنها لن تتمكن من دفع أي مصروفات دراسية للجامعة، ولا حتى جزءًا منها.
وأصدرت وزارة التعليم المصرية قرارها بتحمّل الرسوم الدراسية، وتقديم الدعم المالي الذي قدمته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لهؤلاء الطلبة حتى انتهاء الفصل الدراسي الثاني.
كما فقد عدد من الموظفين وظائفهم بسبب القرار، حيث قال أحد المقاولين في تقديم الخدمات الصحية في الوكالة الأميركية، في تصريحات صحفية، إن وظيفته انتهت فجأة بعد 11 عامًا من العمل مع الوكالة، ومعه 400 شخص آخر.
قال الدكتور جمال عبد الجواد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كان له تأثير كبير على الطلاب والأكاديميين في مصر، مما استدعى استجابات سريعة من الجامعات والجهات الحكومية لضمان استمرارية التعليم والدعم المالي للمتأثرين.
وأضاف عبد الجواد، في تصريح لمنصة “Mena“، أن هناك 877 طالبًا يدرسون في جامعات حكومية وخاصة وأهلية في مصر، ولهذا قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تتحمل هذه الجامعات جميع الرسوم الدراسية والمصاريف الأخرى لهؤلاء الطلاب حتى نهاية الفصل الدراسي الثاني.
أما الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فقد كان هناك 200 طالب يستفيدون من منح الوكالة، وأعلنت الجامعة أنها تغطي تكاليف هؤلاء الطلاب خلال الفصل الدراسي الثاني، مع التأكيد على استمرار التنسيق مع الوزارة لضمان دعمهم في المستقبل.
وأوضح عبد الجواد أن قرار إغلاق برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر يعد خطوة مؤسفة للغاية، وذات أثر سلبي مباشر على قطاع التعليم، لا سيما على الطلاب والأكاديميين الذين كانوا يعتمدون على هذه المنح لاستكمال مسيرتهم العلمية.
وأكد أن هذا القرار لم يكن مجرد إيقاف تمويل، بل هو بمثابة قطعٍ لطوق النجاة عن أكثر من ألف طالب وطالبة، كثير منهم من الفئات المجتمعية الأقل حظًا، الذين كانوا يعولون على هذه الفرصة لتحقيق قفزة في حياتهم الأكاديمية والمهنية.
واختتم حديثه بأن تأثير القرار لم يطل الطلاب فقط، وإنما تأثر حوالي 113 موظفًا كانوا يعملون في برامج المنح الدراسية الممولة من الوكالة، ولهذا قررت الجامعة الأمريكية بالقاهرة تغطية رواتبهم الأساسية لمدة ثلاثة أشهر، مع الاستمرار في التنسيق مع الجهات الحكومية لإيجاد فرص عمل جديدة لهم.
لم يقل سحب الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة الصحة العالمية أهمية عن توقف أعمال الوكالة، إذ تعتبر الولايات المتحدة أكبر المساهمين في ميزانية المنظمة، حيث تؤمن حوالي ربع إجمالي التمويل، متفوقة بذلك على الصين واليابان وألمانيا.
إلى جانب التمويل الثابت، فإن هناك تبرعات يتم تقديمها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بلغت خلال العام المنصرم ما يقارب مليار دولار أمريكي لدعم ميزانية المنظمة.
كما أن حوالي نصف تمويل منظمة الصحة العالمية يأتي من المنظمات غير الحكومية، حيث تبرعت مؤسسة بيل ومليندا غيتس بمئات الملايين من الدولارات، مما جعلها ثاني أكبر مساهم في تمويل المنظمة بعد الولايات المتحدة.
وتختار الولايات المتحدة استخدام هذه الأموال في الطوارئ الصحية والأوبئة والأمراض المعدية.
جيان لوكا بورسي، المحامي السابق لمنظمة الصحة العالمية والمتخصص في قانون الصحة العالمية، قال في تصريحات صحفية، إنه في حال فقدت منظمة الصحة العالمية أكبر ممول لها، قد تجد نفسها أمام خيارات محدودة لتعويض هذا النقص، فإما أن تطلب من الدول الأعضاء الأخرى زيادة تمويلها، أو سيتعين عليها تقليص ميزانيتها التشغيلية.
وتوقعت الدكتورة إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن يكون للانسحاب الأمريكي تأثيرات غير مباشرة على برامج ومبادرات الصحة العامة في مصر، خاصة إذا أدى ذلك إلى تقليص التمويل أو الدعم الفني المقدم عبر المنظمة.
وأضافت إيرين، في تصريحات لمنصة “Mena“، أن مصر تعتمد على دعم المنظمة في مجالات متعددة، مثل مكافحة الأمراض المعدية، وتعزيز النظم الصحية، وتوفير الأدوية واللقاحات.
وطلبت عضو لجنة الصحة بالنواب من الحكومة المصرية البحث عن مصادر تمويل بديلة أو تعزيز التعاون مع شركاء دوليين آخرين لضمان استمرارية هذه البرامج والمبادرات الحيوية.
اقرأ أيضًا:
بعد قمة القاهرة الطارئة.. هل أجهض العرب خطة ترامب؟
العالم العربي وإدارة ترامب له في ولايته الثانية
ترامب يزعم أن مصر “منفتحة” على استقبال الفلسطينيين من غزة.. والقاهرة تنفي ذلك