في خطوة مثيرة للقلق، انسحب تحالف يضم مجموعة “الشعفار” الإماراتية والشركة “السعودية المصرية للتعمير” من مشروع تطوير أرض “الحزب الوطني” المنحل، الذي يقع على ضفاف نهر النيل في قلب القاهرة.
كان المشروع، الذي يُعتبر من أبرز المشروعات العقارية في العاصمة، يستهدف تطوير موقع استراتيجي يضم برجًا بارتفاع 220 مترًا ومواقف سيارات متعددة الطوابق، ما كان سيُعزز من قيمة المنطقة اقتصاديًا، إلا أن قرار الانسحاب يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل هذا المشروع العملاق، وأسباب تراجع هذا التحالف الكبير.
الأسباب وراء الانسحاب
تعددت الأسباب التي أدت إلى انسحاب هذا التحالف، ويأتي في مقدمتها الزيادة الكبيرة في تكاليف التطوير نتيجة انخفاض قيمة الجنيه المصري، هذا التدهور في العملة أثر بشكل كبير على أسعار المواد الخام والطاقة، مما جعل التقديرات الأولية للمشروع، التي قدرت بـخمسة مليارات دولار، تبدو غير واقعية في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.
أحد المسؤولين أكد أن التكلفة أصبحت باهظة مقارنةً بالفترة التي تم فيها الإعلان عن المشروع، علاوة على ذلك، فإن التقلبات الحادة في السوق المصري، وارتفاع تكلفة المعيشة بشكل عام، جعلت من الاستثمارات الأجنبية في القطاع العقاري أقل جذبًا.
لقد أدى هذا إلى تخوف المستثمرين من استثمار رؤوس أموالهم في مشاريع قد لا تحقق العوائد المتوقعة. ففي ظل التضخم المتزايد وانخفاض قيمة الجنيه، تصبح التكاليف غير متوقعة، ما يصعب التنبؤ بمعدلات الربحية.
الآثار على السوق العقاري المصري
ورأى بعض الخبراء أن هذا الانسحاب قد يكون له تأثيرات سلبية على الاستثمارات المستقبلية، إذ إن السوق العقاري يتطلب استقرارًا وثقة من المستثمرين، فالمشروعات الضخمة مثل مشروع “أرض الحزب الوطني” ليست مجرد استثمارات عقارية بل تمثل أيضًا انعكاسًا لمستقبل الاقتصاد المصري ككل.
والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن الانسحاب جاء في وقت كان فيه السوق المصري يشهد زيادة في الاهتمام من دول الخليج، في قطاعات مثل الصناعة والطاقة.
وأبدى السيد خضر، الخبير الاقتصادي، استغرابه من انسحاب التحالف السعودي الإماراتي من الاستثمار في أرض الحزب الوطني، خصيصًا مع الإقبال المتزايد للاستثمار من دول الخليج داخل الأراضي المصرية، لافتًا إلى الزيارة المرتقبة من الشيخ زايد غدًا في مدينة العلمين، بالإضافة إلى مشروع رأس بناس الذي يجري الآن الاتفاق عليه بين مصر والسعودية.
ولفت خضر في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” إلى إمكانية أن تكون هذه الاستثمارات فردية وأن تأثيرها على المستوى الداخلي لن يكون كبيرًا، مؤكدًا على ضرورة بحث التحديات التي واجهت هذا التحالف، وأدت إلى انسحابه، حتى لا يؤثر على ثقة الاستثمارات الخارجية، خاصة وأن هذه الاستثمارات العقارية تختلف عن الأموال الساخنة التي تكون متقلبة وسريعة الهروب من السوق.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن الفترة القادمة ستشهد استثمارات ضخمة مثل استثمار رأس جميلة، إضافة إلى شراكة ستوقع بين مصر والإمارات، منوهًا إلى أن سحب الاستثمار مؤشر يجب الانتباه إليه، لأن المستثمر يبحث دائمًا عن الحوافز والمميزات التي يمكن أن تقدمها له الدولة.
ونوه خضر إلى أن مصر تظل رغم هذه التحديات وغيرها من الصراعات التي تشهدها المنطقة واجهة استثمارية مهمة جدًا، ممتلكةً للمقومات والأدوات التي تمكنها من حفظ الاستقرار، مطالبًا بإعلان أسباب خروج هذه الاستثمارات، وإيجاد حلول سريعة لضمان عدم تكرار هذا الأمر.
تفاصيل المشاريع وتأثير الانسحاب
كان مشروع أرض الحزب الوطني المنحل من أهم المشاريع في خطط التنمية الحضرية للعاصمة، إذ شمل المشروع بناء برج فندقي مكون من 75 طابقًا، بالإضافة إلى بناء برج سكني يضم 446 وحدة سكنية فاخرة.
وشارك صندوق مصر السيادي في المشروع، حيث تم تخصيص الأرض البالغة مساحتها 16 ألف متر مربع كمساهمة عينية. على الرغم من أن الأرض تعتبر ذات موقع استراتيجي ممتاز.
دور الدولة في ضوء هذه القرارات
ويُعتبر هذا الانسحاب مؤشرًا غير إيجابي يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز ثقة المستثمرين وضمان استقرار اقتصادي أكبر. وتحسين المناخ الاستثماري من خلال تسهيل الإجراءات وتقليل الرسوم وتقديم حوافز للمستثمرين.
وأكد خضر أن الدولة تهدف في الفترة المقبلة إلى التوسع في الاستثمار بشكل كبير، من خلال العلاقات القوية مع الجانبين الإماراتي والسعودي، مشددًا على أهمية دراسة الحكومة وهيئة الاستثمار للمشاكل التي أدت لانسحاب الاستثمار من قطاع مهم مثل قطاع العقارات وشركاء مهمين مثل السعودية والإمارات، في الوقت التي تبذل الدولة فيه جهودًا للتوسع في هذا القطاع.
مستقبل أرض الحزب الوطني
وأوضح بلال شعيب، الخبير الاقتصادي، أن الدولة تضع الآن استراتيجية للتنمية في عدد من المحاور، منها الجزء الصناعي والعقاري والسياحي، لذا حتى إذا تخارج طرف من استثمار ما فإن الدولة لن تجد صعوبة في إيجاد البدائل، إذ إن الإمارات والسعودية جزءان مهمان اليوم في ملف الاستثمار المصري في المجالين الصناعي والسياحي.
وبين شعيب في تصريح خاص لمنصة “MENA” أن قرار الانسحاب الذي اتخذته “الشعفار” الإماراتية والشركة “السعودية المصرية للتعمير” فردي، ويمكن لمصر من خلال علاقتها مع الشركاء الدوليين إيجاد بدائل أخرى أجنبية، تساعد على استقطاب العملة الدولارية، مثلما حدث في مشروع رأس الحكمة.
أسباب ترك أرض الحزب الوطني
وقال شعيب، إن كل استثمار غرضه الربح، لذا لا يستبعد أن يكون المستثمر قد استشعر في وقت ما أنه معرض للخسارة أو أن المشروع لا يناسبه، لافتًا إلى أن مصر كانت تعاني من مشاكل في هيكلة الاقتصاد، مثل: عدم استقرار سعر الصرف وعدم التوافق مع المؤسسات الدولية.
وأشار إلى أن البيئة التي لا تناسب طرفًا ما قد تلائم طرفًا آخر، بدليل توقيع مصر صفقة رأس الحكم في وقت حرج، كان لديها فيه مشاكل مع الجهات الممولة وسعر الدولار ملامس لل70 جنيهًا، منوهًا إلى إمكانية أن يتعلق الانسحاب أيضًا بالاشتراطات التي تضعها الحكومة، والتي يمكن أن لا تتناسب مع المستثمر.
وختم شعيب بالإشارة إلى أن مصر دولة متعدد الموارد الاقتصادية؛ ما يسمح لها باستقبال تنوع هائل من الاقتصاد، منوهًا إلى أن المشاريع السياحية تؤثر جدًا على قطاع الصناعة؛ لأن الفنادق تحتاج إلى إنتاج المواد الأولية التي تدخل في عمليات البناء، مثل الحديد، الطوب، الإسمنت، السيراميك، وحتى الأثاث والأدوات المنزلية.
مستقبل مشروع أرض الحزب الوطني
حتى الآن، لا تزال الحكومة تبحث عن شركاء بديلين لاستكمال المشروع، لكن التحديات الاقتصادية وعدم الاستقرار قد تؤخر أي تقدم ملموس.
وأشار خبراء الاقتصاد إلى ضرورة إصلاحات هيكلية لتقوية الاقتصاد المصري وزيادة الثقة في السوق، في الوقت الذي تظهر فيه التجارب السابقة أن استقطاب استثمارات جديدة يتطلب العمل على استعادة الثقة في الاستثمارات.
اقرأ أيضًا:
أين تذهب الأموال بعد أن تتحفظ عليها الدولة؟ | تقرير
نقل تبعية “الصندوق السيادي”.. ما القصة؟
تهديد لحياة المصريين.. تعليق النواب على اتفاقية عنتيبي