بعد إقالة السيسي 11 مستشارا رئاسيًّا.. قصة الرؤساء مع التعيين والإقالة
أثار قرار رئاسي مفاجئ، نُشر في الجريدة الرسمية، بشأن الاستغناء عن 11 مستشارًا بعد شهرين فقط من تعيين مستشارين جدد، الكثير من الجدل حول دور وجدوَى تعيين مستشاري الرئاسة، إذ وقِّع القرار في 12 يوليو الماضي، لكنه لم يُعلن سوى في 15 سبتمبر الجاري، ويرجّح أن يكون التأخير بسبب عدم الرغبة في استباق التغييرات الوزارية التي جرت في الفترة ذاتها، إذ شملت هذه التغييرات إقالة عدة وزراء وتعيينهم مستشارين.
البداية مع عبد الناصر
عرفت مصر مستشاري الرئاسة منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي قسّم مستشاريه إلى فترتين، ضمّت الأولى مستشاري ما قبل التنحي، والذين كانوا 6 ضباط أحرار ووزراء في عهده، أما الثانية، فجاءت بعد تنحي عبد الناصر، وضمت مستشارًا واحدًا فقط، وهو مدكور أبو العزم، الذي يُعد أصغر ضابط انضم لسلاح الطيران المصري.
تولّى أبو العزم منصب مدير الكلية الجوية عام 1956، واستمر في منصبه 7 سنوات قبل إقالته إثر خلاف مع المشير عبد الحكيم عامر، وفي 11 يونيو 1967، أعاد عبد الناصر أبو العزم بعد انهيار سلاح الطيران المصري في نكسة يونيو، إذ عُيّن قائدًا لسلاح الجو، وأجرى أول غارة جوية على القواعد الإسرائيلية في سيناء في يوليو من العام نفسه.
أقاله عبد الناصر بعد 5 أشهر فقط من تعيينه على غير المتوقع، في نوفمبر 1967، وعينه مستشارًا للرئاسة، واستمر في هذا المنصب حتى وفاة عبد الناصر، وأرجع البعض هذه الإقالة لضغوط من الخبراء السوفييت.
السادات وكثرة المستشارين
اعتمد الرئيس محمد أنور السادات على 19 مستشارًا طوال فترة حكمه، وكان من بين هؤلاء المستشارين الفريق حسن التهامي الذي عيّن ثلاث مرات في فترات متباعدة، إذ استعان به السادات، في تصفية خصومه السياسيين فيما يعرف بقضية مراكز القوى، وكان التهامي عضوًا في المحكمة التي تولت الحكم في هذه القضية.
آخر مرة استعان فيها السادات بالتهامي كانت عام 1979، بعد تصريحات معادية لإسرائيل أدلى بها الأخير في إحدى الصحف الكويتية، رغم مشاركته في مفاوضات ما بعد حرب 1973 وسفره مع السادات إلى القدس.
ضمّت قائمة مستشاري السادات أيضًا الفريق محمد الجسمي، الذي كان رئيس غرفة عمليات القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر، وبعد أزمة “الثغرة”، عيّن السادات الجسمي رئيسًا للأركان بدلاً من الفريق سعد الدين الشاذلي الذي أقيل لخلافه مع السادات حول كيفية التعامل مع الأزمة، تولى الجسمي ملف المفاوضات مع إسرائيل، وعُيّن وزيرًا للحربية، وكان آخر من حمل هذا اللقب قبل تغييره إلى وزارة الدفاع، لكنه أقيل عام 1978 وعُيّن مستشارًا لرئيس الجمهورية.
مستشار واحد
واقتصر الرئيس محمد حسني مبارك على الاستعانة بعدد قليل من المستشارين خلال فترة حكمه الطويلة، إذ لم تضم قائمته سوى مستشار عسكري واحد فقط.
مواءمات سياسية
تحول منصب مستشار رئيس الجمهورية بعد ثورة يناير إلى أداة لحل الأزمات السياسية، إذ شهدت هذه الفترة تعدد المواءمات السياسية بين القوى المختلفة في إطار فكرة المجلس الرئاسي.
بدأ هذا التقليد مع الرئيس محمد مرسي، الذي حاول تغيير القيادة العسكرية بتعيين الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع، وعيّن في الوقت نفسه كلاً من المشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامي عنان كمستشارين له، وفي ظل محاولة موائمة مع قوى ما قبل يناير قام بتعيين كمال الجنزوري رئيس الوزراء في عهد مبارك كمستشار له، ما يعكس محاولته للمواءمة مع قوى ما قبل يناير.
عقب 30 يونيو، تولى الرئيس المؤقت عدلي منصور منصب الرئاسة، وعين عدد من المشاركين في ثورة 30 يونيو مستشارين له، ومنهم شخصيات بارزة مثل الدكتور محمد البرادعي، الذي استقال احتجاجًا على فض رابعة، بالإضافة إلى الكاتبة سكينة فؤاد، والإعلامي أحمد المسلماني، والعالم عصام حجي، ومصطفى حجازي، وغيرهم.
مستشاري السيسي
مع انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسته الأولى، أقال الفريق الاستشاري للرئيس الانتقالي، عدلي منصور، الذي تولى الرئاسة مؤقتًا بعد إنهاء حكم محمد مرسي في 2013، مبقيًا على المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة سابقًا، مستشارًا للرئيس، كما أبقى على كمال الجنزوري، رئيس وزراء مصر الأسبق، مستشارًا للشؤون الاقتصادية.
حقق الرئيس السيسي الرقم القياسي كأكثر الرؤساء المصريين استعانة بالمستشارين منذ عام 2014، إذ أصدر سلسلة من القرارات بتعيين وزراء سابقين وقيادات عسكرية، منها تعيين محمد عوض تاج الدين، وزير الصحة، مستشارًا للرئيس لشؤون الصحة والوقاية، وعُين وزير الداخلية الأسبق، أحمد جمال الدين، مستشارًا للشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب، وفايزة أبو النجا، وزيرة التعاون الدولي السابقة، مستشارةً لشؤون الأمن القومي، كما شمل فريقه مستشارين آخرين، مثل محسن السلاوي، الذي عُين مستشارًا للمتابعة بين عامي 2014 و2015.
في عام 2018، عُين وزير الداخلية الأسبق، مجدي عبد الغفار، مستشارًا للرئيس لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب، ومحمد عرفان جمال الدين، رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق، مستشارًا للرئيس للحوكمة والتحول الرقمي.
وفي عام 2019، عُين مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس السابق، مستشارًا لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية، كما عين الفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، مستشارًا للرئيس للتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات في عام 2020.
بعد التغيير الوزاري في 2024، عُينت وزيرة التخطيط، هالة السعيد، مستشارةً للشؤون الاقتصادية، ورئيس الأركان، أسامة عسكر، مستشارًا للشؤون العسكرية، واللواء محسن عبد النبي، مستشارًا للإعلام.
يمنح الدستور المصري الرئيس الحق في تعيين المستشارين والوظائف ذات الطبيعة الخاصة، ويشير قانون جهاز الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 إلى أن الرئيس “يمكنه تحديد الجهات والوظائف ذات الطبيعة الخاصة”.
إفساح للجدد
أوضح عصام خليل، رئيس حزب المصريين الأحرار، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي اعتاد منذ بداية عهده على الاستعانة بكافة الخبرات لدعم مشروعات التطوير، وهو ما يفسر كثرة المستشارين الذين يتم تعيينهم.
أضاف خليل، في تصريحاته لمنصة “MENA”، أن قرار الاستغناء عن عدد من المستشارين يُعتبر قرارًا طبيعيًا، نظرًا لتعيين الرئيس عددًا جديدًا من المستشارين، بعضهم في نفس التخصصات، مما يستدعي ضرورة إفساح المجال للمستشارين الجدد.
وظيفة شرفية
رأى الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن وظيفة المستشار تُعتبر وظيفة شرفية تُستخدم لتكريم الوزراء والقيادات السياسية والعسكرية بعد انتهاء خدمتهم، وهو ما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه الحكم.
أضاف ربيع في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن الاستغناء عن هذا العدد من المستشارين جاء لتقليل العدد بعد التعيينات الجديدة، ولا يحمل أي دلالات سياسية أخرى كما يحاول البعض تصوير الأمر.
أوضح ربيع أن الوضع الاقتصادي قد يُعتبر سببًا في هذا التوجه، إذ يعني وجود عدد كبير من المستشارين ميزانية كبيرة. لذلك، فإن تقليل هذا العدد يُعتبر أمرًا صائبًا لتخفيف العبء على ميزانية الدولة.
اقرأ أيضًا:
“قانون الإجراءات الجنائية”.. ولادة متعسرة واعتراضات حقوقية ونقابية
رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة | تقرير
تعيين نائبين لمدبولي حقائق يوضحها وزير شؤون المجالس النيابية
هل يعيد استحداث منصب “المبعوث الأممي للمياه” الأمل في مفاوضات سد النهضة؟