تحليلات

تباين حول حق الانتساب “للصحفيين الإلكترونيين”

افتتح نقيب الصحفيين، خالد البلشي، النقاش الذي تأخر لسنوات حول انضمام الصحفيين العاملين في المؤسسات الصحفية الإلكترونية التي لا تملك إصدارًا ورقيًا. جاء ذلك بعد إعلان النقابة تفعيل المادة 12 من قانون النقابة لفتح طلبات القيد بجدول المنتسبين، وتشكيل لجنة لوضع لائحة للقيد في الجدول.

 

تسبب هذا القرار في إثارة حوار واسع بين أعضاء الجمعية العمومية وبين الصحفيين الإلكترونيين حول قانونية المادة 12 وإمكانية تطبيقها على الصحفيين العاملين في المنصات الإلكترونية. وقد أصدر النقيب بيانًا آخر يؤكد فيه مسؤوليته الكاملة عن القرار الذي وصفه بأنه يعيد للنقابة دورها الأساسي، ويفتح الباب أمام الجمعية العمومية لتحديد الضوابط اللازمة. كما أعلن عن جلسة لمناقشة تطوير لائحة القيد الحالية، ستُعقد على هامش المؤتمر العام منتصف ديسمبر المقبل.

 

 

وفي تصريح خاص لمنصة “MENA“، أوضح نقيب الصحفيين خالد البلشي أن المؤتمر السادس سيتضمن جلسة خاصة لمناقشة القيد بشكل عام، مشددًا على أن المؤتمر سيبحث كافة التصورات المتعلقة بقضايا النقابة. وأشار إلى أن جدول الانتساب يهدف لاحتواء جميع الصحفيين، مؤكدًا أنه لا تمييز بينهم، وأن الهدف هو تسهيل انضمام من يواجهون صعوبة في دخول النقابة.

 

ورغم ذلك، أشار إلى وجود عقبة قانونية في نص القانون المنظم للنقابة تمنع انضمام صحفيي المواقع الإلكترونية وفقًا لرؤية البعض. وأكد أن النقابة تسعى لمناقشة وتطوير رؤية شاملة بشأن ملف القيد، مع مراعاة تعدد الآراء في هذا الصدد.

 

ويبقى ملف انضمام الصحفيين الإلكترونيين أحد أبرز التحديات على طاولة النقابة، حيث تتباين الآراء بين مؤيد ومعارض، في محاولة للوصول إلى فهم أعمق وتشخيص أدق لضمان حل مستدام.

 

 

الانتساب بالرؤية المطروحة

 

فيما قال أيمن عبد المجيد، عضو مجلس نقابة الصحفيين ورئيس تحرير جريدة وبوابة “روزاليوسف”، إن معارضته لضم الصحفيين المحترفين في جدول الانتساب نابعة من قناعته بأن الصحفي المحترف، المشتغل بالمهنة، يستحق عضوية كاملة، مع الحيلولة دون تحويل مهنة الصحافة إلى مهنة من لا مهنة له.

 

وأضاف عبد المجيد، في تصريح خاص لمنصة “MENA“: “كل من يعمل في الصحافة يستحق تصحيح الأوضاع للحصول على عضوية كاملة بحقوق غير منقوصة، أما فتح الانتساب للمحترفين في الصحف الإلكترونية بزعم منحهم حقهم، فذلك مغالطة كبيرة”.

 

وأوضح عبد المجيد أن هذه المغالطة تنقسم إلى عدة نقاط، أولها التمييز بين الصحفيين بناءً على نوع الوسيط، مشددًا على أن الصحفي هو من ينتج المحتوى سواء نُشر في وسيط ورقي أو إلكتروني، إذ إن النقابة ينبغي أن تقيد الصحفي بناءً على احترافه للمهنة، بغض النظر عن وسيط النشر.

 

وأشار إلى أن النقابة تقبل طلبات الصحفيين العاملين بالمواقع الإلكترونية التابعة لمؤسسات مستقرة تستوفي الشروط القانونية والمهنية، مثل “اليوم السابع”، و”الوطن”، و”بوابة الأهرام”، و”بوابة أخبار اليوم”، و”المصري اليوم”، وغيرها، طالما تحقق شرط الاحتراف.

 

وأضاف: “المشكلة تكمن في المؤسسات التي تعمل عبر وسيط إلكتروني فقط، وهنا يجب توفيق أوضاع المؤسسات المنتظمة التي تعمل باحترافية، ويشرف عليها نقابيون وتستوفي شروط القانون 180 لسنة 2018، مثل “مصراوي” و”صدى البلد”، لكن الحل يتطلب تعديلًا تشريعيًا يمنحهم عضوية تحت التمرين أو المشتغلين، دون الالتفاف على القانون ولي عنق المادة 12، الذي يؤدي إلى حرمانهم من حقوقهم النقابية والخدمات الاجتماعية”.

 

وأكد عبد المجيد أن فتح جدول الانتساب قد يسهم في ضياع حقوق الصحفيين المحترفين، وأن “من يسعون لفتح الانتساب بزعم حماية المحترفين ينتقصون من حقوقهم، ويقدمون حلولًا شكلية يستفيد منها غير المحترف الذي يبحث عن بطاقة النقابة لتحقيق أغراض لا علاقة لها بالمهنة”.

وأشار إلى أن المشكلة الحقيقية ليست في نوع الوسيط، بل في التمييز على أساس الاحتراف والمهنية، مشددًا على ضرورة أن تكون شروط القيد مبنية على التحقق من احتراف المهنة والعمل في مؤسسة صحفية مستقرة تفي بحقوق العاملين بها.

 

مغالطة في تفسير المادة 12

 

وأشار عبد المجيد إلى مغالطة أخرى في تفسير المادة 12 من القانون، موضحًا أن القانون ينظم ضوابط قيد المحترفين عبر المادة 5 بجدول تحت التمرين للمصريين الذين يحترفون المهنة، بينما المادة 12 وُضعت لضوابط قيد الأجانب والعرب المقيمين في مصر العاملين في صحف أو وكالات أنباء، وهم صحفيون وفق عضويتهم الأصلية في بلدانهم.

 

وأكد عبد المجيد: “استخدام المشرع لعبارة “الذين يسهمون في أعمال الصحافة”، يؤكد أن المقصود هم المتخصصون الذين يقدمون مساهمات مثل الأطباء وأساتذة الجامعات، وليس المحترفين”.

 

الاحتراف لا يعني عقد العمل والتأمينات

 

وردًا على تفسير خاطئ لشرط الاحتراف، أكد عبد المجيد أن “الاحتراف” من وجهة نظره لا يعني عقد العمل والتأمينات كما يفسر البعض، مشيرًا إلى أن القانون يعامل شرط الاحتراف كما يعامل شرط الجنسية لغير المصريين، حيث أن “الاحتراف” لا يختزل في أدلة مثل عقد العمل فقط.

 

قانون النقابة يحتاج إلى تعديل

 

وقال عبد المجيد إن قانون النقابة الصادر منذ أكثر من 51 عامًا أصبح قديمًا، وبه نصوص لم تعد تتناسب مع المتغيرات الحالية، مثل اشتراط عضوية الاتحاد الاشتراكي للقيد، مشيرًا إلى أن القانون الحالي يحرم بعض أعضاء جدول المعاشات من التصويت والترشح في النقابة.

وأضاف: “التخوف من تعديل القانون غير مبرر، ويمكن طرح تعديلات محددة لتواكب المتغيرات دون الحاجة لتعديل القانون بأكمله”.

 

الصندوق الطريق الوحيد لتغيير القانون واللائحة

 

وفي ختام تصريحه لمنصة “MENA“، لفت عبد المجيد إلى أن لديه تصورًا كاملًا لمنظومة القيد، بحيث يُتاح لكل صحفي محترف الانضمام للنقابة بغض النظر عن نوع الوسيط، بشرط استيفاء الاشتراطات المهنية والتنظيمية لمنع تسرب غير المهنيين. وأكد أن أي تعديل ينبغي أن يُطرح للتصويت داخل الجمعية العمومية، التي تمتلك السلطة العليا لحسم القرار بما تراه الأغلبية.

 

 

نقاش على أرضية خاطئة

 

ويؤكد يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، أن أزمة النقاش حول ضم الصحفيين العاملين في المؤسسات الإلكترونية ضمن جدول الانتساب مبنيّا على أرضية خاطئة، وأن تطورات المهنة التي شهدتها العقود الأربعة الماضية تجعل من تصنيف الصحفيين إلى “ورقيين” و”إلكترونيين”، وهو تصنيف عفا عليه الزمن. ويضيف قلاش، في تصريح خاص لمنصة«MENA»، أن “الزمن تجاوز هذه الفكرة، وأصبح الحكم الأساسي للمؤسسات يعتمد على جودة المحتوى والهيكل المؤسسي الذي تمتلكه”.

 

ويرى قلاش أن “جدول الانتساب” أصلاً أنشئ لاستيعاب الصحفيين الذين يعملون خارج مصر ولا يتمتعون بعلاقة عمل مباشرة مع مؤسسات مصرية، وقد جاءت فكرة الانتساب بسبب احتجاجات الصحفيين المصريين العاملين في الخارج؛ إذ كانوا يستغربون من عدم وجود صلة بينهم وبين نقابة الصحفيين المصرية رغم تمتعهم بكامل حقوقهم المهنية في الدول التي يعملون بها.

 

ويشدد قلاش على أن أزمة “جدول الانتساب” ليست جوهر النقاش؛ بل يجب التركيز على ضبط شروط القيد بالنقابة وتنظيمه ليتناسب مع المتغيرات الحديثة. ويضيف: “على النقابة أن تتجه لإعادة تعريف الصحفي وخلق بيئة عمل مستقرة لجميع الصحفيين، بمن فيهم العاملون في المؤسسات الإلكترونية. الأزمة الحالية مفتعلة، ويجب أن يتم نقاش ضم الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية على أساس قانوني ومهني”.

 

يشير قلاش إلى أن النقابة واجهت موجات سابقة من التطورات المهنية، بدأت منذ السبعينيات مع انضمام الصحافة الحزبية، ثم الصحف الخاصة لاحقاً. وبرغم المخاوف من تأثير هذه التطورات على تماسك النقابة، فقد استجابت لكل تلك التحولات المهنية. ويقول قلاش: “إذا لم تواكب النقابة تطورات مهنة الصحافة، فستتحول بمرور الزمن إلى مجرد متحف”.

 

ويعتقد قلاش أن النقاش المفتوح بين أعضاء الجمعية العمومية هو الطريق الصحيح لتنظيم عملية انضمام الصحفيين من المؤسسات الصحفية غير الورقية، مشدداً على أن التخوف من دخول من يسعى فقط لاكتساب العضوية بدوافع اجتماعية أو غير مهنية يمكن منعه من خلال لائحة واضحة وشروط محددة للقيد.

 

ويختتم قلاش حديثه بالإشارة إلى أن انضمام الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية، بما فيها المعارضة، يجب أن يُبنى على معايير مهنية ومؤسسية محددة بالقانون، ما يضمن أداء النقابة لدورها في حماية حقوق جميع العاملين في المهنة. ويؤكد أنه لا يمكن اتخاذ قرار منفرد بهذا الشأن، بل يجب أن يكون القرار النهائي نابعاً من نقاشات الجمعية العمومية وضوابط محددة ومستقرة.

 

 

باطل يراد به حق

 

وقال أبو السعود محمد، عضو مجلس نقابة الصحفيين والقيد الأسبق، إن قرار فتح جدول الانتساب لصحفيي المواقع الإلكترونية “باطل يراد به حق”. وأوضح أن صحفيي المواقع الإلكترونية قد قدموا إسهامات صحفية نالت الإشادات والجوائز، لكن جدول الانتساب يظل بمثابة عضوية شرفية ولن يحل المشكلة الأساسية.

 

وأضاف أن الحديث عن “الحماية القانونية” ليس دقيقًا، فالنقابة لا توفر الحماية القانونية إلا في قضايا النشر فقط، وهو ما لا يتوافر لصحفيي المواقع الإلكترونية لأن مؤسساتهم تضمن لهم الحماية قبل وبعد الانضمام، بينما لا يمنحهم كارنيه الانتساب هذا الحق. وبالتالي، فإن قرار الانتساب يعزز إهدار حقوق هؤلاء الصحفيين بدلاً من أن يكون حلاً فعليًا.

 

وأشار إلى أن تطبيق المادة 12 من القانون لا يمكن أن يتم على صحفيي المواقع الإلكترونية، ليس فقط بسبب شروط الاحتراف، ولكن لأن قانون النقابة الحالي وُضع في زمن لم يكن فيه الوسيط الإلكتروني موجودًا. فإذا تم قبول تطبيق مادة الانتساب، فإنه من الأولى أيضًا إجازة قوانين القيد العادية. وبذلك، يرى أن الحل الأنسب هو التحرك نحو مناقشة جادة لتعديل القانون، كي لا تقتصر العضوية على الصحف ذات الإصدارات الورقية فقط، بل تشمل أيضًا الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام الإلكترونية.

 

إرضاء المتخوفين

 

وكشف أبو السعود محمد في حديثه الخاص لمنصة “MENA“، أن البعض يحمل مخاوف من قطع بدل التكنولوجيا في حالة زيادة أعداد المنتسبين للنقابة. تمتد المخاوف أيضًا إلى لجنة القيد العادية، إذ يعتقد البعض أن زيادة الأعداد ستؤثر على بدلات التكنولوجيا التي يعتمد عليها أغلب الصحفيين لمواجهة أعباء الحياة. وأضاف أن قرار النقيب كان محاولة لإرضاء المتخوفين من جهة، ولإرضاء الصحفيين الإلكترونيين من جهة أخرى، دون أن يعالج جوهر المشكلة، وهي قانون النقابة ذاته.

 

وأوضح أن تغيير القانون الحالي لم يحدث حتى الآن بسبب خوف مجالس النقابة المتعاقبة من أن يؤدي التعديل إلى تضييق حرية الرأي والتعبير داخل النقابة. ولكنه أشار إلى أن نقابة الصحفيين في الماضي قد نجحت في تعديل قوانين أخرى، مثل قانون الإجراءات الجنائية، بعد أن عبّرت النقابات المهنية مثل الصحفيين والمحامين والقضاة عن رفض بعض البنود وتم إعادة صياغتها. وبالتالي، فإن تغيير قانون النقابة لا يجب أن يكون أمرًا مخيفًا.

 

واختتم أبو السعود حديثه بالإشارة إلى أن المخاوف من دخول صحفيي المواقع الإلكترونية المعارضة إلى النقابة، وهو ما يجب أن يقلل على حد تعبيره، فقد استفادت النقابة من تعدد وتنوع مواقع الصحافة على اختلاف توجهاتها. كما أشار إلى أن النقابة طوال تاريخها ضمت كل التيارات السياسية، وإذا انجذب إليها تيار ما لفترة معينة، فإن أعضاء الجمعية العمومية يتخذون إجراءات لتصحيح المسار. وأوضح أن ذلك يظهر من خلال تنوع أعضاء المجلس واختلاف توجهات النقباء.

 

وأكد في النهاية أن النقيب الحالي، رغم توجهاته اليسارية، هو من جلب الشركة المتحدة لرعاية جوائز النقابة، ما يعكس قدرة النقابة على استيعاب وتنوع مواقف الأعضاء.

 

 

في السياق ذاته، قال وليد الغمري رئيس تحرير موقع “بلدنا اليوم” إن جدول المنتسبين ليس حديثا، بل هو مخصص لفئات معينة لا تحترف الصحافة، وأغلبهم حالياً يعمل في المؤسسات الإلكترونية فقط. وأوضح أن قانون النقابة قديم ويحتاج إلى تعديل، لكن هناك أزمة تخوف من إضافة بنود قد تعوق حركة الصحافة في حال تعديل القانون. ولذلك، أراد النقيب حل الأزمة بالهروب من القانون الحالي إلى جدول المنتسبين، رغبة في توفير مظلة قانونية للمستفيدين من القرار.

 

وأضاف الغمري في تصريح خاص لمنصة “MENA” أنه لا يشكك في نوايا النقيب لتوفير مظلة قانونية لعدد كبير من ممارسي المهنة الذين لم يلتحقوا بالنقابة، إلا أن الأزمة تصاعدت بسبب توقيت طرح الفكرة قبل انتخابات التجديد النصفي بأربعة أشهر، ما أسهم حالة الجدل الحالية بين الصحفيين، وتم استغلال الحدث انتخابيًا من قبل المرشحين غير المنتمين لجبهة النقيب.

 

وأكد الغمري أنه من الرافضين لفكرة فتح جدول المنتسبين، لأنه ربما يفتح بابًا خلفيًا للانضمام، في ظل وجود تحديات حقيقية في لجنة القيد العادية. كما أضاف أن فتح جدول المنتسبين ربما يوفر ميزة الحماية القانونية، لكنه يهدر باقي الحقوق الأخرى التي تقدمها النقابة لأعضائها. وفي النهاية، شدد على أن الكرة الآن في ملعب الجمعية العمومية، التي سيُطرح عليها الأمر خلال الانتخابات المقبلة لتقرر ما ترى بشأنه من خلال التصويت.

 

في سياق متصل، كان صدر بيان عن نقابة الصحفيين بشأن فتح جدول الانتساب، كما طرح النقيب الأمر للجمعية العمومية للنقابة للنظر فيه خلال الانتخابات المقبلة لتقرير ما إذا كان سيتم تطبيقه.

 

اقرأ أيضًا:

 

بعد مزاعم إسرائيلية.. ما حقيقة تهريب أسلحة من مصر لغزة؟

 

عمرو بدر: خالد البلشي أعاد الحياة إلى نقابة الصحفيين.. وأستعد لخوض الانتخابات المقبلة إلا إذا

 

في أول ظهور لها بعد القبض على زوجها| رشا قنديل: لست ثورية أو سياسية

 

سؤال لا يغيب.. محاولة لالتقاط صورة لمحمد حسنين هيكل

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية