اقتصاد

تراجع إيرادات قناة السويس.. تهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر وخيارات مصر للتعامل معها

تراجعت إيرادات قناة السويس بسبب التوترات الحادثة في المنطقة ومنها هجمات الحوثيين على السفن بالبحر الأحمر واستهدافها، مما خلق مخاوف من مرور السفن التجارية عبر أعظم ممر ملاحي في العالم، ومحاولتها إيجاد طرق بديلة. تأثرت مصر اقتصاديًا بشدة، خاصة أن قناة السويس تعد من الموارد الرئيسية للعملة الصعبة وداعمة للموازنة العامة للدولة.

 

اختلفت أرقام ونسب التراجع في موارد القناة حسب تصريحات المسؤولين، لكنها تراوحت بين 30% و60% باختلاف الشهور والأحداث منذ بداية الحرب على غزة وحتى الآن. خبراء أكدوا أن هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر تعد سببًا رئيسيًا، لكنها ليست الوحيدة، إذ تتسبب أيضًا الأزمات الحالية المتعددة على حدود مصر المختلفة مع ليبيا، السودان، وقطاع غزة، في هذا التراجع. مؤكدين أن أصل المشكلة يكمن في الأطماع الإسرائيلية في المنطقة وعدوانها على غزة.

 

تراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة 24.3% لتصل إلى 6.6 مليار دولار في العام المالي المنتهي في يونيو 2024، بسبب توترات البحر الأحمر، وفقًا لبيانات ميزان المدفوعات للبنك المركزي المصري. بينما أكد الفريق أسامة ربيع، رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس، الاثنين 14 أكتوبر الجاري، تراجع إيرادات القناة بنسبة 62% منذ مطلع عام 2024، جراء العديد من التحديات الناتجة عن أزمة البحر الأحمر وتحويل السفن مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، حيث بلغ عددها 6600 سفينة منذ نوفمبر 2023.

 

وأشار ربيع، في كلمته خلال فعاليات المنتدى اللوجستي العالمي في مدينة الرياض بالسعودية، إلى أن مرور السفن عبر القناة يوفر 51 مليون طن من الانبعاثات الكربونية مقارنة بمرورها عبر طريق رأس الرجاء الصالح.

 

الدكتور طارق فهمي

 

 

وقال الدكتور طارق فهمي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، إن مصر تقيم علاقات توازنية في البحر الأحمر، وأنه ليس هناك خلافات أو تباينات كبيرة مع الحوثيين ولا توجد علاقات مباشرة أو خيارات محددة للتعامل معهم. رغم الإشارة إلى وجود خسائر اقتصادية بالفعل نتيجة تضرر إيرادات قناة السويس بدرجة كبيرة تصل إلى 60%.

 

 

 

 

 

أضاف فهمي لمنصة “MENA“، أن موقف مصر محدد وواضح تجاه الحوثيين، إذ يعتبرون مهددين للأمن الإقليمي والملاحة في البحر الأحمر، لكنهم في الوقت نفسه لم يستهدفوا المصالح المصرية بشكل مباشر. لافتًا إلى أن مصر تمتلك أربع قطع بحرية عند مضيق باب المندب لحماية الملاحة والمصالح المصرية، ومن يقترب بأي أذى لقناة السويس يتم التعامل معه مباشرة.

 

أوضح أن مصر لا تتبنى توجهات أو رؤى عدائية تجاه أي طرف في الإقليم، وأن الجماعات من غير الدول مثل حماس، حزب الله، الجهاد، الحشد الشعبي، والحوثيين تمثل تهديدًا للبنية التحتية للدول الوطنية الخاصة بهم، وأن القاهرة ليست في مواجهة مع الحوثيين أو غيرهم، وإنما ترفع شعار الدبلوماسية والتوافقات في حل أزماتها.

 

أكد أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية أن القاهرة تدعم الشرعية اليمنية وتتبنى موقفًا واضحًا منها، مشيرًا إلى إمكانية البناء على ذلك لحل الأزمة في المستقبل في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة من خلال الحوار والتوافق.

 

 

أضاف فهمي أن الدبلوماسية المصرية تقوم على فكرة التوازن والحوار والاهتمام الكبير بدوائر أمنها القومي، وأن الطاقات الاستراتيجية للدولة المصرية تعمل على اتخاذ القرارات بعقلانية وموضوعية. وأي حديث عن ضرب الحوثيين في ظل حرب إسرائيل على غزة ولبنان غير ممكن ولا مطروح.

 

 

الدكتور ياسر شويته

 

ويرى الدكتور ياسر شويته، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، والمحاضر في جامعة حلوان، أن الرؤية الاستراتيجية المصرية تقوم على انتهاج السلام والدبلوماسية كخيار استراتيجي، وأن مصر لن تكون طرفًا في نزاع مسلح مباشر، إذ تسعى دائمًا لترسيخ دعائم الاستقرار والسلم الإقليمي والدولي.

 

 

قال شويته إن الصراع الدائر في محيط الدولة المصرية تسبب في تداعيات كبيرة على الاقتصاد المصري، بما في ذلك تراجع إيرادات قناة السويس خلال الأشهر الثمانية الماضية بما يقارب 6 مليارات دولار، نتيجة لهجمات الحوثيين على السفن التجارية العابرة في البحر الأحمر ومنها إلى قناة السويس. أوضح أن الحرب الدائرة بين إسرائيل وقطاع غزة ولبنان هي السبب الحقيقي للتوترات في المنطقة.

 

وأشار شويته إلى تراجع إمدادات الغاز الطبيعي من الشرق وتراجع معدلات الاستثمار في المنطقة لتزايد وتيرة الصراع، مما يتطلب وضع خطة طوارئ عاجلة تتضمن أهدافًا زمنية قصيرة، متوسطة، وطويلة الأجل، تراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة ومحدودة الدخل.

 

 

وأضاف عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي أن هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر ترتبط بعدوان إسرائيل على غزة واتساع الصراع ليشمل لبنان وسوريا، مما وضع الاقتصاد المصري في موقف صعب. إلا أن الحديث عن اقتصاد الحرب، الذي يعني تعبئة موارد الدولة الاقتصادية لخدمة الأغراض العسكرية، ما زال مبكرًا.

 

ويرى الخبير الاقتصادي أننا لن نحتاج إلى اقتصاد حرب، لكن يجب ترشيد الإنفاق الحكومي ونشر ثقافة ترشيد الاستهلاك لدى المواطنين، مع الاعتماد على الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات وخفض الواردات، وتأمين سلاسل الإمداد من دول خارج نطاق الصراع، خاصة فيما يتعلق بالسلع الغذائية.

 

وأوضح شويته أن مصر تفضل الحلول الدبلوماسية في التعامل مع الأزمات، خاصة في ظل الوضع الراهن للمنطقة. أي مشاركة عسكرية ستزيد من التوترات والخسائر الاقتصادية، مؤكدًا أن الصراعات التي تقودها إسرائيل من جهة، وإيران وأذرعها العسكرية من جهة أخرى، هي جوهر المشكلة ولا يمكن اختزالها في هجمات الحوثيين على السفن.

 

النائب أحمد مقلد

 

 

 

ويرى أحمد مقلد، أمين سر لجنة الشئون العربية بمجلس النواب المصري والنائب عن تنسيقية شباب الأحزاب، أن مصر لن تكون طرفًا في صراع مع الحوثيين، وأن على المجتمع الدولي إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان ووقف إطلاق النار لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وأشار إلى أن مصر لن تشارك في حرب بالوكالة عن أحد، في ظل الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل في استهداف المدنيين في فلسطين ولبنان.

 

وأكد مقلد أن وقف الحرب وإنهاء القتال هو الحل الوحيد لاستقرار المنطقة، مشيرًا إلى أن الحوثيين رغم الاختلاف معهم، لم يتعمدوا الإضرار بمصالح مصر. وأوضح أن مصر ترفض المشاركة في عملية عسكرية ضد الحوثيين، خاصة في ظل المواقف المتناقضة للدول الداعمة لإسرائيل.

 

وشكّلت الولايات المتحدة، في ديسمبر الماضي، تحالفًا باسم “حارس الازدهار” للرد على هجمات الحوثيين بدعوى حماية الملاحة والسفن في البحر الأحمر، إلا أن القاهرة لم تنضم إليه.

 

وأوضح مقلد أن مصر لا ترغب في تأجيج الصراع في المنطقة، وتسعى إلى الوساطة مع جميع الأطراف المعنية، للوصول إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة. هذا الخيار يعد الأهم لاستقرار المنطقة بالكامل وللملاحة البحرية في البحر الأحمر، مشيرًا إلى أن المسؤولين في مصر يتواصلون مع شركات الشحن العالمية لتقديم تسهيلات للمرور عبر قناة السويس.

 

اقرأ أيضًا:

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية