ترجمات

ترحيب مصري باتفاق الصومال وإثيوبيا لاستعادة العلاقات الدبلوماسية

بعد قرابة عام من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، عادت العلاقات إلى مسارها الطبيعي في خطوة لم تكن متوقعة، لكنها جاءت استجابة للمعطيات الإقليمية والضغوط المتغيرة، ورغم أن التقارب كان مفاجئًا، إلا أن استئناف التعاون جاء بفضل جهود وساطة خارجية ساهمت في تقريب وجهات النظر وإعادة جسور الثقة بين الجانبين.

 

اتفقت الصومال وإثيوبيا على استعادة التمثيل الدبلوماسي في عاصمتيهما، بعد أكثر من عام على قطع الصومال للعلاقات بسبب اتفاقية وقعتها إثيوبيا، التي لا تطل على البحر، مع منطقة أرض الصومال الانفصالية الواقعة شمال الصومال بشأن الوصول إلى البحر.

 

وفي بيان مشترك عقب زيارة غير متوقعة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تعهد الطرفان بـ”استعادة وتعزيز العلاقات الثنائية من خلال التمثيل الدبلوماسي الكامل في عاصمتيهما”.

 

ووصف وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية، مسقانو أرجا موتشو، هذه الخطوة بأنها “إنجاز كبير في علاقاتنا الثنائية والأخوية”.

 

خلفية مذكرة التفاهم المثيرة للجدل

 

تأتي هذه الخطوة بعد مذكرة تفاهم مثيرة للجدل وقعتها إثيوبيا مع أرض الصومال في بداية عام 2023، ما تسبب في توتر العلاقات بشكل حاد بين الجارتين في شرق إفريقيا.

 

ووفقًا للتقارير التي ذكرتها صحيفة الجارديان، منحت مذكرة التفاهم إثيوبيا حق الوصول إلى ميناء على ساحل أرض الصومال مقابل اعتراف ضمني باستقلال الإقليم عن الصومال. كما أفاد مسؤولون إثيوبيون بأن الاتفاقية شملت الإذن ببناء منشأة بحرية على ساحل خليج عدن.

 

وقد أثارت هذه المذكرة غضب الحكومة الصومالية، التي اتهمت إثيوبيا بمحاولة “ضم” أراضٍ صومالية وهددت بإعلان الحرب لمنع تنفيذها.

 

هل تتأثر مصر "بالتقارب" الإثيوبي الصومالي؟

 

وضع أرض الصومال القانوني والدولي

 

أعلنت أرض الصومال استقلالها عن الصومال عام 1991، مستندةً إلى الحدود التي كانت تابعة لمحمية بريطانية سابقة في المنطقة. ومع ذلك، لم تعترف مقديشو أو المجتمع الدولي بها كدولة مستقلة، رغم أنها عملت ككيان مستقل لمدة تتجاوز ثلاثة عقود.

 

انعكاسات الأزمة على التعاون الأمني

 

وذكرت صحفية الجارديان البريطانية أن الأزمة الدبلوماسية أدت إلى تهديد التعاون الأمني بين الصومال وإثيوبيا في حربهما المشتركة ضد حركة الشباب، الفرع التابع لتنظيم القاعدة في الصومال، الذي يسعى للإطاحة بالحكومة المركزية.

 

وأعلنت الصومال سابقًا خططًا لطرد القوات الإثيوبية من بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي تشارك في قتال الجماعة المسلحة، حيث تلعب إثيوبيا دورًا محوريًا فيها.

 

مراجعة الموقف الصومالي بشأن القوات الإثيوبية

 

في وقت لاحق، أشارت الصومال إلى أنها ستعيد النظر في وجود القوات الإثيوبية، وذلك بعد اجتماع جمع وزراء دفاع البلدين هذا الشهر. وأكدت الحكومة الصومالية الشهر الماضي أنها حصلت على تعهدات من دول أخرى بتوفير العدد المطلوب من الجنود في حال انسحاب القوات الإثيوبية.

 

 

الاعتراض على تجاوزات الحكومة المركزية

 

أوضح المسؤولون الصوماليون أنهم لا يعارضون مبدأ منح إثيوبيا منفذًا بحريًا عبر ميناء صومالي، مؤكدين تفهمهم للاحتياجات الاقتصادية لدولة غير ساحلية كإثيوبيا. ومع ذلك، عبّروا عن رفضهم التام لأي اتفاق يتم بعيدًا عن إشراف الحكومة المركزية في مقديشو، معتبرين أن مثل هذه التحركات تقوض سيادة الصومال وتفتح الباب أمام تجاوزات قد تؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي في البلاد.

 

وأشارت الجارديان أن المسؤولون شددوا على أن الاعتراض لا يقتصر على الاتفاق نفسه، بل يمتد إلى قرار إثيوبيا بالتفاوض مباشرة مع أرض الصومال، التي تعتبرها مقديشو إقليمًا تابعًا للدولة الصومالية وليس كيانًا مستقلًا. كما انتقدوا استخدام الأراضي الصومالية لإنشاء منشأة بحرية دون تفويض رسمي من الحكومة المركزية، معتبرين ذلك خرقًا للسيادة الوطنية.

 

وفي هذا السياق، أوضح السفير الصومالي لدى إثيوبيا، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن من أبرز نتائج اجتماع أديس أبابا كان الاتفاق على اعتماد “سياسة الباب الواحد”، والتي تعني عدم قيام إثيوبيا بأي مفاوضات مباشرة مع أرض الصومال دون التنسيق والحصول على إذن رسمي من الحكومة الصومالية، بما يضمن عدم اتخاذ قرارات أحادية قد تؤدي إلى تأجيج الأوضاع مجددًا.

 

 

وساطة تركية نحو تقارب دبلوماسي

 

جاء هذا التطور بعد وساطة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي استضاف محادثات بين قادة الصومال وإثيوبيا في العاصمة أنقرة الشهر الماضي. وأسفرت المناقشات عن إعلان “أنقرة”، حيث تعهد الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي بحل الخلافات عبر الحوار ومعالجة القضايا المشتركة.

 

تحركات إقليمية من القاهرة

 

وجاءت زيارة الرئيس الصومالي لإثيوبيا، وهي الأولى منذ أكثر من عام، في توقيت حساس على الساحة الإقليمية، إذ تزامنت مع اجتماع رفيع المستوى في القاهرة شارك فيه وزير الخارجية الصومالي إلى جانب نظيريه من إريتريا ومصر، وهما دولتان تتسم علاقاتهما مع إثيوبيا بتوترات ملحوظة، ويُذكر أن الدول الثلاث قد شكلت تحالفًا دبلوماسيًا في أكتوبر الماضي بهدف التصدي لما وصفوه بتنامي النفوذ الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي، وهو الأمر الذي أثار قلق العديد من دول المنطقة.

 

ناقش الاجتماع الثلاثي في القاهرة قضايا محورية تتعلق بالأمن الإقليمي، لا سيما ما يتعلق بمسألة منح دول غير مطلة على البحر الأحمر منفذًا استراتيجيًا على هذا الممر المائي الحيوي. وفي تصريح له، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن المجتمعين شددوا على رفض أي ترتيبات قد تسمح بوجود عسكري أو بحري لدول لا تطل على البحر الأحمر، وأوضح أن هذه الخطوة تعتبر “غير مقبولة على الإطلاق” من منظور الأمن الإقليمي.

 

ويعكس هذا التحرك الدبلوماسي المصري-الإريتري-الصومالي تصاعد التحديات الجيوسياسية في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وسط مساعٍ لضبط ميزان القوى في ظل محاولات بعض الدول توسيع نفوذها العسكري في المناطق الساحلية الحساسة، بما في ذلك الممرات الاستراتيجية التي تشكل شريانًا رئيسيًا لحركة التجارة الدولية.

 

ويمثل هذا التنسيق بين الدول الثلاث رسالة واضحة تهدف إلى تحقيق توازن في المنطقة، وحماية المصالح الوطنية والإقليمية المشتركة من أي تهديد قد يؤثر على استقرار المنطقة بأكملها.

 

معركة "الدول المتشاطئة" تشعل الخلاف مجددًا بين مصر وأثيوبيا.. ما القصة؟

 

الدور المصري في دعم الصومال عسكريًا

 

وأوضحت الجارديان أن مصر قد لعبت دورًا متزايد الأهمية في دعم الصومال عسكريًا، حيث بدأت في إرسال شحنات من الأسلحة والذخائر إلى الحكومة الصومالية خلال صيف العام الماضي، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش الصومالي في مواجهة التحديات الأمنية الكبيرة، وعلى رأسها الحرب ضد حركة الشباب المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة.

 

ولم يقتصر الدعم المصري على إمدادات الأسلحة فقط، بل تعززت التحركات الدبلوماسية بين القاهرة ومقديشو بهدف التنسيق حول الخطوات المستقبلية. وتستعد مصر لبحث إمكانية إرسال قوات عسكرية للمشاركة في بعثة حفظ السلام الدولية، التي تعمل على دعم الاستقرار في الصومال ومساعدة القوات الحكومية في العمليات العسكرية ضد التنظيمات المسلحة التي تهدد أمن البلاد.

 

ويعكس هذا التحرك المصري رغبتها في لعب دور محوري في تعزيز الأمن الإقليمي بمنطقة القرن الإفريقي، كما يأتي ضمن جهودها لمواجهة أي تهديد محتمل لاستقرار البحر الأحمر والممرات المائية الاستراتيجية، بالتزامن مع مساعيها لتعزيز التحالفات مع الدول الإفريقية المتضررة من الأزمات الأمنية.

 

المصدر: 

https://www.theguardian.com/world/2025/jan/12/somalia-and-ethiopia-agree-to-restore-diplomatic-ties-after-year-long-rift

 

 

 

 

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية