كان لمصادقة دولة جنوب السودان على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل والمعروفة باسم اتفاقية “عنتيبي”،
نسبة إلى مدينة عنتيبي في أوغندا والتي تهدف إلى إعادة توزيع مياه النيل بين دول حوض النيل،
كما تحوي بندًا يمنح دول المنبع حق إقامة المشروعات دون الرجوع أو التوافق مع دول المصب، أو حتى بإخطار مسبق.
مفاجأة وصدمة كبرى للدولة المصرية وذلك لما بين الدولتين الشقيقتين من علاقات قوية ودعم ومساندة مصرية دائمة
لحكومة وشعب جنوب السودان واقامة مشروعات مشتركة كبرى وتقديم كل ما يدعم الدولة حديثة العهد بعد انفصالها عن دولة السودان.
وتعارض كلا من مصر والسودان هذه الاتفاقية وتتمسكان باتفاقيات أعوام 1902 و1929 و1959
التي ترفض الإضرار بدول المصب، وتعتبر الاتفاقية مثلها مثل الحدود لا يمكن تغييرها أو تعديلها٬
كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان.
وتعود القضية إلى 14 مايو 2010 عندما وقعت دول إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل،
ثم انضمت كينيا وبوروندي إلى الاتفاقية لاحقًا٬ ولم تتم المصادقة على الاتفاقية رسميًا إلا بعد نحو 3 سنوات من التوقيع،
إذ صادقت عليها إثيوبيا ورواندا عام 2013، وبعد عامين في 2015 صادقت عليها تنزانيا، وتبعتها أوغندا في 2019،
ثم بوروندي في عام 2023، في حين لم تصادق عليها كينيا، التي كانت جزءً من التوقيع الأولي٬
ومؤخرًا تصديق جنوب السودان لتصبح الدولة السادسة التي تصدق على الاتفاقية ليكتمل النصاب القانوني للبدء بإجراءات تأسيس المفوضية،
إذ يشترط الجزء الثالث من الاتفاقية تصديق برلمانات 6 دول على الأقل، لتأسيس المفوضية التي سيكون مقرها الدائم في أوغندا.
ورغم اندهاش عدد من الخبراء والبرلمانيين من موقف دولة جنوب السودان الصادم ومن محاولات التأثير على حقوق مصر والسودان التاريخية٬
خاصةً وإنها ليست لها أي علاقة بسد النهضة من قريب أو بعيد٬ إلا أن هناك اتفاق أن الاتفاقية غير قابلة للتنفيذ٬
لكنها تحتاج في نفس الوقت حرص ويقظة وتحركات مصرية سريعة.
قال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري اللواء أحمد العوضي لمنصة “MENA“٬ أن توقيع وموافقة مجلس النواب
بدولة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي الجمعة 12 يوليو الجاري٬ يأتي استكمالاً للمؤامرات المستمرة على مصر ونتيجة ضغوط خارجية
ترغب في زعزعة استقرار مصر و الضغط عليها لمصالح خاصة٬ لافتًا إلى أن اتفاقية عنتيبي تعد بمثابة تهديد واضح لحياة المصريين.
اقرأ أيضاً:
الخلل التقني العالمي.. هل عطل القطاعات المصرية؟
تهديد لحياة المصريين أول تعليق من النواب على اتفاقية عنتيبي
إلغاء قانون الطوارئ سابقة تاريخية.. تصريح برلماني مصري في حقوق الإنسان
خطة الحكومة المصرية لتعزيز انخراط الشباب في العمل السياسي
وأضاف رئيس لجنة الدفاع والامن القومي بمجلس النواب المصري، أن موقف مصر من الاتفاقية واضح وثابت٬
وهو الرفض القاطع باعتبار أن بنود الاتفاقية تنص على عدم الاعتراف بحصة مصر التاريخية،
إذ تنص المادة 13 من الاتفاقية على إعادة توزيع حصص المياه دون النظر لأي اتفاقيات أخرى،
وهو أمر يخالف كافة المبادئ والاتفاقيات والنصوص والقوانين الدولية الملزمة لدول العالم.
وطالب العوضي الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي إلي إعادة النظر في موقفهم،
مشيرًا إلى أن مصر ترفع شعار لا ضرر ولا ضرار في قضية مياه نهر النيل،
حيث لا ترفض أي مشروعات تنموية في أي دولة بشرط عدم الإضرار بحياة مواطنيها،
مشيرًا إلى أن حصة مصر الحالية لا تكفي احتياجاتها، وتعتمد عليها مصر بشكل رئيسي في توفير احتياجاتها من المياه،
ما يعني أن مياه نهر النيل تمثل قضية بقاء وأمن قومي.
وكان رئيس جنوب السودان سلفاكير، قد تسلم الجمعة 12 يوليو الجاري، من رئيسة المجلس التشريعي “البرلمان” نونو كومبا
أربعة مشاريع قوانين للتوقيع عليها من بينهم مشروع قانون اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل المعروف بـ “اتفاقية عنتيبي”.
بينما يرى وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري طارق الخولي٬ إن توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي
كأن لم تكن لعدم توقيع مصر والسودان عليها فهم بذلك غير ملزمين بأي من بنود الاتفاقية،
لافتًا إلى أن جنوب السودان لم تكن ضمن الدول التسعة لحوض النيل التي شاركت في مبادرة حوض النيل،
وهي كينيا ورواندا وبوروندي وتنزانيا والكونغو وأوغندا وإثيوبيا والسودان ومصر، وبالتالي لم نصل لعدد الثلثين
كما زعموا وقتها أن توقيع الأغلبية الثلثين٬ أي ستة دول وهو ما لم يحدث٬ وبانفصال جنوب السودان
أصبحت الاتفاقية تحتاج لتوقيع عدد سبعة دول وليست ستة دول٬ وبذلك لن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ٬
مؤكدًا إن اتفاقية عنتيبي ملزمة وقانونية على الدول التي وقعت عليها، ولا تمت بأية صلة لدولتَي المصب مصر والسودان.
واستغرب الخولي من موقف دولة جنوب السودان التي ليست لها أية علاقة بما يدور حول سد النهضة،
موضحًا أنها تمتلك فائضًا في المياه عن احتياجاتها بكميات كبيرة، ومشروعات التنمية التي تنفذها الحكومة الإثيوبية لن تستفيد منها على الإطلاق٬
مؤكدًا أن انضمام جنوب السودان إلى اتفاقية عنتيبي جاء نتيجة ضغوط بعض الدول وقوى خارجية تعادي مصر لأسباب سياسية
للتأثير على الأمن القومي المصري وأمنها المائي٬ ولا تمس بأية صلة أزمات وخلافات مياه نهر النيل بشيء٬
أو نتيجة اغراءات اقتصادية قدمتها إثيوبيا أو دول أخرى معادية لمصر شجعتهم على الانضمام إلى الاتفاقية.
ويرى النائب اللواء طارق نصير أمين عام حزب حماة الوطن المصري ووكيل أول لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشيوخ٬
أن اتفاقية عنتيبي لن تفيد الموقعين عليها من الناحية القانونية ولن تلغي الاتفاقيات السابقة والتاريخية بحجة أن اتفاقية النيل عام ٬1929
التي قسمت الحصص بين دول حوض النيل قام بها الاستعمار البريطاني٬ وتناسوا إن الحدود بين الدول رسمت في زمن الاستعمار أيضًا٬
وأن ما يسرى على اتفاقيات الحدود يسرى على اتفاقيات المياه طبقًا للأمم المتحدة٬ وبالتالي إلغاء الاتفاقيات التي تمت خلال الاستعمار
سوف ينجم عنها إلغاء اتفاقيات الحدود أيضًا٬ مما يؤكد أنه من المستحيل عدم الاعتراف بالاتفاقيات التاريخية٬
وإلا سيتم فتح العديد من الأزمات والمشكلات التي لا يمكن السيطرة عليها٬ لكنه في نفس الوقت طالب بحتمية مراجعة سياسات
ومنطق وزارة الري في التفاوض والتعامل مع جنوب السودان وكافة دول منابع النيل الأبيض واتخاذ قرارات ومواقف خارج الصندوق واكثر تأثيرا .
وكان الدكتور نادر نور الدين استاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة٬ اعتبر أن إثيوبيا تخدع دول منابع النيل٬
قائلاً “أن النيل الأزرق ينبع من إثيوبيا عند منسوب 1820 مترًا ويصب في الخرطوم عند منسوب 500 متر،
والنيل الأبيض ينبع من بحيرة فيكتوريا عند منسوب 1200 متر، ويصب في الخرطوم عند منسوب 500 متر”.
وبالتالي لا يمكن للنيل الأزرق عندما يصب في الخرطوم عند منسوب 500 متر أن يذهب إلي دول منابع النيل الأبيض عند منسوب 1200 متر،
عكس الانحدار، ولا يستطيع النيل الأبيض عندما يصب في الخرطوم أن يصعد إلي إثيوبيا عند منسوب 1820 مترًا”٬
وتسائل : “فكيف خدعت إثيوبيا دول منابع النيل الأبيض بموضوع إعادة توزيع مياه النيل وحصولهم على حصص من المياه؟.
وقال نائب البرلمان المصري طلبة النحال٬ أن اتفاقية تقسيم مياه النيل تم توقيعها عام 1929،
ونصت على أن يكون نصيب مصر 55.5 مليار متر مكعب، ولا يمكن تعديل هذه الاتفاقية إلا بموافقة دولتي المصب مصر والسودان،
ووقعت عصبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية المعنية بتنسيق العلاقات بين الدول، فأصبحت الاتفاقية ملزمة وغير قابلة للإلغاء.
لافتًا انه في شهر ديسمبر عام ٬1955 أرسل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وزير خارجيته،
بخطاب إعلان التزام مصر باتفاقية 1929 في مجلس الأمن، ما جعلها ملزمة، ولا يمكن تغييرها إلا بعد توقيع دول المصب مصر والسودان.
مشيرًا أن مصر والسودان لديهما تحفظين على الاتفاقية، الأول يتعلق بالاتفاقيات السابقة التي تتعارض معها،
والثاني يتعلق باتخاذ القرار في هذه الاتفاقية هل يتم بالإجماع أم بالأغلبية، ولم يتغير موقف البلدين بشأن هذين التحفظين.
وقالت عضو لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري نيفين حمدي إن موافقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي٬
تتطلب تحركات مصرية سريعة جديدة في ملف مياه النيل، خاصة ان الاتفاقية تمس الأمن القومي والمائي المصري بشكل مباشر.
لافتًة أن الزيادة السكانية، وتغير المناخ، والتحديات تتفاقم في ظل محدودية الموارد المائية، والتي لا تتجاوز 60 مليار متر مكعب سنوياً،
يقابلها احتياجات مائية تقدر بنحو 114 مليار متر مكعب.
وأضافت أن الاتفاقية تظل مجرد توافق بين دول بعينها، ما لم يتم ايداعها لدى المنظمات الإقليمية والدولية مثل الإتحاد الإفريقي
ومؤسسات البنك الدولي المعنية بقوانين المياه وغيرها، لاعتمادها رسميا”.
لافتًة إلى أن هناك معركة قانونية وسياسية طويلة تنتظر دول المنبع، لكي تصبح الاتفاقية واقعا معترفا ومعمولاً به٬
مؤكدًا أن دول المصب لن تتخلى عن حصتها من المياه التي ضمنتها لها اتفاقيات تاريخية معترف بها إقليميًا، ودوليًا،
لصالح اتفاقية حديثة، لا تخلو من الأجندات والصراعات السياسية.