تحليلات

جهود مصرية لتقنيين أوضاع السودانيين في مصر

منذ عدة أيام ذهبت مع ابنتي إلى مستشفى خاص، وجدت لافتة معلقة حديثاً، أنه لا يتم التعامل مع الأجانب إلا برقم جواز السفر، ووجود إقامة قانونية على الأراضي المصرية، وكانت المستشفى خاصة بالأطفال، وبالسؤال عن الأمر، كانت الإجابة “هي أوامر وزارة الصحة”، وكان السؤال الثاني، “يعني لو أب جاء بطفله لإنقاذ حياته، وليس معه أوراق قانونية، لن تنقذ حالته؟”، أجاب الرجل، “أوامر وبننفذها، في ظل حالة احتقان من السودانيين حول تقنين أوضاعهم في مصر.

 

السودان ومصر، تشعر وكأن بينهما رابط لا ينقطع، حتى بعدما قرر البرلمان في مصر انفصال السودان عن مصر، دون استفتاء شعبي، لتصبح السودان دولة مستقلة وتعلنها رسمياً، بعد 4 سنوات من ثورة يوليو 1952.

 

انفصال سياسي وإداري، لكنه لم ينفصل شعبياً وإنسانياً، فبقي السودانيون في مصر، وبقي المصريون في السودان، فالأرحام لم تنقطع، والنسب لم ينتهي، وصلة العروبة ما زالت ممتدة.

 

وفي وقت الأزمات، وبعد الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لم يجد السودانيون ملجاءً إلى بلدهم الثاني مصر، رغم علمهم بالأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المواطن المصري، إلا أن الحرب فرضت قيودها وشروطها عليهم.

 

فتاة سودانية، جاءت إلى مصر، ولما تكن الحرب قد بلغت ذروتها بعد، وكان سبب زيارتها هو الدراسة في مصر، لتنفصل عن أسرتها بعد اشتعال الصراع على أشده، وبعد أن وصلت الحرب إلى ما وصلت إليه.

 

تعرضت الفتاة إلى جشع “السماسرة” من أجل الحصول على السكن، فالمبالغ المطلوبة لا تناسب وضع أسرتها في السودان والتي أذاقتهم ويلات الحرب مرارة الفقد والفرقة، إضافة إلى الفقر وانقطاع سبل الرزق، فالسودان لم تعد السودان التي تركتها في بداية الحرب.

 

التقينا الفتاة في حوار خاص، حيث بدا عليها علامات التوتر، بعد الأنباء المتواترة عن الترحيل وغلق المدارس السودانية، وتطبيق القانون بحذافيره على كل اللاجئين في مصر.

تقول الفتاة، أنه وبعد انقطاع السبل بها في الحصول على سكن مناسب، بسبب رفع الأسعار بمبالغ لا تناسبها، قررت الإقامة مع فتيات مصريات مغتربات من خارج القاهرة، جئن للدراسة.

 

وقالت إن سعر الشقة كان 7 آلاف جنيه، قسمت على الفتيات الثلاث، ولكن بدأ “السمسار” يلاحظ ترددي على الشقة بين حين وأخر، حتى علم بأني أشاركهم السكن، هنا تدخل السمسار طالباً تغيير عقد الإيجار، وكانت حجته مع الفتيات، “دي سودانية يا أستاذة، كده السعر هيختلف”، وبعد محاولات مع السمسار باءت جميعها بالفشل، بأن الأمور معقدة مادياً للغاية، قال إن مالك العقار، قرر مضاعفة السعر، وهو ما لم تستطع الفتيات فعله، ليقررن الرحيل إلى سكن أخر”، هكذا قالت الفتاة.

 

وعن الحديث عن مصدر دخلها، قالت الفتاة أن اختها ما زالت تستطيع صرف راتبها في السودان وترسل إليها مبلغاً من المال كان يكفيها في بداية الحرب، أما الآن ومع انهيار الجنيه السوداني، بدأت أزمة جديدة إلى جانب أزمة السكن، وهي تدبير الأمور المعيشية بما يتبقى لها من أموال بعد دفع قيمة الإيجار.

 

وأبدت الفتاة مخاوفها من عمليات الترحيل التي شهدتها مصر في الآونة الأخير، لكنها طمأنت نفسها بأنها تقيم في مصر بشكل قانوني، حيث تقوم بتجديد إقامتها كل 3 أشهر، وتتجنب إحداث البلبلة، أو خرق القوانين، أو الدخول في محادثات استفزازية، قد تعرضني للترحيل.

 

 

 

سوداني أخر، كان يعمل محاسباً في أحد المخازن بالسودان، نزح إلى مصر منذ ستة أشهر، تحدث إلينا في حوار خاص عما جرى معه أثناء النزوح إلى مصر.

 

وقال السوداني، ويدعى “أحمد محمد صادق”، إنه يقيم بمنطقة المنيب الشعبية في محافظة الجيزة، مشيراً إلى أنه وجد استغلالاً لم يجده في حياته، حيث تعامل السمسار معه وكأنه سائح جاء للتنزه، وليس نازحاً من ويلات الحرب، التي عصفت ببلاده.

 

وقال “صادق” أن عقد الإيجار الذي أجراه مع المالك، كان لشقة مفروشة، وصفها السمسار قبل أن يراها بأنها “ألترا سوبر لوكس”، وأن سعرها 15 ألف جنيه مصري.

وأضاف، أنه بعد اعتراضي على المبلغ الكبير، قال له السمسار بحضور المالك، “القصة كلها 300 دولار يا باشا، يعني مش حاجة”، مشيراً إلى أنه فقد بيته الذي يملكه في الخرطوم، والذي علم بعد ذلك من خلال مقطع فيديو أرسله له أحد الجيران بعد وصوله إلى مصر، أن منزله تعرض للسلب والنهب من قوات الدعم السريع، قبل أن يتعرض للدمار جراء الأعمال القتالية.

 

يقول الرجل أنه وبعد وصوله إلى الشقة التي تحدث عنها السمسار، أنه وجد شقة سكنية لا تصلح للاستخدام الآدمي، وأنه لا يوجد فيها أدنى مقومات الحياة، وأن الأدوات الموجودة فيها عفى عليها الزمن، مشيراً إلى أنه لم يكن أمامه خيراً أخر، بعد بقائه مع أسرته لمدة 3 أيام في الشارع.

 

ويضيف صادق، أنه تعرض للابتزاز ممن أسماهم “الأحباش”، والذين أجبروه على دفع مبلغ 2000 دولار عن كل فرد من أفراد أسرته، ليضطر إلى دفع المبلغ المطلوب، حتى تتمكن أسرته من النجاة.

 

الرجل الخمسيني، والذي ألتقيناه أثناء ذهابه إلى أحد المستشفيات الحكومية المصرية، لإنهاء أوراق إجراء جراحة لأحد أفراد أسرته، قال إنه يدفع الكثير من الأموال بسبب أنه سوداني، مشيراً إلى أن البعض يعتبر أنهم أصحاب رؤوس أموال، وهو ما نفاه الرجل.

 

وحول ما بدأت الحكومة المصرية تنفيذه من ترحيل للسودانيين، قال إنه يخاف من فكرة الترحيل بسبب أنه لم يمكن من إنهاء أوراق اللجوء إلى مصر، بسبب المطالبة بدفع مبلغ يصل إلى 1000 دولار للفرد، وهو ما لا أستطيع الحصول عليه، في الوقت الحالي.

 

الرجل بدا عليه علامات الخوف عند الحديث عن الترحيل، بسبب أنه مهاجر وليس لاجئ، فاللاجئ لا يمكن ترحيله بسبب الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعت مصر عليها، سواء اتفاقية جنيف أو غيرها.

 

وتابع الرجل بأنه يتجنب الخروج إلى الطرق الرئيسية، وأماكن التمركزات الأمنية، وحتى الخروج لصلاة الجمعة، بسبب ما أسماه شبح الترحيل إلى أرض النار.

واختتم الرجل حديثه والدموع تنهمر من عينيه بأنه لولا الحرب ما فكر يوماً في ترك بلده السودان، مشيراً إلى أنه “ما باليد حيلة”.

 

ويعاني اللاجئون أوضاعاً صعبة حول العالم، حيث يقدر عددهم بحسب مفوضية شؤون اللاجئين بأكثر من 44 مليون نسمة، موزعين على الأماكن الأكثر أماناً في العالم، وتمتلك مصر 672 ألف لاجئ من 62 دولة حول العالم.

 

 

مراقبون للأوضاع في مصر قالوا إن الحكومة المصرية لا ترغب في ترحيل السودانيين ولا غيرهم إلى أماكن الحرب مرة آخرى، والحديث عن أن خريطة حلايب وشلاتين التي أضيفت إلى خريطة السودان من قبل بعض السودانيين ليست هي ما دعى الحكومة للتشديد على السودانيين، وأن الأمر برمته يتعلق بتسجيل هؤلاء أنفسهم كلاجئين في مصر.

 

وأرجع مراقبون هذا الأمر إلى توجيه رسالة إلى الاتحاد الأوروبي مفادها، أن مصر تتحمل تبعات لجوء الملايين على أراضيها، مع وجود قيود واسعة على الهجرة غير الشرعية من مصر إلى دول الحدود الأوروبية، وهو ما عانت أوروبا منه، منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011م.

 

وتدفع دول الاتحاد الأوروبي مبالغ طائلة للدول التي تستقبل اللاجئين حول العالم، وذلك مقابل تقنين دخول هؤلاء إلى أراضيها.

وفي مايو الماضي، شهدت العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة من الدفء، بعدما أبرم الطرفان شراكة استراتيجية شاملة تقدر بـ 7.4 مليار يورو لدعم الاقتصاد المصري.

 

ورغم أن الاتفاق اقتصادي في ظاهره، إلا أنه يحمل جانباً سياسياً يتعلق مصر بتحمل اللاجئين عن دول الاتحاد الأوروبي، والدفع نحو تقييد الهجرة غير الشرعية، مثلما كان الحال مع تونس.

 

ورحلت الحكومة المصرية مجموعة من السودانيين منتصف يونيو الماضي تبين دخولهم إلى مصر بطريقة غير مشروعة، ويقيمون في مصر بطريقة غير قانونية.

 

ووفقاً لبيانات الحكومة المصرية، فإن الأراضي المصرية تستضيف أكثر من 9 ملايين مقيم أجنبي من 130 دولة، معظمهم من السودان وسوريا وفلسطين.

 

وفي سبتمبر من العام الماضي نشرت الجريدة الرسمية قرار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، رقم 3326 لسنة 2023 والذي ينص على أنه يتعين على الأجانب المتقدمين للإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية، للحصول على حق الإقامة للسياحة أو لغير السياحة، تقديم إيصال يفيد قيامهم بتحويل ما يعادل ألف دولار أو ما يعادله من العملات الحرة إلى الجنيه المصري من أحد البنوك أو شركات الصرافة المعتمدة.

 

ويضيف القرار أنه يجب على المهاجرين تقنين إقامتهم شريطة وجود مُستضيف مصري الجنسية، وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القرار، مُقابل سداد مصروفات إدارية بما يعادل ألف دولار أمريكي تودع بالحساب المخصص لذلك وفقًا للقواعد والإجراءات والضوابط التي تحددها وزارة الداخلية.

 

 لاجئ سوداني آخر قال إنه يدفع 25 دولاراً أمريكياً له ولكل فرد من أفراد أسرته مقابل تجديد الإقامة لمدة 3 أشهر فقط.

 

وأضاف السوداني المقيم في مصر، إنه بالكاد يدبر هذا المبلغ من خلال عمله في المعمار، حيث يسعى إلى جمع مبلغ 150 دولاراً أمريكياً على مدار ثلاثة أشهر إلى جانب مصاريف سكنه باهظة الثمن.

وأشار هذا الرجل إلى أنه اضطر إلى الإقامة في شقة سكنية مفروشة، مع أسرتين سودانيتين تخفيفاً للنفقات، متابعاً أن مالك العقار قال له “إن شاء الله تسكنوا 100 في الشقة، أهم حاجة تبعت لي 12 ألف كل شهر”، وهو ما لا أستطيع دفعه منفرداً، يضيف الرجل.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية