10 ساعات من الرعب، عاشها المواطنين في قلب القاهرة، بعد اندلاع حريق في أحد العقارات المستخدمة في تخزين البضائع بالسوق الشعبي الأشهر للعديد من المستلزمات بداية من الملابس والاحذية، وحتى مستلزمات المنازل “العتبة”.
قبل منتصف ليلة الجمعة بساعة واحدة، وبصورة مفاجئة اندلعت النيران بأحد مخازن وورش الاحذية بعقار يقع بسوق جراج العتبة، وهو سوق للملابس والاحذية الشعبية في القاهرة، يخدم الملايين من أبناء المناطق العشوائية، ويقع بالقرب من عدة مسارح هي الطليعة ومسرح العرائس والمسرح القومي، لتمتد النيران إلى 3 عقارات أخرى.
الحريق أسفر في النهاية عن وفاة أحد الباعة، وهو شاب ثلاثيني توفى جراء الاختناق أثناء محاولته انقاذ بضاعته من العقار المحترق، بينما تمت معالجة العشرات جراء الاختناق الذي أصابهم أثناء نفس المحاولة، واستمرت محاولة قوات الدفاع المدني للسيطرة على الحريق 24 ساعة كاملة، شملت إخماد الحريق نفسه، وكذلك عمليات التبريد التي أسفرت عن انهيار العقار المحترق بسبب المياه.
في الوقت ذاته ألقت قوات الأمن القبض على صاحب مخزن وورشة الأحذية الذي اندلعت منه الشرارة الأولى للحريق، قبل أن تفرج عنه مرة أخرى، بينما شكلت غرفة القاهرة التجارية فريق عمل لمتابعة الأوضاع، والتواصل مع تجار العتبة للوقوف على الأزمة، والحيلولة دون تكرارها.
حرائق متكررة
عام 1869، ومع هوس الخديوي إسماعيل بتحويل القاهرة الخديوية (مناطق وسط القاهرة) إلى قطعة من أوروبا، تم إنشاء سوق العتبة والموسكي، وتم بنائه بالأحجار على مساحة واسعة من المنطقة الواصلة بين القاهرة الفاطمية القديمة ووسط المدينة، وتم بنائه على طراز أسواق باريس.
مع مرور الوقت تدهور حال السوق الشعبي، وامتد من شارع الأزهر المعروف بتجارة القماش والعطارة، وحتى الموسكي وحارة اليهود لتجارة الأدوات المنزلية، بينما انتشر الباعة الجائلين في كافة أزقة وشوارع المنطقة، بينما استخدمت أغلب البنايات في المنطقة كمخازن للبضائع، أو ورش للتصنيع.
وقبل الحادث الأخير بأيام، اندلع حريق آخر كان أقل في حجم النيران، لكنه كان أكثر في عدد الضحايا، حيث اندلع حريق في العشرين من شهر يوليو/تموز 2024 بمنطقة حارة اليهود، وأسفر عن 5 وفيات و7 جرحى.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 اندلع حريق بذات المنطقة بسبب ماس كهربائي، وأسفر عن احتراق محل، وفي يونيو/ حزيران 2022 تسبب ماس كهربائي في احتراق مول كامل، دون خسائر في الأرواح، ولكن مع خسائر في البضائع قُدرت بالملايين، أما الحريق الأشهر كان في 2019، حيث اندلع حريق في منطقة السوق القديمة بالعتبة، وانتشرت لتشمل 12 محل، وبعدها وضع البرلمان المصري العديد من الخطط لتطوير المنطقة أسوة بعدة أسواق شعبية تم تطويرها لكن لم تدخل هذه الخطط حيز التنفيذ حتى الآن، وفي 2016 وقع حريق ضخم أخر بذات المنطقة.
اقرأ أيضًا:
دوافع الشباب المصري للهجرة غير الشرعية.. ودور الدولة في حماية الشباب
قرارت حكومية ودراسات جدوى لاستعادة مجد صناعة الغاز المصري
غلق المحال في وقت مبكر.. إلى أي مرحلة سيؤثر؟
رفع الدعم السلعي وتأثيره على حياة الملايين من المواطنين
نمو التهرب الجمركي وجهود لظبط الخارجين عن القانون
العشوائية سبب الأزمة
من جانبه قال مساعد وزير الداخلية للحماية المدنية الأسبق، اللواء علاء عبد الظاهر أن الأزمة ترجع في العشوائية التي تسيطر على منطقة سوق العتبة، فلا يوجد أي اعتبارات للأمن أو السلامة بسبب ضيق المكان وتحول كافة عقارات المنطقة إلي مخازن للبضائع، دون أي اعتبارات تتعلق بكيفية التخزين، فتجد الملابس إلى جوار ورش الاحذية والجلود، مع المواد المسرعة للاشتعال المستخدمة في هذه الصناعات، بالإضافة إلى الورق والكرتون.
وأضاف اللواء عبد الظاهر الشوارع في المنطقة ضيقة للغاية، ولا تسمح بدخول عربات الإطفاء، بالإضافة إلي الباكيات – أماكن عرض للبضائع – البدائية المنتشرة من أول السوق لآخره، ولا تضم أي عوامل للأمان.
وأوضح عبد الظاهر أن حوادث الحريق تزداد خاصة في الصيف لوجود زيادة أحمال حرارية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى حريق بمجرد شرارة صغيرة، خاصة مع الوصلات العشوائية التي يقوم بها الباعة من أعمدة الانارة لفرشات وباكيات الباعة الجائلين.
معاينة الدفاع المدني شرط للحصول على ترخيص
وأشار عبد الظاهر إلى أن القانون سواء في البناء أو تراخيص المحال الحالي يشترط قبل الحصول على الترخيص توجه صاحب الترخيص إلى الدفاع المدني الذي يقوم بمعاينة المكان المطلوب ترخيصه، لتنفيذ اشتراطات الأمان ولكن لا يلتزم بها للأسف الكثيرين لغياب ثقافة الأمن والسلامة لدى الكثير من المصريين.
وشدد عبد الظاهر على أن هناك أزمة أخرى ليست في سوق العتبة وحده، وإنما في باقي مصر وهي وجود المستلزمات الكهربائية المقلدة من أسلاك وقواطع وغيرها، تنهار مع زيادة الأحمال الكهربائية.
عدم تطبيق قانون المحال التجارية أحد أسباب الأسواق العشوائية
في المقابل يرى خبير التنمية المحلية د. حمدي عرفة٬ أن الأزمة في عدم تطبيق قانون المحال التجارية رغم التصديق عليه، وهو القانون الذي يمكن أن يحل أزمة الأسواق العشوائية بالزام اصحاب المحلات بتنفيذ اشتراطات الأمان.
وأضاف عرفة أن القانون الصادر عام 2019، أعطي للمحال التجارية مهلة 5 سنوات فقط لتوفيق أوضاعها، وهي المهلة التي انتهت هذا العام دون تحرك من المحليات.
وكان نقيب المهندسين طارق النبراوي قد أعلن في يوم السلامة العالمي٬ الاثنين الماضي٬ أن النقابة أعدت تقريرًا علميًّا كاملًا ووافيًا لمنع تكرار الحرائق في منطقة العتبة وقدمته للجهات المعنية منذ عام 2016، ورغم ذلك لا تزال الحرائق تتكرر في العتبة.
إنذار لنقل الباعة لمكان آخر
في المقابل قال متى بشاي رئيس لجنة التجارة الداخلية بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية: “إنّ حريق العتبة جرس إنذار واضح للمسئولين لنقل الباعة من المناطق المكتظة، وتنظيم حركة التجارة والأسواق”.
وأضاف بشاي في مداخلة تليفزيونية: “أن العقار المحترق في منطقة العتبة يضم أكثر من 40 محلا تجاريًا ومخزنًا، لذا يجب على المسئولين حصر لعدد المحال المرخصة وغير المرخصة، بالإضافة إلى تطبيق معايير الأمان والسلامة”.
وبحسب نشرة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن الحرائق الصادرة في فبراير/ شباط 2024 فإن مصر شهدت خلال العام الماضي 45435 حالة حريق٬ كان الإهمال سبب 11% منها.