حفلات التخرج الجامعية.. ونائبة برلمانية تطالب بوضع حد للتجاوزات
عميد كلية يقف على منصة، إلى جواره أكثر أساتذة الكلية قرباً للطلاب وأفضلهم سمعة، رداء أسود يعتليه القبعة التاريخية للمتفوقين والأكاديميين يرتديه جمع من الطلاب، قاعة مكيفة، ومقاعد مهندمة، محاضرة راقية عن الحياة بعد التخرج، وكلمة زميل متفوق، ودموع أولياء أمورٍ شعروا بأداء رسالتهم في الحياة، امتزجت بدموع أصدقاء ربما يكون لقاؤهم هو الأخير، إلى أن يأتي موعد التكريم، لينقلب المشهد رأساً على عقب، فضغطة زر مُطلقةً أصوات “حمو بيكا”، و”عمر كمال”، و”حسن شاكوش” تخرج من سماعات القاعة كفيلة بتغيير المشهد، كلمات وموسيقى صاخبة ما إن يسمعها البعض حتى تتحول معظم أرجاء القاعة إلى وصلات رقص تصورها الهواتف، وتنقلها مواقع التواصل الاجتماعي إلى كل بيت في مصر.
شهرة واسعة تطال الفتاة، صاحبة “الطلة الأجرأ”، والرقصة الأكثر “ليونة” القادرة على جمع أكبر عدد من المشاهدات، لتفتح لها أبواب الرزق والشهرة على مصراعيها، لتقدم بعدها محتوىً لا يختلف بشكل كبير عن “رقصتها الأولى”، ليكون “التريند” هو قائدهم وسائقهم.
لكن شخصيات سياسية ودينية أعلنت رفضها لما يحدث في حفلات التخرج، بعد رصد العديد من الوقائع المخلة، في حضرة أهل العلم من أساتذة الجامعات.
وقال الكاتب الصحفي عبد اللطيف المناوي، إننا تركنا أنفسنا لهجمات “التريند”، فتدنى المستوى، وتدنت النتائج، وتدنت منظومة القيم، مطالباً من كان هناك من يهتم بالتعليم في هذا البلد فيجب أن يظهر ذلك الاهتمام.
وأضاف المناوي أن ما يحدث هو أمر محزن ومؤلم أن نرى أساتذة وعلماء يصطفون انتظاراً لنهاية رقصة الطالب أو الطالبة على ألحان المهرجانات أو حتى الموسيقى الشعبية ليسلموه أو يسلموها شهادة التخرج.
حفلات التخرج
قالت ريهام علي منسقة حفلات تخرج، إن حفلات التخرج أصبحت باب رزق للكثير بسبب إقبال الطلاب من مختلف الكليات في كل جامعة على إخراج حفلتهم بأفضل صورة ممكنة.
وأضافت ريهام لمنصة “MENA“، أنه يتم جمع اشتراكات حفل التخرج من كل طالب يرغب في المشاركة في الحفل، وغالباً ما يصل المبلغ من كل طالب إلى ألف أو ألفين جنيه بحسب ما يطلب في الحفل، حيث يشمل هذا المبلغ تأجير القاعة وأجهزة الصوت، وملابس التخرج.
وتابعت أن الطالب الذي يتعاقد معنا يقوم بالتنسيق مع أساتذة كليته أو عميد الكلية من أجل حضوره لتكريم الطلاب، مشيرة إلى أن دورهم يقتصر فقط على تجهيز المكان من قاعة وجوائز ومنصة، إضافة إلى أي طلبات أخرى.
وأشارت متعهدة الحفلات، أنهم غير مسؤولون عن الرقص أو أي مخالفة أخرى داخل حفلة التخرج، وأن ما يحدث هو مسؤولية الطلاب وإدارة الكلية وفقط.
وأكدت ريهام أنها تتعامل مع كل حفلة على حسب ما يطلب، حيث أنها أدارت العديد من حفلات التخرج في جامعة الأزهر ولم يحدث بها أي مخالفات، إذ يطلب منهم فقط إحضار أجهزة الصوت، ويقوم الطلاب في مختلف الجامعات والكليات باختيار الأغاني، بينما يختار طلاب الأزهر الأناشيد الدينية.
واختتمت المتعهدة بأنه يمكن للجامعات السيطرة على الطلاب من خلال وضع ضوابط ولوائح، لافتة إلى أن إلغاء الحفلات ليس هو الحل، لأن الطلاب قد يلجؤون إلى عقد حفلات تخرج بعيداً عن الجامعة.
ويناقش المجلس الأعلى للجامعات في اجتماعه القادم، آليات تنفيذ القانون من خلال الجهات المعنية بالدولة تجاه كل من يستخدم اسم الجامعات أو الكليات في تنظيم حفلات تخرج خارج أسوار الجامعة مُستغلًا أسماء الجامعات والكليات المختلفة.
تحقيقات عاجلة في مخالفات حفلات التخرج
وأوضح الدكتور عادل عبدالغفار المستشار الإعلامي والمتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أن الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي وجه بسرعة إجراء تحقيقات عاجلة في المخالفات التي شهدتها بعض حفلات تخرج الطلاب ببعض الجامعات والمعاهد.
وأكد عبدالغفار أن الوزير طلب إفادته بنتائج التحقيق بشكل عاجل، كما وجه باتخاذ كافة الإجراءات المقررة قانوناً تجاه كل من شارك في تنظيم وإدارة هذه الحفلات من كافة مستويات المنظومة على مستوى أعضاء هيئة التدريس والإداريين والطلاب.
هل تنتهي حفلات التخرج؟
تباينت أراء الجمهور حول حفلات التخرج وآلية عملها والغرض منها، إذ يرى البعض أن الرقص هو حالة إيجابية تضفي البهجة على النفس، بينما يراها البعض الأخر محاولة لزعزعة قيم المجتمع ونشر الرذيلة.
ويرى حسام شوقي أن المشكلة ليست في الرقص بحد ذاته وإنما في الزي المستخدم في حفلات التخرج، حيث أشار إلى أن “الروب والكاب” كان يتم ارتداؤهم للحاصلين على الماجستير والدكتوراه.
وتابع شوقي في منشور له على فيس بوك، أنه يتم استغلال الطلاب من قبل لجان تنظيم الحفلات من أجل “السبوبة”.
بينما تساءلت سوزان أنور عن الشخص المسؤول والمنتفع من حفلات التخرج، حيث قدرت أن يكون ما تم جمعه من الطلاب في حفل تخرجها 800 ألف جنيه.
وتابعت سوزان عبر صفحتها على فيس بوك، أن كل طالب في دفعتها دفع مبلغاً وقدره 2000 جنيه، مع دعوتين فقط للأب والأم، بينما دخل إخوتها وأصدقاؤها بتذكرة سعرها 150 جنيه.
وقال الكاتب الصحفي أيمن عدلي، إن حفلات التخرج من الجامعات من أهم اللحظات في حياة الطلاب، فهي تتويج لسنوات من الجهد والكفاح في رحلة التحصيل العلمي.
وأشار في مقال له أنه في الآونة الأخيرة بدأت هذه المناسبات تشهد سلوكيات مثيرة للجدل من بعض الطلاب، تجاوزت الحدود المقبولة وتحولت إلى مشاهد استفزازية تتنافى مع العادات والقيم المجتمعية.
بينما رأى الشيخ عبد السلام عبد المنصف، أمين الفتوى بدار الإفتاء سابقاً، أن فيديوهات الرقص في حفلات التخرج، هي انفكاك التربية عن التعليم، مشيراً إلى أنه هو الأساس لكل ما نراه من رقص الفتيات والشباب في مهرجانات ما يسمى بحفل التخرج.
وأضاف عبد المنصف أن الحقيقة التي غفل عنها غالب المدرسين وغالب من يقوم على أمور التعليم أن الهدف الأساسي من التعليم هو الارتقاء بالإنسان أخلاقياً حتى يصل إلى مقام الخشية من الله.
وأكد أمين الفتوى بدار الإفتاء سابقًا، أنه حتى نعود لما كنا عليه لابد من ربط الكلمتين ببعضهما وتحقيق الأولى قبل الثانية “التربية والتعليم”.
برلمانية تطالب بوضع حد للمهزلة
انتشر مقطع فيديو لأحد الطلاب في جامعة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وهو يرقص على نغمات أغنية لـ”محمد رمضان”، أثناء صعوده إلى المنصة للتكريم بعد انتهاء المرحلة الجامعية.
كما انتشرت عدة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لفتيات وهن يرقصن بشكل غير أخلاقي بالمخالفة للأعراف الدينية والمجتمعية، وهو ما أثار حالة من الاستياء بين النخبة السياسية في مصر.
واعتبر الدكتور حسام المندوه الحسيني، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، أن مشهد طالب الزقازيق مستفز لكل جامعي، ومشهد يحطم كل القيم الجامعية التي ندعو إليها دائماً، مشيراً إلى أن الجامعة هي مؤسسة تربوية لها تقاليدها التي ترسخ لفكرة الانضباط مثل المؤسسة العسكرية”.
وأضاف الحسيني، “أنه يجب التحقيق مع مسؤولي الجامعة ومنظمي حفل التخرج، الذين يقفون لمشاهدة وصلات الرقص من دون تحرك، مشيراً إلى أن الرقص بهذا الشكل في حضور هيئة تدريس جامعية ترتدي (الروب) الجامعي، الذي لا يرتديه الأساتذة إلا في اللحظات الكبيرة كحفلات التخرج، أو مناقشة الرسائل العلمية، فهذا به كثير من الانتهاك لحُرمة المؤسسة الجامعية، وقيمة الأستاذ الجامعي”.
وطالبت النائبة أمل سلامة، عضو مجلس النواب، الجامعات بإلزام الأساتذة بالامتناع عن حضور هذا النوع من الحفلات، حرصا على هيبة الجامعة.
كما طالبت النائبة بالبرلمان وعضو لجنة حقوق الإنسان في طلب إحاطة لها، بضرورة التدخل من جانب وزارة التعليم العالي، لوضع حد للتجاوزات التي تشهدها حفلات التخرج.
وأشارت “سلامة”، إلى أنه خلال الفترة الأخيرة انتشرت ظاهرة حفلات التخرج والتي يتخللها فقرات لا علاقة لها باحتفاء الطلاب بالتخرج وانتهاء المرحلة الجامعية.
وأكدت النائبة عن محافظة الجيزة، أن مظاهر الرقص التي تتكرر في حفلات التخرج تنال من قيمة العلم والتعليم، وتعطي صورة سلبية عن وضع التعليم العالي في مصر.
وأضافت، أنه من المؤسف مشاركة بعض أساتذة الجامعات في حفلات التخرج والتي تشهد تجاوزات غير مقبولة ولا تليق بمقام الحرم الجامعي.
وحول إمكانية استخدام الأدوات البرلمانية لها كنائبة، أكدت النائبة أمل سلامة لمنصة “MENA”، أنها ستستخدم كافة الوسائل القانونية المتاحة لها من أجل وقف هذه المهزلة.
وأشارت إلى أن النائب محمود عصام قد تقدم هو الأخر بطلب إحاطة لكل من رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني، لوضع ضوابط لإقامة حفلات التخرج بالجامعات.
قيمة التعليم
قال الدكتور خالد عبد الفتاح، أستاذ علم الاجتماع، إن المجتمع المصري شهد تغيرات كبيرة بعد عام 2011، مشيراً إلى مدى التأثر بها دون أن ندركها إدراكًا كاملًا.
وأكد عبد الفتاح أن هذه التغيرات مست جميع تفاصيل الحياة ومستوى المعيشة، خاصة على مستوى المؤسسة الجامعية ونظام التعليم.
وأشار إلى أنه قبل 2011 كانت هناك بعض المشاكل في النظام التعليمي، مثل عدم التزام الطلاب بالحضور إلى المدارس والجامعات، ولكن بعد تلك الفترة، تفاقمت هذه المشاكل بشكل أكبر.
وأوضح عبد الفتاح، أن أغلب الحياة الجامعية بات مسيطراً عليها من قبل التجمعات في الكافيتريات، والتحدث بأساليب خارجة داخل أسوار الجامعة، مشيراً إلى أن هذا الانفلات السلوكي لم يقتصر فقط على خارج أسوار الجامعة، بل انتقل إلى داخلها أيضاً، حيث أصبحت الجامعات تعكس التغيرات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع بشكل عام.
وتابع أستاذ علم الاجتماع أن انتشار أمراض مثل إنفلونزا الخنازير والطيور، وأحداث 2011 وما تلاها من اضطرابات، ساهمت في تراجع الانضباط داخل المؤسسات التعليمية.
وأشار عبد الفتاح أن الاعتماد المتزايد على مصادر خارجية للتحصيل الدراسي، مثل الدروس الخصوصية والسناتر، أدى إلى فقدان الجيل الحالي لتجارب تعليمية مهمة كانت المدرسة توفرها، مثل التحكم في الجسد والانضباط السلوكي.
وأردف الأكاديمي، إلى أن وظيفة المدرسة ليست فقط تعليم الكتابة والقراءة، بل أيضاً تعليم الطلاب كيفية التحكم في أنفسهم والانضباط وفق جداول زمنية معينة.
وذكر الدكتور خالد عبد الفتاح أن الالتزام بالحضور إلى الجامعة أصبح مقتصراً على أوقات الامتحانات، مما أفقد هذا السياق قيمه ومعاييره السلوكية، وأشار إلى أن حفلات التخرج تحولت إلى مهرجانات، وأن الأغاني والموسيقى التي يفضلها الشباب الآن تخاطب الجسد والحركة بدلًا من العقل.
وأكد أستاذ الاجتماع، أن هذه التغيرات انعكست على سلوك الجيل الحالي في الحياة اليومية، بما في ذلك تعاملهم في الجامعة، وأضاف أن الجامعات تبذل الآن مجهودًا كبيرًا لتعليم الطلاب كيفية التعامل باحترام مع الأساتذة والأشخاص الأكبر سنًا، بالإضافة إلى مشكلة عدم الانتظام في حضور المحاضرات.
اقرأ أيضًا:
إدمان القمار الإلكتروني والجريمة
“خليها تعنس” كيف عزف الشباب عن الزواج بسبب قائمة المنقولات
“الأزهر” هل يكون بديلاً لـ”شبح” الثانوية العامة؟
الفرق الغنائية المصرية بين الماضي والحاضر
تحديات مواقع التواصل الاجتماعي وسعي الشباب المصري وراء الثراء