الشارع المصري

خسائر في الأرواح والممتلكات…موسم قطع الكهرباء يؤرق حياة المصريين




“شيل الفيشة .. حط الفيشة”، عبارة أصبحت معروفة ومتداولة لدي جماهير عريضة من الشعب المصري خلال الأشهر الماضية، بعد أن أعلنت الحكومة منذ بداية النصف الثانى من العام الماضى 2023 تطبيق ما يعرف بخطة “تخفيف الأحمال” عبر قطع التيار الكهربائى لمدة ساعتين يوميًا، أو أكثر فى معظم أنحاء البلاد عدا المدن السياحية، والصناعية، بسبب ارتفاع الاستهلاك نتيجة الارتفاع الشديد فى درجة الحرارة.


المواطنون يرفعون “الفيشة” أو مغذي الكهرباء للأجهزة المنزلية، في الأوقات التي يحتمل فيها قطع التيار عنهم خشية تعطل أو احتراق هذه الأجهزة، نتيجة قطع التيار وعودته بشكلٍ مفاجئ بعد أن اثبتت تجارب الأشهر الماضية، خسائر كبيرة للكثير منهم بسبب تلف هذه الأجهزة وخاصة المبردات كالثلاجات و”الديب فريزر” والتكييفات، وغيرها، مع عدم استطاعة طيف واسع من الشعب لشراء أجهزة جديدة، بعد أن دفعتهم إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وتراجع العملة وعوامل أخري إلي دخول 33 % منهم تحت خط الفقر خلال 2023، بحسب الدكتورة هبة الليثي، أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة، ومستشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خلال الندوة التي عقدها مشروع حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في أكتوبر الماضي والمنشورة بصحف محلية.


أكدت الحكومة المصرية، وحسب المتحدث الرسمي باسمها، محمد الحمصانى، أكدت أن تخفيف الأحمال أو قطع التيار يوفر مليار دولار سنويًا،  وسبب ذلك نتيجة تراجع إنتاج الغاز فى مصر الذى وصل خلال فبراير الماضى لأدنى مستوى شهرى فى 6 سنوات، ما دفع الحكومة للتعاقد على شحنات من الغاز المسال لسد الاحتياجات، وبناء علي ذلك قررت الحكومة المصرية قطع الكهرباء، بشكل تبادليّ بين المحافظات والمدن والقري لخفض استهلاك الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، وبالتالي توفير الدولار بهدف شراء أدوية وأغذية – حسب تصريحات حكومية في أكثر من مناسبة – لكن هذه الإجراءات باتت تثيرغضبًا شعبيًا واسعًا، خاصة مع الموجة الحارة التي تضرب البلاد، وتحقيق خسائر اقتصادية بكافة القطاعات، فضلاً عن إزهاق أرواح عديدة من الشعب المصري في مصاعد المباني السكنية، والتجارية، نتيجة قطع التيار بشكلٍ مفاجئ وتعطل تلك المصاعد أو سقوطها أحيانًا.


تقول الحكومة المصرية إن انقطاع التيار يأتي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بصورة كبيرة ونقص الغاز والوقود اللازم لتشغيل المحطات، كما تقول الحكومة إنها تحاول خفض استهلاك الوقود الذي يتم استيراده بالدولار لتشغيل محطات الكهرباء وتوجيه الفائض لشراء السلع، لكن الأرقام تكشف أن خسائر قطع الكهرباء أكبر بكثير مما تدعي الحكومة توفيره، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك خسائر في قطاعات الصناعة والإنتاج والتصدير والإستثمار المحلي والخارجي والتجارة الالكترونية، وارتفاع تكاليف إدارة مخاطر هذه الانقطاعات والتشغيل البديل، من حيث زيادة استهلاك البنزين في المولدات الكهربائية، وارتفاع تكلفة الصيانة للمعدات والمحولات،  وتعطّل المستشفيات، وتعرض المرضي للخطر وكذلك المدارس وعدم استطاعة التلاميذ والطلاب استذكار دروسهم، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والسلع الاستهلاكية وزيادة الجرائم، وخاصة التحرش والسرقات، وتعطل أعمال الشركات، بعد أن وصل عدد ساعات الانقطاع لنحو 35% من مدة العمل اليوميّ في بعض المناطق، وهو ما يؤثر سلبًا على سيولة العمل وتسليم المهام وشحن المنتجات المُعدة للتصدير، فضلاً عن السمعة السيئة لجاذبية السوق المصرية للاستثمارات الخارجية، نظرًا للانقطاع المستمر للكهرباء.   ويعني قطع الكهرباء عن بعض المصانع كمصانع الأسمدة حدوث ارتفاع جنوني للأسعار، كما تتضر السياحة بشدة من قطع الكهرباء، حيث يعني انتشار أخبار قطع التيار الكهربائي في مصر ببورصات السياحة العالمية، إلى تحويل البعض وجهتهم عن مصر إلى أسواق أخري بديلة ما يضر القطاع بشدة والذي يوفر لمصر 13.6 مليار دولار خلال العام الماضي حسب بيان لمجلس الوزراء.    


كما أن عمليات قطع التيار الكهربائي، قد تؤثر على شبكات توزيع الكهرباء نفسها، وسلامة البنية التحتية لها كما يؤثر على أداء الأعمال، وحركة الأفراد ورؤوس الأموال، والتعاملات المصرفية.

وفي 18 يناير من عام 2021 ، تحدث رئيس الوزراء المصري عن الاكتفاء الذاتي من البترول بحلول 2023 وكان من المفترض أن تنتهي أزمة الكهرباء لكن الأزمة كبرت بعد عامين من وعد رئيس الحكومة.


وتمثل الكهرباء خدمة رئيسية ليس في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع ويوصف انقطاعها المستمر بأنه تهديد للأمن القومي وهي تمثل مؤشرات رئيسية لمعرفة مدى كفاءة الحكومة ويهدد الانقطاع المستمر للكهرباء سمعة الدولة على المستويين الإقليمي والدولي وتضعف الحالة المعنوية للمواطنين وتراجع قدرتهم على تسيير شؤون الحياة اليومية.



وهنا نطالب الحكومة بدراسة الخسائر الاقتصادية والنفسية والإجتماعية لتخفيف أحمال الكهرباء والتي هي أكبر بكثير من مليار دولار يتم توفيره في استيراد الغاز اللازم للمحطات فالكهرباء من الحاجات الأساسية في عصر تكنولوجيا المعلومات والإنترنت، وهي من أهم عناصر الإنتاج.

وتشير تقارير إلى أن الحكومة رفعت الدعم عن الكهرباء بشكلٍ  كامل اعتباراً من العام المالي 2020 – 2021 ، وفي إطار تحديث البنية التحتية لقطاع الكهرباء، اشترت الحكومة من شركة سيمنز الألمانية ثلاث محطات لتوليد الكهرباء لمواجهة الارتفاع الكبير في الاستهلاك، بما بقدر بـ 6 مليارات يورو ثم حاولت الحكومة بيع محطتين من المحطات الألمانية الثلاثة لتقليل عبء سداد الأقساط والديون ولتوفير حصيلة دولارية تساهم في حل الأزمة، وهو ما لم يحدث. 


وفي إبريل الماضي انقطع التيار الكهربائي عن مبنى البورصة المصرية وهو ما أدى لتعطيل تنفيذ بعض أوامر الشراء والبيع من شركات السمسرة في البورصة.

ورغم الصفقات الاسثمارية الكبري وعلي رأسها صفقة رأس الحكمة، والتي أدخلت لمصر مليارات الدولارات وعودة الأموال الساخنة واستمرار دعم صندوق النقد الدولي، مازالت مشكلة عدم توافر العملات الصعبة لشراء الوقود تؤرق الحكومة فضلاً عن عوامل أخري كعدم تخطيط الطاقة بشكلٍ جيد والتقديرات المُبالغ فيها بشأن حجم إنتاج الغاز الطبيعي في حقل ظهر.


وفي تصريحات صحفية، قال رئيس غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، محمد حنفي، إن إنقطاع الكهرباء يتنافى تمامًا مع خطط الدولة لتوطين الصناعة لتأثيره على القدرات الإنتاجية للمصانع والشركة، ويؤدي إلى عدم وفاء المصانع بعقود التوريدات مع الجهات المختلفة وأن الصناعة تعتمد بالأساس على القطاع الكهربائي، وانقطاع التيار المستمر يعني خسائر كبيرة.


أبو بكر الديب
أبو بكر الديب كاتب صحفي وباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث ومدير تحرير جريده البوابة نيوز من القاهرة ومحلل للأحداث الاقتصادية والسياسية بعدد من القنوات الفضائية الدولية والعربية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية