“خليها تعنس” كيف عزف الشباب عن الزواج بسبب قائمة المنقولات
أمام أحد مراكز الشرطة في محافظة من محافظات الأقاليم، وقف شاب بلغ عمره نيفاً وثلاثين، أمام طليقته، أثناء تسليمها “قائمة المنقولات”، بحضور رجال الشرطة والمحامي الخاص بها.
استلمت المطلقة قائمة منقولاتها بشكل كامل، دون أن تدع لزوجها السابق ما يستره من برد الشتاء، أو “مروحة”، تهون عليه حر الصيف، “وكأنه لم يكن بينهما معروفاً قط”، وأخذت المطلقة “القائمة”، إلى مخزن استأجرته مسبقاً بـ1200 جنيهاً، وعادت إلى منزل أبيها، قائلة “الحمد لله خدت القائمة”.
آلاف القصص تدور في مصر، في بلد وصل عدد المطلقين فيها سنوياً إلى ربع مليون أسرة يتم تهديمها، وفي النهاية تحصل الزوجة على قائمة المنقولات لن تطعمها إذا جاعت، ولن تؤمنها إذا خافت من تقلب الدهر عليها.
قائمة المنقولات
دائماً ما تُثار أزمة قائمة المنقولات بين الشباب والفتيات، بين رافض لها، وبين من اعتبرها أمان حقيقي يحفظ للمرأة حقها من “تقلبات الرجال”، ليرى الشباب أنها طريق لـ”السجن”، لا محالة.
“من يؤتمن على العرض لا يُسأل عن المال”، قصة شهيرة حدثت في مصر مؤخراً، تداولها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.
القصة بدأت عندما تقدم شاب لخطبة فتاة في مقتبل حياتها، وفور سؤال الشاب عن القائمة الخاصة بمنقولات الفتاة، “كما جرى العرف”، رد والدها بجملة مكتوبة على ورقة مفادها “من يؤتمن على العرض لا يُسأل عن المال”.
الكلمة التي كتبها الأب أعجبت الكثير من الفتيات والشباب، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي رغبة من الفتيات في أن يكتب أولياء أمورهن ما كتبه والد فتاة “من يؤتمن”، بينما تمنى الشباب أن يلقوا والد فتاة كهذا.
ولكن بعد فترة انتشرت قصة الفتاة مرة أخرى بعد أن خرجت الفتاة لتوضح أن زوجها ألقاها في الشارع بسبب عدم وجود قائمة منقولات لها مثل بقية الفتيات.
خليها تعنس
انتشر مصطلح “خليها تعنس” خلال السنوات العشر الأخيرة، وهم مجموعة من الشبان ممن تعرضوا لأزمات متكررة بسبب توقيعهم على قائمة منقولات، حيث قاموا بعمل جروب على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، تحت هذا العنوان.
“الجروب” يجمع عشرات الآلاف من الشبان الذين تعرضوا لأزمات بسبب “القائمة”، والمراهقين الذين دخلوا ليتعرفوا عن قرب كيفية اتخاذ قرار التوقيع على القائمة.
مصطفى أبو عليوة، شاب يبلغ من العمر 32 عاماً، من محافظة الفيوم ويقيم بالقاهرة، قال إنه لن يتزوج في ظل القوانين الحالية.
وأضاف أبو عليوة في حديث لمنصة “MENA“٬ “إنه منذ خمس سنوات وهو يبحث عن فتاة للزواج بدون التوقيع على قائمة المنقولات، مشيراً إلى أنه لم يجد أباً واحداً لفتاة وافق على هذا الأمر”.
وتابع، أنه عاد إلى الفيوم عدة مرات للتقدم لفتيات دون جدوى، وأن الآباء يقولون كلمة واحدة “عايز احفظ حق بنتي”.
وأضاف مصطفى، أنه دخل إلى هذا “الجروب”، بعد مبادرة تابعها تحث الشباب على عدم التوقيع على قائمة المنقولات، لأنها طريق إلى السجن، “لو كده يبقى قلة الجواز أحسن”، هكذا اختتم مصطفى أبو عليوة حديثه.
“خليها تعنس” كيف عزف الشباب عن الزواج بسبب قائمة المنقولات
مبادرات لوقف القائمة
انتشرت العديد من المبادرات التي تحث الشباب على عدم التوقيع على قائمة المنقولات، بسبب مخاطرها، حيث أوضحت هذه المبادرات بدائل أخرى للقائمة.
وقالت إحدى المبادرات إن بديل القائمة هو “المهر الشرعي”، وعليه فإنه سيتعين على الزوج، دفع مهر خاص بزوجته، مع تجهيز شقة للمسكن بكافة الأدوات التي يحتاجها المنزل الحديث في مصر، وليس كما يدعي البعض من تجهيز غرفة واحدة بـ”حصير” مع عدم وجود أدنى مقومات للحياة الآدمية.
وبالفعل بدأ ينتشر بين فئة معينة فكرة الزواج بدون قائمة منقولات، ويدفع للفتاة مبلغاً من المال على اعتبار أنه المهر إضافة إلى “الذهب” الخاص بها، ويتم اعتباره هو الآخر جزءاً من المهر.
لكن مجموعة من الشباب نشروا قصة لشاب استغل هذا الأمر، من أجل تكرار الزيجات مع عدد من الفتيات، ورغم موافقة هؤلاء الشباب على عدم وجود قائمة للمنقولات، إلا أنهم يرون أنه يجب ردع من تسول له نفسه استغلال الفتيات.
وبدأت قصة هذا الشاب بالتقدم من الزواج من أكثر من فتاة، وبعد عدة أشهر، يقوم بتطليق هذه الفتاة، وتكون قد حصلت على مبلغ تم تحديده مسبقاً، وهو عشرون ألف جنيه مصري.
ويدخل هذا الرجل إلى بيت الفتاة، ويشرح لوالدها أنه سيتزوج على الطريقة الشرعية من دون قائمة، وهو ما يرحب به والد الفتاة، مستغلاً الحالة المادية للبعض منهم، ولكن بعد وقت قصير تعود الفتاة لبيت أهلها بالمهر، وتكون قد فقدت عذريتها، ليبحث هو الآخر عن فتاة أخرى بنفس المبلغ، دون علمهم بزيجاته السابقة.
واقترح البعض أن يتم السؤال بشكل جيد عن المتقدم للزواج، والذهاب إلى منطقته والسؤال عنه من الدائرة المقربة منه لئلا يتم تكرار ما حدث مع فتيات أخريات، وعدم الرجوع إلى فكرة “قائمة المنقولات”.
اقرأ أيضًا:
وثيقة تأمين الطلاق…عبء جديد على الأسرة أم حل لأزمات النفقة
حياة كريمة تعلن اطلاق حملة جديدة باسم إيد واحدة
لُغز اختفاء الأدوية في مصر ونية حكومية لرفع الأسعار
أزمة الحد الأدنى للأجور والمعاشات
دوافع الشباب المصري للهجرة غير الشرعية.. ودور الدولة في حماية الشباب
التمسك بالقائمة
كشفت الإحصاءات الأخيرة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نسبة “العنوسة” في مصر في تزايد مستمر كل عام.
وأوضحت الإحصائية أنه يوجد ما يقرب من 11 مليون فتاة و2.5 مليون شاب يتجاوز أعمارهم الـ “35 عاما” ولم يتزوجوا حتى الآن.
وأرجع البعض نسبة العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج، بسبب الحالة الاقتصادية التي تمر بها مصر منذ سنوات، لكن البعض الآخر رأى أن العزوف عن الزواج جاء بسبب قائمة المنقولات وكثرة القضايا التي يتم رفعها على الأزواج بعد الطلاق، خاصة وإن كانت الأم حاضنة.
وتواصلت منصة “MENA” مع فتاة، بعد نشر قصتها على مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، حول قصة القائمة، وما سببته في انفصالها عن خطيبها قبل الزواج بأيام.
وأشارت الفتاة، أنه تقدم لخطبتها شاب على درجة عالية من الاحترام، لكنه اشترط عدم الإمضاء على “القائمة”، وهو ما رحبت به الفتاة ووالدها، حيث وعد الشاب بتجهيز شقة السكنية من كافة الاحتياجات خلال 3 سنوات.
وبالفعل تمت خطبة الفتاة لهذا الشاب، ولكن قبل زواجها بشهرين، تقدم شاب لخطبة شقيقتها ووافق على التوقيع على قائمة المنقولات، وهنا تراجع الأب عن موقفه، وأصر على الشاب أن يوقع على قائمة المنقولات، وهو ما رفضه الشاب بشكل قاطع، وأنهى الخطوبة التي استمرت قرابة الـ3 أعوام.
وقالت الفتاة لمنصة “MENA“، إنها تتفهم موقف والدها في محاولة الحفاظ على حقوقها، لكنها في الوقت ذاته كانت تثق في خطيبها السابق والذي تركها بسبب “قائمة المنقولات”.
وأشارت الفتاة إلى أنه يجب وجود قوانين تحافظ على حق الفتاة، دون قائمة المنقولات التي تظلم الشباب في كثير من الأحيان، وتقلل من فرص الفتيات في الحصول على زوج مناسب، مع تقدم عمرهم.
“خليها تعنس” كيف عزف الشباب عن الزواج بسبب قائمة المنقولات
مبادرات “بدون قائمة”
هناك العديد من المبادرات التي قدمت خلال العقد الأخير في مصر، لحث المقبلين على الزواج، بدون قائمة منقولات.
المبادرة قدمتها جمعية خيرية، لتقديم أثاث كامل للمنزل كهدية لأحد المقبلين على الزواج، بعد تسميعه القرآن الكريم كاملاً، بشرط أن يكون الزواج بدون قائمة.
كما يقوم “عبدالكريم محمود”، صاحب المبادرة بعقد دورات بشكل منظم لتعليم الشباب كيف تكون الحياة الزوجية، كما يتم توجيه الشباب بأهمية الزواج بدون قائمة، وأن يكون الزواج بشكل شرعي بدون قائمة.
مبادرة شهدت تفاعلاً واسعاً على العديد من منصات التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض لها.
أحمد إسماعيل، شاب يبلغ من العمر 28 عاماً، قال إنه سمع عن مبادرات عدة للزواج “بدون قائمة منقولات”، وأراد أن يتزوج بهذه الطريقة.
وأضاف أحمد في لقاء مع منصة “MENA“، إنه طرق العديد من الأبواب وتم الترحيب به، مشيراً إلى أن وقت الاتفاق وتوضيح شرطي الوحيد حينها يتم رفض عرضي للزواج.
وتابع إسماعيل أنه سيرضخ للشروط المجتمعية، وسيضطر للتوقيع على قائمة المنقولات رغم معرفته بمخاطرها، لكن لا يوجد طريقة أخرى للزواج في مصر.
الزواج بغير المصرية
اتجاه أخر بدأ يطفو على السطح، ويسير على نفس نسق “خليها تعنس”، وهنا يقصد المصرية فقط، وليس الفتيات بشكل عام.
واستغل بعض الشباب فرصة وجود فتيات من دول عربية وإسلامية في مصر، بسبب ما آلت إليه الحروب والنزاعات في بلادهم، إضافة إلى فتيات من دول إسلامية جئن إلى مصر من أجل الدراسة في جامعة الأزهر الشريف.
وعرض العديد من هؤلاء الشباب تجاربهم حول الزواج من غير المصريات، وعبروا عن سعادتهم من خوض هذه التجربة، ناصحين باقي الشباب بأن يحذوا حذوهم.
محمد إلهامي كان أحد هؤلاء الشباب، والذي تزوج من فتاة من دولة إندونيسيا تدرس في جامعة الأزهر الشريف.
وأضاف الشاب لمنصة “MENA” أنه كان دائم التردد على حضور دروس في الجامع الأزهر، وفور سماعه بمبادرات الزواج من غير مصرية فكر بالزواج من إحدى الفتيات بحلقة العلم.
وتابع إلهامي، أنه عرض الأمر على شَيخه، وهو ما رحب به، ومن خلال وسطاء استطاع التقدم للزواج من فتاة، وهو يقيم الآن في شقة سكنية بمدينة نصر منذ عامين.
وأعرب محمد عن عادته بهذه الخطوة، مؤكداً أنه لم يطلب منه الكثير من التعقيدات التي تحدث عند الزواج من فتاة مصرية، مشيراً إلى أنه تقدم لخطبة أكثر من فتاة، لكن الطلبات أثقلت كاهله ولم يتمكن من الزواج بمصرية.
حقوق المرأة
يرى الاتجاه الذي يؤيد توقيع الزوج على قائمة المنقولات أنه يكون بمثابة حفظ لحقوق المرأة، لكن واقع محاكم الأسرة المصرية يقول غير ذلك.
فقد انتشرت العديد من القضايا عن تبديد قائمة المنقولات، مع هروب الزوج عقب الطلاق، وهنا تجد المرأة نفسها حائرة بين أروقة المحاكم، وفي يدها ورقة تم توقيعها من قبل طليقها.
“ولا ليها لازمة، ولا بترجع حق، ولا بتحمي الست من أي حاجة”، هكذا بدأت السيدة نجوى جمال حديثها إلينا، بعد رفعها قضية طلاق على زوجها منذ 15 عاماًً.
وقالت نجوى لمنصة “MENA“، إنها في أول 4 أعوام من زواجها أنجبت 3 أولاد، وكانت معاملة زوجها سيئة للغاية، حيث كان لا ينفق على البيت نهائياً، ويقوم بادخار راتبه بشكل كامل، مشيرة إلى أنها كانت تعمل وتنفق على أولادها.
وتابعت نجوى أن زوجها اعتدى عليها بالضرب عدة مرات، وحررت له عدة محاضر، وتدخل كبار العائلتين عدة مرات لنصحه ولكن دون جدوى.
وأشارت السيدة أنها طلبت الطلاق عدة مرات لكنه رفض بسبب خوفه من حصولي على قائمة المنقولات، مما دفعها للتنازل عن كل شئ، “علشان أخلص من الكابوس”، هكذا تابعت السيدة حديثها.
وقالت نجوى، هذه رسالة لكل والد فتاة يعتقد أن القائمة هي من تحفظ للمرأة حقوقها، مشيرة إلى أنها تخلصت من هذا الزوج، وأن حياتها أهم بكثير من قطع الأثاث، مؤكدة أن الأهم هو السؤال بشكل جيد عن الشخص المتقدم للزواج، وليس النظر إلى الأمور المادية.
واختتمت حديثها بأن شيئاً لم يتغير بعد طلاقها، غير أنها تخلصت من الأذى الجسدي والنفسي الذي تعرضت له.