«غياب اشتراطات السلامة والأمان مثل كباري المشاة والإطارات المغشوشة والخطأ البشري وضعف القانون» أبرز الأسباب
خبراء: الحوادث أكثر قسوة بفعل اتساع الطريق والسرعات الزائدة.. نحتاج لمنظومة متكاملة وإعطاء الأولوية لإجراءات سلامة الطرق وتأمين حياة البشر.
30 مليار جنيه فاتورة الحوادث سنويًا والنقل الذكي يرسخ الردع والرقابة ويقلل من الحوادث.
رغم الإنفاق غير المسبوق على إنشاء شبكات الطرق، إلا أن المؤشرات والأرقام تقول إن دماء المصريين ما زالت تنزف على الطرق.
ورغم انخفاض أعداد الحوادث إلا أن أرقام الضحايا ما بين قتيل ومصاب في زيادة وكأن الحوادث باتت أكثر قسوة.
تناقش منصة “MEAN” الخبراء حول ماهية أسباب هذا النزيف، وهل العنصر البشري أم الحمولة والسرعات الزائدة أم ضعف تطبيق القانون أم سوق الإطارات هي الأسباب.
ويطالب الخبراء بإكمال شبكة الطرق بعوامل الأمان والتوسع في كباري المشاة والإشارات في الشوارع خارج المدن، والتشديد على الفحص الفني للسيارات خلال الترخيص وإعطاء الأولوية للحد من حوادث الطرق التي تزيد كلفتها عن 30 مليار جنيه سنويًا ناهيك عن الضحايا ما بين قتيل ومصاب بعجز جزئي أو كلي.
ويشدد الخبراء على ضرورة الإسراع في اتخاذ خطوات جادة للحد من هذه الحوادث المروعة التي تودي بحياة الآلاف سنويًا.
تتعدد سيناريوهات الحوادث ولا تفرق بين الدماء، فمن طريق الصعيد الصحراوي الذي تروح على إثره عشرات الأرواح، إلى طريق المنيا الزراعي الذي تشهد وفاته بشكل يومي حتى اعترض الأهالي وأغلقوا الطريق لوقف نزيف الدم، وصولًا إلى الدائري الأوسطي في القاهرة، وصولًا إلى حوادث يذهب ضحيتها آلاف الركاب سنويًا.
الإحصائيات تتكلم
تشير الإحصائيات الرسمية الخاصة بالوفيات الناجمة عن حوادث السيارات، أن عام 2021، شهد 7 آلاف و101 حالة وفاة بارتفاع 15.2 في المئة مقارنة بعام 2020 الذي شهد 6 آلاف و164 حالة وفاة، بينما لقي 6 آلاف و722 شخصًا حتفهم في حوادث الطرق في عام 2019.
وتركزت حالات الوفاة الناتجة عن حوادث الطرق في محافظتي القاهرة والجيزة، تليهما الإسكندرية.
وتوضح الإحصائيات أن حجم الإصابات في عام 2021 شهد 51,511 إصابة بنسبة انخفاض 9.3 في المئة عن العام الذي سبقه والذي سجل 56,789 إصابة.
شبكة الطرق نقلتنا للمنطقة الخضراء
يقول الدكتور عماد نبيل، استشاري طرق دولي، إن الدولة لا يمكنها منع الحوادث في الطرق، ولكن يمكنها تقليلها حتى تصل إلى المعدلات الدولية وهي 3 حوادث لكل 10 آلاف نسمة.
وكانت مصر في المنطقة الحمراء، إذ كان معدل الحوادث فيها يصل لـ10 أضعاف المعدلات الدولية، ولكن خلال الفترة الأخيرة أصبحنا في المنطقة الخضراء “الآمنة”.
وينوه نبيل في تصريحات خاصة لمنصة “MEAN” إلى أن بعض الدول كان تحذر رعاياها من القيادة على الطرق المصرية لخطورتها وتكرار الحوادث عليها، موضحًا أن نسبة الحوادث الآن انخفضت بما يقارب 40%.
ويضيف نبيل أن الحوادث أصبحت أكثر قسوة، إذ مع تحسن جودة الطرق سُمِحت بسرعات زائدة وأصبحت خطورة الحوادث أكثر فتكًا في ظل ازدحام مروري، وهنا زادت قوة التصادم ما نتج عنه عدد أكبر من الضحايا ما بين قتلى ومصابين.
ويوضح استشاري الطرق الدول أن العنصر البشري يتحمل أكثر من 70% ولعل آخرها حوادث الدهس التي أرجعت التحقيقات سببها إلى تعاطي مواد مخدرة “حشيش”.
تشير الأرقام إلى انخفاض أعداد المصابين خلال ثلاث سنوات من 91,595 عام 2018 إلى 51,511 عام 2021، ومع ذلك فإن عدد الوفيات يتزايد سنويًا من 6 آلاف و760 إلى 7 آلاف و101 في 2021، ما يعني أن الحوادث أصبحت أكثر قسوة، إذ زاد معدل قسوة الحادث “عدد المتوفين/عدد المصابين * 100” من 7.4 متوفيًا لكل 100 مصاب عام 2018 إلى 14 متوفيًا لكل 100 مصاب عام 2021.
ووفقًا لمنتدى الاقتصاد العالمي، ارتفع مؤشر جودة الطرق في مصر إلى المركز 28 في عام 2019 بعدما كان في المركز 118 عام 2014، وذلك نتيجة الاهتمام بتطوير الطرق في أغلب أنحاء الدولة، بعد بدء “المشروع القومي للطرق” في عام 2014.
ويؤكد الدكتور أسامة عقيل، أستاذ الطرق بجامعة عين شمس، وعضو اللجنة القومية للحد من حوادث الطرق أن الحوادث باتت أكثر قسوة، فبدلًا من 7 قتلى لكل 100 حادثة، أصبحت 15 و20 قتيل لكل 100 حادثة.
الدكتور أسامة عقيل، أستاذ الطرق بجامعة عين شمس
غياب إجراءات العبور
ويرجع عقيل في تصريحات خاصة لمنصة “MEAN” هذه الزيادة إلى اتساع شبكة الطرق بعروض أكبر وبسرعات عالية في غياب إجراءات لعبور المشاة عليها، فمثلًا طريق مصر إسكندرية الصحراوي وطريق القطامية السخنة كل الطرق الجديدة الحديثة ذات أولوية للسيارات وخالية من كباري المشاة.
ويشدد عضو اللجنة القومية للحد من حوادث الطرق على أن المخطط كان عليه أن يراعي في دراسته عبور المشاة بشكل آمن، كما يمكن اتباع إجراءات مثل الإشارات الضوئية أو الأنفاق مثل مصر الجديدة والقاهرة الجديدة، ولكن هذه الإجراءات غير موجودة على الطرق خارج المدن رغم أنها أكثر خطورة من الطرق الداخلية.
وتقول منظمة الصحة العالمية في تقرير لها إن نحو 1.3 مليون شخص يلقون حتفهم سنويًا نتيجة حوادث المرور، وإن نصف هؤلاء من المشاة ومستخدمي الدراجات الهوائية والنارية. كما ذكر التقرير أن الإصابات الناجمة عن حوادث المرور هي السبب الأول لوفاة الأشخاص البالغين من العمر 15 إلى 29 عامًا.
4 أسباب تزيد حوادث الطرق
ويشرح عقيل أن هناك 4 مؤشرات تسبب زيادة الحوادث بشكل طبيعي في أي دولة في العالم وهي زيادة عدد السكان والسيارات والمركبات، علاوة على زيادة أطوال وعروض الطرق، والأخيرة السماح بسرعات زائدة.
ويلفت إلى أن قديمًا كانت السرعة المسموح بها على طريق “مصر – إسكندرية” هي 80 كيلومترًا في الساعة، لكن وصلت الآن إلى 120 كيلومترًا في الساعة، ساعد على ذلك جودة الطرق وماركات السيارات، حتى أصبحت سيارات الـ “بي إم دبليو” و”مرسيدس” والجيب ذات السرعات العالية الأكثر استخدامًا.
وتوضح البيانات زيادة أعداد المركبات من 9.8 ملايين مركبة عام 2017 إلى 10.9 ملايين مركبة عام 2021، وزيادة عدد السكان من 95 مليونًا عام 2017 إلى 102 مليون عام 2021، بالإضاف إلى ارتفاع عدد الوفيات لكل 100 ألف مركبة، إذ كانت 57 حالة وفاة عام 2020 وزادت إلى 65.1 عام 2021 وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ويضيف الدكتور حسن المهدي، أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس، أن الدولة أنفقت استثمارات كبيرة لتطوير قطاع النقل باعتباره الداعم لمشروعات التنمية المستدامة.
ويؤكد المهدي في تصريحات خاصة لمنصة “MEAN” عدم إمكانية وجود مشروعات حقيقية دون وجود بنية أساسية جيدة، إذ إن توزيع الكثافات السكانية يتركز على 6% فقط، وهنا كانت الحاجة لشبكة الطرق القومية للقدرة على الانتشار على مساحات أكبر، والقدرة على استصلاح مناطق غير مأهولة وبناء مدن جديدة واستصلاح أراضٍ.
ويقول المهدي: إن تطبيق القانون من خلال العدالة والمساواة في تسجيل المخالفات يخققحقيق الردع، ثم يأتي “الأمن والمتانة” وهي جودة السيارات التي لها تأثير كبير، فمثلًا سيارة بدون كشافات الإنارة تسبب كوارث في الحوادث، وهنا تأتي أهمية سلامة المحركات وقطع الغيار والتفتيش على الإطارات المضروبة الأكثر خطرًا على الأرواح، لأن انفجار إطار أثناء الحركة بسرعة يعني وفاة السائق. كما تدخل بعض الأخطاء الهندسية في الطرق في بعض الحوادث التي تتكرر في نفس المكان وهنا يتم الإسراع لمعالجته مثل “منحنى حاد وغياب الرؤية”.
حلول مقترحة
ويقترح”عقيل” للحد من حوادث الطرق، اتخاذ إجراءات تنفذ بشكل جماعي، وأبرزها فصل مركبات النقل في طرق خاصة عن مركبات الركاب، وزيادة التوعية والتعليم في المدارس، وزيادة الفحص للسائقين ضد الكحولات والمنبهات مثل أقراص الترامادول حتى يستطيع مواصلة القيادة للتغلب على أعباء الحياة وأصحاب العمل، وأخيرًا تشديد الرقابة على قطع غيار السيارات المغشوشة التي تمتلئ بها الأسواق، فكل الإجراءات في النهاية مكمِّلة لبعضها البعض لتحقيق هدف تقليل حوادث الطرق.
ويقول المهدي، إن تطوير البنية الأساسية لمرافق النقل من طرق وكباري، على الرغم من تكلفتها العالية، تحقق الأمان المروري شريطة وجود رقابة صارمة على الطرق أو السكك الحديدية أو مترو الأنفاق واتباع التعليمات.
ويوضح المهدي أن تطوير المرافق التابعة للطرق مثل كباري المشاة والإنارة يجب أن يأخذ في الاعتبار أمان المواطنين وتشجيعهم على استخدامها بالشكل الصحيح، إذ تُنفذ بأبعاد عالمية ولكن استخدامها قليل، كما يؤكد على ضرورة توفير نقاط إسعاف بشكل منتظم وسريع للوصول إلى مواقع الحوادث.
نظام النقل الذكي
بدأت الحكومة المصرية العام الماضي في تطبيق نظام “النقل الذكي” على الطرق السريعة على مراحل والذي من المقرر أن ينتهي في يونيو 2024. وتساهم هذه المنظومة في عمليات الردع إذ ستكون الطرق مراقبة بشبكة كاميرات ترصد الحالة المرورية على مدار اليوم، ما يسهم في تقليل الحوادث.
وختامًا، بلغ إجمالي الطرق المستهدف تنفيذها ضمن المشروع القومي للطرق نحو 7 آلاف كيلومتر، تم تنفيذ 6 آلاف و300 كم منها بتكلفة 155 مليار جنيه، وبحلول نهاية عام 2024 ستكون زيادة في أطوال الطرق الرئيسية بنسبة 29.8% تؤدي إلى تقليل الحوادث وتداعياتها.
اقرأ أيضًا:
حرائق العتبة.. حادث متكرر بسبب العشوائية وتلميحات بنقل السوق الأشهر في القاهرة
الخلل التقني العالمي.. هل عطل القطاعات المصرية؟
جناة أم مفترى عليهم؟.. أوبر وكريم في مواجهة تاكسي العاصمة والبديل المصري