سياسة

رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة | تقرير

أيمن مصطفى

رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة

بعد تسارع التحركات الإثيوبية المتعلقة بسد النهضة وإنشاء قاعدة عسكرية وميناء على البحر الأحمر من خلال اتفاقية مع إقليم “صومال لاند” المنشق، استجابت القاهرة بخطوة استراتيجية عبر توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع الصومال في 14 أغسطس الماضي.


تضمنت اتفاقية التعاون العسكري نقل قوات ومعدات عسكرية إلى مقديشو، تشمل إرسال طائرتين عسكريتين محملتين بالأسلحة والجنود، مما أثار قلق إثيوبيا واعتراضها، كما تقرر نشر 5 آلاف جندي مصري بشكل ثنائي، بجانب 5 آلاف آخرين ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي اعتبارًا من يناير 2025.



رأى الدكتور عباس شراقي، أستاذ الشؤون الإفريقية بكلية الدراسات الإفريقية وخبير الجيولوجيا والمياه، أن اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والصومال، وإرسال قوات عسكرية إلى مقديشو، تمثل رسالة موجهة إلى إثيوبيا في المقام الأول، إلا أنها ليست مرتبطة بشكل مباشر بقضية سد النهضة.


وكشف شراقي، في حديثه لمنصة “MENA” الإخبارية، عن مفاجأة، إذ أوضح أن المسافة بين القوات المصرية الموجودة في مقديشو وسد النهضة تفوق المسافة بين مدينة حلايب المصرية والسد، مشيرًا إلى حرص مصر على عدم اللجوء إلى القوة العسكرية منذ بداية أزمة السد، رغم تخزين إثيوبيا نحو 60 مليار متر مكعب من المياه خلفه.


أوضح شراقي أن القوات المسلحة المصرية توجد في الصومال حاليًا لسببين رئيسيين. الأول هو تنفيذ اتفاق الدفاع المشترك والتعاون العسكري بين مصر والصومال، والثاني هو المشاركة في قوات حفظ السلام الدولية التي تدعم استقرار الصومال تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، مضيفًا أن عددًا كبيرًا من الدول تشارك في هذه القوات، بما في ذلك إثيوبيا التي تساهم بنحو 10 آلاف جندي، علمًا أن مدة هذه القوات ستنتهي بنهاية العام الجاري، والصومال ترفض التجديد لها بسبب اتفاقية إثيوبيا مع الإقليم المنشق “أرض الصومال” في يناير الماضي.


الدكتور عباس شراقي، أستاذ الشؤون الإفريقية بكلية الدراسات الإفريقية وخبير الجيولوجيا والمياه


وأشار شراقي إلى أن إثيوبيا ردت على هذا التحرك بغلق بوابات سد النهضة يوم 28 أغسطس الماضي، بعد أربعة أيام فقط من فتحها، ويومًا واحدًا بعد وصول القوات المصرية إلى الصومال، وصفًا هذا الرد بأنه “رسالة ضعيفة جدًا”، ومشيرًا إلى أن إثيوبيا مُجبرة على إعادة فتح البوابات بعد استكمال الملء الخامس وتخزين 23 مليار متر مكعب.


وأضاف شراقي أن إقليم “أرض الصومال” يعد منشقًا عن الصومال وغير معترف به دوليًا باستثناء تايوان، إذ حصلت إثيوبيا على أراضٍ ساحلية من الإقليم مقابل الاعتراف به، ما يمنح إثيوبيا منفذًا بحريًا على البحر الأحمر، مؤكدًا على توقيع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي مذكرة تفاهم في أديس أبابا، في 1 يناير 2024، لتمهيد حصول إثيوبيا على منفذ خاص على البحر الأحمر مقابل الاعتراف بالإقليم.



ونوه شراقي إلى أن الأزمة بين مصر وإثيوبيا لن تصل أبدًا إلى صدام عسكري، مؤكدًا أن منطقة “القرن الإفريقي” تُعد حيوية للغاية بالنسبة لمصر، ومشيرًا إلى وجود 19 قاعدة عسكرية في المنطقة، تعود ملكيتها إلى 16 دولة، من بينها الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وتركيا، وحتى اليابان التي تمتلك هناك قاعدتها العسكرية الوحيدة في العالم.



أكد شراقي أن منطقة القرن الإفريقي تمثل بوابة مصر لقناة السويس، وأنه كان يجب على مصر أن تمتلك نفوذًا عسكريًا قويًا هناك، خاصة وأن مصر كانت من أوائل الدول التي وجدت في تلك المنطقة، مضيفًا أن القواعد العسكرية وقوات حفظ السلام جاءت إلى الصومال في أوائل التسعينيات بهدف تحقيق الاستقرار بعد انتشار العصابات الإرهابية والقراصنة الصوماليين الذين هددوا الملاحة والسفن في البحر الأحمر.



طالب شراقي المسؤولين في مصر بضرورة إنشاء قاعدة عسكرية مصرية في الصومال، وعدم الاكتفاء بالمشاركة في قوات حفظ السلام، داعيًأ إلى تخصيص أو شراء أرض مصرية هناك، مشيرًا إلى أهمية التقارب والتعاون مع دول القرن الإفريقي، مثل الصومال وإريتريا وجيبوتي، لتحقيق المصالح المشتركة مع مصر.



نوه شراقي أيضًا إلى أن إثيوبيا تسعى حاليًا لإنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة من خلال اتفاقها مع إقليم “أرض الصومال” المنشق، كما تسعى لإنشاء ميناء على البحر الأحمر، مؤكدًا أن وجود قاعدة عسكرية إثيوبية في المنطقة مرفوض وغير مرغوب فيه، لكنه لن يؤثر سلبًا على مصر.


واعتبر شراقي أن إثيوبيا أضعف من أن تؤثر سلبًا في هذا الصدد، مشيرًا إلى أن هذه التحركات تُعد رسالة أخرى لمصر، وإذا كان بالإمكان منعها، يجب العمل على ذلك.



رأى شراقي أن دولة الإمارات تلعب دورًا كبيرًا وواضحًا في مساندة إثيوبيا، وهو دور لا تخفيه، رغم حساسية العلاقة بين الإمارات ومصر، ورغم أن الإمارات تستثمر مليارات الدولارات في إثيوبيا، مثلما تستثمر في مصر، فإن ما تقوم به يتعارض مع الأهداف المصرية، مضيفًا أنه كان يأمل في تدخل الإمارات بعلاقاتها القوية مع إثيوبيا للوصول إلى اتفاق مع مصر، ولكن المحاولات التي بُذلت لم تصل إلى التطلعات المنشودة.


وأوضح أن موقف الإمارات كان مخيبًا للآمال، إذ يميل إلى دعم الموقف الإثيوبي، وهو ما ترفضه كل من مصر والسودان، خاصة فيما يتعلق بتوزيع حصص المياه، مشيرًا إلى أن الإمارات استثمرت نحو ثلاثة مليارات دولار في إثيوبيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، منها مليار دولار كوديعة نقدية في البنك المركزي الإثيوبي، وملياري دولار في مشاريع زراعية وطرق وغيرها.


ولفت شراقي إلى أن الإمارات لم تستثمر بشكل مباشر في سد النهضة، لكن من المؤكد أن مليار دولار التي وضعتها كوديعة في البنك المركزي الإثيوبي استخدمت في بناء السد، مما يعني أنها ساعدت إثيوبيا في إنشائه بشكل غير مباشر، مؤكدًا أن مصر تأمل أن تلعب الإمارات دورًا أفضل في التوافق والتقارب بين مصر وإثيوبيا.



وبين أستاذ الشؤون الإفريقية بكلية الدراسات الإفريقية أن مصر خاطبت مجلس الأمن الدولي أربع مرات خلال خمس سنوات مع بدء إثيوبيا عمليات تخزين المياه في سد النهضة، دون تنسيق مع دولتي المصب، مصر والسودان، مشيرًا إلى أن مجلس الأمن عقد اجتماعَين فقط بخصوص أزمة سد النهضة، الأول كان عبر الإنترنت في عام 2020 بسبب فيروس كورونا، والثاني في يوليو 2021 تحت ضغط من اجتماع الجامعة العربية بقطر ومناشدة تونسية التي ترأست مجلس الأمن في ذلك الشهر.



وأشار إلى أن اجتماع مجلس الأمن لم يقدم أي حلول ملموسة وتخلى عن مسؤولياته في قضية سد النهضة، موضحًا أن المجلس تجنب التورط في مشاكل المياه العالمية، إذ أن نصف سكان ودول العالم يعانون من نزاعات حول موارد المياه، وأن أعضاء المجلس الخمسة عشر يمثلون دولًا تعتبر مصادر للمياه وأخرى تعتمد عليها، ما يجعلهم غير قادرين على اتخاذ موقف حاسم لصالح أي من الأطراف المعنية في النزاع بين مصر وإثيوبيا، تفاديًا لفتح ملفات أزمات أخرى على مستوى العالم.


وقال شراقي إنه ناشد المسؤولين في مصر كثيرًا بعدم تصدير الأزمة لمجلس الأمن على أنها مجرد مسألة تخزين المياه خلف سد النهضة أو عدد سنوات الملء والتشغيل، بل على أنها أزمة تهدد السلم والأمن الدولي بسبب المخاطر التي يمثلها السد على حياة ملايين السودانيين في حالة انهياره، واحتمالية نشوب حروب تهدد الاستقرار في المنطقة، مؤكدًا أن هذا التوجه من شأنه إجبار مجلس الأمن على تحمل مسؤولياته واتخاذ إجراءات فعالة.



أكد النائب أحمد إسماعيل، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري، أن مصر تعالج مشكلاتها وقضاياها بحنكة ودبلوماسية وطرق سلمية، باعتبارها الشقيقة الكبرى لدول إفريقيا، لا تهدد أحدًا، لكنها لن تفرط أو تسمح لأي دولة بالتعدي على حقوقها، لافتًا إلى أن بعض الدول، التي وصفها بـ “محور الشر”، تدعم إثيوبيا ضد مصر.

و أوضح إسماعيل في تصريحاته لمنصة “MENA“، أن التعاون بين مصر ودول القرن الإفريقي يعود إلى فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لكنه تراجع كثيرًا، مؤكدً أن الرئيس عبد الفتاح السيسي عمل بجد لاستعادة العلاقات مع الدول الإفريقية وتعزيز التعاون في القارة التي تتمتع بالموارد الطبيعية، وذلك لتحقيق المصالح المشتركة واستغلال الثروات بالشكل الأمثل.


النائب أحمد إسماعيل، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري


ورأى عضو لجنة الدفاع والأمن القومي أن الإمارات تركز على مصالحها الخاصة، ولا يعتقد أنها تسعى للإضرار بمصر، بل تتصرف وفقًا لمصالحها، رغم التحديات الأمنية التي تواجه مصر من مختلف الجهات، بما في ذلك ليبيا وغزة والسودان، مؤكدًا إسماعيل أن مصر تبقى آمنة داخليًا وتمتلك القدرة على مواجهة الأزمات بالعزيمة والقوة والتعاون.



أوضح الكاتب الصحفي صفوت عمران، المتخصص في الشؤون السياسية، أن وجود القوات المصرية في الصومال من خلال المشاركة في بعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي يمثل تحركًا استراتيجيًا على رقعة الشطرنج الإقليمية، معتبرًا أن هذا التحرك رسالة واضحة من القاهرة إلى إثيوبيا ومن يقف وراءها، تؤكد أن مصر لن تسمح بالعبث بأمنها القومي.


وأضاف عمران أن نقل 10 آلاف جندي ومعدات عسكرية ثقيلة ومتنوعة عبر جسر جوي من القاهرة إلى مقديشو يبرز قدرات القوات المسلحة المصرية.


وأشار عمران في حديثه مع منصة “MENA” الإخبارية، إلى أن هذه الخطوة تعيد لمصر السيطرة على مربع الحركة في منطقة حوض النيل والقرن الإفريقي، كجزء من جهود فك الحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري المفروض على مصر في السنوات الأخيرة، لافتًا إلى أن إثيوبيا قبلت أن تكون أداة في يد الحلف الصهيوأمريكي في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، بهدف زعزعة استقرار دول المنطقة، بما في ذلك مصر والسودان والصومال.


وأكد عمران أن سد النهضة يُعتبر محاولة لتعطيش الشعب المصري أو إجباره على توصيل مياه نهر النيل إلى إسرائيل، موضحًا أن وجود القوات المصرية في الصومال يبرز مجددًا أن “القاهرة ما زالت تضع يدها على الزناد، ولن تسمح لأحد بأن يهدد أمنها القومي، وهي التي تحدد مكان وزمان المعركة.


وأوضح الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية أن إثيوبيا، بعد فشل محاولاتها لجذب القاهرة إلى صراع بسبب سد النهضة، بدأت في تنفيذ خطة بديلة تتضمن تعاوناً مخالفاً للقوانين والأعراف الدولية مع جماعة انفصالية في أرض الصومال، ما يهدف إلى الوصول إلى سواحل البحر الأحمر وتهديد الملاحة في باب المندب وقناة السويس.


ولفت إلى أن إثيوبيًا بدأت تهدد الصومال عسكرياً، مستغلة وجود قواتها ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي هناك، في محاولة لفرض الأمر الواقع على الصومال التي ما زالت تتعافى من سنوات من الحروب الأهلية، ومشيرًا إلى أن مقديشو وصفت التحرك الإثيوبي بالاعتداء على سيادتها وطلبت المساعدة من القاهرة.


وكانت رسائل مصر واضحة: “مصر لن تسمح بأي تهديد للصومال وأمنه، وترفض التدخل في شؤونه والمساس بسيادته، والاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا غير مقبول من قبل أي طرف، والصومال دولة عربية ولها حقوق طبقا لميثاق الجامعة العربية في الدفاع المشترك.”



وأضاف عمران أن مصر تمتلك سجلاً رائعاً في المشاركة في عمليات حفظ السلام الأممية على مدى أكثر من 64 عاماً، وتُعد مصر واحدة من الدول الأساسية التي ساهمت في نجاح عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، إذ أرسلت قواتها إلى الكونغو في عام 1960، وخدم أكثر من 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة.


ونوه عمران إلى أن رد الفعل الإثيوبي الغاضب من وجود القوات المصرية في الصومال يعكس إدراك أديس أبابا لأهمية هذا التحرك، فقد اعتبرت إثيوبيا أن وجود القوات المصرية أكبر من مجرد المشاركة في حفظ السلام، بل يشمل إعادة تدريب وتنظيم الجيش الصومالي لرفع كفاءته في مواجهة الإرهاب وحركات الانفصال، بالإضافة إلى مساعدة الصومال في الحفاظ على أمن مضيق باب المندب وتعزيز وحدة واستقلال الصومال في مواجهة الأطماع الخارجية.



وقلل عمران من أهمية التعاون الإثيوبي الإماراتي، مشيراً إلى أن العلاقات بين مصر والإمارات هي علاقات شقيقة وممتازة، موضحًا أن حفاوة الاستقبال التي يحظى بها الرئيس محمد بن زايد عند زيارته لمصر، وآخرها لقائه مع وزير الخارجية المصرية السفير بدر عبد العاطي، تؤكد التنسيق الكبير بين الدولتين. وأكد أن أبوظبي والقاهرة تجمعهما مصالح مشتركة، ولن تفرق بينهما المصالح وفقاً لرأيه.


اقرأ أيضًا:






شارك المقالة

مقالات مشابهة

عمرو بدر: خالد البلشي أعاد الحياة إلى نقابة الصحفيين.. وأستعد لخوض الانتخابات المقبلة إلا إذا

عمرو بدر: خالد البلشي أعاد الحياة إلى نقابة الصحفيين.. وأستعد لخوض الانتخابات المقبلة إلا إذا

عمرو بدر: خالد البلشي أعاد الحياة إلى نقابة الصحفيين.. وأستعد لخوض الانتخابات المقبلة إلا إذا تحاور منصة “MENA” الكاتب الصحفي عمرو بدر،

بسنت عادل

“الناصريون” يشيعون حسن نصر الله

“الناصريون” يشيعون حسن نصر الله

“الناصريون” يشيعون حسن نصر الله انتشرت في أواخر سبتمبر الماضي، أنباء عن اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، حتى

محمود فهمي

عمال مصر بين شقي الرحى.. الاستغلال أو الحبس

عمال مصر بين شقي الرحى.. الاستغلال أو الحبس

عمال مصر بين شقي الرحى.. الاستغلال أو الحبس شهدت مصر في السنوات الأخيرة العديد من الإضرابات العمالية، بلغ عددها 213 إضراباً خلال عامين

حيدر قنديل