تحليلات

سياسات نقدية جديدة تُنهك الاقتصاد المصري

مقدمة

 

عقدت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري اجتماعاً استثنائياً في 6 مارس 2024؛ وجاءت ابرز قرارات اللجنة في الآتي؛ أولاً رفع معدلات الفائدة البنكية على الايداع والإقراض بواقع 600 نقطة أساس، وثانياً السماح بأن يتم تحديد سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي وفقاً لسياسة العرض والطلب.[1]

 

جاءت تلك القرارات الصادمة عقب إتمام مصر للصفقة الاستثمارية الكبرى لإنشاء مدينة رأس الحكمة الجديدة بالتعاون مع إحدى الشركات الإماراتية من جهة، ومن جهة أخرى تمهديداً لتوقيع برنامج تمويلي جديد مع صندوق النقد الدولي.

 

فلابد من توافر سيولة كافية من النقد الأجنبي لدى الجهاز المصرفي الرسمي المصري من أجل اتمام مثل تلك الخطوة المعروفة بالتعويم، وهنا يكمن الخطر الحقيقي الذي يواجه الاقتصاد القومي في المستقبل وهو احتمالية عدم استمرار التدفقات النقدية الأجنبية والعودة من جديد للسوق الموازي وبالتالي ارتفاعات متكررة في قيمة الدولار أمام الجنيه المصري ومن ثم ارتفاعات جنونية من جديد في أسعار السلع مثل التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة.

 

بالإضافة إلى المخاطر التي ستواجه صغار المصانع والمستثمرين المحليين نتيجة ارتفاع تكاليف التمويل بالتزامن مع رفع معدلات الفائدة وهو ما سيدفع بعض أصحاب تلك المشروعات التجارية والصناعية للخروج من السوق في المستقبل القريب وهو ما سيرفع معدلات البطالة ويزيد من مخاطر التضخم.

 

أهمية المشروعات المتوسطة والصغيرة للاقتصاد المصري

 

يتمحور دور المشروعات المتوسطة والصغيرة في مصر في توفير فرص العمل ودعم الاقتصاد المصري من خلال دعم الصادرات، حيث تساهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بحوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي المصري.[2] وهو ما يساعد الاقتصاد المصري على تقليص الفاتورة الاستيرادية ومن ثم خفض نسب التضخم الناتج عن عجز الميزان التجاري.

 

وعلى الرغم من تسجيل معدلات البطالة لانخفاض خلال الربع الأخير من العام الماضي 2023 إلا أنها مازالت مرتفعة حيث سجلت 9.7% في المدن و 4.8% في الريف من إجمالي القوة العاملة. وهو ما يوضح أهمية استقرار سوق العمل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تستوعب الطاقة الأكبر من القوة العاملة.[3]

 

وبالتزامن مع قرار البنك المركزي المصري برفع معدلات الفائدة ارتفعت تكاليف الإنتاج حيث يواجه القطاع الصناعي فوائد تمويلية تقارب 30% وهو ما يهدد من استقرار العملية الصناعية بالكامل، حيث يري بعض الخبراء في المجال الصناعي أن تلك النسب المرتفعة من الفوائد لابد وأن تكون بشكل مؤقت حتى استقرار معدلات التضخم وسعر الصرف، أو أن يتم بالتوزاي معها مبادرات تمويلية مخصصة للقطاع الصناعي؛ وذلك تجنباً لخروج صغار المصنعين من السوق في الفترات القادمة.[4]

 

إستشراف المستقبل

 

تعتمد الحكومة المصرية على المصادر التمويلية وحزم المساعدات العربية والدولية كمصدر للنقد الأجنبي؛ وهي مصادر غير دائمة بالإضافة أنها ذات تكلفة عالية كخدمة للدين وهو يعيق خطط النمو أو التنمية الفعلية للقطاعات الصناعية والإنتاجية المختلفة.

 

ومع تفاقم أزمة حصول مصر على العملات الأجنبية بالتزامن مع الأحداث المشتعلة في منطقة البحر الأحمر من قبل جماعة الحوثي في اليمن وهو ما ألقى بظلاله على أهم مصدر للدخل الأجنبي في مصر وهو إيرادات قناة السويس، فتحتاج مصر إلى توجيه الموارد لديها للحصول على مصادر أكثر إستدامة قادرة على تحقيق المتطلبات الاقتصادية الاستهلاكية وكذلك المساهمة في سداد استحقاقات الديون الخارجية التي تواجه مصر الآن.

 

والعنصر الأهم الآن هو المخاطر الناتجة عن عدم توافر العملات الأجنبية في الجهاز المصرفي المصري لسداد احتياجات الصناعة والاستيراد؛ فمن خلال قرار البنك المركزي المشار له هنا أصبح السعر للجنيه المصري يحدد وفق آليات السوق وهو ما يمهد الطريق أمام ارتفاعات غير متوقعة وبنسب كبيرة حال عجز البنوك المحلية على تلبية احتياجات السوق وعودة السوق الموازي للعمل من جديد.

 

تمتلك مصر مقومات طبيعية وبشرية كثيرة وقادرة على قيادة قاطرة الاقتصاد المصري وتحقيق الاستدامة حال توجيه القدرات التمويلية لتنشيط وتطوير تلك القطاعات الانتاجية وزيادة نسب الصادرات للحصول على مصادر العملات الأجنبية من القنوات المستدامة وليست التمويلية.

 


[1] بيان صحفي للبنك المركزي المصري https://short-link.me/COmP+

[2] المرصد المصري https://marsad.ecss.com.eg/75035/

[3] الشرق الأوسط عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء https://n9.cl/8bnoy1

[4] تصريحات عضو مجلس إداراة اتحاد الصناعات المصرية لموقع انتربرايز https://n9.cl/l3de5

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية