تلعب المشاريع متناهية الصغر دورًا حيويًا في الاقتصاد المصري، إذ توفر فرص عمل وتساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأصحابها وللمجتمع.
تأتي الشركات في مقدمة الجهات الممولة، إذ قدمت تمويلات بقيمة 36.3 مليار جنيه واستفاد منها 1.9 مليون شخص، تليها الجمعيات والمؤسسات الأهلية بقيمة تمويل قدرها 18.5 مليار جنيه استفاد منها 1.7 مليون فرد.
فيما يشهد إجمالي التمويل المخصص للمشاريع متناهية الصغر في مصر نموًا كبيرًا، إذ زادت محفظة التمويل بنحو 28% مقارنة بالعام الماضي، كما أن القطاع التجاري يعد من أبرز المستفيدين من هذه التمويلات، إذ يمثل 69% من إجمالي التمويل المتاح.
ووفقًا لتقرير صادر عن جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، بلغ تمويل هذه المشاريع حوالي 6.347 مليار جنيه خلال الفترة من يناير 2023 إلى فبراير 2024، ما أسهم في دعم 173,000 مشروع صغير ومتناهٍ الصغر وخلق حوالي 319,100 فرصة عمل.
وتواجه المشاريع متناهية الصغر في مصر العديد من التحديات، على الرغم من الدور المهم الذي تلعبه في تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص منها:
صعوبة الوصول إلى التمويل
أوضح تقرير من شركة “ماستر كارد” أن 46% من أصحاب المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر يعتبرون أن الحصول على رأس المال هو التحدي الأكبر أمامهم. بالإضافة إلى ذلك، ترتفع تكاليف التشغيل بشكل مستمر، إذ أشار 50% من أصحاب المشاريع إلى أن زيادة تكاليف التشغيل تشكل عائقًا كبيرًا أمام توسع أعمالهم.
نقص التدريب والتطوير
وأشارت الإحصائيات إلى أن 47% من أصحاب المشاريع يرون أن تحسين برامج التدريب قد يساعدهم في التغلب على العقبات التي تواجههم.
كما طالب أصحاب المشاريع بتوفير دعم أكبر للتسويق الرقمي وإدخال تقنيات حديثة لتعزيز كفاءتهم، إلا أن هناك تفاؤلًا بشأن مستقبل هذه المشاريع، حوالي 73% من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر في مصر واثقون من تحسن أوضاعهم خلال العام المقبل.
قاعدة مالية محدودة
أكد الخبير الاقتصادي بلال شعيب أن أهم المعوقات التي تقابل المقترضين من شركات تمويل المشاريع الصغيرة هي سعر الفائدة، لافتًا إلى أنه يتوقع أن البنوك العاملة في القطاع المصرفي إذا لم تستجب للمتغيرات الحديثة سيختفي جزء كبير من المعاملات المصرفية خلال العشرة سنوات المقبلة.
وعلل شعيب توقعه في تصريحات خاصة لمنصة” MENA ” بأن شركات التمويل دخلت بقوة في أسواق التجزئة المصرفية، والشركات بشتى أنواعها، سواءً كانت متناهية الصغر أو صغيرة أو متوسطة، موضحًا أن شركات التمويل حتى الآن لم تدخل إلى أسواق الشركات الكبيرة؛ لاحتياجها إلى قاعدة رأسمالية كبيرة.
وأوضح أن شركات تمويل المشروعات الصغيرة استطاعت منافسة البنوك وتحقيق امتيازات عليها، إلا أن أسعار الفائدة المرتفعة مقارنة بالبنوك، حتى لو كانت الفائدة بالبنوك تصل إلى 30% فإنها تصل في شركات تمويل المشروعات إلى 40%، لافتًا إلى عائق آخر وهو صغر القاعدة الرأس مالية لهذه الشركات مقارنة بالبنوك.
وبلغ عدد المستفيدين من خدمات تمويل المشروعات متناهية الصغر نحو 3.3 مليون مستفيد، بحجم محفظة تمويل قدرها نحو 21.7 مليار جنيه مصري حتى نهاية مايو 2021، كما تشكل النساء حوالي 62% من إجمالي المستفيدين، بينما يشكل الشباب من الجنسين حوالي 63% من المستفيدين.
وقال الخبير الاقتصادي: “البنوك تمتلك قاعدة مدخرين كبيرة تمكنهم من ضخ مبالغ ضخمة في أي وقت”، موضحًا أن شركات التمويل تعتمد في رأس مالها على المساهمين بالشركة، والقروض التي يؤخذونها من البنوك، ما يجعل الأرباح أو الفائدة التي يحصلون عليها من الإقراض محملة بربح البنك وربح المؤسسة.
وأضاف أن القاعدة المالية المحدودة تمنع شركات تمويل المشاريع الصغيرة من إعطاء تمويلات كبيرة؛ ما يجعل معظم التمويلات الحد الأقصى لها 5 ملايين جنيه، لافتًا إلى أنها على الرغم من تلك العيوب فإنها تملك مزايا كبيرة منها في الإجراءات المرنة التي تقصر فترة الحصول على التمويل، لافتًا إلى أن بعض الشركات الآن لديها القدرة على تمويل أكثر من فرد في ساعة واحدة.
ووصل إجمالي التمويل للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر نحو 6.8 مليار جنيه في عام 2022، منها 4.3 مليار جنيه للمشروعات متناهية الصغر.
كما أن في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023، بلغ إجمالي التمويل 3.7 مليار جنيه، منها 3.6 مليار جنيه قروضًا للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
وأشار شعيب إلى أن القطاع المصرفي حتى الآن ما زال يعتمد على إجراءات روتينية ويطلب مستندات كثيرة، لا تتناسب مع التحول الرقمي والتوجه نحو التكنولوجيا المالية، مؤكدًا أن شركات التمويل يمكنها أن تزيح البنوك من الصادرة إذا عملت على تكبير قاعدة المستثمرين، وسوقت لنفسها جيدًا.
ونفى الخبير الاقتصادي أن تشكل هذه الشركات خطورة على المقترضين، مؤكدًا أن توهم البعض أن هذه الشركات يمكن أن تبيع بياناتهم، هو افتراض لا يقلل من أهميتها، مشيرًا إلى أن تطبيقات التواصل الاجتماعي المنتشرة، والشركات التي نتعامل معها بشكل يومي تستطيع الحصول على المعلومات الشخصية بسهولة، قائلًا: “النهاردة فيسبوك لما بفكر في حاجة بلقاها عليه”، موضحًا أن الخطر الوحيد الذي قد ينتج من التعامل مع هذه الشركات هو التعذر عن الدفع بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وبين أن هذه الشركات تحتاج إلى دورات مالية سريعة ولا تقبل بفكرة الجدولة مثل البنوك، مقترحًا أن تضع هيئة الرقابة المالية لائحة لهذه الشركات كما يحدث مع الجهاز المصرفي، ووضع معالم واضحة لسياسة ائتمانية تستطيع أن تحسن من أداء هذه الشركات.
نقلة اقتصادية
ورأى شعيب أن تمويل المشاريع متناهية الصغر، لم يحقق المراد منه بشكل مطلوب؛ لأن المشروعات متناهية الصغر هي القاعدة الأكبر التي تحمل الاقتصاد على أكتافها، منوهًا إلى أن الدول التي حققت نهضة اقتصادية هي الدول التي اهتمت بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر مثل: الهند، الصين، اليابان، كوريا، إيطاليا وتركيا.
ووفقًا لتقرير الهيئة العامة للرقابة المالية، بلغ عدد المستفيدين من نشاط التمويل متناهي الصغر نحو 3.9 مليون فرد بنهاية الربع الرابع من عام 2023، مقارنة بـ 3.8 مليون فرد في الربع المناظر من العام السابق، بنسبة نمو 2.6%.
وكشف أن هذه المشروعات تستقبل عمالة كثيرة؛ ما يجعلها خيارًا مناسبًا للدول ذات الكثافة السكانية العالية، ولكن سوء ملف إدارة المشروعات الائتمانية منعنا من الاستفادة من هذا المورد الكبير، موضحًا أن البنوك منذ دخلت إلى ملف تمويل الماشية، انخفض حجمها في مصر بشكل كبير؛ لأن المواطنين استخدموا التمويل في غير الغرض المخصص له، فيستخدمونها في شراء العقارات أو تجهيز البنات، دون إدخالها في الدورة المالية المخصصة لها؛ ما يزيد الفجوة الإنتاجية في ملف اللحوم الحمراء.
وذكر الخبير الاقتصادي أمثلة على بعض الدول ذات التجارب الفريدة مع شركات تمويل المشروعات الصغيرة، ضاربًا المثل بما فعله الدكتور محمد يونس، المصرفي والخبير الاقتصادي، في بنجلاديش، عندما وجد أن نسبة الفقراء 90%، فبدأ بإقراض الناس بفوائد قليلة.
وأشار علي الإدريسي الخبير الاقتصادي، إلى أن الشركات متناهية الصغر والناشئة تتأثر بقوة بالصدمات والتغيرات الاقتصادية، سواءً كانت على سعر الصرف أو مستوى الضريبة، مؤكدًا أن هذه التغييرات يمكن أن تشكل خطرًا كبيرًا على استمرار المشاريع متناهية الصغر في سوق الأعمال، على عكس الشركات الكبيرة التي تستطيع التعامل مع الأزمات بشيء من المرونة.
وقال الإدريسي في تصريحات خاصة لمنصة” MENA“: إذا كان سعر الصرف 30 جنيهًا ثم ارتفع فجأة إلى 50 جنيهًا، يمكن أن يؤدي هذا إلى توقف الشركات الصغيرة التي تقوم صناعتها على مواد خام مستوردة، كذلك إذا زادت الفائدة بدرجة كبيرة يمكن أن تتسبب في توقف هذا النوع من الشركات عندما يجد أن تكلفة الاقتراض تزيد، وأنه لا يملك ما يمكنه من سداد قروضه”.
ونوه الخبير الاقتصادي إلى أن هذه الهشاشة تدفع الدول إلى تقديم أكبر حزم ممكنة من الدعم والمساعدات والتسهيلات والإعفاءات الضريبية حتى يستمر وجود هذه الشركات، مشيرًا إلى أن أحمد كوجك وزير المالية تحدث منذ أسبوع إمكانية وضع مزايا ضريبية للشركات الناشئة والصغيرة حتى يستمروا في السوق، نظرًا لارتفاع سعر الفائدة في مصر وهبوط سعر الصرف.
وأوضح أن تقديم هذه المزايا يحفز شركات الاقتصاد غير الرسمي إلى الانضمام إلى شركات النظام الرسمي للاستفادة بالمزايا والإعفاءات، منوهًا إلى أن الدولة في الماضي كانت تقوم بمبادرات عبر البنك المركزي لدعم قطاعات محددة مثل الصناعة والسياحة وخلافه، إلا أن الاتفاقات الأخيرة مع صندوق النقد الدولي حالت دون مواصلة تنفيذ مثل هذه المبادرات، إذ رأى الصندوق أنها تقوم بعمل تشوهات في أسعار الفائدة، طارحًا أن تتم هذه المبادرات من جهة وزارة المالية.
وأكد الإدريسي أن استمرار وجود شركات تمويل الأعمال متناهية الصغر يعني نجاحها في السوق، خاصة أنها تقدم تسهيلات لا يستطيع الجهاز المصرفي تنفيذها مثل تسهيلات الإجراءات وسرعة الحصول على القروض بالإضافة إلى زيادة مدة فترة السداد.
وأضاف الإدريسي أن خطورة التعامل مع هذه الشركات هي نفسها خطورة التعامل مع الجهاز المصرفي بشكل عام.
وأشار تقرير التنمية البشرية في مصر إلى أن نسبة كبيرة من القوى العاملة في مصر تعمل في القطاع غير الرسمي، والذي يضم معظم المشاريع متناهية الصغر، ويعاني من نقص في الحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية.
بينما سلط تقرير البنك الدولي الضوء على التحديات التي تواجه قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، بما في ذلك صعوبة الحصول على التمويل، والبيروقراطية، ونقص المهارات.
التوزيع الجغرافي للتمويل
جاءت محافظات الوجه القبلي في المركز الأول من التمويل بنسبة 50.8% في عام 2022، تلتها محافظات الوجه البحري بنسبة 32.8%، والمحافظات الحضرية بنسبة 11.2%. في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023، استمرت محافظات الوجه القبلي في الصدارة بنسبة 55%، تلتها محافظات الوجه البحري بنسبة 33%، والمحافظات الحضرية بنسبة 19%.
واستحوذ القطاع التجاري على النسبة الأكبر من التمويل بنسبة 73% في عام 2022، يليه القطاع الخدمي بنسبة 13.8%، ثم قطاع الصناعة بنسبة 7.31% في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023، استمر القطاع التجاري في الصدارة بنسبة 69%، يليه القطاع الخدمي بنسبة 15%، ثم قطاع الثروة الحيوانية بنسبة 7%.
أكد الدكتور مصطفى أبوزيد أن ارتفاع أسعار الفائدة نتيجة للضغوط التضخمية، والتي ما زالت مرتفعة، يؤثر بشكل مباشر على إمكانية الحصول على الائتمان، إذ تتزايد تكلفة الإقراض، مما يؤثر سلبًا على الحيز المالي المتاح من الجهاز المصرفي أمام صغار المقترضين لاستدامة مشروعاتهم.
وأضاف أبوزيد في تصريحات خاصة لمنصة” MENA” أن دور شركات التمويل يعد محوريًا، إذ تساهم في تقديم التمويل للمشروعات متناهية الصغر، مما يزيد من الحيز المالي المتاح. تعتبر شركات التمويل متناهية الصغر أحد الأدوات الأساسية لتحقيق التنمية، إذ تستهدف أصحاب الدخول المنخفضة، ما يساعد على تمكينهم اقتصاديًا لإنشاء مشروعات إنتاجية أو خدمية أو تجارية، موضحًا أن نجاح أو إخفاق شركات التمويل متناهية الصغر يعتمد على قدرة الشركة ونظامها وآليات استهداف الفئات المستهدفة لتحقيق أهداف التنمية، خاصة مع الاستهداف الجغرافي.
وقال أبوزيد عن تأثير شركات التمويل على البنوك: “لا أعتقد أن شركات التمويل ستؤثر بشكل كبير على جانب الإقراض لدى البنوك، فحتى مع زيادة أعداد شركات التمويل، لن تصل محفظة التمويل إلى حجم الملائمة المالية بالنسبة للبنوك، كما أن اختلاف العملاء في قدرتهم المالية على طلب الاقتراض، واختلاف قدرتهم على السداد، يلعبان دورًا في هذا السياق”.
وأشار إلى أن هناك جانبًا من المخاطر يرافق أي عملية تمويل، وخاصة مخاطر عدم السداد، والتي تتطلب ضرورة التأكد من دراسة جدوى المشروعات التي يتقدم بها طالبو الائتمان، لضمان قدرتها على توليد الإيرادات اللازمة لسداد أقساط القروض.
اقرأ أيضًا:
الأسباب والحلول.. رحلة مصر من تصدير الغاز لأزمة الاستيراد
بيع أم استثمار.. ماذا يحدث في منجم السكري؟
الصناعة في مصر: مشكلات تمويلية وحلول بيروقراطية
هل يؤثر هروب الأموال الساخنة على الذهب والدولار؟
امتصاص السيولة.. العقارات في المقدمة والذهب يتراجع لصالح الشهادات البنكية