الشارع المصري

شهرة مصر بالمجالس العرفية لحل النزاعات.. كيف تدار ومن المسؤول؟



لم يعرف أحدٌ تاريخاً لبداية المجالس العرفية في مصر، ولكن على أرجح الأقوال أنها دخلت إلى مصر مع الفتح الإسلامي لمصر في 641 ميلادية، حيث انتقلت بعض عادات الجزيرة العربية إلى مصر مع الفتح، وكان أهمها مجالس فض النزاعات.


ومع بدء ظهور الدولة الحديثة، رأى المشرع إيجابية المجالس العرفية في حل النزاعات، وأثرها البالغ في حفظ الأمن وتعزيز الاستقرار بين المواطنين داخل مصر، لذا كان لزاماً أن يكون هناك قانوناً ينظم هذه العملية.


وتحظى المجالس العرفية بأهمية كبرى في المناطق الشعبية بالقاهرة الكبرى، ومحافظات الصعيد والمحافظات الحدودية، إضافة إلى بعض محافظات الوجه البحري.


ورغم بعض الملاحظات السلبية على المجالس العرفية، إلا أنها أنهت العديد من الخصومات الثأرية بين العائلات، كادت تنتهي بالقتل، لولا وجود هذه المجالس، التي تدعمها الدولة وتعزز من تواجدها.



يتم اختيار القاضي العرفي وأعضاء الجلسة من كبار العائلات في المركز أو المحافظة ليس بناءً عن انتخاب، وإنما يأتي الأمر من سمعة هذا الشخص بين الناس.


بالبحث عن الصفات الشخصية للقضاة العرفيين، تبين أن هناك عدة صفات يجب أن تجتمع في القاضي العرفي، لعل أبرزها السجل الخالي من أي جريمة أو تعدٍ على حقوق الغير سواء كان للشخص أو لوالديه، إذ أن غالباً ما تأتي السمعة من الأجداد.


كما أن المنصب السياسي والأمني والديني لهم عامل مهم في اختيار القاضي العرفي، إذ أن أعضاء مجلس النواب السابقين أو الحاليين يكون لهما حضور طاغٍ في المجالس العرفية، إضافة إلى بعض كبار رجال الأمن في المركز أو المحافظة، إلى جانب الشخصيات الدين الإسلامي أو المسيحي.


هناك عاملاً هاماً أيضاً ليس على قدر أهمية الصفات السابقة، لكنه بدا واضحاً في القاضي العرفي، وهو عامل المال، إذ يمكن اختيار بعض القضاة العرفيين بسبب ماله الوفير، واستخدامه في الصالح العام وخدمة المجتمع.


ويلعب هذا المال الذي يمتلكه القاضي العرفي دوراً هاماً في إنهاء الخصومات بين الناس، إذ غالباً ما تكون الخصومة مالية، وبعد الانتهاء من الصلح، يتبرع القاضي العرفي بجزء من ماله عرفاناً منه بتقبل الطرفين للحكم الصادر بحقهما، إذا جنحا للصلح.




يقول الحاج مرسي رزق، وهو مقاول معماري وأحد القضاة العرفيين في محافظة الشرقية، إن جده كان قاضياً عرفياً، واستغنى عن العديد من قطع الأراضي التي يملكها.


وأضاف رزق في لقاءٍ مع “MENA” إن أحد طرفي النزاع في أي خلاف يقوم بالتواصل مع القاضي العرفي أو أحد أعضاء الجلسة العرفية، لعرض شكواه، مشيراً إلى أنه غالباً ما يكون الطرف المعتدى عليه وصاحب المظلمة.


وتابع القاضي العرفي، يتم تحديد موعد لحل هذا النزاع، ويتم إبلاغ طرف النزاع الأخر بالموعد، وإعلامه أن هناك جلسة عرفية تم تحديدها له من أجل حل الخلاف بينه وبين الطرف الأول، مؤكداً أن هذا الشخص لا يمكنه التغيب مطلقاً عن موعد الجلسة.


وأشار القاضي العرفي أن الجلسة تبدأ بعرض الشكوى من قبل الشخص صاحب المظلمة، كما يتم عرض رد الطرف الأخر، ويسمح أيضاً للشهود بعرض شهاداتهم، قائلاً، ما يحدث في المحاكم المدنية هو ما يتم في الجلسات العرفية، بدون قفص اتهام.


وتابع رزق أنه فور الدخول إلى الجلسة العرفية، يوقع كلا الطرفين على ورقة بيضاء حتى لا يعترض طرف على الحكم الصادر بنهاية الجلسة، وهو ما لم يحدث من قبل.


واختتم مرسي حديثه بأن معظم الناس في الغالب لا يرغبون في عمل محاضر في أقسام الشرطة، بسبب طول فترة التقاضي داخل المحكمة، ومن الممكن أن تنقضي الدعوى الجنائية بعد وفاة الأطراف في بعض القضايا المتعلقة بالميراث على سبيل المثال.



انتهاء خصومة ثأرية في الصعيد، كلمة تسمع بشكل متكرر في الأخبار اليومية، لكن خلفها عمل دؤوب يكون بطلها دائماً القضاة العرفيون إضافة إلى رجال الأمن المعروفين في محافظات الصعيد.


“علي حامد” هو خريج إحدى الكليات المرموقة، وقع له حادث غريب منذ عدة سنوات، إذ وجد نفسه مطلوباً للثأر من قبل إحدى العائلات في مركز دار السلام بمحافظة سوهاج.


يقول حامد لـ”MENA“، إنه وجد نفسه مطلوباً للثأر رغم أنه لم يرفع سلاحاً في يوم من الأيام على أحد، ولم يدخل في نزاع من قبل، لكن ما حدث هو أمر طبيعي في محافظات الصعيد.


وأشار علي إلى أن أحد أفراد عائلته لم يسمع منه مسبقاً ولا تربطهما أي علاقة غير اسم العائلة ارتكب جريمة قتل خاطئ في مشاجرة، مؤكداً أن عائلة القتيل رأت أنه من الأفضل أخذ الثأر من أفضل شخص في العائلة، “على حد وصف عائلة القتيل”.

وأردف علي إلى أن الأمر يبدو غريباً للبعض، لكنه منتشر بشكل كبير في محافظات الصعيد، حيث يتم قتل أكثر الأشخاص علماً ومن يكون على علاقة طيبة بالآخرين، حتى يشعر أهل القتيل أنهم أخذوا حقهم من العائلة الأخرى، وليس قتل القاتل فقط، والذي ربما تفرح عائلته بمقتله بسبب كثرة جرائمه.

وتابع حامد أن مجلساً عرفياً في قريته هو من أنهى هذا الأمر مع أهل القتيل، وتم تغريمهم مبلغاً مالياً كبيراً، وضع بحوزة أحد أعضاء مجلس الشعب حينها عقاباً على هذا الاختيار.


واختتم علي حديثه بأن الأمر انتهى بخروج القاتل بكفنه أمام العائلة الأخرى، وتم دفع الدية لأهل القتيل، وانتهت الخصومة منذ أكثر من 10 سنوات.


وقال محافظ أسيوط السابق، ومدير أمن الجيزة الأسبق، اللواء هشام أبو النصر، “إن انتشار المجالس العرفية ترتبط عادة بحل المنازعات المتعلقة بالثأر، والذى يشكل ضرر كبير على الأمن والسلم الاجتماعي”.


وأشار أبو النصر، في تصريحات صحفية “أن المجالس العرفية من أهم الطرق وأسرعها في الفصل بين الأطراف المختلفة، كونها تساعد في توفير الجهد والمال والوقت، بالإضافة إلى عودة الود والمحبة والتسامح بين المتخاصمين”.


وتابع مدير أمن الجيزة الأسبق أن “مديرو الأمن والمحافظون يحرصون على هذه الجلسات العرفية، والتي يصدر من خلالها المحكمين أحكاماً نافذة وملزمة لجميع أطراف الخصومة، والتي تساعد على وأد الخصومات قبل أن تتوسع وتتفرع”.




لكن البعض يرى أن هناك وجهاً آخر في الجلسات العرفية، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الأسرية، حيث يعمل القاضي العرفي في هذه الحالة، على محاولة لملمة الأسرة من خلال الضغط على الطرف المظلوم للقبول بحل النزاع.


وقالت إحدى السيدات لـ”MENA”، إنها تعرضت للظلم في إحدى الجلسات العرفية التي تقدمت بطلب لفحص شكواها، حيث كان زوجها يجبرها على إنفاق راتبها كاملاً في المنزل إضافة إلى التعدي بالضرب والسباب المتكرر.


وأشارت السيدة إلى أنها كانت تنوي عمل محضر في قسم الشركة، إلا أن بعض المقربين منها اقترحوا عليها التقدم لأحد القضاة العرفيين من أجل تسوية الأمر.


وتابعت المتقدمة بالشكوى أنها فوجئت بأن المجلس العرفي اكتفى بتوبيخ الزوج وحصلت منه على تعهد بعدم التعرض مرة أخرى دون رد الحق السابق في المبالغ المالية التي حصل الزوج عليها.


وقالت السيدة إن القاضي العرفي قال لها، أن الحل في قضيتها هو الطلاق، ولكن كيف سيكون حال أطفالك الثلاثة بعد الطلاق؟، مشيرة إلى ضياع حقها في هذه الجلسة العرفية التي خرج منها زوجها وكأنه لم يدخل.


لكن وبعد ارتفاع نسب الطلاق والنزاعات الزوجية، لجأ المشرع إلى مجالس فض المنازعات ولكن بشكل أكثر رسمية من المجالس العرفية العادية، حيث استحدث قانون إنشاء محاكم الأسرة رقم 10 لسنة 2004، وهي مرحلة للتسوية الودية في المنازعات الأسرية تسبق مرحلة التقاضي، وتتولاها مكاتب تتبع وزارة العدل، وعهد إلي تلك المكاتب بدور بالغ الأهمية الغرض منه هو محاولة إزالة أسباب الشقاق والخلاف بين أفراد الأسرة، فإذا تعذر ذلك فقد يتيسر الاتفاق على الإجراءات التي يمكن بها لكل طرف أن يحصل على حقوقه دون الالتجاء إلي إجراءات التقاضي بقدر المستطاع.


وبذلك يكون اللجوء إلى مكاتب تسوية المنازعات الأسرية قبل رفع الدعوى وجوبياً في دعاوى الخلع والتطليق بكافة أنواعها، إضافة إلى النفقات والأجور، وحضانة الصغير وحفظه ورؤيته وضمه والانتقال به.


كما تحل مكاتب التسوية دعاوى الحبس، والاعتراض على إنذار الطاعة، ومسكن الزوجية، والمتعة، ودعاوى المهر والجهاز والشبكة، والدعاوى المتعلقة بتوثيق ما يتفق عليه ذوو الشأن أمام المحكمة فيما يجوز شرعاً، إضافة إلى الدعاوى المتعلقة بالإذن للزوجة بمباشرة حقوقها متى كان القانون يتطلب ضرورة الحصول على إذن الزوج لمباشرة تلك الحقوق.


وقال المحامي وخبير فض المنازعات “محمد ناصر” إن المجالس العرفية في الغالب لا يصدر عنها أحكاماً وإنما يكون إقراراً بالصلح يتم أمام المحكمة، وتأخذ به المحكمة، ويتم الصلح بين الطرفين، في حالة كان هناك قضية قد تم إحالتها إلى المحكمة ولم يفصل فيها.


وأشار خبير فض المنازعات لـ”MENA“، أنه يتم التنازل عن الدعاوى من قبل أطراف النزاع، ويتم الإقرار أن هناك صلحاً قد تم، وهذا الأمر يتم في حالات القضايا الجنائية.


وتابع ناصر، أن المجالس العرفية دائماً ما تساعد المحاكم بكافة أنواعها من خلال تسوية هذه النزاعات قبل الوصول إلى المحاكم بشكلها المعروف.


اقرأ أيضًا:







مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية