قبل أيام، أعلن رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، عزم الحكومة طرح 10 شركات للشراكة الاستراتيجية أو الطرح في البورصة خلال العام المقبل 2025، مشيرًا إلى أن هذه الشركات تشمل “مصر للصناعات الدوائية” و”سيد للأدوية”. هذا الإعلان أثار موجة من التساؤلات والمواقف المتباينة، بين من يرون أن هذه الخطوة تمثل فرصة مهمة لتطوير القطاع وضخ استثمارات جديدة، وآخرين يخشون أن تؤدي إلى رفع أسعار الأدوية في السوق المصري، خاصة في ظل ترقب لتعويم مرتقب للجنيه وارتفاع معدلات التضخم.
في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي أحمد معطي في تصريح لمنصة “MENA” أن الخصخصة “سلاح ذو حدين”، فهي قد تكون حلاً وقد تشكل أزمة. ويضيف أن الخصخصة في هذه المرحلة قد تكون حلاً للمشكلات الاقتصادية الحالية، خاصة في ظل الضغط الكبير على الدولار، وتأثر الموارد الدولارية للبلاد بالتوترات الجيوسياسية المستمرة في المنطقة والعالم، حيث لا تنتهي هذه التوترات؛ فكلما هدأت في منطقة، نشطت في أخرى.
ويؤكد معطي أن الخصخصة تسهم في تنشيط القطاع الخاص، كما تعطي إشارات للمستثمرين الأجانب بأن النشاط الاستثماري في الدولة يشهد تحركًا.
فالمستثمرون غالبًا ما ينظرون في قراراتهم إلى مدى تشجيع الدولة للقطاع الخاص أو مساهمتها في منافسته في القطاعات التي يعمل بها.
وأوضح معطي أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يعتبران من أبرز الوجهات الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، بسبب تشجيعهما للقطاع الخاص. ويشدد على أن مصر بحاجة إلى تعزيز وجود القطاع الخاص بشكل أكبر خلال العشرين عامًا المقبلة، عبر خصخصة بعض القطاعات، مع ضرورة بقاء الدولة في القطاعات الاستراتيجية، مثل قطاع الأدوية، رغم أن دولًا كثيرة قد تخلت عن القطاع بشكل كامل.
وأشار إلى أن قطاعات عديدة شهدت خصخصة أو طرحًا في البورصة خلال الفترة الماضية، مثل قطاع البنوك، حيث تم طرح حصة من أسهم المصرف المتحد، وهو أول طرح لبنك حكومي في سوق المال منذ أكثر من 20 عامًا، بسعر 13.85 جنيه للسهم.
وعن تأثير الخصخصة على أسعار الأدوية في مصر، قال معطي إنه لا يتوقع أن ترتفع الأسعار إذا تخارجت الدولة من هذا القطاع، مشيرًا إلى وجود لجنة حكومية تقوم بتسعير الأدوية في مصر، وهي تقوم بدورها في قطاعات أخرى أيضًا، مثل قطاع الاتصالات، حيث تسيطر الدولة على شركة واحدة من ضمن مجموعة شركات مملوكة للقطاع الخاص، لكنها تظل قادرة على التحكم بالأسعار عبر التفاوض مع الشركات.
وأشار معطي إلى أن شركات الأدوية في مصر قد نَوَّعت استثماراتها في السنوات الأخيرة، بما يجعلها أقل حاجة لطلب زيادات في الأسعار من الحكومة.
وأضاف أنه طالما تم الحفاظ على استقرار سعر الدولار في حدود 5% صعودًا أو هبوطًا، فلن تشهد الأدوية زيادات كبيرة في الأسعار. وأكد أن الحكومة تسعى لتطوير قطاع الدواء المصري نظرًا لأهميته الاستراتيجية وجاذبيته الاستثمارية، انطلاقًا من حجم الأصول وعدد الشركات وتنوع المنتجات، فضلاً عن مشاركة القطاع الخاص في خطة التطوير لتوفير الخبرات الإدارية والتكنولوجية والقدرات التمويلية.
وحول تعويم الجنيه المرتقب، أوضح معطي أننا بالفعل في مرحلة تعويم جزئي، حيث بدأ سعر الصرف المرن منذ مارس الماضي، ويتحرك الدولار صعودًا وهبوطًا، وفي حال استمرار التحرك ضمن حدود 5% فلن يؤثر ذلك بشكل كبير على الأسعار. ودعا المواطنين إلى فهم هذا الواقع، خاصة وأن مثل هذه التقلبات موجودة في العديد من الدول.
وأضاف الدكتور ياسر حسين سالم، الخبير الاقتصادي والمالي الدولي، في تصريح لمنصة”MENA“، أن عملية بيع بعض الشركات التي تملكها الدولة تأتي ضمن استراتيجية “وثيقة ملكية الدولة” التي أطلقتها الحكومة المصرية في يونيو 2022، مشيرًا إلى أن جوهر الوثيقة هو انسحاب الحكومة من بعض الأنشطة الاقتصادية وتركها للقطاع الخاص، كاستمرار لما يُطلق عليه الخصخصة، وهي تحويل الشركات العامة إلى شركات خاصة عن طريق بيعها والاستفادة من حصيلة البيع في نواحي تنموية أخرى أكثر جدوى، مع احتفاظ الدولة بالشركات ذات الحساسية القومية.
وأوضح الدكتور ياسر حسين سالم، أن تصريح رئيس الوزراء ببيع شركة “مصر للمستحضرات الطبية” وشركة “تنمية الصناعات الكيماوية” يأتي كإجراء لجذب عملة صعبة في توقيت استخدام البنك المركزي استراتيجية التعويم الزاحف التدريجي. وأشار إلى أن مصر ملتزمة بسداد ديون وأقساط ديون وخدمة ديون قيمتها 60 مليار دولار أمريكي عن الفترة من يونيو 2024 حتى يونيو 2025. وقد تم بالفعل سداد 30 مليار دولار خلال الفترة من يونيو 2024 حتى ديسمبر 2024، ويبقى ضروريًا سداد 30 مليار دولار من يناير 2025 حتى يونيو 2025. وأضاف أن البنك المركزي المصري اتخذ استراتيجية التعويم التدريجي الزاحف خلال المرحلة الحالية لحين الانتهاء من سداد الثلاثين مليار دولار حتى منتصف 2025.
ويعتقد الدكتور ياسر حسين سالم أن الدولار سيتحرك سعره أمام الجنيه بين 50 و55 جنيهًا في تحرك تدريجي زاحف على مدار ستة أشهر، ثم يعاود الانخفاض إلى سعر صرف دولار مقابل الجنيه يقل عن 50 جنيهًا بعد المرور من “عنق الزجاجة” في 2025 وسداد الثلاثين مليار دولار المطالب بها في النصف الأول من 2025. وأشار إلى أن نية الدولة واضحة لبيع شركة “تنمية الصناعات الكيماوية” وشركة “مصر للمستحضرات التجميلية”، حيث تلقت الشركة القابضة للأدوية خمسة عروض من بنوك استثمارية في السوق المصري لإدارة طرح الشركتين في البورصة المصرية. وكان مجلس الوزراء قد أعلن في بداية عام 2023 عن اتجاه الدولة لطرح أسهم نحو 32 شركة في طرح عام عبر البورصة أو لمستثمرين أو كليهما، كجزء من خطة لبيع 32 شركة عامة في 18 قطاعًا اقتصاديًا.
وقال ياسر حسين سالم إنه يعتقد أنه خلال عام أو عام ونصف سيتم الانتهاء من طرح معظم هذه الشركات في البورصة أو استحواذ مستثمرين عليها، مطالبًا بألا تصبح عملية بيع الشركات العامة هي الحل الأوحد لتجاوز الأزمة الاقتصادية المصرية المعاصرة. يجب أن يكون هناك حلول مستدامة تواجه الأزمات الاقتصادية، وأن تأتي عملية الخصخصة كإجراء يتماشى مع التحرر الاقتصادي ويكون جزءًا من حزمة حلول للنهوض الاقتصادي في مصر. وأوضح أن مصر تمر بمرحلة تحرر اقتصادي ستنتهي بقيادة القطاع الخاص للتنمية في مصر، مثلما يحدث في الدول الكبرى في الاقتصاد العالمي. ولفت إلى أن الأزمة المعاصرة لمصر هي أزمة شح النقد الأجنبي، الناتجة عن سداد الديون الخارجية وأقساط خدمة الديون، بالإضافة إلى الاحتياجات الدولارية لدعم المتطلبات الأساسية ومتطلبات التنمية.
وأشار إلى أنه يجب العمل على مواجهة أزمة الشح الدولاري بزيادة الإيرادات الدولارية المستدامة لمصر وزيادة المعروض منها من خلال زيادة حصيلة مصر من روافدها الدولارية. وأكد أن هناك حاجة إلى استراتيجية مستدامة لتحسين سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، عبر إجراءات وخطوات واجبة.
واقترح الدكتور ياسر حسين سالم عددًا من الحلول لتحسين الوضع القائم، منها: وقف ضغط الحكومة على الطلب على الدولار لتوسيع المشروعات القومية العمرانية، لالتقاط الأنفاس وتقدير الموقف لما تم وما سيحدث في المستقبل. وأوضح أن تهدئة وتيرة المشروعات القومية والعقارية الكبرى سيسهم في تخفيف الضغط على الدولار وتحقيق التوازن في صرف العملة الأجنبية على الأنشطة الاقتصادية المتنوعة. وأكد أن إيرادات الدولة الدولارية يجب صرفها بتوازن في تنمية القطاعات المختلفة، مثل الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والخدمات والتكنولوجيا ومتطلبات المواطن ووزارات الدولة. مع التركيز على المشاريع التي تدر عائدًا دولاريًا، مثل جعل جميع المحافظات المصرية وجهات سياحية لتنشيط السياحة، والتي تساهم بشكل كبير في خلق فرص عمل وتحريك الاقتصاد.
وأضاف الدكتور ياسر حسين سالم أنه يجب إعادة فتح المصانع المغلقة العامة والخاصة، من خلال تلخيص كل حالة مصنع مغلق في ورقة تحتوي على اسم المصنع والمالك وعنوانه ومنتجاته وعدد العمالة المباشرة وغير المباشرة وفرص التصدير وأسباب غلق المصنع وحلول إعادة فتحه. وأشار إلى أن وزير الصناعة والنقل يجب أن يتخذ قرارات يومية لفتح المصانع المغلقة وإزالة العقبات أمامها.
كما اقترح زيادة حوافز المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، لأنها تعد حجر الأساس في تنشيط الاقتصاد، فهي تساعد في تقليل البطالة والحد من الفقر. ودعا إلى تقديم حوافز لجذب المصريين العاملين في الخارج لاستثمار أموالهم في مصر، وكذلك استعادة حركة التجارة في قناة السويس وسعي الدبلوماسية المصرية لتحقيق الاستقرار في دول الجوار وتعزيز التعاون مع دول البريكس.
أما عبد الناصر محمد، الخبير الاقتصادي، فيرى أن خصخصة شركات الدواء أمر مقلق للغاية، ويؤثر على مدى جدارة الحكومة في نظر المواطن في تخطي الأزمات الاقتصادية، خاصة أن الأدوية تعد قطاعًا حيويًا وتأثيره كبير على القطاع الصحي. وأبدى خشيته أن يصبح الدواء “لمن استطاع إليه سبيلا”.
وطالب محمد، في تصريح لمنصة “MENA“، الحكومة بضرورة النهوض بشركات الدواء التابعة للدولة وزيادة طاقتها الإنتاجية وحصتها السوقية من الأدوية. وأضاف أنه يجب حماية قطاع الأدوية من الخصخصة حفاظًا على المجتمع من قسوة المعيشة وتقلبات السوق الحر، موضحًا أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعات كبيرة في أسعار الأدوية ولا يوجد “رقيب” للحفاظ على الأسعار التي تناسب شرائح المجتمع. وأكد أن أي بيع لأي شركة من شركات الأدوية ستكون عواقبه وخيمة على سعر الدواء بعد غياب هيئة تسعير الدواء عن المشهد.
اقرأ أيضًا:
عمال مصر بين شقي الرحى.. الاستغلال أو الحبس
هل يؤثر هروب الأموال الساخنة على الذهب والدولار؟
بعد صفقة “أنجلو جولد أشانتي”.. لماذا لمع “ذهب شلاتين”؟
بيع أم استثمار.. ماذا يحدث في منجم السكري؟