العلاقة بين الجيش وكرة القدم قديمة قدم ثورة يوليو عام 1952، بعد أن أطاح الضباط الأحرار بالحكم الملكي من مصر، ليتولى محمد نجيب مقاليد الحكم، أعقبه فيها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ليتولى صديق عمره المشير محمد عبدالحكيم عامر منصب القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الحربية، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى جانب “رئاسته للإتحاد المصري لكرة القدم”، وحينها لم يكن هناك نادٍ بعينه يتبع الجيش المصري.
عودة الجيش لكرة القدم
وعقب وفاة رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم بـ 28 عاماً، قرر الجيش العودة مرة أخرى إلى كرة القدم من خلال نادي طلائع الجيش، وتحديداً عام 1995م.
لتجد أن اللواء أيمن سعيد المصري هو المشرف العام على الكرة، واللواء عبد الجليل إمام مدير الكرة في النادي.
وكرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم، ولها في نفوس المصريين واقع طيب، يتنافس الأصدقاء في تشجيع فريقهم، وتبدأ حملات من التحليل عقب كل مباراة، يسبقها متابعة مثيرة لكل مباراة.
ولكن هناك علامات فارقة في تاريخ الكرة المصرية ألقت بظلالها على متابعة كرة القدم، وأصبحت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بذكريات مؤلمة تذكرنا بالطفل “أنس”، وأكثر من 70 شهيداً من شهداء النادي الأهلي، كان ذنبهم هو الوقوف إلى فريقهم أمام نادي المصري البورسعيدي، لترتفع كشافات الهواتف النقالة في الدقيقة 72 من كل مباراة.
اقرأ أيضاً:
ترك آل الشيخ مسيرة استثمارية بين الرياضة والفن في مصر
الأندية الاستثمارية في مصر تجارب بين المطالبات والدروس المستفادة
أسباب تجديد الدكتور مصطفى مدبولي الثقة في خالد عبدالغفار وأشرف صبحي في حكومته الجديدة
العرجاني وشركات إماراتية تبني مدينة الأهلي الرياضية.. تحالف أم مصالح؟
هواتف الأهلي المرفوعة يسبقها بـ 50 دقيقة هواتف قطب الكرة المصرية الآخر “الزمالك”، حيث لقي أكثر من 20 مشجعاً ربهم، أثناء دخولهم لتشجيع فريقهم في استاد الدفاع الجوي.
أحداث مرت عليها سنين، ولا زالت عالقة في الأذهان، ربما لم يرها جيل من المشجعين بلغ عمرهم الآن 16 عاماً، فقد كانوا صغاراً، لم يبلغوا الحُلم بعد، ولا يتذكرون ما حدث.
سقوط رفعت
لكن لا شك أن هؤلاء جميعاً رأوا وقوع اللاعب “أحمد رفعت” على أرضية الملعب، أثناء مشاركته مع نادي مودرن سبورت في أول أيام شهر رمضان الماضي، بعد توقف عضلة قلب اللاعب لمدة ساعة ونصف.
وقوع على أرضية الملعب تلاه غيبوبة متواصلة في أحد المستشفيات لمتابعة حالة اللاعب الصحية، ليتمكن بعد فترة من القيام من فراشه، ويذهب إلى بيته، وكأنه يودع أمه، ثم زملاؤه في النادي، وبعدها يودع جماهير الكرة المصرية في حلقة تلفزيونية مع “إبراهيم فايق”.
وبينما كان الحديث يدور حول عدة أندية هي “الوحدة الإماراتي”، و “مودرن سبورت”، تردد اسم نادي “طلائع الجيش”، الذي تدرب فيه “رفعت” أثناء فترة سجنه، فكيف تم هذا؟ وكيف قضى رفعت فترة تجنيده؟.
لائحة الفيفا
يمنع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” أي نادٍ تابعاً لمؤسسات الدولة من المشاركة في بطولة الدوري حتى يطلق عليه “دوري محترفين”، لتظل دول “مصر، وسوريا، العراق”، تشرك الأندية التابعة للدولة مثل أندية الجيش والشرطة.
ويمنع الفيفا هذا الأمر تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص، وللخروج من هذا المأزق، يجب على هذه الأندية الاستقلال عن هذه المؤسسات، وأن تكون كيانات مستقلة تتبع لشركات استثمارية.
ولكن في مصر، هناك أندية تابعة للجيش والشرطة تنافس في بطولة الدوري المصري للمحترفين، أو حتى الدوري الممتاز “ب”، مثل “طلائع الجيش، الداخلية، حرس الحدود، الإنتاج الحربي، الشرطة”.
وتمتلك هذه الأندية 9 ملاعب كاملة، يحق لفرقها اللعب فيها، واستضافة مبارياتها، مع حضور جماهيري من المجندين، إضافة إلى أقارب هؤلاء اللاعبين، بسعة ملاعب تتجاوز ربع مليون مشجع.
في حين ستجد أن قطبي الكرة المصرية، يدفعون قيمة إيجار ملعبي التدريب مختار التتش إلى “محافظة القاهرة” وحلمي زامورا لـ”وزارة الأوقاف”، كما يستأجرون ملعباً للعب مبارياتهم، مثل “ستاد القاهرة، والكلية الحربية”.
طلائع الجيش
طلائع الجيش هو فريق كرة قدم مصري، تأسس تحت اسم “نادي الجيش المصري” في عام 1995 ثم عُدّل إلى الاسم الحالي “طلائع الجيش” خلال موسم 2004/2005.
وكان من الأهداف الرئيسية لإنشائه الاعتماد على لاعبين من الرياضيين العسكريين في المقام الأول وليكون نواة للمنتخبات الرياضية العسكرية.
طلائع الجيش، هو أحد ثلاثة أندية لم تتجرع مرارة الهبوط إلى الدرجة الثانية بعد الأهلي والزمالك، ليكون إلى جانب إنبي وسموحة، بينما هبطت باقي الأندية إلى دوري المظاليم.
عبدالستار صبري
ظل نادي طلائع الجيش وعلى مدار عقود، يجبر لاعبين كبار على الانضمام إلى صفوفه، بسبب قضاء فترة التجنيد، “والتجنيد في مصر إلزامي على كل ذكر بلغ 18 عاماً”.
كان على رأس هؤلاء اللاعبين، اللاعب “عبدالستار صبري”، فقد كان لاعباً يملك موهبة استثنائية بطراز أوروبي، تنافست عدة أندية أوروبية لتحظى بخدمات اللاعب، ليلعب في نادي بنفيكا البرتغالي.
وبعد عودة اللاعب إلى مصر وقع اللاعب عقداً مع النادي البترولي “إنبي”، إلا أن نادي طلائع الجيش كان له رأياً آخر.
ورغم أن الخدمة في الجيش المصري شرف يتمناه أي مصري للدفاع عن أرضه وأبناء شعبه، إلا أن قضاء فترة تجنيد “عبدالستار صبري”، كانت على أرضية الملعب في صفوف نادي “طلائع الجيش”، ليبقى في النادي حتى الاعتزال.
أيمن حفني
لاعب مهاري، عرفه جمهور مصر في صفوف نادي الزمالك، تألق في مركز صناعة اللعب مع الزمالك، وكانت تتنافس الفرق المصرية على ضمه.
ولكن خلف هذا التألق، كانت هناك قصة أخرى، فلم يتخيل اللاعب العشريني وبعد تألقه مع فريقه “الفيومي” مصر المقاصة في أحد مباريات الدوري المصري أن يومه سينتهي بهذا الشكل.
وأثناء عودة اللاعب إلى منزله فوجئ بإلقاء الشرطة العسكرية القبض عليه، بتهمة التهرب من معسكره الملحق به، والذهاب للعب كرة القدم.
وبعد عدة أيام ظهر أيمن حفني مرة أخرى لاعباً في صفوف طلائع الجيش، ليحارب إلى صفوف النادي للحفاظ على حظوظ فريقه في المنطقة الدافئة بوسط الدوري.
القصة حكاها لاعب مصر المقاصة أحمد جعفر في أحد اللقاءات التلفزيونية، أثناء لعبهما للفريق الفيومي سوياً، إبان قيادة طارق يحيى للفريق.
أحمد سامي
أحمد سامي لاعب المقاصة تعرض هو الآخر لنفس ما تعرض له أيمن حفني، فقد كان على بعد خطوات من الانتقال للنادي الأهلي، إلا أن التجنيد الإجباري أجبره على اللحاق بنادي طلائع الجيش.
عمرو مرعي
عمرو مرعي هو الآخر لم يجد خياراً آخر غير الانتقال لفريق طلائع الجيش، حيث كان اللاعب على وشك المشاركة مع نادي بيراميدز الذي دفع مقابلاً له 1.5 مليون دولار.
إلا أن اللاعب لم يشارك مع النادي السماوي ولو لدقيقة واحدة بعد طلبه للتجنيد، ليقضي فترة تجنيده لاعباً في طلائع الجيش.
عمرو عثمان
في نفس السياق، ألقت الشرطة العسكرية القبض على لاعب المنيا السابق عمرو عثمان، بدعوى تخلفه عن أداء الخدمة بعد تألقه مع ناديه.
وهي الواقعة التي تحدث عنها اللاعب قائلاً: “طلائع الجيش كلموني وقالولي تعال امضي بالفلوس اللي أنت عايزها ورفضت، كلموني أكتر من مرة قالوا لو مجتش هنحبسك، بعتولي شرطة عسكرية وبهدلولي البيت وعرضت أهلي للخطر أكتر من مرة، ولكن أجبرت أن أمضي، أنا موضوعي زي أيمن حفني بالضبط ولو أي حد مكاني هيعمل إيه؟”.
وعند متابعة الأخبار المتداولة عن الانتقال لطلائع الجيش، ستعرف مؤهل الدراسة لكل لاعب، من خلال عدد سنوات المشاركة مع طلائع الجيش.
إذ تعاقد طلائع الجيش مع اللاعب عمرو عثمان لمدة 3 مواسم، وينتشر الخبر أن طلائع الجيش ينهي أزمة اللاعب عمرو عثمان.
وبعد كل هذه الضجة في التعاقد مع اللاعب، بعام واحد، ينتقل اللاعب إلى “سلاح آخر”، هو نادي حرس الحدود.
حيث اتفق مسئولو حرس الحدود مع نادي طلائع الجيش على استعارة عمرو عثمان مهاجم طلائع الجيش، في إطار تدعيمات الفريق العسكري للموسم الجديد، في إطار التعاون المتبادل والمشترك بين الفريقين.
حسين السيد
حسين السيد هو ظهير النادي الأهلي، يلعب في مركز الظهير الأيسر، كانت فرق الدوري المصري تحاول الحصول على خدمات اللاعب.
وفي النهاية تمكن فريق الصفاقسي التونسي من التعاقد مع اللاعب قادماً من النادي الأهلي.
وأثناء سفر اللاعب إلى تونس تمت إعادته من المطار، والسبب هو عدم تأدية خدمته العسكرية.
وعاد اللاعب من جديد إلى النادي الأهلي، الذي فسخ بدوره العقد مع فريق الصفاقسي التونسي بالتراضي.
ولم يكن أمام اللاعب حسين السيد غير الانتقال إلى فريق طلائع الجيش قادماً من النادي الأهلي، في المقابل حصل الأهلي على خدمات عمر سامي لاعب طلائع الجيش لليد.
إبراهيم صلاح
كان إبراهيم صلاح يلعب في صفوف نادي الزمالك، عندما وصل إلى سن التجنيد، وهي أزمة عانى منها اللاعب.
وحاول رئيس نادي الزمالك آنذاك التدخل مع إدارة التجنيد لحل أزمة اللاعب ولكن دون جدوى.
اضطر نادي الزمالك إلى بيع اللاعب إلى فريق إسكو، حيث كان صانع ألعاب الفريق.
إلا أنه وبعد فترة قصيرة، نشرت الصحف خبراً صغيراً مفاده، “انتقال إبراهيم صلاح إلى طلائع الجيش في صفقة انتقال حر”.
لتظهر صورة اللاعب إلى جانب “العقيد” أحمد المهدي، مدير الكرة بنادي طلائع الجيش حينها، بعد توقيع العقد.
محمد رزق
لعب محمد رزق في صفوف النادي الأهلي، إلا أن النادي الأهلي لم يستطع الاستفادة من خدمات اللاعب بسبب منعه من السفر.
وكان سبب منع اللاعب من السفر في لقاءات الأهلي الخارجية هو أنه مطلوب للتجنيد.
ليضطر النادي الأهلي إلى الاستغناء عن اللاعب لصالح فريق طلائع الجيش، ليقضي رزق فترة تجنيده في النادي.
عمرو جمال
مهاجم الأهلي السابق، تم بيعه لنادي الصفاقسي التونسي، إلا أن التجنيد حال دون إمكانية سفر اللاعب إلى الخارج.
وعليه سيكون على اللاعب الأهلاوي الاختيار ما بين التجنيد الإلزامي أو لعب الكرة لصالح طلائع الجيش.
وفي هذا الصدد فسخ الأهلي العقد مع النادي التونسي، وتم بيع عمرو جمال بشكل نهائي إلى نادي طلائع الجيش.
وبعد قضاء مدة التجنيد في طلائع الجيش لمدة عامين، انتقل اللاعب إلى نادي فاركو ليلعب في صفوفه حتى الآن، وتنتهي مسيرته الاحترافية.
بدائل الانتقال لطلائع الجيش
القصص السابقة التي ذكرناها لم يكن أمام أصحابها وغيرهم غير خيار واحد، هو الانتقال إلى نادي طلائع الجيش بسبب التجنيد.
ولكن هناك لاعبون كُثر كانت لديهم بدائل أخرى عن الانتقال لطلائع الجيش واللعب إلى صفوفه، ومن أبرز هؤلاء اللاعبين، “محمد صلاح، شيكابالا، أحمد رفعت”.
وأدى شيكابالا فترة التجنيد الإجباري لمدة عامين مقابل عدم مشاركته مع فريق طلائع الجيش، وتم منعه من السفر عام 2014 بسبب عدم استخراجه تصريح السفر من التجنيد.
محمد صلاح هو الأخر لاعب ليفربول وقائد المنتخب الوطني، وبعد طلبه للتجنيد، تدخل رئيس الوزراء آنذاك إبراهيم محلب ليحل الأزمة، معتبراً إياه سفيراً للكرة المصرية، لينقذه من اللعب لصفوف طلائع الجيش.
أحمد رفعت
أما اللاعب أحمد رفعت، فكان في صفوف النادي المصري البورسعيدي، عندما طلب للتجنيد في صفوف نادي طلائع الجيش.
وبسبب تمسك النادي باللاعب، تمكن النادي المصري البورسعيدي من تسوية الأمر مع فريق طلائع الجيش.
ليتم بيع 2 من لاعبي المصري البورسعيدي إلى نادي طلائع الجيش مع الإبقاء على رفعت داخل صفوف الفريق البورسعيدي، ويتم حينها تسوية مشكلة تجنيد اللاعب.
بعدها تم بيع اللاعب لنادي “فيوتشر”، مودرن سبورت حالياً، لينتقل بعدها إلى صفوف الوحدة الإماراتي على سبيل الإعارة.
وأثناء مباراة للفريق في ليبيريا، اتصل “أحمد دياب” رئيس نادي فيوتشر السابق باللاعب أحمد رفعت، يبلغه فيها بالسفر إلى الإمارات مباشرة.
وحينها أبلغه دياب بأنه سيحل أزمة التصريح من التجنيد، وهو ما لم يستطع دياب فعله.
وبعد العودة إلى مصر وجد اللاعب نفسه “هارباً” من التجنيد، وحينها لم يعد إلى “مودرن فيوتشر”، وإنما تم الحكم عليه بالسجن لمدة عامين.
وتم تخفيض مدة الحكم لتصبح “شهرين”، ليختفي “رفعت” عن الأنظار لمدة 6 أشهر كاملة، كان حينها يتدرب في نادي “طلائع الجيش”.
وبعد انتهاء مدة الحبس عاد اللاعب مرة أخرى إلى صفوف نادي فيوتشر، ليسقط على أرضية الملعب بعد توقف عضلة القلب، لتحدث الوفاة بعدها بعدة أشهر.