تحليلات

عمال مصر بين شقي الرحى.. الاستغلال أو الحبس

شهدت مصر في السنوات الأخيرة العديد من الإضرابات العمالية، بلغ عددها 213 إضراباً خلال عامين فقط؛ إذ يهدف المضربون إلى تحسين ظروفهم والحصول على حقوقهم في ظل تدهور الاقتصاد وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي؛ ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة يوماً بعد يوم.

 

وبدأت الإضرابات العمالية في مصر -والتي من أساليب الاحتجاج السلمي التي يلجأ إليها العمال للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل- بإضراب عمال السجائر في ديسمبر 1899، والذي كان بمثابة النواة الأولى لتشكيل التنظيمات العمالية، وخلال تاريخها شهدت محطات قمعية، مثل قمع إضراب عمال كفر الدوار عام 1952، عندما طالب العمال بتحسين أوضاعهم وزيادة أجورهم.

 

وعملت السلطة حين إذ على فض الإضراب وحوكم مئات العمال أمام محكمة عسكرية، وأصدرت المحكمة حكم الإعدام شنقاً على كل من محمد مصطفى خميس ومحمد عبد الرحمن البقري، ونُفِّذ الحكم في 7 سبتمبر من العام ذاته.

 

وفي هذا السياق، صرح الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني بأن الإضراب حق من حقوق العمال التي كفلتها الاتفاقيات الدولية المصدَّق عليها من قِبَل مصر، وأقرَّها الدستور والقانون، لافتًا إلى أن العمال لا يلجؤون إلى الإضراب إلا بعد استنفاد كل وسائل التفاوض.

 

 

وأوضح الميرغني في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن الأزمة لا تتعلق بالعمال وحدهم، بل تشمل أصحاب العمل الذين يوافقون على رفع أسعار الطاقة والخامات وتكاليف الصيانة وأسعار بيع منتجاتهم، بينما يرفضون زيادة الأجور، وهي عنصر أساسي في الإنتاج، مؤكدًا أن القيمة الاقتصادية لا تُخلق دون العمال؛ وأن الآلات والخامات لا تصنع القيمة وحدها، وإنما قوة العمل هي التي تحول جزءاً من هذه القيمة إلى أرباح وفوائد لصاحب العمل.

 

وتابع الميرغني: في حال حدوث أضرار اقتصادية نتيجة الإضرابات العمالية، فلا ينبغي لوم العمال، فهم الطرف الأضعف، بل يجب على أصحاب العمل تحمل مسؤولية سياساتهم الخاطئة، كما لا ينبغي اعتبار الأجور تكلفة غير ضرورية للإنتاج، خاصة في ظل تأثرها بالتضخم.

 

وأضاف: وكما يرفع أصحاب العمل أسعار منتجاتهم، فمن حق العمال الحصول على أجور عادلة من خلال مفاوضات متكافئة، فهم لا يلجؤون إلى الإضراب إلا بعد استنفاد كافة سبل التفاوض.

 

 

 

وفي السياق ذاته، صرح محمد عواد، أمين تنظيم المنظومة العمالية للعمالة غير المنتظمة، قائلاً إن هناك عدة إضرابات حدثت في الفترة الأخيرة، ولكن لم تحقق الكثير منها أهدافها، لأن من يقومون بالتفاوض ليسوا من العمال أنفسهم.

 

وأوضح عواد في حديثه لمنصة “MENA“، أن آخر إضراب وقع كان إضراب عمال سمنود، الذين طالبوا بتطبيق قانون الحد الأدنى للأجور الصادر عن رئيس الجمهورية، والذي يقدر بـ 6000 جنيه، وحتى الآن، نرى أن الحكومة تميل إلى جانب إدارة المصنع على حساب العمال، وتضغط عليهم بالتعسف والتهديد بالسجن، في حين أن العمال يتقاضون 3200 جنيه فقط.

 

وأشار إلى أن وضع مضربي سمنود لا يختلف عن الإضراب المشروع لأهل الوراق، الذين ما زالوا يقاومون للدفاع عن أرضهم وحقوقهم، مضيفًا: “عندما ننظر إلى المعتصمين والمضربين، نجدهم يمارسون أعلى درجات ضبط النفس ويستخدمون أساليب الاحتجاج السلمي، ويتبعون الطرق القانونية”.

 

ولفت إلى أن إضراب سمنود يثبت ذلك؛ إذ لا يطلب المضربون أكثر من تطبيق قرار رئيس الجمهورية، ومع ذلك يتم اعتقالهم، والتعدي على اتصالاتهم الخاصة، ويتعرضون لتهديدات من الحكومة التي من المفترض أن تكون في صفهم.

 

وصرح ياسر سعد، المحامي العمالي، أن المشكلة الأساسية في التعامل مع الإضرابات تكمن في ازدواجية موقف الدولة، فعلى الرغم من أن الدستور يقر بحق الإضراب، إلا أن هذا الحق مشروط بتطبيقه وفقاً لما ينظمه القانون.

 

وقال المحامي العمالي في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، إن هذا يمثل ثغرة مستمرة في أي دستور، إذ يُترك للقانون توجيه الدستور، في حين يجب أن يكون العكس هو الصحيح.

 

وأضاف سعد أن الدستور يعترف بالإضراب كحق من حقوق الإنسان، وهو حق اكتسبته الطبقة العاملة نتيجة نضالها المستمر ضد الأنظمة وسلطة رأس المال، إلا أن قانون العمل حينما تناول مسألة الإضراب، فرض شرطين لا يتماشيان بشكل كامل مع هذا الحق، أولهما هو ضرورة الحصول على موافقة النقابة العامة، وهو أمر إشكالي بالنظر إلى أن القانون الصادر في عام 2003 كان في ظل اتحاد عمال مصر، الذي كان يلزم جميع التنظيمات النقابية بالتبعية له.

 

وأوضح سعد أن التطورات الأخيرة في قانون التنظيمات النقابية جعلت من حق أي تنظيم نقابي أن يُنشأ بشكل مستقل في مدينة أو محافظة أو مؤسسة، دون الحاجة للانضمام إلى الاتحاد، لافتًا إلى أن هذا هو المكسب الوحيد الذي حققته الطبقة العاملة من القانون الجديد.

 

وتابع سعد، أن من المشاكل التي يواجهها العمال أن القانون يلزمهم بإخطار مجلس الإدارة قبل الإضراب، مضيفا، أن إخطار الخصم بموعد الإضراب يعد تناقضاً سياسياً، وليس مجرد مسألة قانونية، فهذا الشرط يجعل ممارسة حق الإضراب مرهونة بإبلاغ صاحب العمل، مما يضع العامل في موقف ضعيف أمام إدارة المؤسسة.

 

وأشار سعد إلى أن القانون، وإن كان لا يشترط موافقة صاحب العمل على الإضراب، إلا أن مجرد الإخطار يضع رقبة العامل تحت سيطرة الخصم، مؤكدًا أن الإضراب بطبيعته يشير إلى وجود خلاف بين العمال وأصحاب العمل، ما يستوجب اتخاذ موقف مستقل بعيداً عن إشعار الإدارة مسبقاً.

 

 

وأشار مسعد إلى أن الدولة تتعامل مع العمال باعتبارهم جزءاً من الحركة الاجتماعية، موضحا أن الدولة تستجيب في بعض الأحيان لبعض الإضرابات، حتى تلك التي تُمارَس خارج إطار القانون، أي دون الحصول على الموافقات اللازمة.

 

وأوضح أن قوة الإضراب وتأثيره، بالإضافة إلى ضغط العمال والدعم السياسي أو غير السياسي، يمنح الإضراب زخماً، مما يؤدي إلى تحقيق مكاسب، حتى وإن لم يكن قانونياً، وفي المقابل، فإن الإضراب الضعيف وغير المنظم، الذي يفتقر إلى الدعم السياسي والإعلامي، يكون فاشلاً، حتى وإن كان قانونياً.

 

 

وأضاف مسعد قائلاً: “هنا تبدأ مرحلة جديدة من التنكيل، إذ يتعرض العمال للسجن عن طريق إحالتهم للنيابة من قبل الدولة، وغالباً ما يتم القبض على المضربين من منازلهم وليس من موقع الإضراب، ويُقدَّمون للنيابة بتهم مثل الانضمام لجماعة إرهابية أو نشر أخبار كاذبة.”

 

ونوه إلى أن هذا النوع من التنكيل لا يقتصر على انتهاك حقوق العمال، بل يطال أيضاً مبدأ المحاكمة العادلة، قائلًا: “إذا كانت التهمة هي الإضراب دون اتباع الإجراءات القانونية، فهذا لا يعطي الحق لأي جهة بإحالتهم إلى النيابة، فوفقاً لقانون العمل، جميع النزاعات المتعلقة بقانون العمل تُحال إلى المحاكم الابتدائية أو العمالية، ولا يوجد أي شق جنائي يستدعي إحالتهم إلى النيابة العامة.”

 

 

وتابع مسعد قائلاً: “للأسف، عندما تُسيّس قضية الإضراب وتُحول إلى الإطار السياسي، تفقد الطبقة العاملة أي حماية اجتماعية، هذا الأمر يؤدي إلى خلق حالة من الخوف والتوتر بين زملاء المضربين، مما يُضعف جهود التنظيم العمالي ويؤدي إلى تراجع الحركة العمالية.”

 

وأكد أن تسييس قضية العمال يضر حتى على المستوى الاقتصادي، لافتًا إلى وجود طبقة عاملة منظمة هو أمر ضروري، ليس فقط للعمال، بل أيضاً لأصحاب العمل، حيث يمكن مناقشة المشكلات بشكل أكثر فاعلية مع تنظيم عمالي قوي ومُحترم.

 

 

أشار المحامي العمالي إلى أن فكرة حصر الإضرابات في مصر غير دقيقة وغير مقنعة، حيث أن الإضرابات تحدث يومياً دون أن يلاحظها أحد، منوهًا إلى أن هناك إضرابات صغيرة قد لا تلفت انتباه وسائل الإعلام لأنها لا تتسبب في ردود فعل عنيفة، أو تحدث في مصانع صغيرة غير مشهورة.

 

 

وتابع مسعد قائلاً: “بصفتي محامياً مهتماً بشؤون العمال، كثيراً ما أُفاجأ بوجود إضرابات لم تُذكر في الإعلام، في أماكن متعددة، ليس لدينا جهة رسمية أو غير رسمية معنية بحصر هذه الإضرابات، أما فيما يتعلق بالمطالب، فإن الدولة غالباً لا تستجيب إلا في حالة الإضرابات القوية المدعومة والمنظمة، حيث تجبر الدولة أصحاب رؤوس الأموال على تحقيق المطالب.”

 

 

وأعرب مسعد عن أسفه الشديد من أن الغالبية العظمى من الحالات تشهد انحياز الدولة لأصحاب العمل وانتهاك حقوق العمال، موضحًا أن هناك مجموعات من العمال تتعرض للسجن بشكل مستمر، وآخرها كان عامل سمنود الذي ألقي القبض عليه وأُفرج عنه لاحقاً هو ورفاقه، وقبل ذلك، كان هناك موظفو الحكومة الذين اعترضوا على تطبيق تحليل المخدرات كشرط للفصل في الجهاز الإداري للدولة.

 

واختتم مسعد حديثه قائلاً، إن الدولة تتعامل مع الإضرابات بمنطق القبض على المشاركين لتخويفهم ومنعهم من تكرار ذلك في المستقبل، وهو ما يمثل انتهاكاً لحقوقهم الأساسية.

 

اقرأ أيضًا:

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية