أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بإعادة تشكيل المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية، شمل تعيين يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق عضواً فيه، ما اعتبره البعض إعادة رموز الفساد بنظام مبارك إلى الواجهة مرة أخرى، بينما رأى آخرون في الرجل الخبير والمنقذ للاقتصاد المصري.
المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية، هو مجلس استشاري يتبع رئاسة الجمهورية بشكل مباشر، وهو مختص بدراسة حسن استخدام موارد الدولة واقتراح السياسات الاقتصادية، وكانت أول لجنة مُشكلة في عام 2015 بموجب قرار جمهوري من الرئيس السيسي ونشر بالجريدة الرسمية.
اللجنة السابقة للمجلس
بالرجوع إلى التقارير الواردة بشأن المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية، تبين أن الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد إصداره قرار تشكيل اللجنة برئاسة الدكتورة عبلة عبد اللطيف والتي كانت عضواً بمجلس إدارة البنك الأهلي المصري، الذي نشر بالجريدة الرسمية عام 2015، قد اجتمع 3 مرات باللجنة كان أولها فور تشكيل اللجنة في مارس من العام ذاته.
كما اجتمع الرئيس مرة أخرى مع اللجنة، وتحديداً في 22 من شهر أبريل من العام ذاته، وعرضت اللجنة في هذه المرة العديد من الاقتراحات التي رأوا أنها السبيل للخروج بمصر من الأزمة الاقتصادية، وهو ما أعقبه اجتماع آخر في أغسطس من العام ذاته.
لكن على ما يبدو أن هذا كان آخر لقاء جمع أعضاء اللجنة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، لتقتصر الاجتماعات بعد ذلك على اجتماع واحد جمع الرئيس مع الدكتورة عبلة عبد اللطيف رئيسة اللجنة، مطلع شهر يناير عام 2016، لتتوقف الأخبار المتعلقة بالمجلس حتى قرار الرئيس السيسي بإعادة تشكيل المجلس منذ أيام.
وبالبحث عن أسباب توقف اجتماعات المجلس، تبين فيما بعد أن الدكتورة سحر أحمد نصر عضو المجلس، تولت وزارة التعاون الدولي في 19 سبتمبر من عام 2015 بحكومة شريف إسماعيل، وفي التعديل الوزاري عام 2017 تولت وزارة الاستثمار.
أما العضو الثاني فكانت الدكتورة علا الخواجة، والتي سافرت إلى الولايات المتحدة لاستكمال عملها، بصفتها المستشار الأول بمشروع إصلاح واستقرار الاقتصاد الكلي بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID.
وفيما يتعلق بالعضو الثالث باللجنة فكان الدكتور محسن عادل حلمي، والذي أصدر الدكتور مصطفى مدبولي قراراً عام 2018 بتعيينه رئيساً تنفيذياً للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، إلى جانب وظائف أخرى مثل منصب نائب رئيس البورصة المصرية والمستشار المالي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، وعضو الجمعية المصرية لإدارة الاستثمار، ومحاضر في مجال التمويل بمدرسة سليسكا لإدارة الأعمال.
الدكتور خالد عزالدين إسماعيل كان العضو الرابع في اللجنة، وهو يعمل كعضو مجلس إدارة في شركة أوراسكوم، وصدر قرار عام 2018 من رئيس مجلس الوزراء بتعيينه في مجلس إدارة صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية والذي يرأسه وزير التعليم العالي والبحث العلمي.
أما العضو الخامس ياسمين حسن عبد الرازق، وقد عادت إلى منصبها السابق كرئيس التخطيط الاستراتيجي في البنك المصري الخليجي، وفيما يتعلق بالعضو السادس فكان الدكتورة دينا حمدي، والتي عملت فيما بعد كرئيس لقطاع الشئون التنظيمية والعلاقات الخارجية في وزارة التجارة والصناعة.
بطرس غالي
سبق اتهام وزير مالية مبارك، يوسف بطرس غالي في العديد من القضايا، كان أبرزها قضية فساد الجمارك، وقضية كوبونات الغاز، والإضرار بالمال العام، ووصل مجموع أحكامه 65 عاماً، كان أعلاها الحكم في قضية كوبونات الغاز بالسجن المؤبد.
لكن وبعد عشر سنوات ونيف، برأت جميع المحاكم بمختلف درجاتها وزير المالية الأسبق من التهم المنسوبة إليه، لتسقط بالتبعية جميع الأحكام الصادرة بحقه مسبقاً.
كما رفع البنك المركزي في أغسطس الماضي، اسم بطرس غالي من القائمة السوداء، وسمح له بحرية التصرف في أمواله وأصوله، كما رفعت وزارة الداخلية اسمه من قوائم الترقب والوصول، وعدم التعرض له في حال وصوله للبلاد في الوقت الذي يختاره.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي فبراير من العام الماضي، ألغت محكمة النقض الحكم الصادر بحق شقيق بطرس غالي لمدة 15 عاماً، في قضية تهريب الآثار الكبرى، التي اتهم فيها بتهريب الآلاف من القطع الأثرية مع دبلوماسيين إيطاليين، حيث قبلت المحكمة الطعن المقدم من رؤوف شقيق “غالي”، على الحكم الصادر بحقه لتقرر تخفيف حكمه إلى السجن لمدة 5 سنوات فقط، وهي المدة ذاتها التي قضاها رؤوف في السجن، وفي يونيو الماضي أرسلت جهات التحقيق خطابًا للبنك المركزي المصري، لتنفيذ قرار رفع التحفظ على أموال بطرس رؤوف بطرس غالي، لتنتفي بذلك كافة الآثار التي ترتبت على قرار التحفظ الذي صدر بحقه.
الدكتور وائل النحاس، خبير أسواق المال
مدارس مختلفة
الدكتور وائل النحاس، خبير أسواق المال، قال إن أكبر أزمة تواجه المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية هو وجود مدارس مختلفة تجمع بعض رجال الأعمال ومسؤولين سابقين وأكاديميين.
وأضاف خبير أسواق المال في لقاء مع “MENA“، أن اختلاف الرؤى والتوجهات الاقتصادية ليست في مصلحة الأزمة الحالية التي يمر بها الاقتصاد المصري.
وبالبحث حول خلفيات اللجنة التي أعاد الرئيس عبدالفتاح السيسي تشكيلها مجدداً، تبين أنها تضم 3 مدارس مختلفة، حيث ضمت في تشكيلها مسؤولين سابقين هم الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق، والدكتور هاني قدري دميان وزير المالية الأسبق، إضافة إلى رجال أعمال، هم المهندس محمد زكي السويدي، والذي يرأس مجلس إدارة شركة “السويدي” للصناعات الهندسية، والمهندس أشرف موسى صبري، مؤسس شركة فوري، والدكتور حسام الدين محمد عبدالقادر، وهو عضو مجلس إدارة الشركة العربية وبولفارا ممثلا عن الشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس، وكريم علي عوض سلامة، الرئيس التنفيذي لمجموعة إى إف جي القابضة، وأحمد عاطف وصيف، رئيس مجلس إدارة شركة ونجز تورز اند نيل كروزس.
كما تضم اللجنة أكاديميين، وهم الدكتور حسين محمد أحمد عيسى رئيس جامعة عين شمس الأسبق ورئيس لجنة الخطة والموازنة الأسبق بمجلس النواب، والمنسق الحالي للجنة، والدكتورة لميس محمد خالد شعبان العربي، رئيس قسم الاقتصاد بالجامعة الصينية بالقاهرة.
الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة
كفاءة اقتصادية
تساءل الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة لماذا يتم التركيز على اسم الدكتور يوسف بطرس غالي، رغم أنه حكم له بالبراءة في كل التهم التي وجهت له، وهذا قرار القضاء، ولا تعقيب على أحكام القضاء.
وأضاف الخبير الاقتصادي في حديث خاص مع “MENA” أنه يجب النظر إلى الشخصية الاقتصادية لبطرس غالي، إذ أن له بصمات مع المجتمع الدولي، كما اختارته العديد من المؤسسات الدولية لعلاج التشوهات الاقتصادية، والخلل في بعض الدول، إضافة إلى عمله في صندوق النقد الدولي.
وأكد بدرة، أن بطرس غالي رجل اقتصاد ناجح لا غبار عليه، مشيراً إلى أن التهم التي وجهت له، كانت بسبب أن أي سياسة اقتصادية دائماً ما تحمل نوعاً من المخاطر في التطبيق ولكن في النهاية يتحملها صاحب النظرية.
وحول تنفيذ قرارات المجلس أوضح الخبير الاقتصادي، أن المجلس سيكون له رؤية لوضعها أمام صانع القرار، ويمكنهم تقديم حلول اقتصادية للخروج من الأزمة الحالية، متمنياً في الوقت ذاته، أن تطبق هذه الأطروحات في ظل الضغوطات التي يعاني منها الاقتصاد المصري.
وقال الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الدول التي ترغب بالتقدم عليها أن تستعين بالكفاءات، وأحد الكفاءات الاقتصادية المصرية هو الدكتور يوسف بطرس غالي.
وأضاف عبده في تصريح خاص لـ “MENA“، أن مصر أصبحت ثاني أكبر دولة مقترضة على مستوى العالم، مشدداً على أن ما حصل هو تواجد من أسماهم “أشباه المحترفين”، والذين قاموا ببيع الأصول، ورفع أسعار الفائدة وهو ما أدى بالتالي إلى غياب الاستثمار وارتفاع الأسعار.
وأشار عبده أنه في عهد الرئيس مبارك كانت تتخذ القرارات الاقتصادية بما يتماشى مع مصلحة المواطن، إبان تولي “غالي” حقيبة الاقتصاد ومن بعدها حقيبة المالية.
وعبر رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، عن استيائه بسبب ما أسماه القرارات التي أثرت بالسلب على الاقتصاد المصري، مثل رفع سعر الفائدة، وهو ما أدى إلى توقف عمل المشاريع من قبل القطاع الخاص، وأدت بالتبعية إلى تراجع التصنيع.
واعتبر عبده أن القضايا التي تمت محاكمة “غالي” فيها، كانت قضايا سياسية وليست اقتصادية، باعتباره أحد رموز نظام مبارك، مؤكداً على أن “غالي” لم يضع مليماً واحداً في جيبه.
وأشار “رشاد عبده” إلى أن النقلة النوعية في الصين كانت بسبب استقدام الكفاءات من أبنائها، وهو ما يجب على مصر فعله الآن، فإذا جاءت الفرصة للحصول على كفاءات عليك أن تتمسك بها، مؤكداً أن الدكتور يوسف بطرس غالي لديه المقدرة على حل المشاكل الاقتصادية، خاصة وأن تلميذه قد عاد معه وهو هاني قدري دميان، حيث كان وزيراً للمالية أيضاً.
الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية،
فساد مالي
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الجدل بعد تغريدة لرجل الأعمال “نجيب ساويرس” على موقع “إكس”، معتبراً فيها تعيين غالي بأنه قرار صائب، كما مدح ساويرس وزير المالية الأسبق بأنه ضليع في الاقتصاد ونحن في أزمة، وأنه من الممكن أن يساعد في حلها.
لكن دكتورة سميرة الجزار، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، قالت إن “غالي” عليه علامات استفهام كثيرة وصدر ضده قرارات كثيرة، ولن يكون هناك جدوى اقتصادية من تعيينه، بسبب تكرار مشاكله كوزير للمالية.
وحول تحقيق التنمية في عهده بنسبة 7% أشارت عضو مجلس النواب في لقاء مع “MENA” بأن التنمية التي حققها كانت من خلال زيادة الضرائب، وتحصل أموال التأمينات الاجتماعية من هيئة التأمينات، ووضعها في ميزانية وزارة المالية، وحالياً تدفع ميزانية الدولة هذه الأموال.
وأكدت الجزار أن مصر تحتاج الآن إلى اقتصاديين أخرين يمكنهم إفادة البلاد بشكل كبير، متسائلة لماذا بطرس غالي في الوقت الحالي، وأنه لا يمكنه تقديم الجديد للاقتصاد المصري، لأنه كان يحاكم في قضايا فساد، فكيف يتم تعيينه في منصب له سلطة على اقتصاد البلد؟
وعن دور المجلس في الاعتراض على القرار قالت إنها لا تملك السلطة على الاعتراض على تعيين شخص، وإنما يمكن للجنة الخطة والموازنة المراقبة مالياً على هذه اللجنة في حال انعقد المجلس وبدأ في اتخاذ قرارات.
بينما رأى الدكتور وائل النحاس، أن أي لجنة يتم تشكيلها حالياً لن يكون لها أي جدوى بسبب أن الاقتصاد المصري يدار حالياً من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأن أي قرار يتم اتخاذه يكون بناءً على توجهاتهم.
دكتورة سميرة الجزار، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب
الجدوى من اللجنة
بعد الجدل الواسع الذي شهده تشكيل اللجنة، رأى خبراء، أن الحكم مسبق بشكل كبير على هذه اللجنة قبل انعقادها، إذ يجب الانتظار أولاً حتى تنعقد، ويتم النظر إلى ما سيصدر عنها من قرارات، وما هي إمكانية تنفيذها على أرض الواقع.
وقال رشاد عبده، إنه يتمنى أن تنعقد هذه اللجنة سريعاً، مطالباً بأن تكون هذه اللجنة حقيقية، وألا تكون بشكل صوري ومجرد أسماء صدرت على الورق.
وعبر عبده عن تفاؤله، بأن هذه اللجنة الكفء ستخرج العديد من الأفكار التي يمكن أن تحل الأزمات التي يمر بها الاقتصاد المصري، بدلاً من الإدارة الحالية للملف الاقتصادي.
بينما رأت سميرة الجزار أن هناك خبراء اقتصاد كثر في مصر كان يمكن أن يحلوا محل الدكتور يوسف بطرس غالي، مشيرة إلى أن هناك شباب مصريون درسوا في هارفارد والسوربون، ليه أجيب راجل كبير جدا؟
الدكتور وائل النحاس، خبير أسواق المال، قال إن هذه المجموعة بينها ارتباطات سابقة في عهد الرئيس مبارك في بعض الملفات الشائكة مثل صندوق النقد الدولي، وأن بطرس غالي كان لديه خلفية قوية لما يدار داخل وزارة المالية.
هل بطرس غالي هو الحل؟
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد السطوحي قال إن الأزمة ليست في بعض الأشخاص ولكن في التوجهات والسياسات العامة للدولة ولن يصلحها استدعاء صوت من الماضي.
وحكى سطوحي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، موقفاً جمعه ببطرس غالي، حيث ظل غالي يسرد له إنجازاته ورحلاته إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل عقد اتفاقية تجارة حرة بينها وبين مصر، لكن وبعد إجراء مقابلة مع نائب وزير التجارة الأمريكي في ذلك الوقت “صامويل بودمان” والذي تولى وزارة الطاقة فيما بعد قال بشكل صريح إنه ليس هناك اتفاق.
لكن في المقابل تخوف البعض من عودة بطرس غالي إلى الفساد مرة أخرى، لكن وائل النحاس قال إنه لا يوجد أي دور في هذا المنصب، معتبراً أن هذا القرار هو سياسي بامتياز من خلال تحجيم بطرس غالي ووضعه في مكان في نهاية حياته بعد تجاوزه السبعين عاماً.
وأكد النحاس أن دوره كاستشاري وليس صانع قرار، ما يعني أنه سيطرح أفكاراً من الممكن أن تقبل أو ترفض، لأن هناك وزراء المجموعة الاقتصادية وهم من يتعاملون مع صندوق النقد الدولي.
وعن النمو الاقتصادي في عهد بطرس غالي، أشار النحاس إلى أنها كانت بسبب بعض المتغيرات العالمية، ولم يكن لبطرس غالي دخلاً فيها حيث شهدت الصين ارتفاعاً للنمو من 4 إلى 10%، كما ارتفع سعر الجنيه والآن تراجع النمو في الصين إلى 4،5%، وقال خبير أسواق المال، إن هناك مجموعة كبيرة كانت تعمل في هذا الملف، ولم يكن يعمل وحده، وهذا بدا واضحاً في الفترة التي تولاها وزيراً للاقتصاد والتي شهدت أزمات متكررة وهروباً بأموال القروض لخارج مصر.
اقرأ أيضًا:
أين تذهب الأموال بعد أن تتحفظ عليها الدولة؟ | تقرير
بيزنس الجامعات الخاصة.. ما الهدف من السياسة التعليمية الحالية؟
استرداد الآثار المصرية من الخارج: حملات شعبية وجهود أكاديمية
هل بدأ الاستثمار الإماراتي في تعمير شبه جزيرة سيناء؟