كواليس العبور لمصر من معبر رفح.. مأساة يرويها نازحون
عشرة أشهر من الحرب، وما زالت مستمرة، جهود هنا وأخرى هناك، إلا أن وتيرة الحرب ترتفع يوماً بعد آخر، ما بين تعثر المفاوضات، وسيطرة الاحتلال يبقى المواطن الفلسطيني حائراً داخل رقعة صغيرة هي قطاع غزة.
حيرة وخوف وجوع، ورغبة في الرحيل، كلها مشاعر تجمع معظم أهل غزة، تؤكد في النهاية على بشريتهم، وأن الأهوال التي رأوها لا يتحملها إنسان.
حرب مستمرة ساوت بين بيوت الأغنياء والفقراء، فلم تفرق بين دار صغيرة وقصر منيف، إلا أن بضعة آلاف من الدولارات يمكن أن تنقلك إلى مصير مختلف عن رائحة الدماء.
شهر على المعبر
هاني مشتهى، انحدر من عائلة عريقة بحي الشجاعية في قطاع غزة، ورغم ثراء عائلته إلا أن “كل شيء راح في القصف”، هكذا بدأ مشتهى حديثه إلينا.
وقال مشتهى في حوار مع “MENA“، إنه ترك غزة منذ عدة أشهر ليقيم في مصر مع باقي أفراد أسرته، بعد خروج من تبقى منهم إلى مصر في ظل وضع مأساوي في القطاع.
وشدد مشتهى على أنه لم يكن يتمنى الخروج من قطاع غزة “لكن ما في إشي أقدر أقدمه”، مؤكداً أنه لا يوجد مكان آمن داخل قطاع غزة.
وتابع الرجل الفلسطيني، أنه تنقل مع أسرته إلى 4 أماكن للإيواء، إلا أنه في كل مرة كانت ترتكب إسرائيل مجزرة جديدة بحق المدنيين.
وحول عبوره إلى مصر، قال مشتهى، إن أسرته عانت الأمرين حتى الوصول إلى مصر، حيث دفعوا مبلغ 55 ألف دولار مقابل عبور 11 فرداً من عائلته.
وأضاف مشتهى، أن أشقاؤه قد سافروا إلى كندا والولايات المتحدة وألمانيا منذ عدة سنوات، حيث استقروا هناك مع أسرهم، وأنهم هم من دبروا المبلغ، مؤكداً أن بعض أشقائه اقترضوا مبالغ مالية من أجل إرسال المبلغ لشركة “هلا”.
وتابع مشتهى أنه بعد تحويل المبلغ، ظهرت أسماؤنا في كشف ضم آخرين، قيل لنا “سيتم الاستعلام عنهم أمنياً وبعدها سيسمح لهم بالعبور إلى مصر”.
وأشار مشتهى إلى أنه وبعد يومين انتقلت أسرة مكونة من 7 أفراد عبر المعبر إلى مصر، وبالسؤال لماذا لم نعبر؟
كانت الإجابة أن يتم دفع مبلغ 2000 دولار عن كل فرد من أفراد أسرتنا، حتى يتم استعجال الدخول.
وأردف الرجل الخمسيني في معرض حديثه، أننا انتظرنا شهراً كاملاً على معبر رفح، حتى تم السماح لنا بالعبور إلى مصر، لكننا بتنا ليلة كاملة في المعبر، بسبب ما قال إنه تنسيق أمني سيتم من أجل عبورنا.
وحول الخدمات التي قدمتها شركة هلا لهم، قال مشتهى، بعد العبور إلى ناحية مصر، وجدنا سيارة ميكروباص موديل عام 2014 تقريباً، وصعد إليها كل أفراد أسرته الإحدى عشر مع الأغراض القليلة التي عبروا بها، مضيفاً أن هذه السيارة نقلتهم إلى القاهرة، وتم تقديم وجبة طعام وزجاجة مياه لكل فرد من أفراد أسرته.
واختتم مشتهى والذي يسكن بأحد الشقق في القاهرة الجديدة، إنه يتمنى أن تتوقف الحرب، وأن يعود إلى غزة مجدداً، ليلتقي بالمتبقي من عائلته مرة أخرى.
اقرأ أيضًا:
جهود الوساطة المصرية لوقف حرب غزة
السيسي يجتمع بمدير الـ”CIA”.. ما الغاية؟
هل أضرت حرب غزة بالعلاقات المصرية الإسرائيلية أم فتحت بابا لازدهارها؟
الاحتلال الصهيوني يكمل سيطرته على محور فيلاديلفيا وسط صمت مصري رهيب.. ما الأمر؟
زيارة بلينكن لمصر، والضغط على حماس لقبول مقترح بايدن
شركات النصب
رامي غبن، فلسطيني من رفح جنوب غزة، تحدث إلينا عن محاولاته للعبور إلى مصر، وما تعرض له.
وقال رامي في لقاء مع “MENA” إنه تعرض للنصب من قبل إحدى شركات التأمين عبر الإنترنت، والتي استغلت حاجته في العبور إلى مصر منذ عدة أشهر.
وأضاف غبن، أنه قرأ إعلاناً ممولاً على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” لشركة “لم يسمها”، قال إنها عرضت عليه الانتقال إلى مصر مقابل 3000 آلاف دولار للفرد الواحد، شريطة أن يتم دفع ثلث المبلغ قبل المغادرة.
وتابع “غبن”، أن الرقم المعروض كان أقل من الأرقام التي سمعها والتي أعلنت عنها شركة “هلا”، التي يترأسها إبراهيم العرجاني، والتي كانت 5 آلاف دولار للعبور العادي، و7 آلاف دولار للعبور المستعجل.
وأشار إلى أنه تم إغراؤه بهذا الرقم، وأنه تواصل مع أحد أقاربه في مصر، والذي دفع المبلغ لهذه الشركة عن طريق تحويل بنكي، متابعاً، أنه وبعد فترة أغلق الهاتف الذي تم التواصل معه، وتم عمل “بلوك” له من الصفحة، لكنها ما زالت تعمل حتى الآن في النصب على الفلسطينيين.
وحول كيفية دخوله إلى مصر، قال رامي غبن، إنه اقترض أموالاً من أصهاره في مصر، من أجل العبور إليهم بعد النصب عليه بشهر تقريباً، وأنه فقد اثنين من عائلته في قصف إسرائيلي استهدف المدرسة التي كانوا يلجؤون إليها من القصف، منذ فترة النصب عليه وحتى عبوره إلى مصر، “الفلوس قلت عشر آلاف دولار علشان الاتنين اللي ماتوا”، هكذا قال الرجل وهو يبكي.
دخول مستعجل
سامي الشوا، شاب فلسطيني، حاله كحال مئات الآلاف من أبناء شعبه، نزح من بيت حانون في شمال غزة منذ الأيام الأولى لحرب طوفان الأقصى، من خيمة إلى خيمة، ومن مركز إيواء إلى آخر، حتى علم بإمكانية العبور إلى مصر عبر معبر رفح.
وفي هذه الأثناء، أصيب طفله “معاذ” الذي يبلغ من العمر 7 سنوات، ومع عدم وجود أدنى مقومات الحياة للبشر الطبيعيين في غزة تدهورت حالته الصحية، بحسب والده.
وأضاف الشوا في لقاء مع “MENA“، أنه تمكن من التواصل مع شركة “هلا”، لعبوره هو وزوجته وبنته وابنه المصاب، مؤكداً أنه بعد معرفة المنسق في الشركة عن الحالة الصحية لطفله، عرض عليه عبورهم إلى مصر مقابل دفع مبلغ إضافي “لم يحدده”، مقابل العبور سريعاً.
وتابع الشوا، أنه تمكن من تدبير المبلغ الإضافي وتم دفعه، مشيراً إلى أنه بقي على المعبر يومين كاملين، لكنه تمكن من العبور إلى مصر.
واختتم سامي الشوا حديثه إلينا، بأنه وفور وصوله إلى معبر رفح، تلقت سيارة إسعاف مصرية من جمعية تطوعية كتب عليها “مرسال” طفله، وأن طبيباً مصرياً اهتم بشكل كبير بطفله فور وصوله، وتم عمل اللازم له، قبل أن يتم نقله إلى المستشفى لإجراء عدة جراحات له.
وحول نيته العودة الغزة مرة أخرى، قال الشوا، إنه يتمنى العودة من جديد لبناء بيته في غزة، رغم ما شعر به من ترحيب في بلده الثاني مصر.
معابر قطاع غزة
يحيط بقطاع غزة 7 معابر، تعتبر هي المتنفس للقطاع، وهي شريان الحياة، وبإغلاقهم يحدث في قطاع غزة ما لا يخفى على أحد.
المعبر الأول هو بيت حانون ويطلق عليه معبر “إيريز”، ويقع شمالي قطاع غزة، وتسيطر عليه إسرائيل.
وهو نقطة حدود بين إسرائيل وغزة، كما أنه البوابة الوحيدة التي تمكن أهالي القطاع من الوصول إلى إسرائيل أو الضفة الغربية.
أما المعبر الثاني فهو المنطار أو ما يطلق عليه “كارني”، فهو يقع شرق مدينة غزة وتسيطر عليه إسرائيل، إذ أنه أهم المعابر في القطاع، وكان أكبرها من حيث عبور السلع التجارية بين القطاع وإسرائيل.
كما يوجد معبر العودة ويسمى “صوفا” وهو المعبر الثالث، وهو يقع شرق مدينة رفح وتسيطر عليه إسرائيل، وهو يعد معبراً صغيراً مخصصاً للاستيراد فقط، وتحديداً مواد البناء.
أما المعبر الرابع فهو معبر الشجاعية أو “ناحال عوز”، وهو يقع في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وتسيطر عليه إسرائيل أيضاً، ويستخدم لعبور الوقود نحو القطاع عبر أنابيب معدة لهذا الغرض.
وفيما يتعلق بالمعبر الخامس فهو معبر كرم أبو سالم أو ما يسمى إسرائيلياً “كيرم شالوم”، وهو يقع في رفح، عند نقطة الحدود المصرية الفلسطينية الإسرائيلية، وهو مخصص للحركة التجارية بين القطاع وبين إسرائيل، واستخدم أكثر من مرة كبديل عن معبر رفح.
أما المعبر السادس فهو معبر القرارة أو “كيسوفيم”، وهو يقع شرق خان يونس ودير البلح، وهو معبر مخصص للتحرك العسكري الإسرائيلي، حيث تدخل منه الدبابات والقطع العسكرية كلما قررت إسرائيل اجتياح القطاع.
يتبقى معبراً أخيراً، وهو معبر رفح، وهو الذي كان تحت السيطرة الفلسطينية المصرية قبل طوفان الأقصى، ورغم إغلاق المعبر عدة مرات، إلا أنه كان الملاذ الأخير للفلسطينيين لعبور إلى مصر، حتى شهر مايو الماضي، قبل أن تسيطر عليه إسرائيل هو الآخر.
معبر رفح
السابع من مايو من العام الجاري، كان على موعد مع خبر لا يهم من كان خارج حدود قطاع غزة، حتى لو كان من أشد المتابعين لطوفان الأقصى والتي انطلقت قبل هذا اليوم بثمانية أشهر.
فقد أعلن قوات الاحتلال الإسرائيلي سيطرتها الكاملة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، وأنزلت العلم الفلسطيني ورفعت العلم الإسرائيلي، وهدمت ساحات الانتظار واللافتات التي حملت اسم فلسطين.
وقد شكلت هذه السيطرة كثيراً من الأسى لدى الفلسطينيين، والذين اعتبروه ملاذهم الأخير، حتى قطعت إسرائيل “الوتين”، ولم بعد لهؤلاء مخرجاً من هذه “العلبة”، التي أحكم إغلاقها من جميع الاتجاهات.
كامل أبو محيسن، فلسطيني من قطاع غزة، ناله ما نال أهل القطاع من فقد للمنازل والأحباب، وفقد شقيقه وزوجة شقيقه وأبناء شقيقه، ونجى من القتل مرتين خلال الأشهر الأولى للحرب.
تواصلنا مع “أبو محيسن” على مدار أيام من خلال برنامج “واتس آب”، بسبب ضعف شبكة الإنترنت حتى نستطيع أن نعرف ما حدث معه.
وقال “أبو محيسن” لـ”MENA” إنه تمكن من جمع مبلغ مالي لمحاولة الخروج من قطاع غزة إلى مصر، من أجل النجاة من القتل المحتوم.
وأضاف، أنه يقيم حالياً في منزل أحد أقربائه هو وأكثر من 45 شخصاً من عائلته، حيث أن هذا المنزل، هو الوحيد الذي تبقى لهؤلاء، مؤكداً أنه فقد ما يقرب من 20 شخصاً من عائلته.
وتابع الرجل أنه دفع أموالاً لشركة “هلا”، في نهاية إبريل الماضي، حيث بلغت تكلفة الفرد الواحد خمسة آلاف دولار، مما دفعه لإرسال مبلغ 40 ألف دولار لثمانية أفراد من عائلته، “العيل الصغير زي الكبير ما في فرق” هكذا أضاف الرجل.
وأردف الرجل أن الشركة قالت إنها سترسل الأسماء للجهات المعنية من أجل عمل البحث الأمني لهم، مشيراً إلى أنهم كانوا في الانتظار حتى بداية شهر مايو.
وقال الرجل، بأنه فوجئ بالدبابات الإسرائيلية وهي تسيطر على معبر رفح، وتم إبعاد كل من كان حول معبر رفح، وأنه لم يتمكن أحد من العبور إلى مصر منذ ذلك التوقيت.
واختتم الرجل حديثه بأنه تواصل مع شركة “هلا” عبر وسطاء في مصر من أجل إعادة أمواله مجدداً، وأن الشركة وعدته برد المبلغ في وقت قريب.