تحليلات

كيف استطاعت إسرائيل استقطاب عرب النقب إلى صفوف جيشها؟

لم يكن يعلم أحمد أبو لطيف، العربي المسلم، البالغ من العمر 26 عاماً، والذي ترك طفلة عمرها بضعة أشهر أن يومه هو الأخير، وأن حياته ستنقضي على أرض غزة، بعد عدة أشهر من بدء معركة طوفان الأقصى، بعد أن أقسم على “القرآن”، وقت أن اختار التجنيد طواعية دون إكراه.

 

قصة “أحمد” تبدو مؤثرة في مطلعها، لكن من الممكن أن يختلف الأمر قليلاً إذا علمت أنه يقاتل إلى صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأقسم على “مصحف” فوق بندقية، على الولاء لدولة إسرائيل.

حكاية أحمد هي واحدة من حكايات آلاف الجنود بل والضباط العرب في صفوف جيش الاحتلال، والذين اختاروا بكامل إرادتهم التطوع في جيش الاحتلال الإسرائيلي، فما الذي دفعهم إلى ذلك، وكيف استطاعت إسرائيل استقطابهم إلى صفوف جيشها؟.

 

 

الجيش الإسرائيلي هو جيش يقوم على أساس ديني بامتياز، وليس على أساس المواطنة، فمعظم المجندين في الجيش هم من أبناء الطائفة اليهودية، رغم تعدد الأديان منذ إعلان إنشاء الدولة عام 1948.

 

فيلزم الجيش الإسرائيلي كل يهودي أو يهودية بلغ عمرهم 18 عاماً بالتجنيد الإجباري في الجيش، بمدة 24 شهراً للنساء، و36 شهراً للرجال، باستثناء طائفة الحريديم والتي كفل لها القانون حرية التفرغ لتعاليم الدين اليهودي، إلا أن هذا القانون قد تغير بعد بدء معركة طوفان الأقصى.

 

وبعد 15عاماً على إنشاء الدولة قرر الجيش إلزام العرب الدروز بالتجنيد الإجباري، وتطبيق القانون عليهم حالهم كحال اليهود دون تفرقة.

لكن العرب الذين يتبعون الدين الإسلامي، الذين يشكلون الطائفة الأكبر بعد اليهود داخل إسرائيل، أعلنت إسرائيل أنه “لا إكراه في الدخول إلى الجيش”، وأن من يرغب في التطوع فقط فمرحباً به، أما غير ذلك فلا.

 

 

رغم عدم إعلان الجيش الإسرائيلي عن رقم محدد للعرب في صفوفه، إلا أن تقاريراً نشرت أكدت أن عددهم يبلغ بضعة آلاف رجل، وأنهم اختاروا الدخول إلى الخدمة في الجيش الإسرائيلي طواعية، كما أنهم يقسمون على “القرآن الكريم”، عند انضمامهم إلى الجيش على الدفاع عن إسرائيل حتى الموت، وهو ما تحقق لبعضهم بالفعل.

 

جنازة أحمد أبو لطيف

 

البدو العرب في إسرائيل ينحدرون من 3 قبائل كبرى هي “الترابين والتياهة والعزازمة”، وتعيش هذه القبائل في سيناء ومصر والأردن والنقب، ومن بينهم 300 ألف يعيشون في النقب، ويتوزعون على 45 قرية لا تعترف بها إسرائيل، ولا تمدها لا بالماء ولا الكهرباء، ولا أياً من أساسيات الحياة التي يحتاج إليها أي إنسان، وينتشر بينهم الجهل والفقر، كما ترتفع معدلات الجرائم في هذه المناطق بشكل كبير.

 

ورغم أن هؤلاء يقعون تحت إمرة الحكومة الإسرائيلية، ويمتلكون بطاقات هوية وجوازات سفر إسرائيلية، إلا أنه يتم التعامل معهم كمواطنين بدرجات أقل من اليهود، فلا وظائف ولا دعم حكومي ولا صحي، كما أنه لا توجد منظومة قبة حديدية ولا أسلحة دفاع جوي، تقيهم من صواريخ المقاومة الفلسطينية وقت الحرب.

 

أحد الشباب العرب، وُعِدَ بتسهيل الحصول على وظيفة له بعد انضمامه للجيش الإسرائيلي، وبالفعل انضم للجيش الإسرائيلي وأقسم على الولاء له، وأقضى فترة تجنيد بالجيش لمدة ثلاث سنوات.

 

وبعد انتهاء فترة تجنيده، ذهب الشاب المسلم إلى العديد من المؤسسات اليهودية، طالباً المساعدة في الحصول على وظيفة، مقدماً أوراق تجنيده في الجيش الإسرائيلي، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل تماماً، ولم يتمكن من الحصول على وظيفة.

بعد هذه المحاولات، ذهب الشاب للبحث عن عمل في محلات تجارية يملكها مسلمون، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، بسبب معرفة أهالي منطقته بانضمامه مسبقاً إلى الجيش الإسرائيلي.

 

يقول الشاب أن ما دفعه للانضمام للجيش الإسرائيلي هو الفقر والحاجة إلى المال، مشيراً إلى أن كل ما تمناه كان الوظيفة، والمساعدة المالية أثناء الدراسة الجامعية، وهذا ما لم يحدث، هكذا ختم الشاب حديثه.

 

تقرير رسمي صادر عن مراقب الدولة، “متنياهو أنغلمان”، أفاد بأن  العرب البدو عموماً؛ وسكان النقب بشكل خاص، هم أكثر الشرائح الاجتماعية فقراً في إسرائيل.

 

وأشار التقرير إلى أن العرب يتعرضون لعسف السلطة ويسود في صفوفها انعدام الثقة بمؤسسات الدولة.

كما انتقد التقرير سياسة حكومات بنيامين نتنياهو لتكريسها التمييز بين العرب في مجال تمثيل المجتمع العربي في الدوائر الحكومية، ورغم أن العرب يبلغون 21% من السكان؛ فإن نسبتهم في سلك خدمات الدولة لا تتجاوز 10 في المائة.

 

 

الخدمة في الجيش الإسرائيلي من قبل العرب ليست حديثة، بل تعود حتى قبل إعلان دولة إسرائيل، دفعت أحفاد هؤلاء إلى استكمال الخدمة في “الجيش الذي لا يقهر”.

 

“فهد فلاح” ضابط بالجيش الإسرائيلي، يفتخر بخدمة ما قال إنها “وطنه إسرائيل”، مشيراً إلى أن هذا الجيش قد خدم فيه أباه وجده من قبل، وأن الأمر أضحى وراثياً في عائلته.

ويعود تاريخ التعاون بين العرب وإسرائيل إلى ما قبل إعلان إنشاء دولة إسرائيل نفسه، حيث أرسل “أبو يوسف”، وهو شيخ من شيوخ قبيلة الهيب الذين كانوا يعيشون في سهول الجليل، أكثر من ستين من رجاله للقتال مع اليهود ضد العرب ما بين 1946 و1947.

 

فلسطينيون أرجعوا سبب استمرار تواجد العرب داخل الجيش الإسرائيلي إلى أن هؤلاء لم يجدوا ظهيراً أخر غير الجيش الإسرائيلي، فقد اتهموا بالخيانة من قبل الفلسطينيين، بسبب تواجد ذويهم التاريخي داخل الجيش.

 

وتكرم إسرائيل منذ عقود العرب البدو الذين سقطوا أثناء قتالهم إلى صفوف الجيش الإسرائيلي في معاركه ضد المقاومة الفلسطينية، حيث أنشأت إسرائيل نصباً تذكارياً خاصاً بالجنود البدو الذين سقطوا في ساحة القتال مع الجيش الإسرائيلي، حيث يوجد بداخل المبنى كمبيوتر يعطيك السيرة الذاتية لكل جندي مسلم قتل في ساحة المعارك وصورة له بمجرد نقرة زر.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية