أثار استقبال مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، يوم الأحد 11 أغسطس الجاري، للدكتور أسامة حماد، رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، ردود فعل قوية من حكومة الوحدة الوطنية الليبية في طرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة، التي عبرت عن اعتراضها على اللقاء وطالبت المسؤولين المصريين بمغادرة الأراضي الليبية.
وأتت هذه الزيارة بعد فترة جفاء واسعة امتدت من عام 2011 وحتى عام 2020، خاصة مع تداعيات وتطورات التدخل التركي في ليبيا على الأمن القومي المصري.
وفتحت هذه الزيارة العديد من التساؤلات حول إمكانية وجود توافق قريب لإصلاح الوضع الداخلي الليبي من خلال الجهود المصرية، في حين رأى البعض الآخر أنها قد تؤدي إلى تدهور العلاقات بين مصر وحكومة الدبيبة.
دعم القاهرة الكامل للشعب الليبي
استقبل رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، يوم الأحد 11 أغسطس الجاري، رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان الدكتور أسامة حماد، يرافقه بلقاسم حفتر، مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، والمهندس حاتم العريبي، رئيس لجنة الإعمار والاستقرار، ومدير جهاز الإمداد الطبي والخدمات العلاجية بالحكومة الليبية، بمقر الحكومة في مدينة العلمين الجديدة.
أكد مدبولي خلال اللقاء دعم مصر الكامل للشعب الليبي وتعزيز سبل التعاون الثنائي بين البلدين في كافة المجالات، مشيداً بالدور الكبير الذي تقوم به الشركات المصرية في أعمال إعادة إعمار ليبيا.
تحرك دبلوماسي سريع من حكومة الوحدة الوطنية
أعقب اللقاء اعتراض كبير من حكومة الوحدة الوطنية الليبية بطرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة، التي أبلغت مسؤولين في المخابرات المصرية، ضمن العاملين في سفارتها بطرابلس، بمغادرة الأراضي الليبية فوراً، احتجاجاً على استقبال مدبولي لرئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب المنتخب.
حدود ممتدة وأمن قومي
أكد الدكتور نجاح الريس، عميد كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف، في تصريح لمنصة “MENA“، على عمق العلاقات المصرية الليبية، مشيراً إلى أن استقرار ليبيا يعد من ثوابت الأمن القومي المصري.
وذكر الريس أن الحدود المشتركة بين مصر وليبيا، التي تمتد لحوالي 1200 كيلومتر، تتطلب تنسيقاً كاملاً بين الدولتين للدفاع عنها، خاصة في ظل التوترات التي أعقبت الثورات العربية وما خلفته من فوضى وصراعات.
أضاف الريس أن مصر، باعتبارها الشقيقة الكبرى، تحرص على إقامة علاقة متوازنة مع كافة الأطراف داخل ليبيا، سواء من يمثلون الشرق أو الغرب، آخذاً في الاعتبار آلاف المصريين الذين يعملون داخل الحدود الليبية، مشيراً إلى دفاع مصر عن الشرق باعتباره الجوار الجغرافي، ولم تغفل الغرب باعتباره موطناً لأشقاء ليبيين.
وأوضح أن ما حدث في السنوات الصعبة التي بدأت من عام 2013 وما تلاها من توترات، حينما انتشرت العمليات الإرهابية، أجبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على إعلان أن تجاوز الصراع في مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية الليبية يعدّ “خطاً أحمر” بالنسبة لمصر وأمنها القومي.
وأكد أن الأوضاع في تلك الفترة في ليبيا كانت تسير في اتجاه يهدد الأمن القومي المصري، خاصة مع تدخل تركيا في الشأن الليبي.
وكان الرئيس المصري قد دعا، خلال تفقده للمنطقة الغربية العسكرية، يوم السبت 20 يونيو 2020، إلى وقف إطلاق النار في ليبيا عند نقطة الاشتباك في وقتها على حدود مدينة سرت “منتصف الساحل الليبي” وقاعدة الجفرة الجوية، بين قوات الجنرال خليفة حفتر قائد “الجيش الوطني الليبي”، وقوات حكومة الوفاق الليبية.
الكلمة العليا للسلاح
ورأى عميد كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف أن استقبال مدبولي لرئيس حكومة شرق ليبيا أسامة حماد يُعدّ تأكيدًا على أن مصر تعمل مع كافة الأطراف الليبية، مشيراً إلى أن حماد عُين من قبل البرلمان الشرعي الليبي المنتخب، ويتحدث باسم الدولة الليبية.
ولفت إلى أن توازنات القوى بين الميليشيات المسلحة في الغرب والشرق والتدخلات الخارجية تؤثر بشكل كبير على الوضع في ليبيا، وأن الكلمة العليا ليست للسياسة في ليبيا، بل لمن يملك السلاح ليفرض سطوته وسياسة الأمر الواقع.
وتابع الريس أن الطرف الشرقي هو الجيش الوطني الليبي، بينما الطرف الغربي يتكون من ميليشيات مسلحة متفرقة، منها ما يتبع رئيس حكومة ليبيا المؤقت عبد الحميد الدبيبة، ومنها ما يتبع مجلس الدولة الليبي، مؤكداً أن هذا الوضع يؤكد وجود تمزق وفرقة بين الأطراف.
وأشار إلى أن الوضع في الغرب الليبي ليس متماسكًا، كما يتضح من الأحداث الأخيرة في العاصمة طرابلس، حيث شهدت اضطرابات وإشكاليات عسكرية قامت بها الميليشيات في طرابلس وضواحيها، وأن كل طرف هناك يبحث عن مصالحه الشخصية فقط، دون النظر إلى مصلحة الدولة العليا.
وبين الريس أن الغرب الليبي يضم البنك المركزي الليبي وكل الأموال والمقدرات الليبية في العاصمة طرابلس، مما يمنحها السيطرة والهيمنة على الموارد؛ لذلك تدعم بعض الدول الغربية هذا الطرف وفقًا لمصالحها الخاصة، وعلى رأسها إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، بسبب وجود حقول النفط.
ونوه بأن شركة إيني الإيطالية – التي تُعتبر من أكبر الشركات المسيطرة في هذا المجال – مما يفسر دعم إيطاليا لطرف الغرب الليبي بشدة. في المقابل، يتسم موقف فرنسا وروسيا بالتذبذب، حيث تدعمان الغرب الليبي تارةً، والشرق الليبي تارةً أخرى.
حل الفرقة
أكد الريس أن الأمل كبير في توحيد الفرقاء الليبيين، قائلاً: “ما زالت ليبيا دولة واحدة حتى الآن، ولم يتطرق الفرقاء المتنازعون إلى الانفصال بين الشرق والغرب، وهذا ما يميز الموقف الليبي الحالي. لذلك، هناك حد أدنى من التوافق الذي تحاول مصر والقيادة السياسية بناءه كأساس يمكن من خلاله تحقيق التوافق وتوحيد الصف بين طرفي النزاع.” مشيرًا إلى أن الحل لإنهاء النزاع هو توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، سواء كانت في الشرق أو الغرب.
وختم أن توحيد ما يملكه ويحمله السلاح سيُفرض السياسة الواقعية على جميع الفرقاء لحل الأزمة الليبية، وهي الرؤية المصرية التي تعمل عليها القيادة السياسية. في النهاية، لا يصح إلا الصحيح، بأن تكون ليبيا دولة واحدة مستقرة وآمنة. مؤكدًا أن مصر، بعيونها الساهرة، لن تغفل أبدًا عن تأمين حدودها مع ليبيا.
ضغط على مصر بورقة العمالة
أشار أستاذ العلوم السياسية إلى بعض الضغوط التي تمارسها حكومة الغرب على مصر من خلال اعتراضها على مقابلة مدبولي وحماد، محاولة منها لتحييد موقف مصر تجاه ما يحدث في ليبيا، ويستخدمون أحيانًا العمالة المصرية كوسيلة ضغط في ذلك، رغم عدم أحقيتها باعتبار ولاية حكومة الدبيبة المؤقتة منتهية منذ عامين حيث كانت لمدة عام واحد في 2020 وتم تجديد عام آخر من قبل لجنة الأمم المتحدة حتى 2022. لافتًا أن الأمم المتحدة والدول ذات العضوية الدائمة بها تلعب دورًا غير مفهوم في هذا الصراع واختارت شخصًا انتهت ولايته وتعتبره مازال الممثل الشرعي للحكومة الليبية، مما يضع علامات استفهام عديدة. ويرى أن الإبقاء عليه نتيجة مصالح خاصة لهذه الدول بغض النظر عن مصلحة الدولة أو الشعب الليبي، مؤكدًا أن البرلمان المنتخب هو الممثل الشرعي المنتخب ومن المفترض أن تسري قراراته على جميع الأطراف.
الانفتاح على كل الأطراف لإيجاد حل سياسي
وأكد الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، لمنصة “MENA” أن العلاقات المصرية منفتحة على كافة الأطراف في ليبيا الشقيقة لإيجاد حل سياسي يضمن استقرار ووحدة ليبيا، وهي سياسة مصر منذ اللحظة الأولى.
وأشار فارس إلى زيارة مدير المخابرات المصرية، اللواء عباس كامل، إلى ليبيا سابقًا، حيث التقى رئيس الحكومة الليبية في شرق ليبيا، قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، كما زار الغرب الليبي والتقى رئيس حكومة الغرب، عبد الحميد الدبيبة، لبحث الموقف مع كافة الأطراف وإيجاد حلول من شأنها استقرار وتوحيد الدولة الليبية.
وأضاف فارس أن مصر تسعى دائمًا إلى توحيد المؤسسات الليبية، وقد تبنت توحيد المؤسسة العسكرية، ونظمت مؤتمرًا يخص اللجنة العسكرية في مدينة الغردقة في 28 سبتمبر 2020، ضم كافة الأطراف المعنية بهذا الشأن.
ولفت إلى استضافة القاهرة اللجنة الدستورية الموحدة لوضع الدستور في ليبيا في أبريل 2022. بالإضافة إلى لعبها دورًا رئيسيًا في العمل على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا في أسرع وقت ممكن، وهو ما تجلى في مؤتمر “مصر وليبيا مصير واحد” الذي عُقد في 16 يوليو 2020، بمشاركة أكثر من 75 شخصية قبلية، مما يعكس انفتاح مصر على جميع الأطراف الليبية.
وأوضح أن زيارة رئيس وزراء الحكومة الليبية في الشرق إلى مصر الأسبوع الماضي دليل قاطع على أن مصر تسعى إلى توحيد الحكومة في ليبيا وتوحيد المؤسسات، وصولًا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
حكومة الدبيبة غير شرعية
ورأى أستاذ العلاقات الدولية أن حكومة الغرب الليبية ليس لها حق الاعتراض أو الهجوم على مصر التي تسعى إلى توحيد الصف الليبي من خلال علاقاتها الجادة مع كافة الأطراف، مؤكدًا أن مصر قادرة على إيجاد وسيلة تواصل بين الحكومة التي أقرها مجلس النواب الليبي ممثلة في حكومة أسامة حماد والطرف الآخر، حكومة الدبيبة.
ولفت إلى أنه رغم أن الأخيرة كان من المفترض أن تمتلك القوة التشريعية والدولية، فإن مدة صلاحياتها القانونية انتهت، لأنها نتجت عن مخرجات مؤتمر جنيف وتونس نهاية 2020، وكان من المفترض إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الموعد المحدد بعد عام، وهو ما لم تلتزم به حكومة الدبيبة، وبالتالي أصبحت حكومة غير شرعية.
دور المجلس الرئاسي الليبي شرفي
وأشار فارس إلى أن المكلف بتشكيل حكومة جديدة في ليبيا هو البرلمان الليبي الذي منح الصلاحية لحكومة أسامة حماد، لافتًا إلى أن دور الدكتور محمد المنيفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي شرفي وليس له القوة القانونية، رغم أنه حصل على الشرعية الدولية مع حكومة الدبيبة في السابق خلال مؤتمر جنيف.
انتقادات حادة بعد الكشف عن مذكرة تفاهم مع تركيا
وتصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لرئيس عبد الحميد الدبيبة، حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة، بعد الكشف عن مذكرة تفاهم وقعت مع تركيا في مارس الماضي.
وكشفت وسائل الإعلام التركية عن بنود المذكرة، التي قدمها الرئيس رجب طيب إردوغان إلى البرلمان التركي في 12 أغسطس الحالي للتصديق عليها.
تتضمن المذكرة 24 بندًا، تمنح مزايا واسعة وحصانة قانونية للقوات التركية في غرب ليبيا، وهو ما وصفه البعض بالإذعان الكامل لأنقرة، بل واعتبرته بعض الأطراف بـ”اتفاقية الخزي والعار”.
وأثارت مواد مثل أن “أي جرائم يرتكبها أفراد عسكريون أتراك خلال أدائهم واجباتهم الرسمية ستخضع للقانون التركي”، استياءً كبيرًا.
وأكد شريف الجبلي، رئيس لجنة الشؤون الإفريقية بمجلس النواب المصري، لمنصة “MENA” على عمق العلاقة بين مصر وليبيا، مشددًا على أن مصر لن تسمح لأي دولة أجنبية بالسيطرة على مقدرات ليبيا، التي يجب أن تظل ملكًا للشعب الليبي وحده.
وأشار الجبلي إلى أن عدد المصريين العاملين في ليبيا كان يبلغ نحو مليوني شخص قبل عام 2011، موضحًا أن هذا العدد انخفض بشكل كبير نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني خلال السنوات الأخيرة.
وأكد أن تحقيق الاستقرار في ليبيا سيتيح عودة العمالة المصرية للمشاركة في إعادة إعمار البلاد، خاصة في ظل تعطش السوق الليبية للعمالة الفنية الماهرة والمدربة.
كما لفت إلى أن السوق الليبية تفضل العمالة المصرية بفضل مهارتها ولوجود روابط كبيرة بين شركات إلحاق العمالة في مصر والسوق الليبية.
اقرأ أيضًا:
مصر والصومال.. إعادة ترتيب المشهد الإفريقي بعد سنوات من الجمود واستفحال الخطر الإثيوبي
أهداف تنموية وأمنية.. لماذا تنشئ الحكومة مدينة رفح الجديدة؟
انطلاق محادثات وقف حرب السودان في جنيف بغياب الجيش.. ما القصة؟
جهود الوساطة المصرية لوقف حرب غزة