تباينت آراء الخبراء والحقوقيين بشأن الخطوة التي اتخذتها الدولة المصرية بهدم نحو 15 سجنًا قديمًا واستبدالها بخمسة مجمعات جديدة تحت مسمى “مراكز الإصلاح والتأهيل”. تثير هذه الخطوة تساؤلات حول ما إذا كان الأمر يعكس تقدمًا في ملف حقوق الإنسان ومعاملة المسجونين، أم أنه مجرد تغيير في المسميات لتعزيز الاستفادة الاقتصادية من الأصول القديمة.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أوضح في عدة مناسبات أن بناء السجون الجديدة جاء متوافقًا مع معايير حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن الهدف هو تحويل السجون إلى مراكز لإصلاح الأفراد بدلاً من معاقبتهم. وأضاف أن تغيير المسميات يعكس محاولة لتغيير الصورة الذهنية للسجون في المجتمع، مع التركيز على إعداد وتأهيل النزلاء ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع.
ويرى بعض الخبراء أن هذه المراكز الجديدة تعتمد فلسفة العقاب الحديثة، متماشيةً مع استراتيجية الدولة لحقوق الإنسان التي أُطلقت عام 2021. تأتي هذه الخطوة في ظل انتقادات شديدة من منظمات حقوقية ودول غربية حول أوضاع السجون في مصر، بما في ذلك قضايا تتعلق بسجناء الرأي والتعبير.
على الجانب الآخر، يعتبر البعض أن الدافع الأساسي وراء هدم السجون القديمة هو البعد الاقتصادي. فالأراضي التي شُيدت عليها السجون القديمة تقع في مواقع حيوية ذات قيمة استثمارية عالية، ما يجعل استثمارها يدر مليارات الجنيهات. في المقابل، المراكز الجديدة بُنيت على أطراف المدن، وهو ما يتيح للحكومة استخدام الأراضي القديمة لمشاريع اقتصادية تعوض تكلفة إنشاء المراكز الجديدة.
النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، صرّح بأن مسمى السجون قد انتهى بلا رجعة في مصر، وتم استبداله بمراكز الإصلاح والتأهيل. وأكد أن هذه المراكز تراعي حقوق الإنسان وأدميته، كما تتيح للنزلاء فرص عمل داخلها، مثل ممارسة مهن النجارة والحدادة والخبازة، مما يساعدهم على كسب دخل جيد يمكنهم من دعم أسرهم خارج السجن.
رغم هذه التصريحات، يظل التساؤل قائمًا: هل تعكس هذه المراكز تغييرًا حقيقيًا في السياسات والمعاملة داخلها أم أن الأمر يقتصر على تغيير في الشكل والمسمى؟ بالنسبة للحقوقيين، يظل التغيير الجوهري في السياسات والإجراءات هو الأساس لتقييم هذا التحول.
وأضاف “رضوان” في حديثه لمنصة “MENA“، أنه حدث تطور كبير في ملف الغذاء وطعام النزلاء، يُراعى فيه المواصفات القياسية بناءً على معاهد الأغذية، إضافة إلى تطوير الخدمة الصحية على مستوى عالٍ. كما يتم إجراء كافة العمليات الجراحية داخل مراكز الإصلاح والتأهيل من خلال أفضل الأطباء والمتخصصين، علاوة على توافر الأجهزة التعويضية للنزلاء الذين فقدوا ساقهم أو ذراعهم قبل دخول المركز، حيث يتم تركيب جهاز تعويضي لهم.
وأشار رضوان إلى تغيير مسمى قطاع السجون إلى قطاع الحماية المجتمعية، الذي أصبح يُعنى برعاية النزلاء لكي يصبحوا عناصر فاعلة في المجتمع. وأضاف أن هناك إدارة للرعاية اللاحقة تعمل على متابعة شؤون النزلاء وأسرهم وتقديم الرعاية لهم. كما أوضح أن قطاع الحماية المجتمعية يوفر فرص عمل تشمل مزارع دواجن، مزارع حيوانية، أراضي زراعية، وإنتاج وتصنيع الموبيليا والأثاث. كذلك، يضم القطاع مكتبات كبيرة للتثقيف تحتوي على كتب ومراجع في مختلف العلوم والمجالات، مما أتاح لبعض النزلاء الحصول على درجات علمية مثل الماجستير والدكتوراه داخل مراكز الإصلاح والتأهيل.
وعن مصير المباني والأراضي التابعة للسجون القديمة، قال رضوان إن الدولة المصرية والقيادة السياسية تعمل على استغلال الأصول التابعة لها في الاستثمار والتطوير لتحقيق قيمة مضافة. وأضاف أن هذه الأراضي ستُستخدم في مشروعات حضارية واستثمارية تزيد من قيمتها وتحقق أعلى استفادة مادية واستثمارية.
ولم يُحدد رضوان طبيعة هذه المشروعات أو الاستثمارات، لكنه أشار إلى نموذج نقل الوزارات والجهات الحكومية خارج القاهرة القديمة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، بهدف تخفيف الضغط على القاهرة وزيادة الرقعة العمرانية. وأكد أن هذه المقار ستُضاف إلى صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية.
واستشهد رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب بتصريحات سابقة للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الذي أشار إلى استغلال المباني الحكومية القديمة بعد نقلها إلى مواقع جديدة، وتحويلها إلى فنادق عالمية مثل ما يجري حاليًا في مبنى مجمع التحرير وسط القاهرة.
ولفت إلى أن الدولة تهدف إلى إنشاء 2600 غرفة فندقية في منطقة وسط البلد، مع تطوير 15 ألف متر من المساحات الخضراء والمناطق المفتوحة لتكون متنفسًا للمنطقة، واستعادة الشكل الأصيل للقاهرة، وتحويلها إلى مركز ترفيهي وسياحي يضم مطاعم، سينمات، مسارح، وكافيهات.
وكان صندوق مصر السيادي، أعلن مطلع العام الحالي عن إبرام صفقة مع تحالف إماراتي لتطوير أرض الحزب الوطني المنحل بميدان التحرير وسط القاهرة، لتحويله إلى مبنى فندقي وتجاري وسكني. كما أعلن العام الماضي عن تحويل مجمع التحرير إلى مبنى متعدد الأغراض يشمل فندقًا، ومقرات تجارية، إدارية، وثقافية.
بينما يرى مصدر مطلع أن تغيير السياسات والمعاملة هو الأهم من تشييد المباني الحديثة.
وأضاف في تصريحه لمنصة “MENA“، أن التغيير ليس بالمباني الحديثة وإنما بتغيير ثقافة وسياسات القائمين على التعامل مع المحبوسين. وأوضح أن أي تحسينات طرأت تشمل فقط المحبوسين على ذمة قضايا جنائية أو عادية، بينما لا يزال مصير المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي مجهولًا، وسط تعتيم شديد حول أوضاعهم. وأكد أن هناك آلاف المحبوسين دون تحقيقات أو تهم واضحة.
وأضاف المصدر أن الهدف وراء نقل السجون إلى الصحراء هو استغلال الأراضي الخاصة بالسجون القديمة لبيعها واستثمارها، نظرًا لقيمتها المرتفعة. ولفت إلى إغلاق سجن طرة البلد المركزي، والذي تصل قيمة أرضه إلى مليارات الجنيهات. كما شدد على أن تحسين معاملة السجناء هو الأهم من بناء سجون جديدة، خاصة أن أغلبهم تجاوزوا فترة الحبس الاحتياطي.
وأشار المصدر إلى الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الحكومية لمركز الإصلاح والتأهيل الجديد في مدينة بدر، والذي تم تشييده على مساحة 28 فدانًا وفقًا لأحدث النظم المعمارية مع الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة. إلا أن أوضاع السجون الجديدة لا تزال تعاني من مشكلات، خاصة فيما يتعلق بالزيارات، مشيرًا إلى أن نقل السجون إلى الصحراء يزيد من معاناة أسر السجناء.
أكد عصام شيحة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن الدولة وضعت استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان تمتد من 2021 إلى 2026. وأشار إلى تحقيق إنجازات كبيرة في هذا الملف، مع تقديم تقارير دورية للرئيس المصري حول التقدم المحرز. كما نوه بجود تواصل وتنسيق بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.
وأوضح شيحة لمنصة “MENA” أن مراكز الإصلاح الجديدة تم إنشاؤها في مناطق صحراوية قريبة من المدن القديمة لتجنب الضغط على العواصم، مع توفير مساحات واسعة لتشييد المباني وتقديم خدمات متميزة. وذكر أن مصر افتتحت سجونًا جديدة تحت مسمى “مراكز الإصلاح والتأهيل”، منها مراكز في بدر، وادي النطرون، أخميم، العاشر من رمضان، ومدينة 15 مايو.
وواصل: “ما حققته الدولة حتى عام 2024، مثل إصدار قانون الجمعيات، إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وتعديلات قانون السجون التي هدفت لتحويلها إلى مراكز إصلاح وتأهيل تركز على احترام آدمية الإنسان. وأضاف أن 15 سجنًا قديمًا تم هدمها، بينما تم إنشاء 5 مراكز جديدة، رغم استمرار بعض الشكاوى التي لا تقارن بالسابق”.
وأكد شيحة أن هناك تطورات واضحة تشمل بناء مسجد وكنيسة بكل مركز إصلاح، إنشاء مستشفيات متكاملة، تقديم غذاء جيد، وتوفير زنازين واسعة تسع 8 نزلاء فقط.
اقرأ أيضًا:
بعد إقالة السيسي 11 مستشارا رئاسيًّا.. قصة الرؤساء مع التعيين والإقالة
حزب العرجاني الجديد.. حصان طروادة البرلمان المصري 2025
برج مهجور من السبعينيات يفجر أزمات داخل نادي الأرستقراطية المصري