تصاعدت التكهنات حول توتر في العلاقات المصرية-الأمريكية، مع اقتراب تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب مهامه الرئاسية في 20 يناير الجاري. وجاء قرار الخارجية الأمريكية بنقل 95 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر إلى لبنان ليعزز هذا الانطباع، وفقًا لمحللين ومراقبين سياسيين. ويعتبر هؤلاء القرار رسالة غضب واضحة من واشنطن تجاه السلطات المصرية.
وثيقة صادرة عن الخارجية الأمريكية كشفت قبل أيام عن نقل المبلغ المذكور من المساعدات العسكرية المقدمة لمصر إلى لبنان. وذكرت الوثيقة أن الجيش اللبناني بحاجة لتعزيز قدراته بهدف السيطرة على الوضع الميداني وتثبيت اتفاق الهدنة بين حزب الله وإسرائيل.
وأكدت الوثيقة أن القوات المسلحة اللبنانية تُعد شريكًا أساسيًا في دعم اتفاق وقف الأعمال القتالية الموقع في 27 نوفمبر الماضي، والذي يهدف إلى منع حزب الله من تهديد إسرائيل.
ورغم عدم صدور أي رد رسمي مصري على القرار الأمريكي، يرى مراقبون أن الخطوة أثارت استياءً لدى المسؤولين المصريين. ويشير هؤلاء إلى أن القرار يعكس ازدواجية السياسة الأمريكية تجاه مصر؛ فبينما تعتمد واشنطن على الدور المصري في ملفات إقليمية كبرى، مثل الوساطة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تلجأ في المقابل لاستخدام ملف حقوق الإنسان كوسيلة ضغط سياسي، مثلما حدث في هذه الواقعة.
يقول جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إن خصم المبلغ من المساعدات العسكرية ونقله إلى لبنان يُظهر بوضوح رسالة غضب أمريكي تجاه القاهرة، رغم كونها حليفًا رئيسيًا لواشنطن في المنطقة.
وفي تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، أشار زهران إلى أنه لا توجد معلومات دقيقة حول أسباب هذا الغضب الأمريكي، لكنه يرجح وجود عوامل خفية في الكواليس السياسية.
وأضاف زهران أن مصر تسعى دائمًا للحفاظ على علاقات قوية مع واشنطن، لكنها في الوقت ذاته تضع خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها، خاصة فيما يتعلق بأمنها القومي. وأوضح أن الولايات المتحدة ترغب في تقديم القاهرة تنازلات بشأن قضايا إقليمية، خصوصًا المتعلقة بإسرائيل، وهو ما ترفضه مصر حفاظًا على مصالحها الوطنية.
وأشار زهران إلى أن نقل المساعدات العسكرية من مصر إلى لبنان يُظهر رغبة أمريكية في إرسال رسالة سياسية واضحة. ومع ذلك، يرى أنه كان بالإمكان تخصيص المبلغ مباشرة من الميزانية الأمريكية، خاصة أن هذا الخيار يمكن تبريره أمام الكونجرس بحجة ضمان استمرارية الاتفاق بين إسرائيل وحزب الله.
يرى الخبير الاستراتيجي العميد أحمد الفخراني أن قرار نقل جزء من المساعدات العسكرية من مصر إلى لبنان سيكون تأثيره محدودًا وضعيفًا. وأوضح أن جزءًا كبيرًا من هذه المساعدات يُخصص للدعم الفني العسكري، أي بمثابة مقابل مالي لعمليات التدريب التي يجريها الخبراء الأمريكيون في مصر.
وأشار الفخراني إلى أن السلطات المصرية قد تلجأ إلى تقليص حجم الاستعانة بالخبراء الأمريكيين بما يعادل هذا الجزء المخصوم من المساعدات العسكرية، مما يجعل تأثير هذا القرار غير مؤثر بشكل كبير، وهو الخيار الطبيعي في ظل الظروف الحالية.
وأضاف الفخراني في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن الإدارة الأمريكية تهدف دائمًا لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط من خلال إعادة توجيه المساعدات العسكرية والإنسانية للدول بما يتناسب مع الظروف المحيطة. وأشار إلى أن المواقف المصرية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة قد لا تتفق تمامًا مع رغبات واشنطن، مما يفسر ربما هذا التحرك.
وأكد الفخراني أن مصر لا تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الأمريكية في مجالها العسكري، إذ تعتمد على التعاون العسكري مع دول أخرى مثل فرنسا وروسيا، وهو ما قد يثير استياءً أمريكيًا غير معلن.
من جانبه، يرى عاطف دسوقي، الباحث في الشؤون السياسية، أن قرار الخارجية الأمريكية بنقل جزء من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر إلى لبنان يأتي في سياق محاولات واشنطن المستمرة لبث الفتنة بين دول الشرق الأوسط.
وأوضح دسوقي أن القرار يعكس رغبة في تقوية الجيش اللبناني لمواجهة حزب الله، مع إيصال رسالة إلى مصر تعبر عن عدم رضا واشنطن عن موقفها من غزة.
وأضاف دسوقي في تصريحات لمنصة “MENA” أن الإدارة الأمريكية تعمل باستمرار على شق الصف العربي وإحداث فتنة داخلية في دول المنطقة. وأشار إلى أن هناك محاولة واضحة لإحداث وقيعة بين الجيش اللبناني وحزب الله، بما يخدم مصالح إسرائيل في نهاية المطاف.
القرار الأمريكي بنقل المساعدات يعكس رسائل متعددة الأبعاد تجاه الشرق الأوسط، حيث تسعى واشنطن إلى تحقيق مصالح استراتيجية عبر تغيير توازن القوى الإقليمي، مستغلةً المساعدات كأداة سياسية للتأثير على قرارات الدول الحليفة.
اقرأ أيضًا:
جدل “الجبهة الوطنية” مستمر.. كيف تسير الحياة السياسية في مصر؟
ما تداعيات المصالحة الإثيوبية – الصومالية على سد النهضة؟
“الدول النامية” تعيد العاصمة الإدارية للجدل من جديد | تحقيق
هل صفقة الاستحواذ على “رأس الحكمة” تجعلها إمارة خليجية؟