ساكن في حي السيدة وحبيبي ساكن في الحسين، وعشان أنال كل الرضا يوماتي أروح له مرتين، من السيدة لسيدنا الحسين، وكل واحد قال عني عاشق، وقلبه مش هنا، وأنا قلبي متحير ما بين السيدة وسيدنا الحسين.
كلمات تغنى بها “عبدالمطلب”، أحد المطربين في فرقة عبدالوهاب، وبعد نشر أغانيه في الإذاعة
أصبح أيقونة للغناء الشعبي في مصر والعالم العربي، بصوته المميز وفرقته الموسيقية، حتى توفي عام 1980.
وبعد 44 عاماً على رحيله، تغير لون الغناء الشعبي، ليطلق عليها “المهرجانات”، ويطلق على مطربيها “مؤدي”.
أما الفرقة الموسيقية فقد تحولت إلى آلة واحدة تصدر أصواتاً عالية، وينادي “بيكا” بصوت أعلى ليحاول إظهار صوته
على صوت الموسيقى، “أنا بيكا بك بك بكابيك، في الوش أبعت بوازيك، أنا جاي أطلب عريك، فكرك وطلعت أتاريك،
مبشوفش أنا منك كرف، مسمعتش منك حرف، نفسي إني أشوف لك صرف، هانفخ هاديك في البلف”،
إلى أخر كلمات الأغنية التي يستنكر فيها “حمو بيكا” تسميته بالمؤدي، مختتماً كلمات أغنيته “أنا جاي أندب فيكوا كلكوا”،
وهي جملة لا تمت للفن الشعبي بصلة، ولكن إذا أردت معرفتها فيجب عليك أن تكون “سوابق”،
بمعنى أنه سبق لك وأن اتهمت بتهمة جنائية دخلت بسببها السجن عدة أشهر على الأقل، وتعنى هذه الكلمة “بأندبك”،
“أنا جاهز للدخول في معركة معك متحملاً كل عواقبها، حتى وإن وصل بنا الأمر إلى دخول الزنزانة الانفرادية لمدة أسبوعين”.
لكن بين عبدالمطلب وبيكا، كان الفن الشعبي حافلاً بالعديد من المطربين الذين أثروا وجدان الشعب المصري.
فلم يقتصر الفن الشعبي على فئة بعينها وإنما وصل إلى جميع الطبقات، أغاني تشعر وكأنها تجمع الأسرة
وترتبط بذكريات في عقل كل مصري، بدأها عبدالمطلب ومحمد رشدي ومحمد العزبي.
عرف عن الأغاني الشعبية قديماً أنها كانت تحكي حكايات الناس بالمناطق الشعبية، وحكايات الحب والغرام
بين الشباب بهذه الأحياء، وبين الفتيات ذوات “الملاية اللف”، لتكون تعبيراً عن أفراحهم وأحزانهم،
وقصص حبهم وعشقهم، بطريقة يعرفونها ويفهمون معانيها.
ولا يمكن أن نطلق على أغنية، أنها أغنية شعبية إلا إذا استخدمت فيها القطع الموسيقية الشعبية،
مثل الطنبورة أو القيثار، والسمسمية، وطنبورة النوبة، والعود، والبوزق، والقانون، والسيطار، ولوطار، والرباب.
أما إذا استخدمت الآلات الموسيقية الغربية فحينها نكون أمام لون آخر من ألوان الغناء
ولا يمكن أن نسميها أغاني شعبية بسبب نوع الموسيقى المقدم فيها.
واشتهرت هذه الفترة بتقديم كلمات تناسب جميع أفراد الأسرة، حتى أن الطبقة الراقية كانت تستخدم هذه الأغاني
بشكل عادي، بسبب كلماتها المختارة بشكل يناسب الذوق العام في المجتمع المصري ككل، حتى جاءت نكسة 1967م.
كان لنكسة عام 1967م بالغ الأثر في نفوس المصريين، فقد كان الشكل الإعلامي لإدارة المعركة يبعث في النفس
على الاطمئنان بأنها نهاية أسطورة الجيش الذي لا يقهر، يقول الدكتور محمد عبدالقادر حاتم
في كتابه المفاجأة الاستراتيجية في حرب 1973م، فقد كان يدير المشهد الإعلامي حينها
واعتمد على الصدق في نقل الأخبار إلى الناس، أن الإدارة الإعلامية في حرب 67 لم تترك خياراً أمام الناس إلا النصر
لتتوالى الأخبار المفبركة والتي ليس لها أساس من الصحة حول انتصاراتنا على العدو الإسرائيلي وتحطيم طائراته
وكانت الأخبار صحيحة بالفعل، ولكن هذا ما حدث مع الجيش المصري وليس الإسرائيلي.
حوار يحكيه “عبدالقادر”، حول صاروخي الظافر والقاهر، فقال مواطن لأخر “إسرائيل آخرها واحد قاهر وواحد ظافر”
ليجيب صديقه، “أن يكفي واحد ظاهر أو وواحد قاهر”، حتى لا تتأذى الدول العربية المجاورة لإسرائيل
ليتضح في النهاية أنه لا ظافر ولا قاهر، وأن الغلبة كانت لإسرائيل على خمس دول عربية.
مرارة الهزيمة كان لا بد لها من تغيير حقيقي، لتخرج الناس من أزمتهم، ليظهر شاب صاحب صوت مبهج هو “أحمد عدوية”
والذي غير مسار الأغنية الشعبية في مصر، وحققت أغانيه شهرة واسعة في الأوساط الشعبية، وحتى في أوساط الطبقة الراقية في مصر.
وانتقد البعض كلمات الأغاني التي ظهر بها “عدوية” كركشنجي دبح كبشه، يا محلا مرقة لحم كبشه،
وأغاني “السح ادح امبو” و”سلامتها أم حسن”، لكن البعض اعتبرها أغاني رائعة تبعث على البهجة و”الفرفشة”،
وتغير من الحالة النفسية، لتنتشر أغانيه كالنار في الهشيم، وتصبح أيقونة للغناء الشعبي في مصر.
مهد الخديوي إسماعيل شارع الهرم سنة 1869 قبل زيارة ملوك ورؤساء وأمراء دول العالم إلى مصر، من أجل حفل
افتتاح قناة السويس، وعند زيارتك للشارع ستجد في بدايته 4 زواياً صغيرة للصلاة، دون وجود مسجد واحد يجمع الناس،
وفي نهايته ستجد العديد من الكباريهات، التي تقدم المشروبات الكحولية للعرب والمصريين والأجانب،
وإلى جانب تقديم المشروبات، تقدم فقرات الغناء والرقص، حيث كان لكباريهات شارع الهرم آثراً بالغاً في تعزيز
الأغنية الشعبية في مصر، إذ كانت الكباريهات تتبارى فيما بينها لاختيار أفضل المطربين، لتكون الكباريهات
ملاذاً ليلياً للمنتجين، يستقون منها المواهب التي تدر عليهم دخلاًً يغير شكل حياتهم.
ولم يكن لشارع الهرم الأثر البالغ على الأغنية الشعبية وفقط، وإنما على فن الغناء بشكل عام،
فكل من تراه اليوم، ستجد أن بدايته كانت في شارع الهرم، ومن أبرزهم عمرو دياب ومحمد منير وغيرهم،
إضافة لنجوم الأغنية الشعبية “حكيم”، و”سعد الصغير”.
ويعتبر “حكيم”، الإسم الأبرز في عالم الأغنية الشعبية بعد عدوية،
وسيطر على الأغنية الشعبية في مصر منذ نهاية التسعينيات وحتى يومنا هذا، ليظل متربعاً على عرش الأغنية الشعبية.
قدم حكيم العديد من الأغاني الشعبية، التي اشتهر بها، كان من أبرزها،
“ولا واحد ولا مية”، “افرض مثلاً مثلاً”، وغيرها من الأغاني التي بقيت صامدة حتى الآن.
وبعد حكيم، ظهر “سعد الصغير”، لتنقله السنيما نقلة نوعية، بعد ظهور نوع جديد من الأفلام أطلق عليها فيلم
“المطرب والراقصة”، لتفتح الأبواب أمام الأغاني الشعبية يسبق بالطبع كل الوسائل الإعلامية السابقة لنشر الأغاني الشعبية.
اقرأ أيضاً:
ترك آل الشيخ مسيرة استثمارية بين الرياضة والفن في مصر
حي الفنانين..سميح ساويرس يحاول طرد أصحاب المراسم بهرم سيتي بعد عقد ونصف من المشروع
أحمد دومة يثور مجددًا.. لكن تلك المرة على الذات الإلهية
هل تضرر العاملون عبر الانترنت بانقطاع الكهرباء في مصر؟
أدب السجون، لمن لا يعرفه هو أدب خاص بمن دخل السجن بتهم تكون في الغالب سياسية، وحتى لو كانت في ظاهرها جنائياً،
إلا أنها تحمل بداخلها قضية سياسية، وأبرز الأدباء في هذا الصدد هو الأديب الروسي الكبير “ديستوفيسكي”،
وروايته “مذكرات من منزل الأموات”، والتي حكى فيها فترة سجنه وما حدث معه خلال 4 سنوات في سجن بسيبيريا، والتي أبكت القيصر الروسي الذي أمر بسجنه بعد قراءتها.
ولون أدب السجون له طابع خاص، فهو يحمل الكثير من المشاعر المختلطة التي يشعر بها السجين،
تجعله يسخر كل طاقاته وجهده ليحاول إخراج مشاعره، كل على طريقته.
وشهدت الحقبة الحالية العديد من أغاني المهرجانات، والتي تم الخلط بين مصطلحها
وبين مصطلح الأغنية الشعبية، إلا أنه لا يوجد تاريخ محدد لهذا الخلط.
وحتى أغاني المهرجانات نفسها شهدت تغيراً من الأغاني التي تبعث على الفرفشة وتغيير الحالة النفسية،
لتبدأ في الحديث عن “غدر الصحاب”، و”غدر الزمان”.
ومن خلال البحث تبين أن هناك عدة أغاني يتم تداولها في الأسواق تتحدث عن
عدة مساجين بعينهم، دخلوا السجن بتهم جنائية في قضايا قتل عمد، وقتل خطأ، وشروع في قتل.
وإذا كنت من مرتادي “الميكروباص” سيكون لزاماً عليك سماع هذه الأغاني، ومعرفة أبطالها،
الذين غيبتهم السجون بسبب مواقف الرجولة التي دعوا إليها، وألقت بهم في غياهب السجون، ليخرج أصدقاؤهم
بكلمات تعبر لهم عن مكانتهم العالية، ليصل الخبر إلى السجين، أن أغنية تحمل اسمه انتشرت كالنار في الهشيم.
ولكن قبل هذه الأغاني، ظهرت العديد من الأغاني التي تتحدث عن المساجين، ولكن في هذه المرة كان فيها إنكار الذات، فلم
تتعرض لذكر شخص بعينه وإنما كانت تحكي تجربة مغنيها “أبو أصالة”، و”أسعد يحيى”، بعد دخولهما السجن بتهمة القتل.
الأغنية في مطلعها تقول “ياما في الحبس مظاليم”، وبالدخول إلى الأغنية ستجد أن أصحابها قتلوا وسرقوا وشربوا الخمر ولعبوا القمار،
إلا أن افتتاح الأغنية كانت “ياما في الحبس مظاليم”، لا تدري لماذا هو مظلوم؟، لكن ستجد أن كل سجين يشعر بأنه مظلوم،
حتى وإن ارتكب جرماً، سيخلق مجرماً أخر دفعه لارتكاب هذا الجرم، لتجد أنه مظلوم في النهاية،
وفي هذه الأغنية ستجد أن صاحب السوء هو المجرم الذي دفعه إلى هذا الطريق.
في بداية الأغنية ستجد أبطالها في الفيديو كليب الخاص بها يرتادون أتوبيس نقل عام قاموا بسرقة أموال من فيه،
وحينها قال “الدنيا كانت زحمة، وركبنا مع سواق مفيش في قلبه رحمة”، وتنتظر حتى نهاية الأغنية لتعرف
لماذا كان سائق الأتوبيس لا يحمل في قلبه رحمة؟، لتكتشف أن “القافية حكمت”، وأنه لا ذكر مجدداً لشخصية سواق الأتوبيس، فقد كان كومبارس صامت للنهاية.
“مفيش صاحب يتصاحب، مفيش راجل بقى راجل، هتتعامل، هاتعامل، طلع سلاحك متكامل، ولاد سليم اللبانيين،
في كل حتة مسمعين”، أغنية لم يكن يتوقع أكثر المتفائلين أن تخرج الأغنية خارج “عزبة محسن”، التي ذكرت في الأغنية،
حيث تقع العزبة فى منطقة العوايدة، بدائرة المنتزه، في الإسكندرية، والتي فتحت هذه الأغنية أبواب الشهرة على مصراعيها،
وكانت العزبة هي الاخرى “وش السعد” على أصحاب الأغنية، ففتحت لهم أبواب رزق جديدة،
وزادت نسبة الحجوزات في الأفراح، إلى جانب الحفلات الصيفية في الساحل.
المهرجانات كانت مجالاً للعمل لكثير من “المؤدين” كما يطلق عليهم، أو كما أطلقها “حمو بيكا” على نفسه،
“أنا مؤدي”، لتجد أن هذا اللون من الفنون يغزو المجتمع المصري، ولم يتوقف على فئة بعينها.
“حمو بيكا”، حاضراً وبشكل شبه دائم في أفراح “الطبقة الراقية”، إلى جانب “حسن شاكوش”،
و”عمر كمال”، و”أوكا وأورتيجا”، وغيرهم ممن كانت شهرتهم من خلال المهرجانات.
ويتميز هذا النوع من الأغاني، بالموسيقى الصاخبة، بعيداً عن كلمات الأغنية الأساسية، فربما لا تفهم أو لا تسمع
كلمات الأغنية نفسها، وظلت هناك حرباً طويلة بين مطربي المهرجانات وبين الموسيقار حلمي بكر، إلى أن توفي منذ عام تقريباً.
وظلت البرامج تستضيف الموسيقار الراحل إلى جانب شباب المهرجانات، وهو ما كان يصيبه بالصدمة
في كثير من الأحيان بسبب نوع الموسيقى والكلمات المقدمة.
وشنت العديد من البرامج ومواقع التواصل الاجتماعي حملات متواصلة على أغاني المهرجانات، ليصدر
نقيب المهن الموسيقية السابق “هاني شاكر”، قراراً بوقف أغاني المهرجانات، وهو ما رآه رجل الأعمال نجيب ساويرس
وصاحب سلسلة فنادق في الغردقة والجونة، قراراً يجب مراجعته، مشيراً إلى أن المهرجانات فن، يمكن أن تتقبله أو ترفضه،
لكن لا يتم منعه، مضيفاً إلى أن العديد من الأفراح كانت تطلب مجموعة من مطربي المهرجانات.
لكن سرعان ما عدلت نقابة المهن الموسيقية ونقيبها المطرب الشعبي “مصطفى كامل” عن القرار،
فقد كانت الأغاني الشعبية جزءاً مما يقدمه، بأغنيته الشهيرة “قشطة يابا”.