ميزانيات كافية مطلوبة لمعالجة أزمة البنية التحتية المدرسية الهشَّة ونقص الكوادر التعليمية.
(بيروت) – قالت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم إن السلطات المصرية قد أضعفت بشدة الحق في التعليم خلال السنوات الأخيرة بسبب إخفاقها في تخصيص موارد مالية كافية لدعم قطاع التعليم.
يؤثر التراجع في التمويل بشكل كبير على قطاع التعليم في مصر، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة البنية التحتية المتدهورة في المدارس ونقص الكادر التعليمي. ويؤكد الخبراء أن تخصيص ميزانيات كافية أصبح ضرورة ملحّة لتحسين جودة التعليم وضمان بيئة تعليمية ملائمة للطلاب والمعلمين على حد سواء.
أوضحت المنظمة أن الحكومة المصرية قامت بتقليص الميزانية الوطنية للتعليم، سواء من حيث القيمة الفعلية أو كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) والإنفاق العام، مما أدى إلى تفاقم الأزمة التعليمية التي تعاني منها البلاد. وتشمل هذه الأزمة:
تراجع جودة التعليم في المدارس الحكومية، والنقص الشديد في أعداد المعلمين المؤهلين الذين يتلقون تدريبًا ملائمًا ويحصلون على رواتب مناسبة، وكذلك البنية التحتية المدرسية غير كافية وضعيفة، مما يجعلها غير قادرة على استيعاب أعداد الطلاب المتزايدة.
كما انتقد التقرير إخفاق الحكومة المصرية في ضمان التعليم الابتدائي والثانوي المجاني لجميع الأطفال، بما في ذلك الأطفال اللاجئون وطالبو اللجوء، مما يزيد من خطر التسرب المدرسي ويؤدي إلى تقويض مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية.
قال بسام خواجة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش:
“إن نقص الإنفاق على التعليم العام يعكس تخلف الحكومة المصرية عن التزاماتها، حيث يضطر العديد من الطلاب إلى الدراسة في مدارس مكتظة تعاني من نقص التمويل وضعف جودة التعليم.”
وأضاف: “لكن القمع الشديد، الذي يخنق حرية التعبير ويمنع تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، يحرم المصريين من فرصة مساءلة الحكومة بشأن أولويات إنفاقها.”
وافقت الحكومة المصرية والبرلمان على تخصيص 295 مليار جنيه مصري (حوالي 6 مليارات دولار أمريكي) لقطاع التعليم في العام المالي 2024/25، وهو ما يمثل:
1.7% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، البالغ 17 تريليون جنيه مصري (حوالي 380 مليار دولار)، و5.3% من إجمالي الإنفاق الحكومي، المقدر بـ 5.5 تريليون جنيه مصري (نحو 110 مليارات دولار).
يثير هذا التراجع في تمويل التعليم قلقاً واسعاً، إذ يفاقم مشكلات اكتظاظ الفصول، ونقص المعلمين المؤهلين، وضعف البنية التحتية للمدارس. ومع استمرار التضييق على الحريات السياسية والإعلامية، تظل الأصوات المطالبة بزيادة الاستثمار في التعليم مكبلة، دون فرصة حقيقية للتأثير على السياسات الحكومية.
إنفاق التعليم في مصر أقل بكثير من المستويات الدستورية والمعايير الدولية، مما يعكس فجوة تمويلية كبيرة تهدد جودة التعليم في البلاد.
ينص دستور 2014 على أن الدولة ملزمة بإنفاق ما لا يقل عن 6% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) على التعليم، منها 4% مخصصة للتعليم قبل الجامعي. كما حدد الدستور السنة المالية 2016/2017 كموعد لتحقيق هذا الهدف، مع التأكيد على ضرورة زيادة الإنفاق التدريجية حتى يصل إلى المعدلات العالمية.
وفقًا للمعايير الدولية، توصي المؤسسات التعليمية العالمية بتخصيص بين 4% إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع التعليم، إضافة إلى ما لا يقل عن 15% إلى 20% من إجمالي الإنفاق العام لهذا القطاع.
تكشف بيانات البنك الدولي أن مصر تنفق أقل من نصف ما تنفقه الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى على التعليم، حيث بلغ إنفاق هذه الدول:
3.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، و13.1% من إجمالي الإنفاق العام في عام 2023.
يُظهر هذا الفارق الكبير أن مصر لا تزال بعيدة عن تحقيق التزاماتها الدستورية والدولية، مما يؤدي إلى تدهور جودة التعليم، وضعف البنية التحتية المدرسية، واستمرار النقص الحاد في عدد المعلمين المؤهلين.
على الرغم من أن الإنفاق على التعليم في مصر قد زاد اسميًا، إلا أنه يتراجع فعليًا بمرور الوقت من حيث القيمة الحقيقية وكحصة من الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العام.
كشف تحليل أجرته منظمة هيومن رايتس ووتش للموازنة العامة خلال السنوات الخمس الماضية أن الإنفاق على التعليم تراجع من 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020/2021 (ما يعادل 6.7% من إجمالي الإنفاق الحكومي) إلى 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي في موازنة 2024/2025 (أي 5.3% من إجمالي الإنفاق الحكومي)، وهو أدنى مستوى خلال السنوات الخمس الأخيرة.
كما انخفض بشكل حاد مقارنة بمستوى 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014/2015، وهو العام الأول لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كشف تحليل أجرته منظمة هيومن رايتس ووتش أن الإنفاق على التعليم في مصر انخفض بنسبة 24% منذ عام 2014 بالقيمة الحقيقية، أي بعد تعديله وفقًا لمعدلات التضخم.
كما وجدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR)، وهي إحدى أبرز المؤسسات المستقلة التي تراقب ميزانية التعليم في مصر منذ سنوات، أن الإنفاق على التعليم في موازنة 2023/24 كان من بين أدنى المستويات تاريخيًا.
تثير مؤشرات التعليم في مصر مخاوف جدية، ما يؤكد الحاجة الملحّة إلى تمويل قوي لضمان تعليم شامل وجيد ومتاح للجميع.
معدل الأمية في مصر لا يزال مرتفعًا، حيث أظهرت بيانات عام 2021 أن أكثر من ربع البالغين غير قادرين على القراءة والكتابة، وفي عام 2023، بلغت نسبة الأمية بين الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 10 سنوات حوالي 16%، وأيضًا النساء والفتيات في بعض الفئات العمرية يعانين من الأمية بمعدلات تقارب ضعف معدلات الذكور، مما يعكس فجوة تعليمية خطيرة بين الجنسين.
كشف البنك الدولي أنه بحلول عام 2019، كان ما يقرب من 70% من الطلاب في مصر يعانون من “فقر التعلم”، أي أنهم غير قادرين على قراءة وفهم نص مناسب لأعمارهم بحلول سن العاشرة.
وأظهرت التقديرات أن هذه النسبة أسوأ بـ 14.5 نقطة مئوية مقارنة بمتوسط الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى خلال نفس العام.
وفي عام 2024، وصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) جودة التعليم الابتدائي في مصر بأنها تمثل “تحديًا كبيرًا”، مستندة إلى دراسة دولية أجريت عام 2021 لقياس مهارات القراءة لدى طلاب الصف الرابع.
احتلت مصر المرتبة 42 من أصل 43 دولة في الدراسة، ما يشير إلى مستوى متدنٍ للغاية في مهارات القراءة الأساسية، وأكدت اليونيسف أن “الغالبية العظمى” من الطلاب لم يتمكنوا من تحقيق الحد الأدنى من مهارات القراءة، وهو مؤشر خطير على التراجع الحاد في مستوى التعليم الأساسي.
تعاني مصر من نقص حاد في عدد المدارس وأزمة اكتظاظ مزمنة داخل الفصول الدراسية.
ففي عام 2024، أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني أن هناك عجزًا يقارب 250,000 فصل دراسي، مما يزيد من تفاقم مشكلة الاكتظاظ، ويتراوح عدد الطلاب في الفصل الواحد بالمدارس الحكومية بين 43 و55 طالبًا في المتوسط، لكن في بعض المدارس يصل العدد إلى 200 طالب داخل الفصل الواحد، وأفادت وسائل إعلام محلية بأن بعض الطلاب لا يجدون مقاعد أو مكاتب للجلوس عليها داخل الفصول الدراسية.
أعلنت الوزارة عن خطة للعام الدراسي 2024/2025 تهدف إلى تحديد سقف عدد الطلاب داخل الفصول عند 50 طالبًا في 90% من المدارس، وذلك من خلال نقل بعض الطلاب إلى مدارس أخرى للتخفيف من الضغط، وتوفير فترات مسائية للدراسة كحل بديل لمواجهة النقص في الفصول الدراسية.
رغم هذه الإجراءات، لا تزال مخاوف كبيرة تلوح في الأفق بشأن قدرة النظام التعليمي المصري على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب وضمان تحسين جودة التعليم بما يتناسب مع المعايير الدولية.
تعاني مصر من نقص حاد في أعداد المعلمين، حيث بلغ العجز 469,000 معلم في عام 2024، وفقًا للتصريحات الرسمية، وفي محاولة لسد هذا العجز، أعلنت وزارة التربية والتعليم في عام 2022 عن مسابقة لتوظيف 30,000 معلم مساعد بعقود مؤقتة.
بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR)، فإن المعلمين بعقود مؤقتة أكثر عرضة لانتهاكات العمل، حيث يتقاضون رواتب شهرية تبلغ نحو 1,920 جنيهًا مصريًا (ما يعادل 39 دولارًا أمريكيًا)، وهو مبلغ أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور البالغ 6,000 جنيه مصري (حوالي 120 دولارًا أمريكيًا).
تم إخضاع المتقدمين لاختبارات لياقة بدنية تديرها القوات المسلحة، كما تم إجراء مقابلات شخصية لهم من قبل ضباط عسكريين داخل مقرات وزارة الدفاع، وأقصى الجيش آلاف المتقدمين من المسابقة بناءً على مبررات غير قانونية وتمييزية، من بينها زيادة الوزن، الحمل، أو الفشل في اجتياز اختبارات اللياقة البدنية.
لم تقتصر الإجراءات على الاستبعاد فحسب، بل قامت السلطات باعتقال ومحاكمة بعض المتقدمين الذين احتجوا سلميًا على استبعادهم، في خطوة أثارت انتقادات واسعة بشأن انتهاك حقوق العمال وحرية التعبير.
وفي السياق رد المسؤولون المصريون على الانتقادات الموجهة إليهم من خلال إلقاء اللوم على الزيادة السكانية، وإنكار أي انتهاك للدستور فيما يخص ميزانية التعليم، والتلاعب بالأرقام عبر تضخيم الميزانية من خلال إدراج الأموال المخصصة لخدمة الدين العام ضمن الإنفاق التعليمي.
ومع ذلك، في يونيو 2023، أقر الرئيس عبد الفتاح السيسي علنًا بأن حكومته فشلت في تحقيق النسب الدستورية المقررة لتمويل التعليم، لكنه برر ذلك بنقص الموارد، ورفض الانتقادات الموجهة إلى سياسات الحكومة في هذا الشأن.
قلل السيسي من أهمية تعزيز ميزانية التعليم، معتبرًا أن الأولويات الوطنية تتركز على الاحتياجات الأمنية والعسكرية.
لكن في المقابل، تعاني مصر من ضعف نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت 14.1% في عام 2022، وهي أقل من الحد الأدنى البالغ 15%، الذي يعتبره البنك الدولي ضروريًا للحفاظ على استقرار الدولة اقتصاديًا.
ووفقًا لشبكة العدالة الضريبية (Tax Justice Network)، تخسر مصر ما لا يقل عن 438 مليون دولار سنويًا بسبب التلاعب الضريبي والتهرب الضريبي، كما وثّقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR) أن السياسات الضريبية للحكومة لا تولد إيرادات كافية، خاصة فيما يتعلق بفرض الضرائب على الأفراد ذوي الدخل المرتفع والشركات الكبرى.
وفي 20 نوفمبر 2024، أرسلت هيومن رايتس ووتش خطابًا إلى وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية، لطلب توضيح حول سياسات الإنفاق على التعليم، لكنها لم تتلق أي رد حتى الآن.
أخفقت الحكومة المصرية في تطبيق التزاماتها الدستورية والقانونية بموجب دستور 2014، وقانون التعليم لعام 1981، والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي تُلزمها بتوفير تعليم مجاني لجميع المواطنين.
ورغم ذلك، تفرض المدارس الحكومية رسومًا دراسية سنوية تتراوح بين 210 إلى 520 جنيهًا مصريًا (ما يعادل 5 إلى 10 دولارات أمريكية)، مع إعفاء بعض الطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض.
وفي عام 2019، وقبل تفاقم أزمة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، كانت الأسر المصرية التي لديها أطفال في المدارس تنفق ما متوسطه 10.4% من دخلها على النفقات التعليمية، مما يزيد العبء المالي على العائلات.
إلى جانب ذلك، يدفع تراجع جودة التعليم الحكومي العديد من أولياء الأمور إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية لتعويض النقص، ما يضيف تكلفة مالية أخرى على الأسر المصرية.
يُعتبر الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون الدولي، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، وكلاهما وقّعت عليهما مصر والتزمت بتنفيذهما.
ويفرض القانون الدولي على الحكومة المصرية ضمان التعليم الابتدائي المجاني والإلزامي لجميع الأطفال، واتخاذ خطوات واضحة وملموسة لتوفير التعليم الثانوي المجاني والشامل، وذلك ضمن أقصى نطاق تسمح به موارد الدولة.
ويحذر الخبراء من أن أي تخفيض متعمد في ميزانية التعليم، مثل الذي قامت به الحكومة المصرية، يستوجب مراجعة دقيقة وتفسيرًا واضحًا، مع ضمان الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة بما يحفظ حق جميع الأطفال في التعليم الجيد والمجاني.
قال بسام خواجة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش:
“الرئيس السيسي يكرر باستمرار حديثه عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية كمحور رئيسي لسياسات حكومته، لكنه يستخدم هذا الخطاب لتجنب مواجهة الانتقادات حول القمع السياسي المستمر.”
وأضاف:
“لكن الواقع يكشف أن سياسات الحكومة المصرية على مدار العقد الماضي أظهرت فشلًا كبيرًا في تمويل التعليم العام بشكل مناسب، وهو ما تسبب في ضرر بالغ لملايين الأطفال والأسر في جميع أنحاء البلاد.”
رابط المصدر:
https://www.hrw.org/news/2025/01/31/egypt-un-review-spotlights-key-rights-concerns