ترجمات

مصر تشن معارك حدودية ضد المهربين على الحدود السودانية

في ظل تصاعد التوترات على الحدود المصرية السودانية، شنَّ الجيش المصري حملة مكثفة ضد شبكات التهريب عبر نشر طائرات هليكوبتر وقناصة لوقف تهريب الوقود وتجارة البشر، وذكر تحقيق لموقع “ميدل إيست آي”، ورغم هذه الإجراءات الأمنية المشددة، تتغاضى السلطات عن تدفق الذهب السوداني عبر الحدود إلى مصر، في خطوة يُنظر إليها على أنها جزء من مساعي القاهرة لتعزيز اقتصادها المتعثر، هذه التناقضات تفتح باب التساؤلات حول دوافع مصر وراء تكثيف محاربة تهريب السلع الأساسية، وفي الوقت ذاته تسهيل تهريب الذهب، في خضم أزمة الحرب السودانية الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المدعومة إماراتيًا.

 

مهربو الحدود السودانية المصرية يتوسعون في تجارة السلع

 

مع تزايد نجاحاتهم، قرر مهربو الذهب على الحدود السودانية المصرية توسيع نطاق عملياتهم بشكل غير مسبوق، حيث بدأوا في تهريب مجموعة متنوعة من السلع، تشمل الوقود والأسلحة، بل وتجارة البشر أيضًا. هذا التحول في أنشطتهم أثار قلق السلطات المصرية التي سارعت إلى الرد بقوة، قام الجيش المصري بنشر طائرات هليكوبتر وقناصة مجهزة بأحدث الأسلحة الثقيلة، لتنفيذ عمليات عسكرية دقيقة في المناطق الحدودية النائية والجبلية، وفي هذه الهجمات، سقط العديد من المهربين قتلى، ليُضاف إلى المشهد واقع مرير من الصراع العنيف على حدود تشهد توترًا متزايدًا.

 

الحرب في السودان تخلق فرصًا لزيادة التهريب

 

وأشار موقع Middle East Eye، لقد خلقت الحرب في السودان، التي اندلعت في أبريل 2023، الظروف المثالية لازدهار هذه الشبكات التي تقوم بالتهريب، مع انعدام الأمن والتوترات المتزايدة على الحدود، أصبح الوضع نتيجة حتمية للأزمة العسكرية والسياسية في السودان، بينما تسعى السلطات المصرية للحد من تهريب الوقود والسلع الأخرى، فإنها تتغاضى عن عبور الذهب إلى مصر، الذي يُعتبر مفيدًا للاقتصاد المصري المتعثر.

 

 

مصر تدفع بتعزيزات عسكرية على الحدود

 

بناءً على شهادات شهود العيان والمهربين الذين تحدثوا لـ Middle East Eye، أقدمت السلطات المصرية على نشر تعزيزات عسكرية ضخمة على طول الحدود الجنوبية لمصر، في خطوة تهدف إلى فرض الاستقرار في ظل الفراغ الأمني الذي يهيمن على السودان المجاور. هذه التحركات العسكرية تأتي في وقت يشهد فيه الوضع على الحدود تزايدًا في التوترات، مع استمرار الأزمة السودانية التي جعلت المنطقة بأسرها عرضة للفوضى، مما دفع مصر إلى تكثيف إجراءاتها الأمنية في محاولة للسيطرة على الوضع ومنع تفاقم تهريب السلع والأشخاص.

 

 

الذهب السوداني يتدفق لمصر كمياه النيل

 

أفادت مصادر متعددة، بما في ذلك مهربون تحدثوا إلى Middle East Eye، أن تدفق كميات ضخمة من الذهب عبر الحدود من السودان إلى مصر قد تصاعد بشكل كبير منذ بداية الحرب، ولا تقتصر عمليات التهريب على الذهب فحسب، بل تشمل أيضًا مواد سامة مثل السيانيد والزئبق، التي تُعد محظورة في مصر نظرًا لما تحمله من مخاطر بيئية وصحية تهدد البشر والحيوانات. هذه المواد الخطرة تُهرَّب عبر الحدود الشمالية، مما يسلط الضوء على حجم التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها المنطقة في ظل الفوضى التي تسببت فيها الأزمة السودانية.

 

 

تهريب الوقود من مصر إلى السودان

 

من جهة أخرى، يُهرَّب الوقود من مصر إلى السودان، حيث يعاني السودان من نقص حاد في الوقود.

قال تاجر يعمل بين السودان ومصر لـ Middle East Eye، إن الوقود أصبح من أكثر السلع ربحية في عمليات التهريب.

في مصر، حيث يتم دعم الوقود (على الرغم من أن هذا الدعم من المتوقع أن ينتهي بحلول نهاية 2025)، فإن الأسعار أقل بكثير مقارنة بالسودان، الذي يعاني من أزمة وقود شديدة.

 

في مناطق تعدين الذهب الجديدة في السودان، خاصة في شرق السودان وولاية نهر النيل مثل الأنصاري ونورايا، يعتبر الوقود القادم من مصر أمرًا حيويًا بالنسبة لهم، وفقًا لمالك منجم ذهب سوداني في منطقة البحر الأحمر. كما يُستخدم الوقود المهرب في مشاريع زراعية في المناطق الآمنة التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية (SAF)، التي تخوض حربًا مع قوات الدعم السريع (RSF).

 

تهريب البشر والأسلحة

 

في قلب هذه الأنشطة غير القانونية، يبرز تهريب البشر والأسلحة كأكثر الأمور خطورة. المهربون الذين يتخذون من الحدود بين مصر والسودان نقطة انطلاق لعملياتهم، لا يقتصرون على نقل الذهب والوقود والسلع الأخرى فحسب، بل أيضًا تجارة البشر والأسلحة، مما يعمق الأزمة الإنسانية والأمنية في المنطقة. هؤلاء المهربون، الذين ينتمون إلى قبائل الأباظة، والرشايدة، والبشاريين، يسيطرون على جانبَي الحدود، حيث تُعتبر هذه القبائل لاعبين رئيسيين في شبكات التهريب، وتستغل هذه القبائل، المنتشرة عبر الصحراء الجبلية والمناطق الوعرة، صعوبة التضاريس لتسهيل عمليات التهريب، مما يعقّد جهود السلطات في مكافحة هذه الأنشطة.

 

 

عمليات التهريب عبر الحدود

 

قال سائق يعمل في تهريب السلع لـ Middle East Eye إن الوقود والإمدادات الغذائية، بما في ذلك السلع الأساسية، هي أبرز السلع التي يجلبها المهربون من مصر إلى السودان، بينما الذهب، الزئبق، والسيانيد تشكل السلع الرئيسية المهربة في الاتجاه المعاكس. وأضاف: “الوقود في مصر مدعوم، حيث يبلغ سعر الجالون حوالي دولار واحد، في حين يتراوح سعره في السودان بين خمسة وستة دولارات. لقد أصبح الوقود من السلع الأساسية في السوق السوداء”.

 

وأكد عدد من عمال مناجم الذهب في المناجم الجديدة في صحراء البحر الأحمر أنهم يعتمدون بشكل رئيسي على الوقود المهرب من مصر لتشغيل عملياتهم، وفي صور حصلت عليها Middle East Eye من داخل تلك المناطق، ظهرت طوابير من حاويات الوقود القادمة من مصر، حيث يستخدمها العمال في تشغيل مطاحن الزئبق وآلات أخرى تستخدم في استخراج الذهب.

 

وفي شهادة أخرى، قال سائق آخر يعمل في مجال التهريب لـ Middle East Eye إن الزئبق الإسباني والسيانيد، اللذان يُستخدمان في استخراج الذهب في السودان، ولكن يُحظر دخولهما إلى مصر بسبب خطورتهما، تم تهريبهما إلى مصر أيضًا، نظرًا لاستخدامهما الواسع من قبل عمال المناجم. وأضاف: “هذا السوق ضخم. أستطيع أن أخبرك أنه على الأقل 200 مركبة تتحرك كل يوم بين البلدين، تحمل الذهب، الوقود، البشر، والمواد المهربة الأخرى”. وتابع قائلاً: “حتى الطعام، وأجهزة الإنترنت ستارلينك، والاحتياجات الأخرى تأتي من مصر إلى هذه المناطق. في بعض الحالات، يتبادل التجار والمهربون الذهب مع الوسطاء في مصر، ويشترون كميات كبيرة من الوقود ويأخذونها فورًا إلى السودان”.

 

رد فعل الجيش المصري على شبكات التهريب

 

لقد لقي هذا النشاط التجاري المزدهر رد فعل عنيف من الجيش المصري. أفادت مصادر محلية لـ Middle East Eye أن القوات المصرية، المجهزة بطائرات هليكوبتر وقناصة، شوهدت في المناطق الجبلية ونقاط العبور بين السودان ومصر، وشاركت في عمليات أسفرت عن مقتل أو إصابة العديد من المهربين.

 

وفي الوقت نفسه، قام المهربون على كلا الجانبين من الحدود بتسليح أنفسهم وتنظيم أنفسهم لمواجهة وحدات مكافحة التهريب المصرية المدعومة من الجيش، في مناطق مثل أسوان الجنوبية وبعض المناطق الأخرى في جنوب مصر، تُلاحق القوات المسلحة المهربين المسلحين الذين يشاركون في الجريمة المنظمة والتجارة غير القانونية.

 

الاشتباكات المسلحة والنهب على الحدود

 

قال أحد المهربين المصريين لـ Middle East Eye: “لا يمكننا التحرك دون أن نكون مسلحين لأن الجيش المصري أحيانًا يضع نقاط تفتيش متنقلة، ويجب تجنبها”. وأضاف: “لقد خضنا العديد من الاشتباكات معهم. أصيب بعض أصدقائنا وسمعنا عن آخرين قُتلوا”. كما أشار إلى خطر آخر يتمثل في العصابات التي تقوم بنهب السائقين على الطريق بين البلدين، “هم يختبئون في الجبال، وإذا لم تكن مسلحًا بشكل جيد، قد تفقد الذهب أو حتى سيارتك”، كما قال المهرب.

 

أوضح محلل مصري، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، لـ Middle East Eye: “أن السلطات المصرية كانت قلقة بشكل خاص من زيادة تهريب السلع المدعومة، بما في ذلك الوقود. وقال: “العصابات التي تعمل في تهريب الأسلحة بين البلدين هي مشكلة قديمة، لكن تهريب الذهب زاد من التوترات، ومع انعدام الأمن في السودان بسبب الحرب والأعداد الكبيرة من الناس الذين يأتون إلى مصر، أصبحت المنطقة الحدودية غير آمنة للغاية، خاصة وأنها طويلة للغاية وتشمل العديد من الطرق الوعرة”.

 

 

مثلث حلايب والنزاع الإقليمي

 

منطقة أخرى تثير الكثير من الجدل هي مثلث حلايب، وهي منطقة متنازع عليها بين مصر والسودان، وتعد واحدة من أبرز النقاط الساخنة في الصراع الإقليمي، هنا، تقع العديد من مناطق تعدين الذهب الجديدة التي أصبحت مركزًا للأنشطة غير القانونية، مثل مسابا، وادي العلاغي، منطقة صلاح للتعدين، بالإضافة إلى جبال أورجيم والأنبات وغيرها.

 

بدأت عمليات التعدين في منطقة صلاح بمثلث حلايب في عام 2017، حيث جذبت المنطقة اهتمامًا متزايدًا من قبل المستثمرين والعمال المحليين على حد سواء. لكن منذ عام 2020، تغيرت موازين القوى في المنطقة، حيث أصبحت تحت سيطرة شركة شلاتين للموارد المعدنية، المملوكة للدولة المصرية، هذه السيطرة كانت مصحوبة بسياسات صارمة، حيث قامت الشركة بطرد العديد من العمال المحليين والحرفيين الذين كانوا يعملون في تلك المناجم، الأمر الذي خلق حالة من التوتر بين السلطات المصرية والعمال السودانيين، إذ سعت الحكومة المصرية إلى تأكيد سيطرتها على المنطقة الغنية بالذهب، بينما كان العديد من السكان المحليين يعارضون هذه الإجراءات.

 

 

الاشتباكات بين عمال المناجم والجيش المصري

 

قال عمال مناجم سودانيون فروا من المنطقة بعد هجوم كبير من الجيش المصري في أغسطس 2024 لـ Middle East Eye:

“إن العديد من عمال المناجم قُتلوا وأصيبوا في الهجوم، قال إسماعيل أحمد، الذي كان يعمل في المنطقة حتى أغسطس الماضي: “المنطقة تعرضت للهجوم عدة مرات من قبل السلطات المصرية منذ عام 2022، لكن الهجوم الأخير في أغسطس كان الأكبر. استخدموا الآلات الثقيلة وطائرات الهليكوبتر، ونتج عن ذلك مقتل العشرات من الحرفيين وعمال المناجم الصغار، وكان معظمهم من السودانيين”. وأضاف: “تم أيضًا قتل بعض المصريين. وقد فر الآلاف نحو السودان أو مناطق أخرى في مصر”.

 

وقال أحمد أيضًا: “لقد أحرقت وحدات مكافحة التهريب الآلات ومعدات التعدين التي تركها العمال في الحقول، سمعت أن بعض المستثمرين المصريين والأجانب يخططون للسيطرة الكاملة على هذه المنطقة”.

 

 

اللاعبين الدوليين في سباق الذهب

 

في سباق محموم للسيطرة على ثروات الذهب في مثلث حلايب، يشارك مستثمرون من جنسيات متعددة، بينهم بريطانيون وروس وأستراليون، إلى جانب آخرين من شتى أنحاء العالم، هذا الاهتمام الدولي الكبير يعكس الأهمية الاقتصادية المتزايدة للمنطقة، التي أصبحت محورًا رئيسيًا في صراع التعدين على الذهب. وفي هذا السياق، تشير تقارير إلى أن شركة شلاتين للموارد المعدنية، التي تهيمن بالفعل على بعض مناطق التعدين في المنطقة، تخطط للاستيلاء على موقع صلاح الحيوي وإدارته بشكل كامل.

 

في عام 2023، أنتجت شلاتين أكثر من 300 كيلوغرام من الذهب من تلك المنطقة، وفقًا لإحصائيات رسمية من الهيئة المصرية للموارد المعدنية، هذا الإنتاج الضخم يعزز من موقف الشركة المصرية في الصراع الدائر على الثروات المعدنية في هذه المنطقة المتنازع عليها، ويزيد من الضغط على الفاعلين المحليين والدوليين الذين يسعون للحصول على نصيبهم من الكعكة الذهبية.

 

 

التعدين والتهريب شبكة إقليمية تتوسع عبر الحدود

 

تتسع دائرة المنافسة على التعدين والتهريب لتشمل مجموعة واسعة من الدول في المنطقة، حيث لا تقتصر الأنشطة على مصر وحدها، بل تمتد لتشمل أيضًا إثيوبيا، إريتريا، تشاد وجنوب السودان، وفقًا لباحث سوداني فضل عدم الكشف عن هويته، وأوضح الباحث قائلاً: “أنشطة التعدين تمتد عبر الحدود الشاسعة للسودان، حيث تتداخل عمليات التعدين ليس فقط في مثلث حلايب، بل أيضًا في المنطقة التي تربط السودان بكل من ليبيا ومصر”.

 

وأشار الباحث إلى أن الحدود بين السودان وتشاد تشهد تقاطعًا لعدة أنشطة تعدين، إضافة إلى تقاطع هذه الأنشطة مع حركة التجارة بين مناطق شمال وغرب دارفور ووسط وشمال تشاد (التينة وكوري)، وبالمثل، فإن الحدود السودانية مع إثيوبيا تشهد نشاطًا تعدينًا مكثفًا، وبدرجة أقل مع إريتريا، كما بدأ التنقيب عن الذهب في المناطق الحدودية مع جنوب السودان، تحديدًا في مناطق بورو، راجا وأويل في دارفور الجنوبية، مما يعكس تزايد التنسيق بين البلدان المجاورة في هذا المجال.

 

المصدر: 

https://www.middleeasteye.net/news/egypt-sudan-smugglers-border-battles

 

 

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية