منذ أن أطاحت الفصائل الإسلامية بنظام بشار الأسد في سوريا، تراقب مصر بحذر، مدركةً أوجه التشابه مع تاريخها الحديث.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد على يد فصائل إسلامية، تصاعدت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر تحت وسم “#دورك_يا_ديكتاتور”، موجهةً رسالة واضحة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورغم وضوح الرسالة، لم يكن السيسي بحاجة إلى هذا التحذير.
تراقب القيادة المصرية الأحداث في دمشق بقلق وحذر بالغ وهذا منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر العام المنصرم، مدركةً خطورة انتشار عدوى الثورات في المنطقة، هذه المخاوف ليست بجديدة على مصر وسوريا، حيث تشاركتا في تاريخ مضطرب منذ انطلاق ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010، والتي اجتاحت الشرق الأوسط.
في أعقاب فرار الأسد إلى روسيا، اعتقلت قوات الأمن المصرية ما لا يقل عن 30 لاجئًا سوريًا يعيشون في القاهرة، كانوا يحتفلون بشكل عفوي بسقوط نظامه، وفقًا لما أفادت به “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، وهي منظمة حقوقية محلية. كما شددت السلطات المصرية القيود على دخول السوريين إلى البلاد، متطلبةً تصاريح أمنية مسبقة.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز أنه بعد سنوات من التدهور الاقتصادي المستمر في مصر، أصبح الرئيس عبد الفتاح السيسي في وضع شديد الهشاشة، أي مؤشر على أن المصريين قد يستلهمون الحماسة الثورية من السوريين يشكل تهديدًا حقيقيًا، ومع ذلك، لا يتعلق الأمر برغبة المصريين في تمرد مسلح، وفقًا لما ذكرته ميريت مبروك، خبيرة الشؤون المصرية، بل لأن الغضب الشعبي المتزايد قد ينفجر بسهولة في شكل احتجاجات.
أحمد المنصور، المصري الذي غادر بلاده منذ سنوات للانضمام إلى المعارضة السورية، استغل سقوط نظام الأسد ليبرز كأحد أبرز المنتقدين للرئيس عبد الفتاح السيسي، من العاصمة دمشق، بدأ المنصور بنشر سلسلة من الفيديوهات الحادة التي لاقت تفاعلًا واسعًا.
في أحد هذه المقاطع، وجه المنصور رسالته إلى السيسي في فيديو، والذي نُشر عبر منصة “إكس”، وحصد أكثر من 1.5 مليون مشاهدة، ما أثار جدلًا كبيرًا وأحدث ضجة في الأوساط الإعلامية والسياسية.
أشعلت تصريحات أحمد المنصور ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي موجة غضب عارمة في الإعلام المصري المؤيد للحكومة، حيث خصصت البرامج المسائية مساحات واسعة للتنديد بما وصفه المذيعون بمحاولات استهداف مصر.
الإعلامي أحمد موسى كان في طليعة الأصوات الغاضبة، حيث دعا القيادة السورية الجديدة إلى توضيح موقفها من تصريحات المنصور.
وقال موسى في تحذير مباشر: “يجب أن يوضحوا لنا إن كانوا مع ما يحدث من استهداف لبلدنا أم لا.”
بعد هذه الانتقادات بفترة قصيرة في منتصف يناير، اعتقلت السلطات السورية الجديدة أحمد المنصور وعددًا من معاونيه أثناء توجهه إلى اجتماع مع وزير الدفاع المؤقت، وفقًا لبيان صادر عن الحركة المعارضة للسيسي التي أسسها المنصور، ولم يتضح ما إذا كانت السلطات المصرية قد طلبت اعتقاله أم لا.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز أن حركة المنصور طالبت السلطات السورية بالإفراج عنه، مؤكدة أن الشعب المصري يمارس حقه في معارضة السيسي، تمامًا كما فعل السوريون ضد الأسد. حتى الآن، لا تزال الحالة القانونية للمنصور غير معروفة.
على الرغم من إسكات صوت أحمد المنصور مؤقتًا، يبقى الغضب الشعبي في مصر متزايدًا بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.
فقد تراكمت الأزمات الاقتصادية على مدى سنوات، وتفاقمت مؤخرًا بفعل تداعيات الحروب في أوكرانيا وغزة، ومع ذلك، يعزو الكثيرون هذه الأزمات أيضًا إلى سوء الإدارة الحكومية والإنفاق الضخم على مشروعات كبرى يرى كثيرون أنها غير مجدية اقتصاديًا، مما زاد من حالة الاحتقان في الشارع المصري.
وأوضحت نيويورك تايمز، في محاولة لصد الانتقادات المتزايدة، صرح السيسي مؤخرًا بأن الاقتصاد المصري كان في حالة سيئة عندما تولى الحكم في 2013، وأرجع صعوبة تحسين الأوضاع إلى النمو السكاني المتسارع. ومع ذلك، أمضى السيسي سنوات يروج لوعود بازدهار لم يتحقق، حتى مع افتتاحه عاصمة إدارية جديدة تتضمن قصرًا رئاسيًا فاخرًا ومشاريع مكلفة أخرى.
وقالت ميريت مبروك: “الناس مستاؤون بشدة، ولذلك يحاول السيسي تهدئة الأمور.”
وذكرت الصحيفة أنه في بداية حكمه، حظي عبد الفتاح السيسي بشعبية واسعة، إذ اعتبره كثيرون منقذًا بعدما أطاح بجماعة الإخوان المسلمين، التي وصلت إلى السلطة عبر انتخابات ما بعد ثورة 2011 لكنها سرعان ما خسرت دعم قطاعات واسعة من الشعب، غير أن السيسي سرعان ما وجه جهوده نحو ملاحقة الجماعة، التي اعتبرها تهديدًا مباشرًا لحكمه.
فقامت السلطات المصرية بشن حملات مكثفة لمحاكمة الآلاف من أعضاء الإخوان ومناصريهم، ووصفتهم بالإرهابيين، في حين اضطر العديد من قادة الجماعة إلى الفرار خارج البلاد، ومع مرور الوقت، تحول السيسي من قائد منقذ إلى هدف لانتقادات متزايدة، خاصة في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية والسياسية.
رغم ضعف جماعة الإخوان، لا تزال الجماعات الإسلامية هدفًا مفضلًا للسيسي وداعميه، الذين يحذرون باستمرار من خطر الإسلام السياسي، لذلك لم يكن مفاجئًا أن تبدي السلطات المصرية قلقها من الصعود السريع لهيئة تحرير الشام في سوريا، حيث أنها هي جماعة إسلامية متمردة كانت مرتبطة سابقًا بتنظيم القاعدة لكنها تخلت عن جذورها المتطرفة.
يرى محللون أن مصر لم تكن على علاقة ودية مع نظام بشار الأسد، لكنها رغم ذلك فضلت الاستقرار الهش الذي كان يمثله على الفوضى المتفاقمة في محيطها الإقليمي فشكلت الأزمات المستعرة في ليبيا، السودان، وغزة تهديدًا مباشرًا لاستقرار مصر الداخلي، مما دفعها إلى تبني سياسة حذرة تجاه التغيرات في سوريا، حيث تسعى لتجنب انتقال تداعيات الفوضى إلى أراضيها.
في أعقاب سقوط نظام الأسد، تبنت مصر نهجًا حذرًا في التعامل مع القيادة الجديدة في سوريا، حيث لم تبادر إلى عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع المسؤولين السوريين، على عكس ما قامت به دول عربية أخرى.
ونقل دبلوماسيون في القاهرة أن السلطات المصرية حثت حكومات أخرى بشكل غير علني على توخي الحذر في التعامل مع النظام السوري الجديد، محذرة من التسرع في رفع العقوبات المفروضة على البلاد، وتحدث هؤلاء الدبلوماسيون بشرط عدم الكشف عن أسمائهم، لعدم حصولهم على تصريح للإدلاء بتصريحات رسمية.
في هذا السياق، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، على أهمية التنسيق الإقليمي والدولي لضمان أن “لا تصبح سوريا مصدرًا لعدم الاستقرار في المنطقة أو ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية”، مشددًا على ضرورة التحلي باليقظة تجاه التحولات الجديدة في دمشق.
وأشارت نيويورك تايمز أن محمود بدر، الناشط المصري المؤيد للحكومة وأحد قادة الحركة الاحتجاجية ضد جماعة الإخوان المسلمين، قال في منشور على منصة “إكس” إن هيئة تحرير الشام التي سيطرت على دمشق لا تختلف عن جماعة الإخوان.
وأضاف بدر: “كلها شبكة واحدة ولا يمكن لأحد إقناعنا بعكس ذلك”، مشيرًا إلى صور منتشرة تُظهر زعيم الجماعة السورية مع عضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
رغم استمرار العداء الشعبي للإسلاميين في مصر، إلا أن حالة الغضب من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للرئيس عبد الفتاح السيسي تتزايد بشكل لافت، في هذا الإطار، وصف برودريك ماكدونالد، الباحث في مركز الدراسات الدولية للتطرف في كلية كينغز بلندن، التطورات الأخيرة بأنها تأتي في “توقيت سيء للغاية بالنسبة للسيسي”، الذي يواجه ضغوطًا مضاعفة جراء أزمة اقتصادية خانقة واحتقان شعبي متصاعد.
المصدر:
https://www.nytimes.com/2025/01/31/world/middleeast/egypt-syria.html