تحذير شديد اللهجة أطلقته مصر على لسان وزير خارجيتها الدكتور بدر عبد العاطي، إلى أثيوبيا، وذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري نظيره الصومالي أحمد معلم قبل أيام. قال الوزير إن البحر الأحمر يخص الدول المتشاطئة عليه فقط، ولا يمكن القبول بغير ذلك.
هذا التحذير تداولته وسائل الإعلام الغربية باعتباره صريحًا وموجهًا نحو أثيوبيا، التي تسعى لإيجاد منفذ بحري لها منذ عام 1993، بعد استقلال إريتريا عقب حرب دامت ثلاثة عقود، مما جعل أديس أبابا تعتمد على موانئ جيرانها.
في عام 2023، أفصح رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد عن نيته في إيجاد منفذ بحري كهدف استراتيجي لبلاده، وبالفعل أبرمت أثيوبيا اتفاقًا لتأمين ممر مباشر إلى البحر الأحمر عبر أرض الصومال. فلماذا تخشى مصر سيطرة أثيوبيا على البحر الأحمر؟ وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالأمن القومي المصري والعربي على حد سواء؟
قال الدكتور رمضان قرني، الخبير في الشؤون الأفريقية، إن حديث وزير الخارجية المصري بأن البحر الأحمر للدول المتشاطئة فقط هو حديث لا ينفصل عن مبادئ السياسة الخارجية المصرية التي تُعلي من شأن القانون الدولي والسيادة بين الدول. وأشار إلى أن هناك قواعد تحكم الحدود الساحلية للدول، ومن ثم جاء تصريح وزير الخارجية المصري منسجمًا مع قواعد القانون الدولي وموجهًا بالأساس إلى أثيوبيا، التي تسعى لحدود ساحلية دون أن تكون مطلة على البحر الأحمر، ما ينتقص من سيادة الصومال التي لها مكانة بارزة على الصعيدين الأفريقي والعربي.
وأضاف قرني في تصريحات لمنصة “MENA“، أن الموقف المصري يتماشى مع العديد من المواقف الدولية والإقليمية، مثل موقف الاتحاد الأفريقي الذي أقر منذ عام 1963 بمبدأ قدسية الحدود الموروثة بعد الاستعمار، وهو مبدأ لا يزال الاتحاد الأفريقي يتبناه حتى الآن. وأكد وقوف الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي بجانب الصومال في الحفاظ على سيادته. كما أشار إلى أن السعودية، عند تأسيسها مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر، لم تدعُ إلا الدول التي لها سواحل على البحر الأحمر، رغم رغبات دول غير مطلة مثل إسرائيل وأثيوبيا في الانضمام، إلا أن هناك رفضًا جامعًا لذلك.
وأشار خبير الشؤون الأفريقية إلى أن القضية تتعلق أساسًا بالطرف الأثيوبي، دون استبعاد الدور الإسرائيلي، فكلاهما يسعى للسيطرة على البحر الأحمر. وأوضح أن أثيوبيا لا تسعى للوجود في البحر الأحمر لأسباب اقتصادية أو تنموية، بل لأغراض عسكرية. ودلل على ذلك بعرض جيبوتي على أثيوبيا إقامة ميناء على سواحلها لتصدير منتجاتها كبديل لاتفاق “أرض الصومال”، إلا أن جيبوتي لم تتلقَّ ردًا.
وأكد قرني أن الحديث عن إقامة قاعدة عسكرية تمتد لمسافة تقارب 18 ميلًا على سواحل البحر الأحمر لا يهدد مصر فقط، بل الأمن القومي العربي بأكمله. وأشار إلى أن الممرات المائية في هذه المنطقة، مثل باب المندب وخليج عدن وقناة السويس، تمثل قضايا حيوية للدول العربية. لذلك، وجود أطراف خارج المنظومة العربية والدول المتشاطئة يعتبر انتقاصًا من السيادة وتهديدًا محتملاً، حتى وإن أبدت أثيوبيا حسن النية.
كما أشار إلى أهمية مراقبة تصريحات بعض الأطراف الدولية، خصوصًا ما صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب زيارته أثيوبيا، حيث أكد على حق أديس أبابا في التواجد على البحر الأحمر. وأوضح قرني أن تصريحات ماكرون ليست سوى “مجاملة دبلوماسية”، في ظل سعي فرنسا لتعزيز وجودها في القرن الأفريقي بعد تراجع نفوذها في القارة السمراء.
في السياق ذاته، قال محمد عثمان، الباحث في العلاقات الدولية، إن حديث وزير الخارجية المصري حول الدول المتشاطئة في البحر الأحمر يأتي في إطار مواصلة دعم سيادة الصومال ضد ما يحاك بها من مخططات التقسيم والتجزئة من جانب إثيوبيا، التي لعبت دورًا في غاية السلبية على مدار تاريخ الصومال الحديث منذ استقلاله في عام 1960. وأشار إلى سعي إثيوبيا لوضع موطئ قدم على ساحل البحر على حساب سيادة الصومال، مؤكدًا أن مصر ترفض استغلال البحر الأحمر من قبل أي طرف عبر التحركات الأحادية، لا سيما إذا كانت تلك التحركات تحمل طابعًا عدوانيًا يخالف الأعراف الدولية ويهدد وحدة الصومال.
وأضاف عثمان في تصريحات لمنصة “MENA“، أن التوقيت له دلالات مفادها دحض ما أُثير من شائعات حول مواصلة محادثات التهدئة بين الصومال وإثيوبيا بوساطة تركية. وأوضح أن تركيا تسعى لمنع تدهور الأوضاع بين البلدين بسبب التوترات المتصاعدة، خاصة مع مساعي أديس أبابا لاستغلال أراضي وسواحل إقليم “أرض الصومال” الانفصالي تجاريًا وعسكريًا دون الحصول على موافقة الحكومة الفيدرالية في مقديشو المعترف بها دوليًا. وأكد أن التحركات الإثيوبية تُعتبر اعتداءً صريحًا على سيادة الصومال، وبالتالي جاءت التصريحات المصرية الأخيرة لتؤكد التزام القاهرة بدعم استقرار ووحدة وسيادة الصومال. يأتي ذلك في ضوء ما أبرمه زعماء مصر والصومال من اتفاقيات تعاون في عدة مجالات، من بينها التعاون الأمني والدفاعي.
وأكد الباحث في العلاقات الدولية أن إثيوبيا هي المقصودة بتلك التصريحات القوية، حيث انتهجت أديس أبابا ممارسات تمس بسيادة ووحدة الصومال عبر توقيع مذكرة تفاهم غير قانونية مع سلطة الأمر الواقع الانفصالية في “أرض الصومال” لاستغلال سواحلها لأغراض عدة، منها الاستخدامات العسكرية. وأوضح أن هذه الخطوة تشكل تهديدًا ليس فقط على سيادة ووحدة الصومال، بل أيضًا على أمن واستقرار حركة الملاحة بمنطقة جنوب البحر الأحمر، مما يلقي بظلاله السلبية على الملاحة في قناة السويس المتأثرة أساسًا بهجمات الحوثيين في اليمن.
وأشار عثمان إلى وجود عوامل عدة تحفز حكومة أبي أحمد على تبني هذه السياسات الاستفزازية. العامل الأول يكمن في حرمان بلاده التاريخي من أي منفذ بحري منذ استقلال إريتريا في عام 1991 إثر سقوط نظام منجستو هيلا مريم، مما جعل إثيوبيا دولة حبيسة تعتمد على موانئ دول الجوار في منطقة القرن الأفريقي، لا سيما جيبوتي، لوصول تجارتها إلى البحر. أما العامل الثاني فيكمن في محاولة أبي أحمد الهروب من مواجهة أزمات بلاده الداخلية عبر إشعال التوترات الخارجية لتوحيد المجتمع الإثيوبي المتنوع عرقيًا، والذي يعاني من نزاعات داخلية.
وأوضح الباحث أن إثيوبيا تسعى لزيادة نفوذها داخل الصومال أو في جزء منه، لمواجهة مطالب الحكومة الصومالية برحيل القوات الإثيوبية المشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي عن الأراضي الصومالية بحلول نهاية العام الجاري. كما أن سعي إثيوبيا للتواجد على البحر الأحمر قد يكون هدفه مناكفة مصر، التي تعتمد على حرية الملاحة في البحر الأحمر ومداخله لضمان استقرار وأمن حركة الملاحة في قناة السويس. هذا يفسر جزءًا من دوافع تحركات القاهرة السياسية والعسكرية، في إطار الاتفاقيات الثنائية مع مقديشو وتحت مظلة الاتحاد الأفريقي، لدعم وحدة وسيادة واستقرار الصومال باعتباره بلدًا عضوًا في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، يتمتع بعلاقات تاريخية عميقة مع مصر.
وقال إسلام نجم الدين، الباحث السياسي بالمركز العربي الأفريقي، إن مصر والسعودية تحركتا منذ عام 2020 لتأسيس منظمة الدول المطلة على البحر الأحمر، والتي تضم اليمن والصومال وإريتريا والسودان ومصر والأردن والسعودية وجيبوتي. وأكد أن هذه المنظمة مخصصة للدول المتشاطئة عليه، ولن يُسمح بدخول أي دول أخرى إليها. وأوضح أن هذا الموقف قوبل باعتراض من أديس أبابا، التي ترى أنها صاحبة حق أصيل في الحصول على منفذ بحري بسبب أزمتها مع إريتريا.
وأضاف نجم الدين في تصريحات لمنصة “MENA“، أن التصريحات المصرية على لسان وزير الخارجية جاءت عقب محاولات أثيوبيا الالتفاف على الصومال، من خلال محاولة إنشاء ميناء عسكري وتجاري يخضع لسيادتها في إقليم “أرض الصومال”. وأشار إلى أن أثيوبيا تستغل عدم رغبة الصومال في الدخول في صراع مع الحكام الإقليميين لهذا الإقليم، الذي يسعى لتغيير التوازن الجيوستراتيجي في المنطقة. وأوضح أن تصريح الوزير بدر عبد العاطي جاء ليضع خطوط الاستراتيجية المصرية في المنطقة. كما أكد أن هذا الإعلان يرتبط بالمحادثات بين الصومال وأثيوبيا بشأن منح أثيوبيا تسهيلات بحرية وتجارية في الموانئ الصومالية، مع التأكيد على السيادة الكاملة للصومال على تلك المنافذ.
وأشار الباحث إلى تصريحات وزير الخارجية الصومالي خلال زيارته إلى مصر، التي أكدت أن تفاهمات أنقرة لا تعني تراجع التعاون العسكري والأمني بين الصومال ومصر. بل أشار الوزير إلى طلب زيادة الدعم العسكري المصري وتعزيز قوات حفظ السلام في الصومال، مما يعزز من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وأضاف نجم الدين أن هناك مخططًا سابقًا لإدارة ترامب يتعلق بالحصول على قاعدة عسكرية أمريكية في إقليم “أرض الصومال” لمواجهة الحوثيين. وأوضح أن هذا المخطط يبدو غريبًا نظرًا لأن القاعدة الأمريكية في جيبوتي تلبي جميع الاحتياجات، كما أن الأسطول الخامس الأمريكي لديه تسهيلات قوية في الموانئ الكينية والتنزانية.
اقرأ أيضًا:
قبل دخولها حيّز التنفيذ.. لماذا تعارض مصر اتفاقية عنتيبي؟
ما تداعيات المصالحة الإثيوبية – الصومالية على سد النهضة؟
أزمة أرض الصومال.. ترقب مصري حتى تنصيب ترامب
مصر والصومال.. إعادة ترتيب المشهد الإفريقي بعد سنوات من الجمود واستفحال الخطر الإثيوبي