وقف إطلاق النار”.. حلم يراود أهالي قطاع غزة بعد أكثر من عام على رصاص لا يهدأ، وعدوان بات يتوحش يومًا بعد يوم، وآلاف من الآليات العسكرية التي استطاعت أن تحوّل القطاع بأكمله إلى ركام. ورغم المفاوضات غير المجدية على مدار أكثر من عام، إلا أن هناك تفاؤلًا حذرًا بالمفاوضات الحالية بين الجانب الإسرائيلي وحركة حماس برعاية مصر.
عراقيل كثيرة تحاول مصر تذليلها بين الطرفين أو تقريب وجهات النظر؛ أملًا في الوصول إلى اتفاق أسماه الإعلام الغربي بـ”الفرصة الأخيرة”، قُبيل دخول ترامب البيت الأبيض في يناير المقبل. فماذا حملت المفاوضات وما تطوراتها؟
قال الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، إن مصر تتحرك هذه الفترة بكل قوة للعمل على الوصول إلى تفاهمات تفضي إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة. فالدولة المصرية لا تألو جهدًا في هذا الاتجاه، وتحركت في الفترة الأخيرة بعد جمود طال المفاوضات خلال الفترة الماضية، مؤكدًا وجود الكثير من العقبات التي تواجه الدولة المصرية باعتبارها الدولة المعنية الأولى بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وأكد أستاذ العلاقات الدولية أن إسرائيل ليس لديها رغبة حقيقية في إيقاف هذا العدوان وإنهاء حرب طالت مداها لأكثر من عام. وبالتالي تتحرك القاهرة لذلك، وقد أرسلت مصر وفدًا أمنيًا إلى إسرائيل بشأن هذه الهدنة للتغلب على العراقيل التي تحاول بها إسرائيل إفشال أي مفاوضات توقف نزيف القتل في غزة.
وأشار “فارس” إلى أن المفاوضات المصرية تأتي برعاية شركاء إقليميين مثل قطر والولايات المتحدة، حيث تعتبر الأخيرة العنصر الضاغط على حكومة نتنياهو للقبول بهدنة في غزة. وأكد أن أبرز النقاط التي تسعى القاهرة إلى تذليلها هي انسحاب إسرائيل من معبر رفح من الجانب الفلسطيني وأيضًا من ممر نتساريم وممر فيلادلفيا، مشددًا على أن جميعها نقاط رئيسية تسعى القاهرة من خلالها إلى وقف إطلاق النار في غزة، إضافة إلى النظر في دخول عدد كبير من المساعدات إلى قطاع غزة لمساعدة عدد أكبر من أهالي القطاع المحاصر.
وأكد “فارس” أن مفاوضات غزة تتقدم وتختلف عن أي مفاوضات تمت منذ بدء العدوان، لكن هناك تنازلات يجب أن يقدمها الطرفان. ففي ظل إصرار مصر على الانسحاب من محور نتساريم ومعبر رفح من الناحية الفلسطينية، تبدو إسرائيل متمسكة ببقاء جزء من قواتها في محور نتساريم ورفح. أما عن التنازلات التي قدمتها إسرائيل هذه المرة في المفاوضات، فتتمثل في نقطة الانسحاب التدريجي من غزة، لكن لا توجد تفاصيل حول هذه النقطة، إذ يتحدث الإعلام الأمريكي بأكمله عن تقدم قد تحرزه المفاوضات الجارية.
وألمح “فارس” إلى أن قضية المحتجزين لدى حماس لا تزال هي النقطة الأهم التي أجبرت الوفد الإسرائيلي على التفاوض حول وقف إطلاق النار هذه المرة. وتستعد حماس لإعداد قائمة بأسماء المحتجزين لديها تمهيدًا للإفراج عنهم حال نجاح الاتفاق بعد المفاوضات المستمرة.
قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن المفاوضات حتى هذه اللحظة جارية ومستمرة بين الجانب الفلسطيني وإسرائيل برعاية مصرية، ويدعم ذلك جهود الولايات المتحدة الأمريكية وقطر. فالمفاوضات هدفها الرئيسي الوصول إلى صيغة تفاهمية حول الوجود الإسرائيلي على معبر رفح من الناحية الفلسطينية، وهذه صفقة جزئية في المفاوضات الدائرة.
وربما تكون المفاوضات هذه المرة مجدية، لكن يبقى التفاؤل حذرًا، إذ هناك حديث عن أن تكون مدة الهدنة بين 40 إلى 60 يومًا. لكن نجاح الاتفاق يتوقف على كونه دائمًا لوقف حرب دارت رحاها على مدار أكثر من عام وراح خلالها آلاف الشهداء والجرحى دون تحقيق أي إنجاز للطرفين في الحرب الدائرة.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن التفاؤل الذي يحيط بالمفاوضات هذه المرة سببه العوامل الكثيرة والمستجدات في إسرائيل التي قد تدفع نتنياهو للقبول بالاتفاق هذه المرة. أول هذه المستجدات هو فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية، ما فتح آفاقًا جديدة لوقف الحرب التي تشنها إسرائيل على مدار أكثر من أربعة عشر شهرًا، خاصة بعد تهديد ترامب بدفع الفصائل الفلسطينية “ثمنًا باهظًا” إذا لم يُطلق سراح الرهائن المحتجزين لديها قبل تولّيه منصبه في 20 يناير المقبل. وقد تزامن هذا التصريح مع إعلان حركة حماس مقتل 33 رهينة من بين المحتجزين لديها منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأشار “فهمي” إلى أن ثاني المستجدات التي قد تدفع الوفد الأمني الإسرائيلي للقبول هي محاكمة نتنياهو. حيث أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، بشهادته لأول مرة في محاكمته المستمرة منذ فترة طويلة في قضايا فساد، قائلًا إنه مستهدف من الإعلام بسبب سياساته الأمنية المتشددة. لذا يريد أن يحرز تقدمًا في ملف المحتجزين مهما كانت النتائج، لتهدئة الرأي العام ضده.
وأكد “فهمي” أنه لا يمكن التطرق للمفاوضات دون ذكر الضغوط الداخلية على نتنياهو، التي تتمثل في التظاهرات ضد حكومته، فضلًا عن تأزم الوضع خارجيًا بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو. كل هذه الأسباب جعلت نتنياهو في مأزق ولا مفر سوى عقد صفقة محتجزين مقابل وقف إطلاق النار.
في السياق ذاته، قال الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، إننا قريبون جدًا من تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. فالمفاوضات ما زالت جارية حتى هذه اللحظة بين حماس وإسرائيل بجهود مصرية تحاول تقريب وجهات النظر بين الطرفين، لكن يبدو أن هناك اتفاقًا قريبًا.
مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان يستعد لزيارة المنطقة خلال أيام في مسعى أخير للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية قبل نهاية ولاية بايدن وبداية فترة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في يناير المقبل. حيث إن مجيء سوليفان في زيارة للمنطقة يعني أن الاتفاق أوشك على الخروج إلى النور.
وأكد “الحرازين” أن صفقة تبادل المحتجزين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تشهد تقدمًا ملحوظًا رغم وجود فجوات لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها حتى الآن. ما يشير إلى احتمالية كبرى لبلورة اتفاق جديد يختلف عن الاتفاقات السابقة قبل دخول ترامب البيت الأبيض. ويبدو أن الاتفاق سيكون على أجزاء، حيث يتحدث الإعلام الإسرائيلي عن نجاح الصفقة “جزئيًا”، والتي تتضمن إفراجًا جزئيًا عن عدد من المحتجزين المدنيين دون الإفراج عن الجنود المحتجزين لدى حركة حماس.
وتشترط حركة حماس أن تحدد إسرائيل جدولًا زمنيًا للانسحاب من القطاع مقابل الإفراج عن جميع المحتجزين لديها، وبالأخص العسكريين.
مؤشرات إيجابية حملها الإعلام الإسرائيلي، حيث قالت صحيفة هآرتس الناطقة بالعبرية إن تل أبيب مستعدة لتقليص قواتها في محور صلاح الدين ضمن الصفقة المطروحة الآن. لكن الخلاف الدائر الآن يتعلق بالتواجد الإسرائيلي في محور نتساريم.
وأشارت مصادر مطلعة على المفاوضات إلى أن قيادة في حماس بعثت برسائل خلال الساعات الأخيرة، تؤكد أن الحركة تبدي مرونة في مفاوضات التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في قطاع غزة. وأفادت المصادر أن الحركة أبدت استعدادها لإبرام صفقة جزئية تتضمن الإفراج عن عدد من المحتجزين مقابل تقدم في المفاوضات.
وأكدت الصحيفة العبرية أن حركة حماس تدرك أن التطورات في لبنان وسوريا تتطلب منها إبداء مرونة في مطالبها. وأشارت إلى استعداد الحركة للاتفاق على عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا ومحور نتساريم في المرحلة الأولى من الصفقة، مع عودة المهجرين إلى شمال القطاع.
وأفادت بأن حركة حماس وافقت أيضًا على انسحاب إسرائيلي تدريجي من معبر رفح للسماح لمصر بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة. لكن الغموض ما زال يخيم على المشهد في المرحلة الأولى من الاتفاق، حيث لم يُحسم بعد من سيدير المعبر وهل سيكون تحت قيادة فلسطينية أم قيادة دولية إسرائيلية.
اقرأ أيضًا:
إسرائيل “تستفز مصر” من جديد في الحرب على غزة
جهود الوساطة المصرية لوقف حرب غزة
هل بدأ الاستثمار الإماراتي في تعمير شبه جزيرة سيناء؟
هل تستطيع مصر إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بين فتح وحماس؟