قال السفير أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، في حديث له منذ أيام مع الإعلامي أحمد موسى في برنامج “على مسئوليتي” عبر فضائية “صدى البلد”، إن ما يعصف بالشرق الأوسط في الوقت الراهن ليس إلا امتدادًا للفوضى التي بدأت منذ أحداث 2011، والتي وصفها بـ “الربيع العربي المأساوي”، موضحًا أن إسرائيل تعمل على إضعاف المنطقة بشكل ممنهج بهدف إعادة تشكيل خارطتها الجغرافية والجيوسياسية، مستندة في ذلك إلى رؤى وخطط بنيامين نتنياهو، الذي وصفه أبو الغيط بأنه العقل المدبر وراء الدمار الذي لحق بكل من العراق وسوريا.
كما دعا إلى ضرورة التوقف عن الاستماع لأصوات المنادين بحقوق الإنسان في الغرب، خاصة بعد الجرائم التي شهدها العالم في غزة، مشيرًا إلى أن أحداث 2011 كانت العامل الأساس الذي فتح الباب للفوضى الحالية في الشرق الأوسط.
وأكد أن نتنياهو يواصل فرض حصار خانق على قطاع غزة، في الوقت الذي ترتكب فيه قوات الاحتلال جرائم ضد الشعب الفلسطيني، مما يزيد من معاناة أهالي القطاع بشكل مستمر.
فوسط خضم الفوضى السياسية والاضطرابات المستمرة التي تمزق أوصال الشرق الأوسط، جاءت تصريحات السفير أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، لتعيد إلى الواجهة رواية مألوفة ولكنها مثيرة للجدل، حين أرجع أبو الغيط سبب ما يشهده العالم العربي من انهيار وفوضى إلى أحداث 2011، التي عرفت بـ “الربيع العربي”، بدا وكأنه يغض الطرف عن التعقيدات العميقة التي ساهمت في تفاقم الأزمات.
فهل كان الحراك الشعبي في تلك الحقبة مجرد شرارة؟ أم أن جذور الفوضى تمتد إلى تراكمات طويلة من سوء الإدارة والفساد والاستبداد؟
إلقاء اللوم على تلك اللحظة التاريخية قد ينطوي على تجاهل صارخ للحقائق التي تفاقمت بفعل الأنظمة الحاكمة، والتي أجهضت تطلعات الشعوب نحو الحرية والكرامة.
وربما كانت تصريحات أبو الغيط محاولة لتبسيط الأحداث أو حتى تبرير إخفاقات الحكومات المتعاقبة، لكنها بلا شك تتجاهل عمق الجروح المفتوحة، وتبسط الأسباب المعقدة التي أوصلت المنطقة إلى ما هي عليه اليوم.
إن الحديث عن “الربيع العربي” كسبب وحيد للفوضى ما هو إلا قراءة سطحية لا تعكس حقيقة التراكمات السياسية والاجتماعية التي كانت بمثابة برميل بارود ينتظر الانفجار.
اجتماعات طارئة وتوثيق لجرائم إسرائيل
ترى الصحفية والباحثة مونيكا عياد، المتخصصة في الشؤون الدولية والعربية وإعلام الذكاء الاصطناعي، أن جامعة الدول العربية واحدة من المؤسسات الإقليمية التي تلعب دوراً مهماً في معالجة القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي تُعد القضية المركزية والأساسية لجميع الدول الأعضاء.
وفي ظل الأحداث الحالية في غزة، يمكن القول إن الجامعة تبذل جهوداً دبلوماسية وسياسية واجتماعية واقتصادية لتعزيز موقف الفلسطينيين ودعم حقوقهم.
تؤكد مونيكا في تصريحات لمنصة “MENA” أنه منذ اندلاع أحداث “طوفان الأقصى”، لم يتوقف التركيز على القضية الفلسطينية في اجتماعات الأمانة العامة والمندوبين ووزراء الخارجية.
فقد عقدت الجامعة العديد من الاجتماعات الطارئة، حيث تم تبني قرارات تهدف إلى الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية، كما تعمل الجامعة على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل، وتحضير الوثائق اللازمة لتقديمها إلى محكمة العدل الدولية.
وتتابع الباحثة المتخصصة في الشؤون الدولية: “تسعى الجامعة أيضاً إلى تقديم دعم اقتصادي واجتماعي للفلسطينيين، مما يعكس التزامها العميق بالقضية الفلسطينية.
هذا التوجه يُظهر أن الجامعة ليست مجرد هيئة دبلوماسية، بل هي منصة تتعاون فيها الدول العربية لتقديم المساعدة وتحقيق الأهداف المشتركة، على حد تعبيرها.
ورغم وجود حملات تشويه تتعرض لها الجامعة العربية، فإن هذه الحملات تهدف إلى إضعاف الروابط بين الدول العربية، مما يسهل تفتيت المواقف العربية ويجعلها أكثر عرضة للتدخلات الخارجية، حيث تستخدم هذه الحملات كوسيلة لتحقيق أجندات سياسية معينة من قبل دول أو قوى خارجية تستفيد من تفكيك الكيانات العربية.”
أما بالنسبة لتصريح السفير أحمد أبو الغيط حول أن ما يحدث في الشرق الأوسط هو نتيجة للربيع العربي، علقت مونيكا بأنه يمكن تفسير ذلك كإشارة إلى الأثر الذي أحدثته التحولات السياسية والاجتماعية في المنطقة. فالربيع العربي أظهر تعقيد الأوضاع العربية وأدى إلى تغييرات في الديناميكيات السياسية، مما أثر على الأزمات الحالية بما في ذلك الصراع في غزة.
وعن دور الجامعة العربية في الصراعات، قالت مونيكا إن الجامعة العربية تتمتع بدور غير مباشر في الصراعات في الشرق الأوسط، فهي تسعى إلى تعزيز الحوار وتقديم الوساطات، ولكن قوة تأثير قراراتها تعتمد على التوافق بين الدول الأعضاء. لذا، من المهم أن نفهم أن الجامعة ليست لديها “عصا سحرية” يمكنها من خلالها تغيير الأوضاع بشكل فوري، بل هي منظمة تعمل من خلالها الدول على التنسيق والتعاون.
وتختتم تصريحاتها: “أرى أن تصريحات أبو الغيط تعكس رؤية واقعية لما يحدث في المنطقة، إذ إن الأزمات ليست وليدة اللحظة بل هي نتاج لتاريخ طويل من الصراعات والانقسامات. ومع ذلك، يجب أن تستمر الجامعة العربية في بذل الجهود لتعزيز الوحدة العربية وتقديم الدعم للفلسطينيين في مواجهة التحديات الحالية.
ويمكن القول إن دور جامعة الدول العربية في غزة وفي القضايا العربية بشكل عام هو دور حيوي ومؤثر، رغم التحديات التي تواجهها، يجب على الشارع العربي أن يدرك أن الجامعة تعمل في إطار دبلوماسي معقد، وأن تحقيق الأهداف يتطلب تعاوناً وتنسيقاً بين الدول الأعضاء.”
رُفع القلم عن جامعة الدول
وجه النائب ضياء الدين داود، عضو مجلس النواب، انتقادًا لاذعًا لتصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، معتبرًا أن الأخير فقد صلته بمسؤولياته في الجامعة التي وصفها بـ”الميتة”.
قال داوودد: “أبو الغيط لا يُلام على ما يقوله؛ فقد رُفع عنه القلم كما رُفع عن تلك الجامعة التي باتت أشبه بالميتة، فلا حياة في أقواله ولا في المؤسسة التي يمثلها”.
واختتم داوود تصريحاته بقوله: “لا تظنوا أن الأرض قد عجزت عن الإنجاب؛ فحتى من قلب الصخر يولد من يهب روحه للفداء. الأغصان تنبت من جديد حين تقطع، والليل مهما طال سينجب صبحًا لا محالة. سيأتي يوم تمطر فيه الأرض رغم قحطها، ومن رحم المآسي سينبثق الأمل”.
انتقاد الصحفيين
فيما وجه الصحفي عمرو بدر، عضو مجلس إدارة نقابة الصحفيين السابق ورئيس لجنة الحريات بالنقابة سابقًا، انتقاده الشديد لتصريحات السفير أحمد أبو الغيط، معتبرًا إياها خالية من المنطق والتاريخ.
يقول بدر: الحقيقة أن الفوضى الوحيدة التي يمكن أن نتحدث عنها هي تلك التي تكمن في تصريحات أبو الغيط نفسه، فهذه التصريحات، الصادرة عن مسؤول كبير بحجم الأمين العام لجامعة الدول العربية، لا تستند إلى أي منطق أو عقل أو حقائق تاريخية.
وتابع: “أكبر فوضى هي أن يصدر مثل هذا الكلام عن شخصية بهذا المستوى.”
ويضيف بدر في تصريحات لمنصة “MENA” مستهجنًا: “التصريحات التي أطلقها أبو الغيط ليست أكثر أهمية من ثمن الساندويتش الذي يشتريه من أمريكا بـ 16 دولارًا، هل هذه هي التصريحات التي من المفترض أن تأتي من رجل على رأس منظمة بحجم جامعة الدول العربية؟”.
ويشير بدر إلى أن أبو الغيط يبدو وكأنه يعاني من “فوبيا الربيع العربي” والثورة المصرية لعام 2011، قائلاً: “من الواضح أن الرجل لديه مخاوف مبالغ فيها من أحداث الربيع العربي، وهو طبيعي في موقفه المتشدد، لأنه دفع ثمن منصبه في تلك الفترة عقب ثورة يناير، ولهذا يتحدث عن تلك الأحداث بشكل دائم دون منطق واضح أو استناد إلى حقائق.”
واختتم بدر بنبرة لاذعة: “نصيحتي له أن يترك الحديث عن الساندويتشات والربيع العربي، فقد مر عليه 13 عامًا، من الأفضل أن يركز جهوده على جامعة الدول العربية، هذا الكيان الذي أصبح ميتًا ومنفصلًا تمامًا عن الواقع.
وواصل: “هناك حرب مستمرة منذ عام ضد دولة عربية، وحرب إبادة في قطاع غزة، وأخرى امتدت إلى لبنان. أين هو من كل هذا؟”.
أبو الغيط: الموارد محدودة أمام التحديات
وأشار السفير أحمد أبو الغيط، في تصريحاته التلفزيونية، إلى أن الجامعة العربية تواجه تحديات كبيرة أمام قلة الموارد المتاحة
قال: “ليس هناك ما يمكن للجامعة القيام به أكثر مما تفعله حاليًا؛ مواردنا محدودة، ونواجه تحديات على مستوى التمويل والدعم، مما يقيد من قدرتنا على التدخل بفعالية أكبر في الصراعات المستمرة في المنطقة”.
وأوضح أبو الغيط أن الجامعة العربية، رغم هذه الصعوبات، تستمر في بذل جهودها الدبلوماسية لدعم القضية الفلسطينية وتقديم المساعدة للدول الأعضاء التي تواجه أزمات داخلية أو صراعات خارجية.
من جانبه، يرى بعض المراقبين أن هذه التصريحات تكشف عن إحباط ضمني داخل أروقة الجامعة العربية، حيث تُتهم المؤسسة بالإهمال أو حتى العجز في مواجهة القضايا الحيوية. مع استمرار التوترات في غزة وسوريا واليمن، تتزايد الضغوط على الجامعة لتقديم حلول ملموسة تتجاوز مجرد الإدانة والشجب.
وبرغم التحديات المالية والإدارية التي تواجهها، تبقى الجامعة كيانًا رئيسيًا في رسم السياسات العربية، على الرغم من الانتقادات الحادة التي توجه لها سواء من السياسيين أو من الشارع العربي.
إلى أين تتجه الأمة العربية؟
في ظل تلك التصريحات المثيرة للجدل لأبو الغيط، يبقى التساؤل الرئيسي.. ما الدور الحقيقي للجامعة العربية في الأزمات الحالية؟ وهل يمكن لهذه المؤسسة العريقة أن تعيد اكتشاف نفسها في ظل واقع عربي منقسم ومعقد؟
يرى الكثيرون أن الحلول ليست سهلة، وأن الجامعة تحتاج إلى إصلاحات عميقة وجذرية لتواكب متطلبات العصر وتحديات المرحلة، إلا أن الأمل يبقى قائمًا في أن تتحد الدول العربية خلف أهداف مشتركة، وأن يتم إعادة إحياء المشروع العربي الجامع، كي لا تتحول الأمة إلى مجرد أوراق متطايرة في رياح السياسات الدولية المتغيرة.
اقرأ أيضًا:
جهود مصرية مستمرة لوقف إطلاق النار في غزة رغم الضغوط الاقتصادية والتعنت الإسرائيلي
جدل حول جدوى زيارة رونين بار القاهرة بعد تعيين رئيس جديد للمخابرات.. ما القصة؟
هل انتهى دور “ظل الرئيس” بتعيين رئيس جديد للمخابرات المصرية؟.. قراءة في الدلائل والأسباب
التداعيات الاقتصادية لتصريحات مدبولي عن الحرب.. هل نشهد موجة غلاء جديدة؟
اللاجئون إلى مصر.. جهود دولية وشراكات أممية رغم الأعباء الاقتصادية