اقتصاد

نصف مليار ارتفاعًا في صادرات مصر الزراعية.. تفاؤل وتساؤل

مطلع يونيو الجاري زفت وزارة الزراعة في بيانها بشرى للمواطنين بارتفاع صادرات مصر الزراعية بمعدل 400 ألف طن خلال الأشهر الستة الأولى من 2024، لتزداد حصيلة مصر الدولارية إلى 2.6 مليار دولار بزيادة قدرها نصف مليار جنيه مقارنة بذات الفترة من العام الماضي 2023.

 

المشروعات الزراعية التي أطلقتها مصر نجحت في زيادة الصادرات الزراعية وفقًا لبيانات الوزارة إلى أكثر من 50 دولة خلال العام الحالي في مقدمتها 5 محاصيل؛ الموالح بأنواعها تليها البطاطس، فالبصل يليه الفاصوليا ثم البطاطا في المركز الخامس، بالإضافة إلى العنب والطماطم والفراولة والثوم، إلا أن أسعار المحاصيل المصدرة للخارج ارتفعت في الداخل ما انعكس في زيادة نسب التضخم بأرقام قياسية خلال العام الماضي.

 

ارتفاع صادرات المحاصيل الزراعية يفتح بابًا للتفاؤل كمصدر لتأمين العملة الأمريكية؛ يعين الحكومة المصرية على الوفاء بالتزاماتها الدولارية لسداد الديون المتزايدة واستيراد السلع المتباطئ منذ أكثر من عام، ويطرق بابًا للتساؤل حول التكلفة التي دفعها المواطن جراء تفضيل التصدير على التوفير.

 

 

ليس من العسير على المواطن أن يدرك أن زيادة الصادرات الزراعية للبلاد وقعت على عاتقه بعد زيادة وتضاعف أسعار كافة المحاصيل الزراعية من بطاطس وطماطم وبصل وثوم ولم تنجو الفاكهة كذلك بل وصل كيلو العنب إلى 120 جنيها للكيلو قبل أن يعود إلى أربعون.

 

ولم تنسى ربات البيوت أزمة ارتفاع أسعار البصل خلال العام الماضي وارتفاع سعره إلى أربعين جنيها نهاية العام الماضي مقارنة بنحو عشرة جنيهات في مارس من نفس العام، وحدد حينها عبد المجيد أبو دهب رئيس قسم بحوث البصل بوزارة الزراعة أسباب متعددة منها التغير المناخي وقلة المحصول، إلا أن أهمها سعي التجار للاحتكار وتوجيه المخزون للتصدير بعد انتهاء قرار الحكومة بوقف التصدير لمعالجة القفزات السعرية في سعره والتي دفعت المواطنين لاستخدام البصل الأخضر كبديل في الطهي.

 

حاليًا تتكرر نفس الأزمة مع الثوم الذي بلغ سعر الكيلو مئة جنيها حاليًا بعد أن كان خلال يُباع في مارس بثلاثين جنيها، ولم ينجو من القفزات السعرية للمحاصيل الزراعية  إلا الطماطم التي زادت أيضًا ولكن بنسبة أقل؛ أضف أن ارتفاع تكلفة النقل أكثر من مرة نتيجة زيادة أسعار السولار لعب دورًا مباشرًا في رفع أسعار المنتجات الغذائية لكن التأثير محدودًا مقارنة بتأثير التصدير.

 

 

 

“اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع” مَثل شعبي صاغه المصريون للتدليل على أهمية تحديد الأولويات لرب الأسرة وكل مسؤول في موقعه، والهدف الرئيسي للحكومة تحديد الأولويات وفق الموارد المتاحة، ويقع توفير الاحتياجات الأساسية للمعيشة وفي مقدمتها الغذاء كقاعدة يؤسس عليها هرم ماسلو الشهير للاحتياجات الإنسانية، وبسبب توجه الحكومة لزيادة صادراتها الزراعية باعتبارها الطريق الأسرع والأقصر لتوفير العملة الأجنبية مقارنة بالقطاع الصناعي ارتفعت أسعار الخضروات والفواكه تباعًا، ما يبرز خلالاً واختلالاً في تحديد وتوفير الأولويات لدى وزراء الحكومة الراحلة نرجو أن تنتبه له الحكومة المقبلة.

 

المشروعات الزراعية التي أطلقها الرئيس السيسي خلال الأعوام السابقة  لم تحقق المرجو منها لأنها لم تصب في صالح انخفاض أسعار الخضروات والفواكه بل وجهتها وزارة الزراعة إلى التصدير مع إهمال للسوق المحلي الذي لا يُلتفت له إلا في حالة تعالي صيحات الاستياء من أسعار سلعة ما كما حدث في البصل الذي اضطرت الحكومة لإصدار قرار بمنعه كمحاولة للسيطرة على سعره. المزارعون أيضًا باعوا إنتاجهم للمصدرين استفادةً من فارق السعر مقارنة بالبيع داخل السوق المحلي، وعذرهم في ذلك ارتفاع تكاليف الإنتاج والمعيشة عليهم، وكلها عوامل أدت في النهاية إلى ضياع المشروعات الزراعية الرئاسية هباءً بعد أن ارتفعت أسعار الخضروات والفواكه على المواطن من أجل توفير العملة الأجنبية لسداد الديون وتحقيق الأرباح للمستفيدين من التصدير.

 

 

 

ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية على المواطن وتفضيل الحكومة التصدير على سد الاحتياج الداخلي وخفض السعر يُعمق من تراجع القدرة الشرائية للمواطن في ظل تراجع الدعم المقدم للمواطنين في السلع الأخرى كالعيش الذي ارتفع مؤخرا بنسبة 300% والمواد البترولية الأخذة في التصاعد، وعلى الرغم من إعلان الحكومة مع كل موازنة جديدة عن زيادة الدعم كقيمة إلا أنه ينخفض كنسبة من إجمالي مصروفات الموازنة الكلية، فنسبته في  موازنة 2024/2025 يتجاوز 11.5% بينما في موازنة 2017/2018 قُدر بنسبة 22% من إجمالي المصروفات.

 

ولا يخفى أن 62% من إنفاق الموازنة الحالية يتوجه لتسديد الديون، لتتراجع قيمة الأجور والدعم لصالح زيادة استحقاقات الدائنين، مع العلم أن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ألمح مؤخرًا لتوجه الدولة نحو إلغاء الدعم العيني واستبداله بدعم نقدي لا يدري أحد كيفية التحول نحوه ولا آلياته، ولا تكمن الأزمة في النقدي أو العيني بقدر ما لخصها الدكتور حسن الصادي أستاذ التمويل والاستثمار بكلية التجارة جامعة القاهرة خلال ظهور التلفزيوني في ارتفاع نسبة المواطنين المستحقين للدعم إلى 64%، وأن الحكومة عليها أن تتوجه إلى زيادة الإنتاج لأن الاختلالات الهيكلية للاقتصاد المصري ستؤدي لزيادة نسب الفقر عامًا تلو الآخر.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية