لا تزال الصفقة المعروفة إعلامياً بـ”رأس الحكمة” تثير جدلا واسعاً في أوساط المجتمع المصري، وعلى الرغم من إعلان الحكومة المصرية في أكثر من مناسبة أنها “صفقة تنموية” تتم بالشراكة مع ممثل الجانب الإماراتي، إلا أن هناك العديد من الأصوات التي تصفها بصفقة “بيع الأرض”.
وتلعب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية سابقاً، وما نتج عنها من تنازل مصر عن مساحات متنوعة من حدودها البحرية وفقدانها العديد من حقوقها التاريخية وفرصها التنموية، دوراً كبيراً في إثارة هذا الجدل حول صفقة رأس الحكمة. إذ تذهب العديد من التحليلات منذ ذلك الحين إلى أن سياسة الحكومة المصرية الحالية تتجه نحو التنازل عن المقدرات الوطنية لسداد فوائد الدين الخارجي أو التوسع في مشروعات البنية التحتية العملاقة دون العمل على خطط تنموية وإنتاجية حقيقية.
رأس الحكمة إماراتية
تمت الصفقة بين الجانب الإماراتي والمصري يوم 23/2/2024، على الرغم من المعارضات الكبيرة للصفقة من الأطراف المصرية الداخلية والخارجية. ونتج عن الصفقة تدفقات نقدية أجنبية ساهمت بشكل كبير في إحداث استقرار نسبي في الحالة الاقتصادية المصرية والكبح المؤقت لارتفاعات الأسعار الجنونية التي يعاني منها المواطن المصري. ثم اشتعلت الأحداث من جديد مع ظهور تحديثات على خرائط جوجل تشير إلى أن منطقة رأس الحكمة “ولاية إماراتية”، وهو ما نتج عنه ردود أفعال غاضبة من المجتمع المصري، مما دفع بعض المنصات الخاصة بالتحقق من الأخبار إلى توضيح الأمر.
ونشرت منصة “متصدقش“، وهي منصة إعلامية مستقلة تهدف إلى تدقيق الأخبار وتوضيح الحقائق لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، توضيحًا يفيد بأن ما يتم تداوله ما هو إلا شائعات لا أساس لها من الصحة، ونصحت بضرورة التحقق من المعلومات جيداً قبل تداولها.
كما أضاف محمد الحارثي، استشاري تكنولوجيا المعلومات، أن التعديلات على خرائط جوجل ليست رسمية، بل يستطيع أي من مستخدمي الموقع القيام بها بشكل شخصي، وهو ما دفعه لوصف ما تم تداوله حول الأمر بكونه “معلومات مضللة”.
واتفق عدد آخر من الخبراء مع تصريحات الحارثي؛ حيث قال محمود عز الدين، الخبير التقني، إن التغيير على خرائط جوجل الذي وصف “رأس الحكمة” بأنها أرض إماراتية لم يكن تحديثاً رسمياً، وأنه تم بشكل شخصي من قبل أحد المتخصصين، وأن المنطقة تتبع محافظة مطروح حتى الآن، مما يؤكد أن هذه التسمية غير دقيقة.
وقام آخرون بسؤال أداة الذكاء الاصطناعي التابعة لشركة جوجل ذاتها، والتي أكدت أن المعلومات الخاصة بالمواقع الموضحة على موقع خرائط جوجل لا يحتاج تغييرها إلى جهات رسمية أو وثائق، بل تتم العملية بشكل شخصي طبقاً لعدد من الخطوات التي يقوم بها أحد الأفراد، مثلما حدث في رأس الحكمة.
رد الفعل الرسمي
أصدرت الحكومة الإماراتية تصريحات تؤكد فيها مصرية مدينة رأس الحكمة وتنفي أي علاقة بينها وبين السيادة الإماراتية؛ حيث أوضح أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، أن الهدف من المشروع يقتصر على الأهداف التنموية التي تعود بالنفع على كلا البلدين دون التعدي على سيادة واستقلال أي منهما.
وأضاف أن هناك أهمية بالغة لتلك المشروعات، خاصة في ظل الحالة الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد المصري، مما يجعل من الضرورة الاستثمار في الأصول الخاصة بالدولة للحصول على تدفقات نقدية من الدولار كافية لتلبية احتياجات الاقتصاد المصري والمساهمة في خفض فاتورة الدين الخارجي المصري. كما تعود بالنفع أيضاً على الدول المستثمرة، وتفتح المجال أمامها نحو فرص استثمارية قوية قادرة على رفع معدلات نمو اقتصاداتها، وتعتبر من أدوات القوة الدبلوماسية المرتكزة على الاستثمار التي تعزز من الوجود الإقليمي للدول.
في حين لم تظهر ردود أفعال رسمية من جانب الحكومة المصرية ولم تطلع الرأي العام على حقيقة الأمر، خصوصاً مع صدور قانون رقم 141 لسنة 2023، الذي يمنح الأجانب الحق في تملك الأراضي المصرية مقابل الاستثمار المباشر أو إيداع مبالغ من الدولار الأمريكي في خزينة الدولة.
وهو ما يذهب إليه أصحاب الرأي بأنها صفقة بيع للأراضي المصرية، وهي مسألة في غاية الخطورة على الأمن القومي المصري. فهل ستتحدث الحكومة المصرية مع الشعب بشفافية وبالوثائق لحسم هذا الجدل، أم أن هناك أبعاداً أخرى من القضية ستظل محل تساؤلات مستمرة؟
اقرأ أيضًا:
تدشين مشروع رأس الحكمة.. ماذا عن الكواليس؟
هل قطع المياه عن أهالي مطروح له علاقة برأس الحكمة؟
انسحاب مستثمرين من مشروع تطوير أرض مصرية.. من الخاسر؟