“وجعلنا من الماء كل شيء حي”، آية قرآنية كريمة، استخدمتها الصفحة الرسمية لشركة مياه الشرب والصرف الصحي لمحافظة مرسى مطروح كنبذة مختصرة عن الصفحة، إلا أنها حالياً لا تستطيع توفير الحياة لأهالي مطروح.
منشورات على الصفحة خلال الأشهر الماضية، توضح مواعيد ضخ المياه في مناطق مطروح “شرق المدينة، السوام مرتفع، السوام منخفض، خط عجيبة، عزبة الملاحة، غرب المدينة، السنوسية مرتفع، عزبة العسكر، خط 88 شرق…”، وغيرها من خطوط مياه مطروح، إلا أن تعليقات الأهالي أن المياه لم تصل بعد.
كما أن منشورات الصفحة عن مواعيد ضخ المياه في كل منطقة من مناطق مرسى مطروح تؤكد أن أزمة المياه في المحافظة لم تحل بعد، وأن المشكلة ما زالت قائمة.
وطالب الأهالي في عدة تعليقات على الصفحة بضرورة توضيح الحقيقة الكاملة لأهالي مطروح حتى يتمكن الأهالي من تدبير أمورهم والبحث عن بدائل سكنية تمكنهم من الحياة بشكلٍ طبيعي.
ويعمل في شركة مياه الشرب والصرف الصحي بمطروح ما يقرب من 3 آلاف عامل، مقسمين على 8 فروع، ويبلغ عدد محطات مياه الشرب 33 محطة، إضافة إلى 21 رافعة مياه، ويصل عدد المشتركين فيها إلى 122 ألف مشترك.
المياه في مطروح
إذا حالفك الحظ يوماً وزرت مدينة مطروح الساحرة، فأنت أمام أحد أفضل الأماكن جذباً للمصطافين من متوسطي الحال في مصر، فيمكنك اصطحاب أسرتك للاستمتاع بأجوائها دون دفع الكثير من المال.
ولكن عندما تسافر هناك، ستجد من ينصحك بعدم شرب مياه الصنبور، وأنه يجب عليك شراء المياه الصحية، حفاظاً على صحتك وصحة أسرتك، لأن المياه في مطروح لا تصلح للشرب.
إلا أنه وفي خلال الأشهر الأخيرة، لم تعد هذه المياه موجودة من الأساس، وتبدأ معاناة الأهالي في العيش بدون مياه.
كما زاد من المعاناة وجود الآلاف من المصطافين الذين يمثلون المزيد من الضغط على المياه في المحافظة، لتنتشر عربات بيع المياه بأسعار سياحية.
في الأول من أكتوبر من العام الماضي، قالت المحافظة أنها حققت الاكتفاء الذاتي من مياه الشرب، من خلال تحلية مياه البحر، إلا أن الأهالي لم يشعروا بهذا الإنجاز، فقد انقطعت المياه بشكلٍ كامل عن 80% من المحافظة، ليعلق أحد الأهالي أن مشروع “رأس الحكمة”، هو السبب الرئيسي في قطع المياه عن محافظة مطروح، فما حقيقة هذا الأمر؟.
مشروع رأس الحكمة
“رأس الحكمة”، هي منطقة تتبع محافظة مطروح إدارياً، وتقع في شمال غرب المحافظة، حيث كانت ميناءً لرسو السفن واستراحة للملوك والرؤساء، منذ زمن بعيد.
ولم يكن أحد يعلم أن يكون مشروع رأس الحكمة هو “صفقة إنقاذ” لمصر، بحسب ما أطلقه مختصون في الشأن الاقتصادي، حيث ينص العقد الذي وقعته الحكومة على أن تحصل مصر على 35% من إجمالي أرباح المشروع، ففي 23 فبراير 2024 وقعت مصر والإمارات عقد تطوير وتنمية مدينة “رأس الحكمة” الجديدة.
وبلغت قيمة الاستثمارات نحو 150 مليار دولار أمريكي، من بينها 35 مليار دولار استثماراً أجنبياً مباشراً للحكومة المصرية خلال شهرين، إضافة إلى 11 مليار دولار إسقاط ديون.
وبعد أن عقدت مصر الصفقة، بدأ أهالي رأس الحكمة في الخروج للتظاهر عدة مرات للمطالبة بحقهم في الأرض التي ورثوها عن أجدادهم، فيما وعد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتعويض كل أهالي رأس الحكمة، وأنه تم حصر الممتلكات الخاصة بالمواطنين والأراضي الزراعية، مشدداً على أنه سيتم تعويضهم بشكلٍ كامل.
تصريحات مدبولي، رأها أهالي رأس الحكمة، كانت للجانب الإماراتي، لطمأنة المستثمر من عدم حدوث أي مشكلات حيال استثماراتهم في المشروع، بينما توجه كامل الوزير لتهديد الأهالي، في مؤتمر تم بمطروح بين الترغيب والترهيب، لينتهي المؤتمر بمطالبة الأهالي لكامل الوزير بالرحيل.
ولم يمض على رحيل الوزير وقت طويل، حتى جاءت قوات من الجيش في شهر إبريل من العام الجاري لتهدم عشرات المنازل، قبل أن يتم تعويض أهالي رأس الحكمة، حيث يبدأ المشروع عام 2025 ويستمر الإنشاء لمدة خمس سنوات.
قطع المياه ورأس الحكمة
شهدت محافظة مطروح انقطاعاً مستمراً للمياه ليس في رأس الحكمة وفقط وإنما شمل الانقطاع المناطق الحيوية وجميع أرجاء المحافظة، أرجعها بعض أهالي مطروح إلى النهج المستمر الذي تستخدمه الدولة في تهجير الأهالي كما حدث في محافظات أخرى.
فقد قامت الحكومة ذاتها بقطع المياه عن “ضاحية الجميل” في بورسعيد من قبل لإجبار الأهالي على ترك المنطقة، بعد أن قام الأهالي ببنائها من أموالهم الخاصة قبل عقود، مقابل حق انتفاع يدفعه الأهالي للمحافظة.
إلا أن المحافظة قررت عدم التجديد للأهالي، وأجبرتهم على ترك المنطقة، ولمزيد من الضغط عليهم قامت المحافظة بقطع كُلي للمياه، حتى يرحل الأهالي عن المنطقة.
ما حدث في “ضاحية الجميل” سبقه نفس الفعل مع أهالي “جزيرة الوراق”، حيث قررت الحكومة حينها قطع المياه عن الأهالي حتى تجبرهم على الرحيل لتنفيذ مشروعات الأبراج السكنية في الجزيرة.
ورأى أهالي مطروح أن قطع المياه عنهم هو استمرار لنهج الدولة في تهجير الأهالي عن بيوتهم، متسائلين، كيف يعيش الناس بدون ماء؟.
واستغرب البعض من استمرار انقطاع المياه، وإعلان مواعيد ضخ المياه على صفحة شركة مياه الشرب بمطروح بشكلٍ متكرر، رغم الإعلان عن حل الأزمة بشكلٍ نهائيّ منذ أكثر من عام.
بعض الأهالي قالوا، إن قطع المياه عن محافظة مطروح يأتي بشكل كامل لتوفير المياه في مشروع رأس الحكمة.
ويتم نقل المياه إلى مطروح مسافة حوالي 240 كيلومتر، وهو ما يرفع التكلفة بشكل كبير بسبب تكاليف تشغيل الروافع على طول المسافة. ومن المفترض أن يكون هذا النقل قد توقف، بعد الإعلان عن الاكتفاء الذاتي بعد مشروع تحلية مياه البحر.
محافظة مطروح قالت إن الانقطاع المستمر للمياه جاء بسبب وجود توسعات في طريق مطروح الإسكندرية الساحلي، مما يتسبب في حدوث كسور في الخط من حين لآخر بسبب أعمال التوسعة وعدم وجود تحديد دقيق لخط مياه الشرب.
ولكن في واقع الأمر فإن الأهالي قد اشتكوا من الانقطاع المستمر وليس على فترات، متمنين أن يخرج مسؤول بالمحافظة يصارحهم بحقيقة انقطاع المياه، وهل ترغب الحكومة في رحيلهم أيضاً من المحافظة أسوة بأهالي رأس الحكمة، أم لا؟.